شتان شتان

منذ 2002-01-06
كانت مهنتي الأمن ومراقبة السير ومساعدة المحتاجين . .

كان عملي متجددا وعشت مرتاحا . .

أؤدي عملي بجد وإخلاص . . ولكني عشت مرحلة متلاطمة الأمواج . .

تتقاذفني الحيرة في كل اتجاه لكثرة فراغي وقلة معارفي ..

ثم بدأت أشعر بالملل . . ولم أجد من يعينني على ديني . . بل العكس هو الصحيح . .

مللت من المشاهد المتكررة في حياتي العملية للحوادث والمصابين . .

ولكن كان يوم مميز. .في أثناء عملنا توقفت أنا وزميلي على جانب الطريق . .

نتجاذب أطراف الحديث .فجأة سمعنا صوت ارتطام قوي . .أدرنا أبصارنا . .

فإذا بها سيارة مرتطمة بسيارة أخرى كانت قادمة من الاتجاه، المقابل . .

هبينا مسرعين لمكان الحادث لإنقاذ المصابين . .حادث لا يكاد يوصف . .

شخصان في السيارة في حالة خطيرة. . أخرجناهما من السيارة . . ووضعناهما ممددين . .

أسرعنا لإخراج صاحب السيارة الثانية . . وجدناه قد فارق الحياة . .

عدنا للشخصين فإذا هما في حال الاحتضار..هب زميلي يلقنهما الشهادة. .

قولا . لا إله إلا الله . . لا إله إلا الله . .لكن لسانيهما ارتفعا بالغناء . .

أرهبني الموقف . . وكان زميلي على عكسي يعرف أحوال الموت . .

أخذ يعيد عليهما الشهادة . .وقفت منصتا . . لم أحرك ساكنا . . شاخص العينين أنظر. .

لم أر في حياتي موقفا كهذا. . بل قل لم أر الموت من قبل وبهذه الصورة . .

أخذ زميلي يردد عليهما كلمة الشهادة . . وهما مستمران في الغناء. .لا فائدة. .

بدأ صوت الغناء يخف شيئا فشيئا. . سكت الأول وتبعه الثاني . .لا حراك . .فارقا الدنيا .

حملناهما إلى السيارة. . وزميلي مطرق لا ينبس ببنت شفه . . سرنا مسافة قطعها الصمت المطبق .

مزق هذا السكون صوت زميلي . . فذكر لي حال الموت وسوء الخاتمة . .

إن الإنسان يختم له إما بخير أو بشر. . وهذا الختام دلالة لما كان يعمله الإنسان في الدنيا غالبا .

وذكر لي القصص الكثيرة التي رويت في الكتب الإسلامية وكيف يختم للمرء على ما كان عليه بحسب ظاهره وباطنه . .

قطعنا الطريق إلى المستشفى في الحديث عن الموت والأموات .. وتكتمل الصورة عندما أتذكر أننا نحمل أمواتا بجوارنا . .

خفت من الموت واتعظت من الحادثة. . وصليت ذلك اليوم صلاة خاشعة..

ولكن مع مرور الأيام نسيت هذا الموقف بالتدريج . .

بدأت أعود إلى ما كنت عليه . . وكأني لم أشاهد الرجلين وما كان منهما. .

ولكن للحقيقة أصبحت لا أحب الأغاني ولا أتلهف عليها كسابق عهدي . .

ولعل ذلك مرتبط بسماعي لغناء الرجلين حال احتضارهما . .

ومن عجائب الأيام . .بعد مدة تزيد على ستة أشهر. . حصل حادث عجيب . .

شخص يسير بسيارته سيرا عاديا . . وتعطلت سيارته . . في أحد الأنفاق المؤدية إلى المدينة..

ترجل من سيارته . . لإصلاح العطل في أحد العجلات . .

وعندما وقف خلف سيارته. . لكي ينزل العجلة السليمة. .

جاءت سيارة مسرعة وارتطمت به من الخلف . . سقط مصابا إصابات بالغة..

حضرت أنا وزميل آخر غير الأول . . وحملناه معنا في السيارة وقمنا بالاتصال بالمستشفى لاستقباله . .

شاب في مقتبل العمر. . متدين يبدو ذلك من مظهره . .

عندما حملناه سمعناه يهمهم . . ولعجلتنا في سرعة حمله لم نميز ما يقول ..

ولكن عندما وضعناه في السيارة وسرنا . .سمعنا صوتا مميزا. ...

!نه يقرأ القرآن . . وبصوت ندي . . سبحان الله لا تقول هذا مصاب . .

الدم قد غطى ثيابه . . وتكسرت عظامه . . بل هو على ما يبدو على مشارف الموت . .

استمر يقرأ بصوت جميل .. يرتل القرآن . . لم أسمع في حياتي مثل تلك القراءة . .

كنت أحدث نفسي وأقول سألقنه الشهادة مثل ما فعل زميلي الأول . .

خاصة وأن لي سابق خبرة كما أدعي . . أنصتُّ أنا وزميلي لسماع ذلك الصوت الرخيم . .

أحسست أن رعشة سرت في جسدي. . وبين أضلعي . .

فجأة . . سكت ذلك الصوت . . التفت إلى الخلف . . فإذا به رافع إصبع السبابة يتشهد. . ثم انحنى رأسه . .

قفزت إلى الخلف . .لمست يده ..أنفاسه .لا شيء ..فارق الحياة . .

نظرت إليه طويلا. . سقطت دمعة من عيني . . أخفيتها عن زميلي . .

التفتُّ إليه وأخبرته أن الرجل قد مات . . انطلق زميلي في البكاء . .

أما أنا فقد شهقت شهقة وأصبحت دموعي لا تقف . . أصبح منظرنا داخل السيارة مؤثرا ...

وصلنا المستشفى . .أخبرنا كل من قابلنا عن قصة الرجل . . الكثيرون تأثروا من حادثة موته وذرفت دموعهم . .

أحدهم بعدما سمع قصة الرجل ذهب وقبل جبينه . .

الجميع أصروا على عدم الذهاب حتى يعرفوا متى يصلى عليه ليتمكنوامن الصلاة عليه .

في الغد غص المسجد بالمصلين . . صليت عليه مع جموع المسلمين الكثيرة . .

وبعد أن انتهينا من الصلاة حملناه إلى المقبرة . . أدخلناه في تلك الحفرة الضيقة . .

وجهوا وجهه للقبلة . . باسم الله وعلى ملة رسول الله . .بدأنا نهيل عليه التراب .

اسألوا لأخيكم التثبيت فإنه يسأل . .استقبل أول أيام الآخرة . .

وكأنني استقبلت أول أيام الدنيا . .

تبت مما عملت عسى الله أن يعفو عما سلف وأن يثبتني على طاعته وأن يختم لي بخير..

وأن يجعل قبري وقبر كل مسلم روضة من رياض الجنة. .
المصدر: كتاب: الزمن القادم
  • 8
  • 0
  • 46,022
  • محمد

      منذ
    [[أعجبني:]] اللهم أحيني علي طاعتك وأمتني علي طاعتك و أسكني مساكن الطاْئعين
  • أبو معتز

      منذ
    [[أعجبني:]] كم نحن بحاجة الى قرآءة مثل هذه المواعظ ونحمد الله ان جعلهم لنا عبره ولم يجعلنا لهم عبرة اخوتاه العمل العمل الله الله لا نقرأ فلا نعمل فتقسو قلوبنا
  • مى أحمد

      منذ
    [[أعجبني:]] طوبى لمن كان كلام الله أنيسه فى الدنيا،طوبى لمن أنير قبره بفضل القرآن،اللهم ارحمنا بترك المعاصى أبدا ما أبقيتنا،اللهم إننا ضعفاء فقوّنا فى رضاك و خذ الى الخير بنواصينا و اجعل الإسلام منتهى رجائنا.
  • منى

      منذ
    [[أعجبني:]] الفرق بين موت العبد المؤمن وكيف يثبته الله عند الموت والعبد الغير مؤمن
  • محمد جاويش

      منذ
    [[أعجبني:]] ذكرتني هذه القصة بقة طبيب كان حاول علاج مريض يحتضر، وفجأة استيقظ هذا المريض ونظر إلى الطبيب وقال له: ماذا تفعل؟ رد الطبيب: أحاول ان انعش قلبك المضطرب) قال المريض: وما الفائدة ؟...هاأنذا أرى ملائكة العذاب قادمين.. ثم توفى لساعته...
  • أم الشهيد

      منذ
    [[أعجبني:]] كل مافي هذه المقالة أعجبني وأتمنى لكم السير قدماً في مجال الدعوة وخدمة الإسلام والمسلمين
  • أبوالوليد سعيد .

      منذ
    [[أعجبني:]] ماأجملها.. أعجبتنى هذه القصة كثيرا .. أسال الله لى و لكم حسن الخاتمة .
  • أبوعبدالله

      منذ
    [[أعجبني:]] الأسلوب الرائع- قوة تاثير القصة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً