أشراط الساعة الصغرى (2)
ما هو حال مساجدنا الآن؟! وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله؟! تجللها البساطة والترفع عن زخرفة الدنيا الفاني، ففتحوا الدنيا ودكوا عروش الظلمة والجبابرة ودانت لهم الأمم والشعوب.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا ند ولا شبيه ولا مثيل ولا نظير: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا عباد الله:
اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].
معاشر المؤمنين:
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1-2].
وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [المدثر:8]؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ينتظر متى يُؤمر فينفُخ»، فقال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يا رسول الله: كيف نقول؟ قال: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا».
تحدثنا في الجمعة الماضية عن جزء من أشراط الساعة الصغرى وسنواصل الحديث هذه الجمعة بإذن الله تعالى عن أشراط أخرى.
- فمن أشراطها، انتشار الزنا:
ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة: -وذكر منها- ويظهر الزنا».
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط» (رواه أبو يعلي، وقال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح وصححه الألباني رحمه الله تعالى).
لقد فشا الزنا وانتشر في العالم بشكل مخيف حتى في بعض مجتمعات المسلمين حتى غدا شيئاً مألوفاً لأشخاص أصبحوا أحط من البهائم إلى درجة أن الرجل يغشى المرأة على قارعة الطريق وفي الحدائق العامة ولا يرون في ذلك بأساً، فتلك هي الحرية البهيمية التي تترفع عنها بعض الحيوانات.
ذكر البخاري في صحيحه عن أبي رجاء العطاردي أنه رأى في الجاهلية قرداً يزني بقردة فاجتمعت القرود عليه حتى رجمته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وحدثني بعض الشيوخ الصادقين أنه رأى نوعاً من الطير قد باض، فأخذ الناس بيضه وجاؤوا ببيض جنس آخر من الطير، فلما انفقس البيض خرجت الفراخ من غير الجنس، فجعل الذكر يطلب جنسه حتى اجتمع منهم عدد، فما زالوا بالأنثى حتى قتلوها. ثم قال الشيخ: ومثل هذا معروف في عادة البهائم" (الفتاوى 15/147).
إن هذه المؤتمرات العالمية التي تدعو إلى تحرير المرأة وتروج مصطلحات المراهقة الحامل والطالبة الحامل، وتشجع على الزواج المثلي -الرجال بالرجال، والنساء بالنساء- ما هي إلا دعوات إلى الإباحية البهيمية والشهوات الحيوانية.
لقد باتت تجارة الرقيق الأبيض تشكل ظاهرة مخيفة فالرقيق الأبيض ودور الدعارة وتصدير المومسات إلى العالم كلها مشاريع استثمارية تدر البلايين.
إن من أسباب انتشار الزنا في بلاد المسلمين: كثرة الموانع والعوائق أمام الراغبين في العفاف كغلاء المهور وكثرة التكاليف والاشتراطات الفاسدة التي تحول دون وصول الشباب والشابات إلى الحلال.
ومن الأسباب: انتشار القنوات الخليعة التي تزين الفاحشة في قلوب الشباب والشابات (ستار أكاديمي وغيره).
ومن الأسباب: السياحة إلى البلاد الموبوءة.
الزنا من أفحش الفواحش، وأحط القاذورات، وقد قرنه الله بالشرك فقال: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3].
وهو جريمة تبدد الأموال، وتنتهك الأعراض، وتقتل الذرية وتهلك الحرث والنسل، عارها يهدم البيوت، ويطأطئ الرؤوس، ويسوِّد الوجوه، ويخرس الألسنة، ويهوي بالرجل العزيز إلى حضيض الذل والازدراء، وينزع ثوب الجاه مهما اتسع، ويخفض عالي الذكر مهما ارتفع، الزنا يجمع خصال الشر كلها، من الغدر والكذب والخيانة، وينزع الحياء ويذهب الورع ويزيل المروءة، ويطمس نور القلب، ويجلب غضب الرب، وإذا انتشر أفسد نظام العالم في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة الحرمات، والحفاظ على روابط الأسر، وتماسك المجتمعات.
ما استجلبت الأمراض المدمرة بمثل الزنا؛ كما جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على المهاجرين يوماً فقال: «يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن» فذكر منها: «ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم» (رواه ابن ماجة والدارمي وحسنه الألباني).
وإذا انتشر الزنا كثر فيه أولاد الزنا، وإذا انتشر أولاد الزنا كان ذلك مؤذناً بنزول العقوبة.
عن ميمونة رضي الله عنها قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك أن يعمهم الله بعذاب» (رواه أحمد وحسنه الألباني).
ولهذا فقد خاف النبي صلى الله عليه وسلم الزنا على أمته، فعن عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا نعايا العرب -يريد أن العرب قد هلكت- يا نعايا العرب، إن أخوف ما أخاف عليكم الزنا والشهوة الخفية» (رواه الطبراني وحسنه الألباني).
بلغ عدد المصابين بمرض الإيدز في العالم حوالي خمسين مليونًا، هذا فضلاً عن ملايين المصابين بالأوبئة الأخرى كالهربس والزهري والسيلان وانفلونزا الطيور.
ومثلُ الزنا.. اللواط والسحاق، وهم في العقوبة سواء. قال حماد بن أسامة القرشي: "حدثنا أبو طاهر، عن مطر الوراق أحسبه عن أبي الجلد واسمه جيلان بن فروة البصري، قال: والذي نفس أبي الجلد بيده، ليكونن في آخر الزمان قوم مخصبةً ألسنتهم، مجدبةً قلوبهم، قصيرةً أحلامهم، رقيقةً أخلاقهم، تتكاف الرجال بالرجال والنساء بالنساء، فيُعلَّمون قول الزور لوناً غير لون، فإذا فعلوا ذلك انتظروا النكال من السماء" (العقوبات 187).
- ومن علامات الساعة الصغرى، انتشار الربا:
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بين يدي الساعة يظهر الربا» (رواه الطبراني في الترغيب والترهيب وقال المنذري رواته رواة الصحيح).
الربا والأنظمة الربوية بلاء على الأمة في دينها وأخلاقها وحياتها الاقتصادية، إنه نظام بشع يمحق سعادة البشر ويفسد ضمير الفرد وخلقه وشعوره تجاه أخيه، ويفسد نظام المجتمع وتضامنه بما ينشره فيه من روح الطمع والجشع والأثرة. لهذا كله وقف الإسلام من الربا موقف الحرب التي لا هوادة فيها، وشنع على أصحابه أبلغ تشنيع، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 275-276].
عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إياك والذنوب التي لا تغفر: الغلول، فمن غلَّ شيئاً أتى به يوم القيامة، وأكْل الربا، فمن أكَل الربا بُعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط، ثم قرأ: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}» (رواه الطبراني وقال الألباني: حسن لغيره).
والربا سبب لعذاب الله وسبب للعقوبات العاجلة في الدنيا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُشترى الثمرة حتى تُطعم، وقال: «إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله» (رواه الحاكم وهو حديث حسن).
ولقد كثر الربا وتعددت صوره وأشكاله وقلّ من يسلم من ذلك من المسلمين، بعد أن صار كثير من الناس همّه جمع المال وتضخيم الأرصدة ولا يبالي أمن حلال جمع ماله أم من حرام، وهذا مصداق ما أخبر عنه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حيث قال صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أَمِنْ حلال أم من حرام».
ولهذا نادى اللهُ الذين آمنوا بصفة الإيمان الجليلة ناهياً إياهم عنه ومحذراً من سوء عاقبته فيقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:278-279].
هذه الحرب المعلنة أعمّ من القتال بالسيف والمدفع، إنها حرب على الأعصاب والقلوب، وحرب على البركة والرخاء، حرب على السعادة والطمأنينة، حرب يسلط الله فيها بعض العصاة على بعض، حرب المطاردة والمشاكسة، حرب الغبن والظلم، حرب القلق والخوف، وأخيراً حرب السلاح بين الأمم والجيوش، والدول، إنها الحرب المشبوبة دائماً، وقد أعلنها الله على المرابين، وهي مسعَّرة تأكل الأخضر واليابس، والبشرية غافلة عما يُفعل بها.
- ومن العلامات، ظهور المعازف واستحلالها:
عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في آخر الزمان خسف وقذف ومسخ»، قيل: ومتى ذلك يا رسول الله؟ قال: «إذا ظهرت المعازف والقينات» (رواه ابن ماجة، وقال الألباني: صحيح).
ما هو حال الأمة مع الفيديو كليب والروتانا؟ بلغ عدد من صوت لبرنامج سوبر ستار 79 مليون، بينما بلغ عدد الذين صوتوا ضد الحرب على أفغانستان 4 ملايين فقط، بلغ عدد قنوات الأغاني والطرب المئات.
أما محطات (FM) عبر الراديو فبالآلاف.
انتشر الغناء في كثير من البيوت والاستراحات حتى في الطرقات، نسمع بعض الشباب يرفعون أصوات الأغاني في سياراتهم في الطرقات دون حياء من الله تعالى أو خجل من الناس، أصبح كثير من أهل الفن والطرب نجوماً وقدوات لكثير من الشباب وباتوا يشار إليهم بالبنان بسبب شهرتهم ونجوميتهم.
ومن العلامات، شرب الخمر واستحلالها:
روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أشراط الساعة ....» -وذكر منها- «ويشرب الخمر».
وروى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه».
الخمر محرمة لأنها توقع العداوة والبغضاء وتصور لشاربها خلاف الواقع، ويتوهم وهو سكران القدرة على مصارعة الأسود وأنه السيد المطاع والحاكم المطلق والبحر الخضم في الكرم والجود والحقيقة أنه يكون وقت شربها أضعف من دجاجة وأخبث من جمل وأبلد من حمار وأديث من خنزير، يصده الشيطان بشرابه الخبيث عن ذكر الله وعن الصلاة ويوقعه في معصية الله وسخطه، يرتكب الكبائر، ويقترف الجرائم ويقع في الآثام ويخبط في الحرام، ويترك ما يجب عليه من الأحكام فيفعل نكراً، وينطق كفراً يسب ربه وأمه وأباه، ويطلق ويزني ويعبث بالأعراض والكرامات ويتلف أثاثه ويقيء على نفسه، يبكي بلا سبب ويضحك من غير عجب فتهزأ به الصبيان ويسخر به السفهاء ويمقته العقلاء ويبغضه أهله وجيرانه. ورحم الله عدي بن حاتم، إذ قيل له: مالك لا تشرب الخمر؟ فقال: ما أحب أن أصبح حكيم قومي وأمتي وسفيههم.
سماها النبي صلى الله عليه وسلم أم الخبائث وقال: «هي مفتاح كل شر» (رواه الحاكم وهو صحيح).
عن سالم بن عبد الله بن أبية أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وناساً جلسوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم ينتهون إليه، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرٍو أسأله عن ذلك، فأخبرني أن أعظم الكبائر: شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه جميعاً حتى أتوه في داره فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ملكاً من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلاً فخيَّره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفساً أو يزني أو يأكل لحم خنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار الخمر، وإنه لما شرب الخمر لم يمتنع من شيء أرادوا منه...» (رواه الطبراني والحاكم وهو صحيح).
وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فأحبته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فجاء البيت ودخل معها فكانت كلما دخل باباً أغلقه دونه حتى وصل إلى امرأة وضيئة -أي حسناء جميلة- جالسة عندها غلام وإناء خمر فقالت له إنها ما دعته لشهادة وإنما دعته ليقع عليها أو يقتل الغلام أو يشرب الخمر فلما رأى أنه لابد له من أحد هذه الأمور تهاون بالخمر فشربه فسكر ثم زنى بالمرأة وقتل الغلام" ثم قال عثمان رضي الله عنه: "فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبداً إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه".
واستحلالها يعتبر إيذاناً بنزول الدمار على الأمة.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استحلت أمتي خمساً فعليهم الدمار: إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمور ولبسوا الحرير واتخذوا القيان واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء» (رواه البيهقي وقال الألباني: حسن لغيره).
ومن الأشراط، زخرفة المساجد والتباهي بها:
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد» (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الألباني - صحيح الجامع [5771]).
وفي رواية عندهم: «لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد».
وعلة النهي من ذلك أنه علامة على الترف والتبذير والإسراف، وسبب لإشغال الناس عن صلاتهم، كما أنه تشبه بالكفار.
قال ابن عباس رضي الله عنهما كما في صحيح البخاري: "لتُزخرفُنَّها كما زخرفت اليهود والنصارى".
ولهذا ورد الوعيد الشديد إذا زُخرفت المساجد وحُليت المصاحف.
عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم» (رواه الترمذي وهو صحيح).
لمّا أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتجديد المسجد النبوي، نهى عن الزخرفة فقال: "أكنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمرّ أو تصفرّ، فتفتن الناس".
لقد كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم من جريد النخل، وما كان ذلك في يوم من الأيام عائقاً أمام الدور الريادي الذي أدَّاه.
فقد كان مكان الصلاة والذكر وتعليم العلم، ومقر الاجتماعات والشورى، والقاعدة التي تنطلق منها جيوش الإسلام، وكان مأوى الفقراء والمساكين من أهل الصفة وغيرهم.
ما هو حال مساجدنا الآن؟! وما هو حال مساجد السلف التي كانت عامرة بذكر الله؟! تجللها البساطة والترفع عن زخرفة الدنيا الفاني، ففتحوا الدنيا ودكوا عروش الظلمة والجبابرة ودانت لهم الأمم والشعوب.
ومنها، التطاول في البنيان:
ففي الصحيحين عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبريل عليه السلام عندما سأله عن وقت قيام الساعة: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها فذكر منها أن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان».
وقد ظهر هذا جلياً فالناس يتطاولون في بناء الأبراج والمباني الشاهقة. وأصبح رعاء البقر في تكساس وكاليفورنيا وغيرها يتنافسون في ناطحات السحاب والأبراج الشاهقة. بل إن تولي تعاقب تولي رعاء البقر على الحكم في أمريكا وغيرها علامةً أخرى من علامات الساعة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشراط الساعة أن يُرى رعاء الشاة رؤوس الناس، وأن ترى الحفاة العراة الجوع يتبارون في البناء وأن تلد الأمة ربتها أو ربها» (أخرجه الإمام أحمد وجود إسناده الحافظ ابن كثير - النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير [1/235]).
ومن العلامات، ولادة الأمة ربتها:
كما في الصحيحين لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل: «وسأخبرك عن أشراطها: وأن تلد الأمة ربتها».
ولأهل العلم أقوال في هذا الحديث: فقيل معناه: "اتساع الإسلام واستيلاء أهله على البلاد، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها أي سيدها، وهذا قول أكثر أهل العلم. وقيل: أن تبيع السادة أمهات أولادها ويكثر ذلك فيتداول الملاك المستولدة حتى يشتريها أولادها ولا يشعر بذلك. وقيل: أن الإماء تكون في آخر الزمان هنّ المشار إليهن بالحشمة فتكون الأمة تحت الرجل الكبير دون غيرها من الحرائر. وقيل: أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة والسب، قال ابن حجر: وهذا أوجه الأوجه عندي" (كشف المنن في علامات الساعة والملاحم والفتن - محمود رجب حمادي الوليد [78-79 /80] بتصرّف كبير).
ومن العلامات، كثرة القتل:
روى الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج»، قالوا: وما الهرج يا رسول الله؟ قال: «القتل القتل».
وروى الإمام مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس يوم لا يدري القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل»، فقيل كيف يكون ذلك؟ قال: «الهرج، القاتل والمقتول في النار».
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بين يدي الساعة لهرجاً» قال: قلت يا رسول الله: وما الهرج؟، قال: «القتل»، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس بقتل المشركين ولكن يقتل بعضكم بعضاً حتى يقتل الرجل جاره وابن عمته وذا قرابته»، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا، تنزع عقول أكثر ذلك الزمان، ويخلف له هباء في الناس لا عقول لهم» (رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني - صحيح ابن ماجة [3198]).
ما ذنب عشرات الأبرياء الذين قتلوا في التفجيرات الإرهابية في المملكة، الذين سقطوا دون أن يعلموا سبب قتلهم واستهدافهم؟
في الحرب على أفغانستان سقط عشرات الآلاف من القتلى. وفي الحرب على العراق سقط عشرات الآلاف من القتلى. في كل يوم قتلى في فلسطين.
الحروب في البلقان...عشرات الآلاف من القتلى.
- ومن العلامات، تقارب الزمان:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان» (رواه البخاري).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كاحتراق السعفة» (رواه الإمام أحمد بسند صحيح).
ومن معاني تقارب الزمان:
- سرعة انقضاء الوقت بسبب التطور في وسائل النقل والاتصال التي تجعل التنقل أو المحادثة تتم في وقت قصير جداً.
- قلة البركة في الوقت، ولعل هذا هو المعنى الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح [16/309]): "فالذي تضمنه الحديث وُجد في زماننا هذا، فإننا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء من الزمان وذلك من علامات الساعة. ثم قال: قال النووي: المراد بقصده: عدم البركة فيه، وأن اليوم مثلاً يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة". أ. هـ.
اللهم آمنا في أوطاننا اللهم آمنا في دورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجمع شملنا وعلماءنا وحكامنا ودعاتنا ولا تفرح علينا عدواً ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم اهد ضالنا، اللهم من ضل وتنكب الصراط اللهم رده إلى الحق رداً جميلاً، اللهم عليك بمن تسلط وآذى ونال من مقام نبينا صلى الله عليه وسلم اللهم سلط عليهم جنودك التي لا يعلمها إلا أنت يا ربّ العالمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين يا ربّ العالمين، اللهم ابسط لنا في عافية أبداننا وصلاح أعمالنا وسعة أرزاقنا وحسن أخلاقنا واستر على ذرياتنا واحفظنا بحفظك واكلأنا برعايتك، اللهم أحسن خاتمتنا في خير عمل يرضيك عنا ربنا لا تقبض أرواحنا على خزي ولا غفلة ولا فاحشة ولا معصية ولا تمتنا بحق مسلم في عرض أو دم أو مال نسألك اللهم عيشة هنية وميتةً سوية ومرداً إليك غير مخزٍ ولا فاضح.
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].
اللهم صلَّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن البقية العشرة وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.
{إِنَّ اللَّه يَأْمُر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَالْبَغْي يَعِظكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..
- التصنيف:
- المصدر: