أبو خالد على النت
قصة واقعية مؤثرة جداً.. وهي عبرة لكل
معتبر، أترككم مع أحداثها، حيث يقول فيها:
كنت في مزرعتي في خارج المدينة، في كوخي الصغير بعيداً عن أعين الناس،
خاصة أم خالد، لقد مللت منها ومن نصائحها المزعجة! فأنا ما زلت
شاباً..
كنت منهمكاً على جهاز الكمبيوتر لا ألوي على شيء.. ولم أكن أشعر
بالوقت؛ فهو أرخص شيء عندي!!
وبينما أنا في حالي ذلك، وكانت الساعة الثانية ليلاً -تقريباً-، وكان
الجو حولي في هدوء عجيب، لا تسمع إلا قرع أصابعي على مفاتيح الحروف
أرسل رسائل الحب في كل مكان.
حينها وبلا مقدمات طرق الباب طرقاً لا يذكّر إلا بصوت الرعود.. هكذا
والله..
تجمدت الدماء في عروقي.. سقطت من فوق المقعد انسكب الشاي على الجهاز
أقفلته وكدت أن أسقط الجهاز من الإرباك..
صرت أحملق في الباب وكان يهتز من الضرب..
من يطرق بابي وفي هذا الوقت.. وبهذا العنف؟؟!!
انقطع تفكيري بضرب آخر أعنف من الذي قبله.. كأنه يقول افتح الباب
وإلا فسوف أحطمه..
زاد رعبي أن الطارق لا يتكلم! فلو تكلم لخفف ذلك علي..
ألم أقفل باب المزرعة؟ بلى فأنا أقفلته جيداً وفي الأسبوع الماضي
ركبت قفلاً جديداً.. من هذا؟ وكيف دخل؟ ومن أين دخل؟
ولم يوقفني عن التفكير سوى صوت الباب وهو يضرب بعنف.. قربت من الباب
وجسمي يرتجف من الرعب وقدماي تعجزان عن حملي؛ فمن ذا يا ترى ينتظرني
خلف الباب..
هل أفتح الباب؟ كيف أفتحه وأنا لا أدري من الطارق..
ربما يكون سارقاً؟ ولكن هل السارق يطرق الأبواب؟!!
ربما يكون من؟ أعوذ بالله..
سوف أفتحه وليكن من يكن...
مددت يدي المرتجفتين إلى الزر ورفعت المقبض ودفعته إلى اليمين أمسكت
المقبض ففتحت الباب.. كأن وجهه غريباً لم أره من قبل يظهر عليه أنه من
خارج المدينة.. لا إنه من البدو! نعم إنه أعرابي -أحدث نفسي- وبجلافة
الأعراب قال لي:
وراك ما فتحت
الباب؟
عجيب! أهكذا بلا مقدمات.. لقد أرعبتني!! لقد كدت أموت من الرعب -أحدث
نفسي-..
بلعت ريقي وقلت له: من أنت؟
-ما يهمك من أنا؟ أريد أن أدخل..
ولم ينتظر إجابتي.. جلس على المقعد.. وأخذ ينظر في الغرفة.. كأنه
يعرفني من قبل ويعرف هذا المكان..
-كأس ماء لو سمحت..
اطمأننت قليلاً لأدبه.. رحت إلى المطبخ..
شرب الماء، كان ينظر إليّ نظرات مخيفة.. قال لي يا بدر قم وجهز
نفسك!!
كيف عرف اسمي؟!! ثم أجهز نفسي لأي شيء؟ ومن أنت حتى تأمرني بأن أجهز
نفسي؟ أسأل نفسي..
قلت له ما فهمت ماذا تريد!
صرخ في وجهي صرخة اهتز لها الوادي.. والله لم أسمع كتلك الصرخة في
حياتي!!
قال لي: يا بدر قم والبس فسوف تذهب معي..
تشجعت فقلت إلى أين؟ قال باستهتار إلى أين؟!! قم وسوف ترى..
كان وجهه كئيباً.. إن حواجبه الكبيرة وحدّة نظره تخيف الشجعان، فكيف
بي وأنا من أجبن الناس!!
لبست ملابسي، كان الإرباك ظاهراً علي؛ صرت ألبس الثوب وكأني طفل صغير
يحتاج لأمه لكي تلبسه..
يا الله من هذا الرجل وماذا يريد؟؟
كدت أفقد صوابي... وكيف عرفني؟ آه ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً
منسياً..
وقفت بين يديه مطأطأ الرأس كأنني مجرم بين يدي قاض يوشك أن يحكم
عليه..
قام كأنه أسد وقال لي: اتبعني..
خرج من الباب.. لحقته، وصرت أنظر حولي كأني تائه يبحث عن شيء..
نظرت إلى باب المزرعة لعله كسره! لكن رأيت كل شيء طبيعياً؟ ف
كيف دخل؟
رفعت رأسي إلى السماء، كانت النجوم تملأ السماء.. يا الله هل أنا في
حلم؟!! يا رب سامحني..
لم ينظر إليّ كان واثقاً أني لن أتردد في متابعته لأني أجبن من
ذلك!
كان يمشي مشي الواثق الخبير ويعرف ما حولنا، وأنا لم أره في حياتي!
إنه أمر محير..
كنت أنظر حولي لعلي أجد أحداً من الناس أستغيث به من هذه الورطة، ولكن
هيهات!
بدأ في صعود الجبل وكنت ألهث من التعب، وأتمنى لو يريحني قليلاً..
ولكن من يجرؤ على سؤال كهذا؟
بينما نحن نصعد الجبل بدأت أشعر بدفء.. بل بحرارة تكاد تحرق جسمي،
وكلما اقتربنا من قمة الجبل كانت الحرارة تزيد! علونا القمة وكدت أذوب
من شدة الحر!
ناداني: بدر، تعال واقرب. صرت أمشي وأرتجف وأنظر إليه فلما حاذيته
رأيت شيئاً لم أره في حياتي..
رأيت ظلاماً عظيماً بمد البصر بل إني لا أرى منتهاه كان يخرج من هذا
الظلام لهب يرتفع في السماء ثم ينخفض رأيت ناراً تخرج منه، أقسم إنها
تحطم أي شيء يقف أمامها من الخلق..
آه من يصبر عليها، ومن أشعلها؟؟
نظرت عن يمين هذه الظلمة فرأيت بشراً أعجز عن حصرهم، كانوا عراة
لاشيء يسترهم.. رجالاً ونساء.. أي والله حتى النساء!
وكانوا يموجون كموج البحار من كثرتهم وحيرتهم، وكانوا يصرخون صراخاً
يصمّ الآذان!
وبينما أنا مذهول بما أراه، سمعت ذلك الرجل يناديني: بدر..
نظرتُ إليه وكدت أبكي، قال لي: هيا انزل..
قلت: إلى أين؟
-انزل إلى هؤلاء الناس..
ولماذا؟ ماذا فعلت حتى أكون معهم؟
-قلت لك انزل ولا تناقشني..
توسلت إليه ولكنه جرّني حتى أنزلني من الجبل.. ثم ألقى بي بينهم..
والله ما نظروا إلي ولا اهتموا بي؛ فكل واحد منهم مشغول بنفسه!!
أخذت أصرخ وأنادي، وكلما أمسكت واحداً منهم هرب مني.. أردت أن أعرف
أين أنا ومن هؤلاء البشر؟!
فكّرت أن أرجع إلى الجبل، فلما خرجت من ذلك الزحام رأيت رجالاً
أشدّاء، ضخام الأجسام، تعلو وجوههم الكآبة، ويحملون في أيديهم مطارق
لو ضربوا بها الجبال لذابت.. يمنعون الناس من الخروج..
احترت وصرت أنظر حولي وصرت أصرخ وأصرخ، وأقول: يا الله أين أنا..
ولماذا أنا هنا.. وماذا فعلت؟!
أحسست بشيء خلفي يناديني.. التفت فإذا هي أمي!
فصحت أمي أمي.. والله ما التفتت إلي!!
صرت أمشي في الزحام، أدفع هذا وأركل هذا؛ أريد أن أصل إلى
أمي..
فلما دنوت منها التفتت إليّ ونظرت إلي بنظرة لم أعهدها!!
كانت أماً حانية.. كانت تقول لي يا بدر والله لو صار عمرك خمسين سنة
فإني أراك ابني الصغير! كانت تداعبني وتلاطفني كأني ابن ثلاث
سنين..
آه ما الذي غيّرها؟
أمسكت بها وقلت لها: أمي أنا بدر، أما عرفتني؟
قالت يا بدر هل تستطيع أن تنفعني بشيء؟
قلت لها: يا أمي هذا سؤال غريب؟ أنا ابنك بدر اطلبي ما شئت يا
حبيبتي..
-يا بدر أريد منك أن تعطيني من حسناتك فأنا في حاجة إليها..
-حسنات وأي حسنات يا أمي؟
-يا بدر هل أنت مجنون؟ أنت الآن في عرصات القيامة أنقذ نفسك إن
استطعت..
-آه هل ما تقولينه حقاً؟!! آه يا ويلي.. آه ماذا سأفعل..
وهربت وتركتني.. وما ضمتني ورحمتني!!
عند ذلك شعرت بما يشعر به الناس إنها ساعة الحساب إنها الساعة.. صرت
أبكي وأصرخ وأندب نفسي.. آه كم ضيعت من عمري؟
الآن يا بدر تعرف جزاء عملك!! الآن يا بدر تنال ما جنته يداك!!
تذكرت ذنوبي وما كنت أفعله في الدنيا.. صرت أحاول أن أتذكر هل لدي
حسنات لعلي أتسلى بها.. ولكن هيهات!
آه تذكرت ما كنت أفعله قبل قليل من رؤية المواقع السافلة في
الإنترنت..
آه ليتني لم أفعل، ولكن الآن لن ينفعني الندم، أي والله..
وبينما أنا في تفكيري سمعت صارخاً يصرخ في الناس.. أيها الناس هذا
رسول الله صلى الله عليه وسلم اذهبوا إليه..
فماج الناس بي كما يموج الغريق في البحر، وصاروا يمشون خلف
الصوت..
لم أستطع أن أرى شيئاً..
كان الناس كأنهم قطيع هائل من الأغنام يسيرون مرة يميناً، ومرة
شمالاً، ومرة للأمام؛ يبحثون عن الرسول صلى الله عليه وسلم..
وبينما نحن نسير، رأيت أولئك الرجال الأشداء وهم يدفعون الناس دفعاً
شديداً، والناس تحاول الهرب.. ولكن هيهات!!
كل من حاول الهرب ضربوه على وجهه بتلك المطارق، فلو شاء الله لذاب
منها..
وصار الناس يتساقطون في تلك الظلمة العظيمة أرتالاً أرتالا.. ورأيت
بعضهم يُجر برجليه فيلقى فيها، ومنهم من يسير من فوقها!
أي والله.. يسيرون من فوقها على جسر وضع عليها وكانوا يسيرون بسرعة
عجيبة.. ولا أدري إلى أين يسيرون، غير أني كنت أرى في آخر تلك الظلمة
من بعيد جداً نوراً يصل إليه من يعبرون الجسر..
وفجأة رأيت الناس يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فنظرت
فرأيت رجلاً لابساً عمامة بيضاء، وعليه عباءة بيضاء، ووجهه كأنه
القمر، وهو ينظر في الناس ويقول: "اللهم سلّم سلّم"...
فتدافع الناس عليه فلم أستطع أن أراه بعد ذلك..
وكنت أقترب من تلك الظلمة شيئاً فشيئاً والناس يصرخون؛ كلهم لا يريد
الدخول فيها.. فعلمت أنها النار!!
نعم.. إنها جهنم التي أخبرنا عنها ربنا في كتابه..
إنها التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم..
ولكن ماذا ينفعني علمي بذلك الآن!!! فها أنذا أُجرّ إليها..
صرخت وصرخت النار.. النار..!!
-بدر.. بدر ماذا بك؟!
قفزت من فوق السرير وصرت أنظر حولي..
-بدر ماذا بك يا حبيبي؟
كانت أم خالد، إنها زوجتي.. أخذتني وضمتني إلى صدرها وقالت: ماذا بك؟
باسم الله عليك، ما في شيء ما في شيء..
كنت تصرخ يا أبا خالد "النار النار"..
-رأيت كابوساً..
-باسم الله عليك..
كنت أتصبب عرقاً مما رأيته.. رفعت الفراش وقمت من فوق السرير، فتحت
الباب وصرت أمشي في الغرف.. رحت إلى غرفة خالد وإخوانه.. أضأت النور
فإذا هم نائمون..
دخلت إليهم قبلتهم واحداً واحداً!!
كانت أم خالد على الباب تنظر وتتعجب!!
ماذا بك يا أبا خالد؟
أشرت إليها بالسكوت حتى لا توقظ الأولاد! أطفأت النور وأغلقت الباب
بهدوء..
جلست في الصالة أحضرت لي كوب ماء..
شربت الماء.. ذكرتني برودته بشدة الحر الذي رأيته في ذلك
المنام..
ذكرت الله واستغفرته..
-يا أم خالد؟
-سم يا حبيبي..
-أريدك من اليوم وصاعداً أن تعاونيني على نفسي، أنا من اليوم إن شاء
الله سأكون من أهل الخير..
-الله يا أبا خالد ما أحسن هذا الكلام! الحمد لله الذي ردك
للخير..
-كيف نغفل يا أم خالد الله يتوب علينا الحمد لله الذي بصرني والله
يثبتنا على الخير..
فهل من معتبر قبل فوات الأوان؟
" با دويلان "
- التصنيف:
ابونايف
منذمحمد
منذ