سلطنة "دارفور".. حصان طرواده لتقسيم السودان !
منذ عام تقريباً برز إلى السطح اسم ولاية "دارفور" السودانية، التي
تمثل خُمس مساحة السودان، وفجأة أعلنت أكثر من دولة أوروبية هذا الشهر
أنها تفكّر في إرسال حملات عسكرية للتدخل في المنطقة بدعوى وجود
عمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية على غرار مجازر رواندا، وأصدر
الكونجرس الأمريكي قراراً باعتبار ما يجري هناك "تطهير عرقي" تمهيداً
لتدخل عسكري هناك، ودخلت الأمم المتحدة على الخط باتهام الحكومة
السودانية بالتطهير العرقي.
-ماذا يحدث في دارفور؟
-ولماذا ظهرت فجأة على السطح الصراعات القبلية التي تجري هناك رغم
أنها أمور عادية تحدث في غالبية البلدان الأفريقية؟
-ولماذا الحرص الغربي والأمريكي على الإنسانية المعذبة في دارفور،
والعويل على التطهير العرقي هناك، وغض الطرف تماماً في نفس الوقت عن
مجازر فلسطين وما يجري من انتهاكات في العراق من جانب قوات الاحتلال
؟
-ولماذا يتحدث الغربيون عن الصراع في دارفور كأنه حرب شعواء بين
القبائل العربية والأفريقية، رغم أن كل سكان دارفور مسلمون؟
-وهل لذلك التدخل المرتقب علاقة بالمصالح الغربية، أو بموارد البلاد
النفطية؟
يقع إقليم دارفور في أقصى غرب السودان، وتشكل حدوده الغربية الحدود
السياسية للسودان في تلك الجهة مع ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى
وتشاد، وتسكنه عرقيات إفريقية وعربية؛ من أهمها: "الغور" التي جاءت
تسمية الإقليم منها، و"الزغاوة"، و"المساليت"، وقبائل "البقارة"
و"الرزيقات"، وتمتد جذور بعض هذه المجموعات السكانية إلى دول الجوار،
خاصة تشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.
وكانت دارفور في السابق مملكة إسلامية مستقلة تَعاقب على حكمها عدد من
السلاطين، كان آخرهم السلطان علي دينار، وكان للإقليم عملته الخاصة
وعلَمه، ويحكم في ظل حكومة فيدرالية يحكم فيها زعماء القبائل مناطقهم،
وكانت هذه الفيدراليات مستقلة تماماً حتى سقطت في الحقبة
التركية.
وقد اتجه أهل دارفور خلال الحكم التركي الذي استمر نحو 10 سنوات
لأسلوب المقاومة، وشكل الأمراء والأعيان حكومات ظل كانت مسؤولة عن
قيادة جيش دارفور الموحد الذي كان يشن عمليات المقاومة ضد الجيش
التركي، كما شهد الإقليم عدة ثورات؛ من أشهرها: ثورة السلطان هارون
التي دحرها غردون باشا عام 1877م، وثورة مادبو بمدينة الضعين، وثورة
البقارة، وعند اندلاع الثورة المهدية سارع الأمراء والزعماء لمبايعة
المهدي ومناصرته حتى نالت استقلالها مجدداً.
وقد ظلت دارفور في أغلب فترات تاريخها سلطنة مستقلة عن السودان، ولكن
عند اندلاع الحرب العالمية الأولى أيد سلطان دارفور تركيا التي كانت
تمثل مركز الخلافة الإسلامية؛ الأمر الذي أغضب حاكم عام السودان،
وأشعل العداء بين السلطنة والسلطة المركزية، والذي كانت نتيجته
الإطاحة بسلطنة دارفور وضمها للسودان عام 1917م.
ولأن دارفور إسلامية على مدار تاريخها، فقد كان من الطبيعي أن تنتشر
فيها المدارس الدينية لتعليم القرآن والشريعة الإسلامية، وتم إرسال
العديد من أبناء الإقليم إلى الدراسة في الأزهر الشريف؛ حيث خصص "رواق
دارفور" داخل الأزهر منذ تلك المدة، كما كانت هناك نهضة ثقافية وفكرية
ساهمت في تلاحم القبائل وخففت من الصراعات بينهم.
ومما يذكره التاريخ عن السلطان "علي دينار" أنه كان يكسو الكعبة
المشرفة سنوياً، ويوفّر الغذاء لأعداد كبيرة من الحجاج فيما يعرف عند
سكان الإقليم بـ"قدح السلطان علي دينار" و "أبيار علي".
وإذا كان التدخل الغربي والأمريكي له ما يبرره فيما يتعلق بالوضع في
جنوب السودان بدعوى أن هناك صراعاً بين مسلمين ومسيحيين (وفق إحصاء
سابق يرجع لعام 1981م: نسبة المسلمين في الجنوب 18%، والمسيحيين 17%،
وباقي السكان وثنيون)؛ فهو ليس مقبولاً في الغرب السوداني؛ لأن كل
القبائل هناك مسلمة، سواء العربية أو الأفريقية بنسبة 99%، وليس هناك
معنى لتدخل الاتحاد الأوربي بدعوى وجود تطهير عرقي أو ديني؟!
وتتلخّص مشكلة دارفور في أن القبائل الأفريقية التي تشتهر بالزراعة
والاستقرار في أراضي محددة، كانت تشكو من نزوح القبائل العربية الرحل
المعروفة بعدم استقرارها في أرض محددة إلى قراها، خصوصاً في مواسم
الجفاف والقحط ونقص الطعام، مما قد يتسبب عنه بعض الصراعات أو
المشاحنات الصغيرة، ولكن الجديد أن هناك عوامل تدخلت لتأجيج الصراع
بين الإخوة المسلمين هناك وحولته لنزاع قبلي.
ويمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلي:
1- بدأت منظمات إغاثة أوروبية ذات أجندة استخبارية غربية تتحرك بقوة
في هذه المنطقة وتنشر ثقافة الفرقة بين المسلمين من أصل أفريقي
والمسلمين من أصل عربي، ووضح أن لها هدفاً تبشيرياً واضحاً بهدف ضرب
تنامي تيار الصحوة الإسلامية هناك وفي السودان عموماً، والسعي لتقسيمه
بهدف السيطرة على الدور الذي يلعبه السودان في "أسلمة " القارة
الأفريقية عبر جامعة أفريقيا العالمية ومنظمة الدعوة الإسلامية
الخيرية السودانية.
2- ساهم تدفق السلاح على دارفور في فترات تاريخية مختلفة ونتيجة
لصراعات بين قوى مختلفة في البلدان الأفريقية المجاورة (تشاد)، فضلاً
عن تمويل قوي له أجندة وعلاقات مع قوى خارجية في تسريع حمل السلاح بين
الفرقاء.
3- هناك مطامع غربية وأمريكية واضحة في السودان عموماً وثرواته
النفطية والمعدنية، ورغبة في الاستيلاء عليها، وبحيث ينفصل الجنوب
الذي يمثل ربع مساحة السودان، وتفقد الخرطوم السيطرة على دارفور، التي
تمثل خمس مساحة البلاد، ويتم إضعاف الدولة السودانية في نهاية الأمر
ومشروعها الإسلامي، وربما لهذا تحدث الرئيس السوداني البشير ووزير
خارجيته لأول مرة عن محاولات لضرب الدولة الإسلامية في السودان عندما
ظهرت معالم المؤامرة .
4- بدأت المحاولات الغربية للتقسيم بدعاوى التطهير العرقي والإيحاء أن
العرب يقتلون الأفارقة، وجرى تسخير الأمم المتحدة لترويج هذه الدعاوى،
وهددت أمريكا بقرارات من مجلس الأمن للتدخل في السودان، وظهر أن الهدف
هو تدويل المشكلة (على طريقة العراق) بهدف حشد التأييد اللازم للتدخل
بدعاوى إنسانية ومن ثم البقاء هناك.
5- سبق لرئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي أن كشف عن أن 17
مطبخا أوروبياً (يقصد برلمانات 17 دولة أوروبية) يناقشون أحوال
السودان بضغط من المنظمات التبشيرية والحقوقية ذات النفوذ في أوروبا
لدرجة أنهم يعون بند السودان قبل مناقشة القضايا المتعلقة ببلادهم،
وهو ما يكشف جانباً من الرغبة في التدخل في شؤون السودان ونشر
الأباطيل عن صراعات عرقية موسعة بين المسلمين هناك رغم وجود القليل
منها.
6- بدأت حركة التمرد في جنوب السودان بزعامة جون قرنق التحرك بسرعة
لتأجيج الصراع في دارفور ضمن محاولاتها للضغط على حكومة السودان بعد
توقيع اتفاق سلام مع الخرطوم، وذلك لتعويض فشل سابق لها في التسلل إلى
دارفور وإشعال تمرد هناك ينضم للجنوب، وهناك اتصالات علنية بين قادة
تمرد الجنوب وقادة تمرد الغرب بل وتشابه في أساليب البيانات
والمطالب!!
هناك بالتالي خطط واضحة لضرب حكومة الخرطوم عبر مناطق مشتعلة في
الجنوب والغرب، وربما قريباً الشرق، ولكن القضية الأخطر هي أن
التحركات لتقسيم السودان بحجج مختلفة تجرى بعيداً عن أي دور عربي أو
إسلامي، سواء إغاثي أو سياسي أو اقتصادي نتيجة ضعف الأحوال العربية
عموماً والاستجابة لمطالب غربية أو الخوف على البيوت الزجاجية لبعض
الحكومات العربية!
وهناك خلط واضح للحقائق وتصوير مبالغ فيه لما يجري هناك وطمس
للحقائق.. فعلى سبيل المثال يجري تصوير الأمر كأن رجال القبائل
العربية هم "جنجاويد" يقتلون الأفارقة (كلمة "جنجاويد" يقصد بها الرجل
الذي يحمل مدفعاً رشاشاً من نوع "جيم 3" المنتشر في دارفور بكثرة،
ويركب الجواد)، وفي الوقت نفسه يجري تعتيم تام على الدور الذي تقوم به
الميليشيات الأخرى التابعة للقبائل الأفريقية، والتي يسميها البعض
"تورا بورا"، والتي يرجع تاريخ تأسيسها إلى ما قبل ظهور
الجنجاويد.
وقد روى شهود عيان عائدون من دارفور كيف أنه يصعب التمييز بين المواطن
الأفريقي والعربي هناك، وكيف تتداخل القبائل أو تحل مشاكلها بينها
وبين بعضها البعض، وكيف أن وفد لجنة الإغاثة الطبية المصري الذي ذهب
لدارفور في المدة من 2 يوليه إلى 23 يوليه 2004م، لم يجد سوى ستة
حالات للحمل خارج نطاق الزواج (وليس اغتصاب)، ما يعني أن ما يجري
الترويج له عن عمليات اغتصاب للنساء أمر مبالغ فيه، وقالوا: إن هناك
تهويل غربي مبالغ فيه فيما يجري.
والأغرب أن تقول بريطانيا: إنها جاهزة لإرسال 5000 جندي إلى دارفور،
وأنهم مستعدون بالفعل للتحرك وكأن الأمر معد سلفاً!!
التحركات الغربية الحالية يبدو أنها مقصودة وأنها تنوي ركوب موجة
دارفور كحصان طرواده لضرب السودان وتقسيمه ومنع قيام دولة إسلامية
قوية في هذه المنطقة تمثل خطراً على المصالح الغربية هناك ونهب ثروات
القارة الأفريقية، وربما لهذا بدأت القوي الشمالية السودانية توحد
جهودها لما استشعرت المخاطر، وبدأ البعض ينادي بالجهاد إذا وطئت أقدام
البريطانيين أو الأمريكان أرض السودان.
فهل نشهد تصعيداً للمؤامرة في الأيام القادمة؟ وهل يتحول السودان
لعراق آخر وحجر آخر يسقط من على رقعة الشطرنج الغربية بشأن السيطرة
على العالم؟
أقرأ ايضاً :
- التصنيف:
عبدالغني عبدالله
منذأبوزياد من السودان
منذعبد الله اسواني
منذمسلم محب للمسلمين في كل مكان
منذابو عبيده المصري
منذابو عب الرحمن
منذatef5584
منذgulnar
منذمحمود خميس
منذمني
منذ