السلفيون وأزمة (سنة أولى سياسة)
في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي حالة من الحراك السياسي عقب الثورات التي أطاحت بعدة أنظمة استبدادية، بدأ السلفيون في هذه البلدان المشاركة في العمل السياسي لأول مرة بعد أن كانوا يُركزون عملهم في مجال الدعوة على المساجد وحلقات العلم. ورحبت العديد من التيارات الإسلامية بذلك، وأكدت أن هذا الأمر سيكون إضافة كبيرة للحركة الإسلامية، خصوصا لما يتمتع به السلفيون من شعبية اكتسبوها من طول العمل الدعوي في الاوساط الشعبية المختلفة، واهتمامهم بالتطبيق العملي للأوامر والنواهي الإسلامية، مما زاد من ثقة الناس فيهم...
في الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي حالة من الحراك السياسي عقب الثورات التي أطاحت بعدة أنظمة استبدادية، بدأ السلفيون في هذه البلدان المشاركة في العمل السياسي لأول مرة بعد أن كانوا يُركزون عملهم في مجال الدعوة على المساجد وحلقات العلم. ورحبت العديد من التيارات الإسلامية بذلك، وأكدت أن هذا الأمر سيكون إضافة كبيرة للحركة الإسلامية، خصوصا لما يتمتع به السلفيون من شعبية اكتسبوها من طول العمل الدعوي في الاوساط الشعبية المختلفة، واهتمامهم بالتطبيق العملي للأوامر والنواهي الإسلامية، مما زاد من ثقة الناس فيهم.
ولكن عالم السياسة يحتاج إلى إعداد خاص، وكوادر مهيئة للاحتكاك بنوعيات مختلفة من الناس لم يكن السلفيون يحتكون بهم بشكل مباشر قبل الدخول في غمار السياسة، وهؤلاء يتميزون بالدهاء، والحيلة، ويعرفون كيفية الاستفادة من الإعلام للترويج لأفكارهم، ويجيدون تشويه الآخرين بالباطل. لقد كانت التجربة شديدة الأهمية، كما كانت شديدة الحساسية، ورغم أن التجربة لم تكتمل بعد في اليمن وتونس، إلا أنها حققت خطوات هامة في مصر، واستطاعت أن تفوز بخمس مقاعد البرلمان السابق، بعد أشهر قليلة من الإعلان عن أول حزب سلفي في البلاد، مما أثار دهشة الكثيرين، حتى من داخل الحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت أثار فزع العلمانيين الذين سنوا أقلامهم، وألسنتهم أشهرا عديدة للنيل من السلفيين.
السرعة التي صاحبت إطلاق بعض الأحزاب السلفية من أجل الدخول في معترك الانتخابات لم تتح لهم فرصة الاختيار الجيد، فليس كل من انتمى للتيار السلفي يصلح للعمل السياسي, وليس كل من أجاد الدعوة على المنابر يصلح لكي يكون عضوا في البرلمان. كما أن العمل السياسي يضع أصحابه تحت دائرة الضوء، مما يكشف أخطاء، ومعايب لم تكن معروفة من قبل عن هؤلاء الاشخاص.
أضف إلى ذلك أن العمل السياسي يحتاج إلى معرفة مستقلة، ومهارة خاصة، واستعداد شخصي, ودراسة للمنافسين وللأحزاب الاخرى، وتوجهاتها وأفكارها ومنطلقاتها وموقفها من المرجعية الإسلامية، وهو ما لم يكن متوفرا عند عدد كببير من السلفيين الذين ظنوا أن مجال العمل السياسي لن يفتح أمامهم أبدا في هذه البلدان.
من جهة أخرى تم استدراج بعض السلفيين لتصريحات غير مناسبة لطبيعة المرحلة وهو ما يرجع لقلة خبرتهم في التعامل مع الإعلام الذي كان يتجاهلهم تماما طوال العهود البائدة. مع مرور الوقت بدأ السلفيون أكثر مرونة واستطاعوا أن يجددوا خطابهم، ويحددوا أولوياتهم، ولكن في نفس الوقت حدث خلط كبير بين الدعوي، والسياسي، فأصبح مشايخ الدعوة يتكلمون ويتخذون مواقف سياسية أكثر من أعضاء الحزب، وبدأت الخلافات تظهر بين الأعضاء حول العديد من الأمور العملية السياسية وهو أمر وارد في السياسة وكان من الممكن تجاوزه لو كان هناك أسس واضحة تم تحديدها في بداية العمل، ولكن الاستعجال الذي سبق أن تحدثنا عنه غيّب هذه الأسس مما أدى إلى تفاقم الخلافات، وظهرت ملامح حب الظهور، والرئاسة، والتصدر، والتكالب على المناصب. ومن الطبيعي أن تستغل القوى العلمانية الحاقدة هذه الأمور للتشنيع والإساءة، في وقت لم تصل بعد دول الربيع العربي للاستقرار الذي يعيد للمواطن ثقته بالثورات، والتي بدأت في التهاوي نتيجة لتدهور الاحوال الاقتصادية، وعدم شعور كثير من الطبقات بتحسن يذكر.
السلفيون يمرون بمرحلة دقيقة في مشوارهم السياسي في عدة دول، خصوصا أنهم في تونس على سبيل المثال لم يبلوروا تجربتهم بشكل واضح حتى الآن، ويشوب عملهم الكثير من العشوائية، ويدخلون في صدامات مع الشرطة تذكرنا بموقف بعض الجماعات الإسلامية في مصر قبل الثورة، والتي استنزفت الكثير من قوتها وندمت على ذلك بشدة فيما بعد. أما في اليمن قيتقدمون خطوة ويتراجعون خطوة ولعل صراعهم مع الحوثيين يصعب عليهم الأمور حتى الآن، ولكنهم يحتاجون لسرعة تنظيم صفوفهم قبل أن يتداركهم الوقت ويجدوا أنفسهم خارج المعادلة السياسية. السلفيون في الكويت عبروا هذه المرحلة بنجاح، وأثبتوا وجودهم على الصعيد السياسي، وهي تجربة ينبغي أن ينظر إليها الآخرون بجدية وهم في أول سنة سياسة.
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى - 18/11/1433 هـ
- التصنيف:
- المصدر: