لم تتعلم فرنسا الدرس
إن لجوء فرنسا لشن حرب قذرة على أرض مالي -من خلال دعم لوجيستي من الدول الغربية وأمريكا، ودعم مادي إماراتي سعودي، ومباركة من الشمال الإفريقي- ما هو إلا امتداد لماضيها الأسود مع الإسلام، فمند وجودها وهى لا تألو خبالًا، ولا تدخر جهدًا ضد المسلمين
لقد اشتعل مرجل الحقد الصليبي منذ موقعة اليرموك الظافرة التي أعقبها انطلاق الإسلام لتحرير المستعمرات الإمبراطورية الرومانية في الشام ومصر وشمال إفريقيا وجزر البحر الأبيض، ثم بناء القاعدة الإسلامية الوطيدة في الأندلس في النهاية. إن (الحروب الصليبية) المعروفة بهذا الاسم في التاريخ، لم تكن هي وحدها التي شنتها الكنيسة على الإسلام، لقد كانت هذه الحروب مبكرة قبل هذا الموعد بكثير. لقد بدأت في الحقيقة منذ ذلك التاريخ البعيد، منذ أن نسي الرومان عداواتهم مع الفرس؛ وأخذ النصارى يعينون الفرس ضد الإسلام في جنوب الجزيرة. ثم بعد ذلك في (مؤتة)، ثم فيما تلا موقعة اليرموك الظافرة، ثم تجلت ضراوتها ووحشيتها في الأندلس عندما زحفت الصليبية على القاعدة الإسلامية في أوربا، وارتكبت من الوحشية في تعذيب ملايين المسلمين وقتلهم هناك ما لم يعرف التاريخ له نظيرًا من قبل، وكذلك تجلت في الحروب الصليبية في الشرق بمثل هذه البشاعة التي لا تتحرج ولا تتذمم؛ ولا تراعي في المسلمين إِلاًّ ولا ذمة.
ومما جاء في كتاب (حضارة العرب) لجوستاف لوبون -وهو فرنسي نصراني-:
"كان أول ما بدأ به ريكاردوس الإنجليزي أنه قتل أمام معسكر المسلمين، ثلاث آلاف أسير سلموا أنفسهم إليه، بعد أن قطع على نفسه العهد بحقن دمائهم. ثم أطلق لنفسه العنان باقتراف القتل والسلب، مما أثار صلاح الدين الأيوبي النبيل، الذي رحم نصارى القدس، فلم يمسهم بأذى، والذي أمدّ فيليب وقلب الأسد بالمرطبات والأدوية والأزواد، أثناء مرضهما".
كذلك كتب كاتب نصراني آخر (اسمه يورجا) يقول:
"ابتدأ الصليبيون سيرهم على بيت المقدس بأسوأ طالع، فكان فريق من الحجاج يسفكون الدماء في القصور التي استولوا عليها. وقد أسرفوا في القسوة فكانوا يبقرون البطون، ويبحثون عن الدنانير في الأمعاء! أما صلاح الدين -لما استرد بيت المقدس- بذل الأمان للصليبيين، ووفى لهم بجميع عهوده، وجاد المسلمون على أعدائهم ووطأوهم مهاد رأفتهم، حتى أن الملك العادل -شقيق السلطان- أطلق ألف رقيق من الأسرى، ومنّ على جميع الأرمن، وأذن للبطريرك بحمل الصليب وزينة الكنيسة، وأبيح للأميرات والملكة بزيارة أزواجهن".
ولا يتسع المجال في الظلال لاستعراض ذلك الخط الطويل للحروب الصليبية، لكن يكفى أن أقول: إن هذه الحرب لم تضع أوزارها قط من جانب الصليبية. ويكفى أن أذكر ما حدث في زنجبار حديثاً، حيث أبيد المسلمون فيها عن بكرة أبيهم، فقتل منهم اثنا عشر ألفاً وألقي الأربعة الآلاف الباقون في البحر منفيين من الجزيرة! وما حدث في قبرص ليس ببعيد، حيث منع الطعام والماء عن الجهات التي يقطنها بقايا المسلمين هناك ليموتوا جوعًا وعطشًا، فوق ما سلط عليهم من التقتيل والتذبيح والتشريد!
وما تزاوله الحبشة في أريتريا وفي قلب الحبشة، وما تزاوله كينيا مع المسلمين الذين ينتمون إلى أصل صومالي، ويريدون أن ينضموا إلى قومهم المسلمين في الصومال! ويكفي لتصوير نظرة الصليبيين إلى الإسلام أن ننقل فقرة من كتاب لمؤلف أوربي صدر سنة 1944 يقول فيه:
"لقد كنا نخوّف بشعوب مختلفة، ولكننا بعد اختبار، لم نجد مبررًا لمثل هذا الخوف... لقد كنا نخوّف من قبل بالخطر اليهودي، والخطر الأصفر، والخطر البلشفي، إلا أن هذا التخويف كله لم يتفق كما تخيلناه. إننا وجدنا اليهود أصدقاء لنا، وعلى هذا يكون كل مضطهد لهم عدونا الألد! ثم رأينا أن البلاشفة حلفاء لنا، أما الشعوب الصفراء فهنالك دول ديمقراطية كبرى تقاومها. ولكن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قوته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي".
ورغم وحشية الحروب الصليبية -التي كانت فرنسا أحد أركانها- إلا أن النصر كان حليفًا للمسلمين بفضل الله ومع ذلك لم تتعلم فرنسا الدرس، وتناوشها الأحلام والأطماع من جديد! لم تستسغ فرنسا أن ترى بوادر دولة مسلمة على أرض مالي التي كانت بالأمس تئن تحت احتلالها، وجُنَّ جنونها وهاجت وماجت وأرعدت وأزبدت، ثم استفزت من استطاعت بصوتها وصولتها، وأجلبت بخيلها ورجلها، وقد طوعت لها نفسها أن تقوم بعدوان سافر غاشم، ناسية -أو متناسية- إخفاقها في كل جولة.
إن لجوء فرنسا لهذا الأسلوب الدنيء وشنها لهذه الحرب القذرة -من خلال دعم لوجيستي من الدول الغربية وأمريكا، ودعم مادي إماراتي سعودي، ومباركة من الشمال الإفريقي- ما هو إلا امتداد لماضيها الأسود مع الإسلام، فمند وجودها وهى لا تألو خبالًا، ولا تدخر جهدًا ضد المسلمين. هذه هي فرنسا، في داخلها تسن البنود، وفي خارجها تشن الجنود! لكن نقول لها: ألا فلتُرح نفسها من كل هذا العناء، فقد آن للهرّ المتوحش أن يغوص فى رمال الصحراء المتحركة.
ياسر منير (باحث بالدكتوراه "مقارنة أديان"- جامعة القاهرة)
- التصنيف: