خشية الله بالغيب

منذ 2013-04-06

ومن الأعمال التي لا يراها الناس أعمالُ القلوب، فاحذر معصية الله بقلبك، وأعظمها الشرك، فلا يتعلَّق قلبُك ولا يخشى ولا يرجو إلا اللهَ تعالى وحده.

 

 


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:


فنحن بأمس الحاجة لمدارسة هذا الموضوع ومراجعته، وتدبر النصوص الواردة فيه، تعظيماً لما عظمه الله تعالى في هذه العبادة القلبية، فالفتن تحيط بنا من كل جانب، خصوصاً ذنوب الخلوات التي زينها شياطين الإنس والجن.. والعلاج الأساس في مواجهة هذه الذنوب إقامة عبادة خشية الله تعالى بالغيب، فتمنعُه بإذن الله من تعاطي المحرمات، بالنظر أو السماع أو اللسان أو الطعام أو المشي.. الخ.


ومن آثار الخشية: قيام العدل والإنصاف والصدق والإحسان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإذا أردت تحقيق هذه العبودية، فلتكن حالك في الخلوة أفضلَ عند الله من حال مشاهدة الناس، ولا تجعل اللهَ تعالى أهونَ الناظرين إليك.

ومن آثار الخشية: مغفرة الذنوب ودخولِ الجنة والأجرِ الكبير.


قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك: 12].

وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق: 33].

وقال الله تعالى في وصف عباده المتقين: {الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 49].

وقال الله تعالى في بيان صفات الذين يستجيبون لنذارة الرسول: { إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ } [فاطر: 18].

ومن خاف وقوفه أمام الله يوم القيامة للحساب كانت الجنّةُ مأواه، قال الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: 40-41].
وقال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46].

وخشية الله بالغيب هي علامة الصدق والإيمان، والعلم بالله تعالى بأنه السميع البصير العليم الذي لا تخفى عليه خافية، وكلما كان العبد بالله أعلم كان له أخشى، ولذلك رفع الله تعالى مقام الخشية، فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] .واعلم أن الله تعالى يبتلي عبده فتَدْنُوا مِنه المعصية، ويَسْهُلُ عليه اقترافها حال بُعْدِ أنظار الناس عنه؛ ابتلاءً له من الله تعالى؛ هل عبدُه يَخْشَى اللهَ تعالى بالغيب أو لا يخشاه إلا بحضور الناس فقط؟فانتبه لذلك دائماً حينما تكون خالياً، واجعل نُصب عينيك قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 94].


ومن الأعمال التي لا يراها الناس أعمالُ القلوب، فاحذر معصية الله بقلبك، وأعظمها الشرك، فلا يتعلَّق قلبُك ولا يخشى ولا يرجو إلا اللهَ تعالى وحده.

ومن معاصي القلب: الكِبرُ، والإعجابُ بالنفس، والحسد، والغرور، والرياء، وحبُ السمعة والظهور.

ومن علامات مرض القلب بالشهوات: الطمع بغير ما أحل الله تعالى، قال الله تعالى: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب: 32].

فدلَّ على أن الطَّمَعَ بغيرِ ما أحلَّ اللهُ علامةٌ على مرضِ القلب، فاحذر كلَّ الحَذَرِ من هذه العلامة الدالة على مرض القلب، ولا رادع لها إلا خشية الله بالغيب.


فما أعظم مقام عبودية قلب المؤمن لله وحده وقد طَهَّره الله من الشرك، ومن التعلق بالدنيا، ومن أمراض الشبهات والشهوات.

قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم» (أخرجه مسلم)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرجَ مسلم أيضاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التقوى هاهنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات».

وفي الصحيحين من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «...ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحَت صَلُحَ الجَسَدُ كلُّه، وإذا فسدت فَسَدَ الجَسَدُ كلُّه، ألا وهي القلب».


وقال الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 3].

وقد كان رِضَى الله تعالى وثناؤه على أهل البيعة تحت الشجرة، لعلمه بحقيقة ما وقر في قلوبهم، قال الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} [الفتح: 18]. ولذلك كان من المشروع في حق المؤمن أن يدعوا بدعاء الراسخين في العلم، قال الله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ، رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8].

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم مصرِّف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» (أخرجه مسلم)، من حديث عبد الله بن عمرو العاص رضي الله عنهما.ومن أهم أسباب طمأنينة القلب ذكر الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد 28]. ومن أنواع الانحراف في الخشية التي حذرنا الله تعالى منها، هي تقديم خشية الناس على خشية الله؛ أو أن يخشى الناس كما يخشى الله، فيسكتُ عن الحق، أو يَتَكَلَّم بالباطل خشيةَ الناس، أو خوفاً من ردة فعل السلطان، أو ضغط أهل الباطل في وسائل الإعلام... فيسكتُ عن بيان الحق أو يسكت عن النهي عن الباطل.


وأعظَمُ من ذلك أن يتكلَّم بالباطل خوفاً منهم، والصواب أن يُبَيِّن الحقَّ بالأسلوبِ الأمثل ولا يخافُ لومة لائم. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54]. وقال الله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء: 77]. وسبب خوف بعض الناس من غير الله، هو الشيطان الذي يوسوس لهم ويخوفهم من أوليائه الظلمة، فالحذر الحذر من ذلك، وإنما الواجب أن يُخْلصِ عبادة الخوف لله وحده.
 

قال الله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]. وقال الله تعالى: {فلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44].

وقال تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} [الأحزاب: 39].


اللهم أصلح قلوبنا وطهرها، وارزقنا خشيتك بالغيب والشهادة. والحمد لله رب العالمين.

 
المصدر: صيد الفوائد

يوسف بن عبد الله الأحمد

المحاضر بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض / قسم الفقه

  • 6
  • 0
  • 5,288

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً