إذا سألت فاسأل الله

منذ 2006-03-25

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل» (رواه أبو داود ــ كتاب الزكاة رقم 1642 وأحمد ــ مسند المكثرين من الصحابة رقم 3675، ورواه الترمذي بنحوه في كتاب الزهد رقم 2326، ورواه الحاكم وقال  صحيح وأقره الذهبي، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع وقال ( حسن ) حديث 6041 في صحيح الجامع).

من أجلّ مقاصد الشريعة الإسلامية صيانة شخصية المسلم عن التبذل، وحفظ ماء وجهه عن المهانة، وهذا منبثق من عقيدة صافية خالصة تربط المسلم دائماً بالله القدير، في السرّاء والضرّاء، والعسر واليسر، والمنشط والمكره؛ لأنه تعالى الغني بإطلاق، المعطي المانع، الضار النافع، الخافض الرافع، القوي الجامع.
فالمؤمن في دوحة الإسلام قلبه معلق بالسماء، إذا سأل سأل الله، وإذا استعان استعان بالله، هو تعالى حسبه وعضده ونصيره به يصول وبه يجول وبه يقاتل.

«من أصابته فاقة» أي حاجة شديدة، وأكثر استعمالها في الفقر وضيق المعيشة. «فأنزلها بالناس» أي عرضها عليهم وأظهرها بطريق الشكاية لهم وطلب إزالة فاقته منهم، وخلاصته أن من اعتمد في سدها على سؤالهم «لم تسد فاقته» أي لم تقض حاجته ولم تزل فاقته، وكلما تسد حاجة أصابته أخرى أشد منها، لتركه القادر على حوائج جميع الخلق الذي لا يغلق بابه وقصد من يعجز عن جلب نفع نفسه ودفع ضرها. «ومن أنزلها بالله» بأن اعتمد على مولاه، «أوشك الله» أي أسرع وعجّل «بالغنى» أي اليسار «إما بموت عاجل» قيل بموت قريب له غني فيرثه، ولعل الحديث مقتبس من قوله تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:2-3]. «أو غنى» أي يسار «عاجل» أي بأن يعطيه مالاً ويجعله غنياً (انظر عون المعبود ــ كتاب الزكاة ــ ج5 ص 46 ط دار الفكر، وفيض القدير للمناوي ج2 ص 132).

وسؤال الله تعالى وحسن الالتجاء إليه مع الاستعفاف عن سؤال الناس أصل عظيم من أصول الدين، شواهده كثرة من الكتاب والسنة. قال تعالى: {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:273]، قال المفسرون: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ} أي بحالهم {أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ} أي من أجل تعففهم عن السؤال والتلويح به قناعة بما أعطاهم مولاهم، ورضا عنه. وشرف النفس {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} بما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم. قال السدي: هي أثر الفاقة والحاجة في وجوههم وقلة النعمة {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} الإلحاف: الإلحاح وهو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه، وقيل معنى الآية: إن سألوا سألوا بتلطّف ولم يلحوا، فيكون النفي متوجهاً إلى القيد وحده، والصحيح أنه نفي للسؤال والإلحاف جميعاً، فمرجع النفي إلى القيد ومقيده كقوله {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]، وفيه تنبيه على سوء طريقة من يسأل الناس إلحافاً واستحباب المدح والتعظيم للمتعفف عن ذلك. قال ابن عبد البر: من أحسن ما روي من أجوبة الفقهاء في معاني السؤال وكراهيته ومذهب أهل الورع فيه، ما حكاه الأثرم عن أحمد بن حنبل، وقد سئل عن المسألة متى تحل؟ قال: إذا لم يكن عنده ما يغديه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية، قيل لأبي عبد الله: فإن أضطر إلى المسألة؟ قال هي مباحة له إذا اضطر، قيل له: فإن تعفف؟ قال ذلك خير له، ثم قال: ما أظن أحد يموت من الجوع، الله يأتيه برزقه، ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري «ومن يستعفف يعفه الله» وحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له «تعفف» (حديث أبي سعيد الخدري: «ومن يستعفف يعفه الله» رواه مسلم ــ كتاب الزكاة رقم 1745 وسيأتي نصه في نهاية المقال، وحديث أبي ذر رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 7819 في صحيح الجامع، و‌نصه: «يا أبا ذر! أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع؟ تعفف؛ يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد -يعني القبر- كيف تصنع ؟  اصبر؛ يا أبا ذر: أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضًا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع؟ اقعد في بيتك وأغلق عليك بابك قال: فإن لم أترك؟  قال: فأت من كنت معه فكن فيهم قال: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه ولكن إن خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق من طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار»).

قال أبو بكر: وسمعته يُسأل عن الرجل لا يجد شيئاً أيسأل الناس أم يأكل الميتة؟ فقال: أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله هذا شنيع، قال وسمعته يسأل: هل يسأل الرجل لغيره، قال: لا ولكن يعرّض كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال: «تصدقوا» ولم يقل أعطوهم (الحديث رواه مسلم ــ كتاب الزكاة رقم 1691)، وقال: «ألا رجل يتصدق على هذا؟» (رواه أحمد وأبو داود عن أبي سعيد (صحيح) حديث 2652 في صحيح الجامع). قال أبو بكر: قيل له (يعني أحمد بن حنبل): فالرجل يذكر الرجل فيقول إنه محتاج، فقال: هذا تعريض وليس به بأس إنما المسألة أن يقول أعطه، ثم قال: لا يعجبني أن يسأل المرء لنفسه، فكيف لغيره والتعريض هنا أحب إلي.

وقال إبراهيم بن أدهم: سؤال الحاجات من الناس هي الحجاب بينك وبين الله تعالى، فأنزل حاجتك بمن يملك الضر والنفع وليكن مفزعك إلى الله تعالى يكفيك الله ما سواه وتعيش مسروراً (انظر تفسير القاسمي [محاسن التأويل] ج3/4 ص 350 ط دار الفكر، وتفسير القرطبي ج2 ص 1266 ط دار الغد العربي – مصر).

وقال صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، واقرءوا إن شئتم» يعني قوله {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} (رواه البخاري عن أبي هريرة ــ كتاب التفسير، 2- سورة البقرة، 48- باب لا يسألون الناس إلحافاً).
«لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مزعة لحم» (رواه البخاري ــ كتاب الزكاة رقم 1381، ومسلم واللفظ له ــ كتاب الزكاة رقم 1724).
«المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه، ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بداً» (رواه أحمد وأبو داود عن سمرة (صحيح) حديث 6695 في صحيح الجامع).
«من سأل شيئاً وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر من جمر جهنم قالوا: وما يغنيه؟ قال: قدر ما يغديه ويعشيه» (رواه أحمد وأبو داود عن سهل بن الحنظلية (صحيح) حديث 6280 في صحيح الجامع).
«من استغنى أغناه الله ومن استعف أعفه الله ومن استكفى كفاه الله ومن سأل وله قيمة أوقية فقد ألحف» (رواه أحمد والنسائي عن أبي سعيد ( صحيح ) حديث 6027 في صحيح الجامع).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى إذا نفد ما عنده قال «ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر» (رواه مسلم ــ كتاب الزكاة رقم 1745).

يقول ابن الجوزي: لما تلمحت تدبير الصانع في سوق رزقي بتسخير السحاب وإنزال المطر برفق والبذر دفين تحت الأرض كالموتى قد عفن ينتظر نفخة من صور الحياة، فإذا أصابته اهتز خضراً، وإذا انقطع عنه الماء مد يد الطلب يستعطي وأمال رأسه خاضعاً ولبس حلل التغير، فهو محتاج إلى ما أنا محتاج إليه من حرارة الشمس وبرودة الماء ولطف النسيم وتربية الأرض، فسبحان من أراني كيف تربيتي في الأصل.

فيا أيتها النفس التي قد اطلعت على بعض حكمه قبيح بك والله الإقبال على غيره، ثم العجب كيف تقبلين على فقير مثلك، يناديني لسان حاله "بي مثل ما بك"، فارجعي إلى الأصل الأول، واطلبي من المسبب، ويا طوبى لك إن عرفتيه، فإن عرفانه ملك الدنيا والآخرة (صيد الخاطر ــ ابن الجوزي ص 84 ط دار الحديث القاهرة بتصرف).

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 7
  • 0
  • 20,763
  • اسد

      منذ
    [[أعجبني:]] الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد فجزاكم الله خيرا على الموضوع الطيب ،لأن الناس فى هذا العصر محتاجون الى مثل هذه المواضيع التى تربطهم بالله . [[لم يعجبني:]] أرجو أن يكون هناك استفاضة أكثر من هذا
  • رائد

      منذ
    [[أعجبني:]] ان من يسأل الله يعرف معنى اسمه الوكيل فهو من ترد اليه الحوائج و المسائل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً