المسلمون المقادسة ينذرون أنفسهم لحماية المسجد الأقصى

منذ 2006-06-08

قصص من التضحية والفداء


تراكمت صور البطولة والفداء في ذهن الفلسطيني عبر سنوات طويلة من المواجهات الدامية في وجه القوة الحربية الصهيونية، وكثرت المواقف البطولية، وتوالت تباعاً لتغرس في نفوس الناس مبدأ الاستعداد لخوض الحرب وقبول نتائجها المدمرة والدموية، وتحمل تبعاتها، بل والرضا بأبشع ما يمكن أن تخلفه من المآسي والنكبات المادية والبشرية!!


لم تعد صور المجازر التي ارتكبها الصهاينة قديماً بحق أبناء فلسطين بالأمر الذي يثير الخوف والفزع لدى الأجيال الجديدة، ولم تعد وسائل الإعلام الصهيونية قادرة على التهويل من أمر المواجهة، والترويع بعرض التوقعات المؤلمة لنتائجها، كما لم يعد مشهد الدماء والأشلاء ليؤثر على نفسية الفلسطيني المسلم الذي أصبح يتمنى الشهادة ويسعى لها غير عابئ بكل ما يحيط بها من أهوال!!

ولعل الجديد في هذه الانتفاضة ما شكل شبه إجماع لدى الشعب الفلسطيني على المواجهة وتقديم التضحيات، وتمثل بدفع الأمهات والآباء أبناءهم لساحات المعارك، وتلقي أنباء استشهادهم بالفرح، والاعتزاز بنيلهم الشهادة أثناء الدفاع عن الأقصى المبارك، وإبداء الرغبة والاستعداد لتقديم المزيد من الأبناء دون تردد وأسى.
وربما يؤكد هذا ما جاء في إذاعة "عروتس شيفع" الصهيونية، حيث نقلت صباح الخميس 29-3-2001 عن شاؤول لانداو الضابط الكبير في المخابرات الإسرائيلية العامة (الشاباك)، قوله: "إن هناك ظاهرة مقلقة جدًّا، وهي تنامي ظاهرة العودة للدين في الضفة الغربية وقطاع غزة". وأشار المسؤول الأمني الإسرائيلي إلى أنه من خلال تجربة الماضي تبين للأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هناك علاقة وطيدة بين تصاعد عمليات العنف وانتشار التدين في أوساط الشباب الفلسطيني، موضحًا أن التدين يفتح الطريق أمام انضمام الشباب الفلسطيني إلى صفوف الحركات الإسلامية المقاومة، مثل: حركة حماس، والجهاد الإسلامي . ونوّه لانداو إلى أن تشبّع الشباب الفلسطيني الذين تتراوح أعمارهم بين الثمانية عشر عامًا والثمانية والعشرين بفكرة أن من يموت شهيدًا في محاربة اليهود يدخل الجنة، إلى جانب اقتناعهم بأن الحياة بعد الموت هي أفضل وأنعم بكثير من الحياة الحالية، كل هذا يدفع الشباب الفلسطيني إلى الانضمام لساحة العمل المسلح ضد إسرائيل. وخلص إلى القول: "إن المرء عندما يتوصل إلى قناعة جازمة بأن هناك حياة أخرى أفضل من الحياة الحالية فإنه يندفع للانتقال إليها، وهذا ما يحدث مع ظاهرة (الاستشهاديين). وتساءل لانداو : "كيف بإمكاننا ردع أناس يبحثون عن الموت ويعتبرونه طريقًا لحياة أفضل، نحن نتعامل مع واقع قاسٍ وصعب، ولا أحد بإمكانه أن يستخدم عصًا سحرية لوقف العمليات الاستشهادية"(1)


وبتتبع ما يتعلق بهذا الشأن من أحداث خلال هذه الانتفاضة نجد صوراً مشرقة تعبر عن المعنويات العالية، والصبر والثبات، والرغبة في المواصلة..


حب الشهادة


-
في يوم السبت 1-10-2000 ودّع إسماعيل شحدة شملخ أهله وزوجته متجهاً إلى الضفة الغربية لعله يجد طريقاً يوصله إلى مدينة القدس؛ ليقاتل اليهود، وينال الشهادة في بيت المقدس كما كان يحلم بها دائماً.


تقول والدته وهي تحاول إخفاء دموعها: "كان رحمه الله خلوقاً محباً لله، لا يُرى إلا باسماً، وإن كانت ابتسامته تنم عن حزن دفين في قلبه، فقد كان كثيراً ما يتألم إذا رأى منكراً ولو كان بسيطاً، ويحاول بقدر استطاعته أن يغيره، وكان شديد الحرص على صلاة قيام الليل، وراح يعوّد نفسه دائماً على القيام والسهر على قراءة القرآن والدعاء لعله يحقق أمنيته في جهاد العدو الصهيوني، وما أن اشتعلت انتفاضة الأقصى ورأى شارون السفاح يدنسه بزيارته له حتى كادت روحه تصعق لكثرة تألمه وحزنه، فقرر أن يغادر القطاع ويذهب إلى القدس ليجاهد أعداء الله، وأول ما سنحت له الفرصة غادر القطاع بسرعة.." وتضيف والدته: "إنه كان دائماً يردد شعارات الشهادة ويوصيني بألاّ أحزن إذا فاز بها، قائلاً لي: "ألا تحبين يا أمي أن يفوز ولدك في الدنيا والآخرة، وأن يقي نفسه من شر نار جهنم؟ أيرضيك أن يعبث اليهود في القدس والمسجد الأقصى..؟ إن قتلي شهيداً مدافعاً عنه خير من حياتنا تحت ذل وقهر اليهود".
ولم تستطع أم إسماعيل أن تحجب دموعها التي سقطت على وجنتيها وهي تكمل حديثها: "لقد فاز وحقق جزءاً من أمنيته، فقد كان يتمنى أن يستشهد في ربوع الأقصى، فنال الشهادة من أجله.. أسأل الله أن يتقبله شهيداً"


أما والده فقد أكد أن دماء إسماعيل لن تذهب هدراً، وأنه هو شخصياً مستعد للتضحية بنفسه وأبنائه الأحد عشر من أجل فلسطين والمقدسات الإسلامية. وقال: "إن إسماعيل يعمل بمدينة البيرة بمصنع لتصليح الثلاجات مضيفاً أنه غادر غزة يوم الخميس الماضي، ولكن حبه للقدس وشجاعته وغيرته دفعته إلى المشاركة في الدفاع عنه مضيفاً أنه طالما كان يحلم بالشهادة؛ حيث شارك في العديد من المواجهات خلال الانتفاضة، وتعرض للإصابة أكثر من مرة من خلال المقاومة ضد الاحتلال".


أما زوجته التي شاركت أمه دموعها فقد قالت: ".. أحمد الله أن في أحشائي ابناً لإسماعيل، فإذا قتل اليهود إسماعيل وهو يدافع عن الأقصى فسيخرج من إسماعيل من يكمل المشوار عن أبيه، سأحسن تربيته وألقنه منذ يوم ميلاده أن اليهود أعداؤه وأعداء الله، فلا يتهاون معهم ولا يترك حقه منهم، فقد قتلوا أباه ونزعوا من أيدينا مسرى رسول الله".


ويذكر أن إسماعيل شحدة أوصى زوجته بحسن تربية مولوده، وإعداده للدفاع عن القدس، كما أوصى أهله بتوزيع الحلوى على المهنئين يوم استشهاده . وفي يوم الثلاثاء الموافق 3-10 قتل إسماعيل مقبلاً غير مدبر وهو يقاوم جند الاحتلال الصهيوني بالحجارة والزجاجات الحارقة لا يبالي برصاصهم تاركاً زوجته ووليده المنتظر وأمه، حيث أصيب برصاص دمدم في رقبته وتوفي على أثرها..(2)


عريس يضحي بنفسه!!


(صلاح أبو قينص 27 عاماً) قُتل ولم يمض على زواجه سوى (40) يوماً، لكن زفافه إلى عروسه لم يمنعه من نصرة الأقصى، ونيل الشهادة في سبيل الله..


وبسبب نشاط صلاح في الانتفاضة الأولى فقد بات مطلوباً لقوات الاحتلال الصهيوني، ومطارداً لها لمدة عام كامل، وكثيراً ما نجاه الله من طلقات جيش الاحتلال الغادر، ولم تستطع اتفاقيات السلام الموقعة مع الجانب الإسرائيلي أن تمحو كراهيته للاحتلال بل زادت حقده لهم. ويذكر أنه قبل انطلاق انتفاضة الأقصى وقف في وجه جيش الاحتلال الصهيوني ومنعهم من دخول الشارع الرئيسي -صلاح الدين- قرب مستوطنة) نتساريم) عندما حاولت قافلة من سيارات المستوطنين تحرسهم قوات من الجيش الإسرائيلي دخول الشارع متجاوزة السيارات الفلسطينية، مما أحدث عراكاً وتبادلاً للاتهامات بين قوات الأمن الوطني الفلسطيني وجيش الاحتلال، وبالتالي بقيت صورة صلاح ببشرته السمراء أمام جنود الاحتلال الذين اعتبروه انتهك كرامة الجيش الإسرائيلي، وما أن اشتعلت الانتفاضة حتى سارع صلاح إلى الالتحاق بمجموعات المقاومة ليدافع عن القدس من اعتداءات الجيش الصهيوني.


تقول عروسه بعد سماع نبأ قتله على أيدي القوات الإسرائيلية: "كنت عروساً لصلاح.. ولكني الآن زوجة الشهيد صلاح إن شاء الله، ويكفيني فخراً أني زوجه".


أما والدته التي أظهرت علامات الفخر والاعتزاز بولدها، فقد قالت: "صلاح كان بطلاً في الانتفاضة وطارد اليهود لسنوات طويلة، والحمد لله أنه مات واقفاً مدافعاً عن القدس ولم يمت متخاذلاً".


طفل يحمل همّ القدس!!


خاطب الطفل محمد يوسف أبو عاصي، والدته قبل مقتله على أيدي اليهود بقوله:"لا تبكي يا أمي، وسأشفع لك عند الله، سأصبح شهيداً من أجل القدس إن شاء الله".


بهذه الكلمات القليلة في عددها، الكبيرة في معناها، أوصى هذا الطفل البالغ من العمر تسع سنوات والدته قبل انطلاقه إلى مفرق الشهداء قرب مستوطنة (نتساريم) جنوب غزة حيث تلقى رصاصة الغدر بصدره.


يقول والده:"اعتاد محمد على الذهاب يومياً إلى مفرق الشهداء للمشاركة في المواجهات مع قوات الاحتلال" وأضاف: "عندما شاهدت عمليات القصف الصاروخي وهجمات الطائرات، حاولت منعه من الذهاب لكنه في كل مرة كان يهرب، ويذهب إلى هناك.. لقد كان مشتاقاً للشهادة".


أما والدته فقد قالت والدموع تنهمر من عينيها: "قال لي مراراً: إنه يريد الموت من أجل المسجد الأقصى وقضية القدس، ويوم استشهاده أخبرني أنه سيذهب ويحارب اليهود".


و تضيف: "استعطفني و استحلفني بالله أن أسمح له بالذهاب.. قلت له: سأذهب معك، فطلب مني البقاء في البيت لرعاية إخوته، فدعوت له و ذهب..".


صعد محمد أعلى المنزل قبل مشواره الأخير، وبدأ يكتب الشعارات التي اعتاد عليهاخيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود)، (الله أكبر.. لا إله إلا الله)، وانطلق إلى ميدان المعركة.


رصاص القناصة الإسرائيليين المتمركزين عند مفرق الشهداء لم يفرق بين طفل، و شيخ، و شاب، وعندما اقترب محمد من المكان اخترقت صدره رصاصة غادرة وخرجت من ظهره حيث نال ما تمنى!!


وطفل آخر كذلك


من صور البطولة ما سطره الطفل إياد شعث الذي لم يبلغ من العمر سوى (13) عاماً، حيث أصيب برصاص حي من النوع المتفجر في جبين عينه اليسرى، حيث اخترقت الرصاصة الجمجمة، وتحولت إلى أكثر من (10) شظايا داخل الدماغ الذي تهتك، وتناثرت أجزاء منه على الأرض.


تقول والدته: "إن إياداً ردد على مسامعها مراراً الأسبوع الذي سبق مقتله رغبته بالشهادة، ومشاركته الشبان في رشق الحجارة؛ حيث اعتاد على التوجه إلى حاجز التفاح القريب من مدرسته شرق خان يونس بعد انتهاء دوامه الدراسي ليعود إلى المنزل مع غروب الشمس". وأضافت : "لم يعد يوم السبت كالمعتاد، وقلقت عليه كثيراً ومع حلول الظلام انطلقت بصحبة والده نبحث في المستشفيات عنه ولم يكن اسمه مدرجاً في كشوف الجرحى، وقد تم تسجيله باسم آخر نظراً؛ لأنه يشبه أحد الفتية".


ولم يكن أمام الوالدين إلا المرور بين الجرحى، حتى تم التعرف عليه داخل غرفة العناية المركزة في مستشفى الشفاء، وقد دخل في حالة موت دماغي.


يقول أحد أفراد عائلته: "إن إياداً أعطى حقيبته المدرسية لأحد زملائه لإعادتها إلى المنزل حتى يتفرغ هو لرشق الحجارة إلا أن زميله شاركه رشق الحجارة، ويتضح ذلك من العثور على الحقيبة في منطقة المواجهات بعد إصابة إياد".


الأقصى لكل المسلمين!!


لعل أغرب قصص البطولة وحب الشهادة في هذه الانتفاضة المباركة، ما نقلته الصحف المغربية عن شاب مغربي يدعى عبد الحميد البقالي (27عاماً) كان يعيش في السويد منذ عام (1999م)، ثم استطاع السفر إلى الأراضي المحتلة للمشاركة في انتفاضة الأقصى؛ حيث قتل في القدس على أبواب المسجد الأقصى المبارك.
ولم تعرف أسرة الشهيد عبد الحميد حتى الآن ملابسات انتقال ابنهم إلى فلسطين المحتلة، غير أنها ذكرت أنه كان طوال حياته متعلقاً بالجهاد في فلسطين.


يقول والده: "كان ابني يتمنى أن يكون إلى جانب المقاومة الفلسطينية؛ لتحرير الأراضي المحتلة، ولدي اقتناع كامل أنه قتل من طرف الصهاينة، وأشعر باعتزاز شديد؛ لأنني قدمت أحد أبنائي فداء للمقدسات الإسلامية".


ويضيف: "أخبرني عدة مرات في الهاتف أن معظم أصدقائه من المواطنين السوريين المقيمين في السويد، وأخبرني أيضاً أن إيرلندياً شمالياً أسلم على يديه، وأهداه مصحفاً، وعلمه ذكر الله، وكان دائم الحديث عن فلسطين والجهاد.." مؤكدًا: "إن استشهاده خفف عني هول ما يحدث في الأراضي المقدسة، وأدعو الله أن يجعله في مقام الشهداء، فإذا لم أستطع الذهاب للمشاركة فدمي هناك، دم ابني لن يذهب هدرًا".


وختم والده بالقول: "إن الحدث بالنسبة لي حدث سعيد، نحن بحاجة إلى تقبل التهنئة بدل العزاء".


من صور الجرأة والشجاعة


لم يأبه المصلون في المسجد الأقصى يوم الخميس 28-9-2000م بالضباط والجنود الذين رافقوا المجرم (شارون) في محاولته انتهاك المسجد تمهيداً لإقامة الهيكل، فقاموا بمهاجمتهم بشراسة، وحملوا عليهم حملة منكرة، وردوهم على أعقابهم القهقرى، وذلك في صورة مهينة مذلة، حيث تراجعوا إلى الوراء يجرون زعيمهم شارون جراً مخزياً خوفاً من إصابته، وسط انهمار الحجارة والزجاجات فوق رؤوسهم، مما أدى إلى إصابة أكثر من خمسة وعشرين ضابطاً وجندياً.


ولأول مرة ونتيجة للمجزرة التي ارتكبها اليهود يوم الجمعة 29-9-2000م في ساحة الأقصى المبارك اندفع الفلسطينيون بغضب نحو حائط البراق الذي يسميه اليهود (حائط المبكى)، وقاموا برجم الذين تجمعوا للصلاة عنده من اليهود المتطرفين، وذلك كرد فعل على الجرائم الوحشية التي ارتكبها جنودهم ضد المصلين في ذلك اليوم.. وهذه الجرأة والشجاعة ازدادت كثيراً خلال الانتفاضة الأولى، وعمت الشعب كله خلال الانتفاضة الثانية، فصارت مشاهد السباق نحو الشهادة بين الصغار والكبار أمراً مألوفاً، وأصبحت صور الجهاد المشرقة، وقصص البطولة والإقدام في ساحات المواجهة كثيرة لا تُحصى، وتحولت الأرض إلى مزرعة للبطولة والفداء، وغدت فلسطين كلها مصنعاً للرجال والمغاوير مما زاد من أسباب الرعب والهلع لدى اليهود الموصوفين بالجبن والمسكنة.


إن مشهد أولئك الملثمين المتلفعين بالأكفان وحول رأس كل منهم عصابة خضراء كتب عليها كلمتان صادعتان هما "مشروع شهيد" لكفيل بغرس قدر كبير من الهلع في نفوس الإسرائيليين الذين يشاهدون مثل هذه التجمعات كثيراً على شاشات التلفاز أو في المجلات والصحف، ويعلمون تمام العلم أن هؤلاء هم الذين أعدتهم كتائب القسام للقيام بعمليات استشهادية في عمق الكيان الإسرائيلي.


ولعل السبب في هذا الإقدام شعور المجاهد بحلاوة الجهاد والتضحية بعد إصابته، مما يدفعه إلى المواجهة أكثر ليتوج جهاده بحلة الشهادة.


ومن المظاهر التي تدل على الجرأة والشجاعة ذلك السباق نحو الشهادة، وتمنيها والإعداد لها، فمحمد الدرة كان يسأل أمه قبل أن يقتل : "هل حقاً أن الذي يقتله اليهود يدخل الجنة يا أمي..، وهل حقاً يشفع الشهيد لسبعين من أهله..؟!!".


إصرار على القتال حتى الموت أو التحرير


من خلال تتبع أخبار الشهداء والجرحى نرى العجب الذي يدهش العقول، فكم من شهيد كان قد أصيب مرات ومرات قبل أن يستشهد، وفي كل مرة يعالج يصر على العودة لساحات المواجهة، وربما يعود لقذف الحجارة والزجاجات الحارقة قبل أن تلتئم جراحه، وعلى يده جبيرة، أو يتكئ على عكاز..


ومن الأمثلة على ذلك البطل بهاء الدين سعيد (24 عاماً) من مخيم المغازي بغزة؛ حيث عرف بشدة بأسه على اليهود خلال الانتفاضة الأولى، مما أدى إلى إدراجه في قوائم المطاردين، فعمد إلى الهروب خارج فلسطين، ثم العودة بعد تسلم السلطة الفلسطينية مهامها في غزة وأريحا، وقد عمل في صفوف الأمن الوقائي، إلا أنه لم يتحمل نتائج الصلح المهين مع ألد أعداء الدين، فتمرد على القوانين المجحفة، وغدا مطارداً على كل صعيد.


ومع بداية انتفاضة الأقصى نجح بهاء الدين سعيد في حفر نفق صغير تحت الأسلاك الإلكترونية في مستوطنة كفار داروم، واستطاع التسلل منه ليلاً ليفاجئ جنود الاحتلال في غرف نومهم، حيث أطلق عليهم الرصاص والقنابل اليدوية بغزارة، مما أدى إلى مصرع أربعة جنود وجرح اثنين آخرين قبل أن يجتمع عليه الجنود ويقتلوه(2)

وكذلك البطل عبد القادر أبو لبن من مخيم الدهيشة قرب بيت لحم، حيث خاض المواجهات مع اليهود في الانتفاضة الأولى وجرح ست مرات، وفي كل مرة يعالج ويعود لساحات المواجهة التي عشقها وأحبها ولم يعد يطيق مفارقتها، ثم شارك في الانتفاضة الثانية فأصيب ثلاث مرات كانت الأولى رصاصة مطاطية، والثانية قنبلة صوت انفجرت في وجهه فأصابته بحروق، ثم الثالثة التي قضى بعدها وهي رصاصة دمدم متفجر أصابت أحشاءه وكبده رحمه الله.


يقول الجريح عبد الله خليل (15عاماً): "إنه بالرغم من إصابته بعيارين متفجرين في قدمه إلا أنه ينوي الاستمرار في القتال بعد الشفاء بإذن الله تعالى؛ لأن القتال يجب أن يستمر حتى يتحقق التحرير والنصر على الأعداء، مضيفاً أن دماء الشهداء والجرحى لا يمكن أن تذهب هدراً.


ألماني يلبي نداء القدس!!


من صور الشجاعة والبطولة ما حصل للشاب الألماني المسلم (عبد الكريم) جوزيف سيميريك الذي اعتقل في مطار بن غوريون بعد وصوله إلى فلسطين المحتلة بهدف القيام بعملية فدائية؛ حيث أعرب عن سعادته في المشاركة في الجهاد ضد المحتلين اليهود، وقال: "حياتنا لا تعني شيئاً بالنسبة لنا إلا إذا خضنا الجهاد؛ إذ كتب الله علينا نحن المسلمين أن نضحي بأنفسنا إذا احتلت أرضنا، والواجب علينا أن نضحي بأرواحنا لتخليصها"، وأضاف: "إنني أعتمد القرآن والسنة منهجاً لي". كما جاء في مقابلة بثتها النشرة التلفزيونية التابعة لمجلة (شبيغل) البارزة، وذلك عبر قناة (آر تي إل) الألمانية.


وأفادت كارين وود والدة عبد الكريم سيميريك أنه جاءها ذات مرة وقال: "اليوم أعيش وغداً أموت، فما هي الحياة؟ فقلت له: ما بك، إنّ الحياة ما زالت أمامك! فقال لي: ما الحياة يا أمي؟".


وأكد عبد الكريم سيميريك من جانبه أنّ الأمن الإسرائيلي هدده بالقتل خلال التحقيقات التي أجراها معه بعد وصوله إلى فلسطين المحتلة. وأوضح أنّ أحد عناصر الشاباك الذين كانوا يتأهبون لاستقبالي قال لي: "إننا نستطيع أن نتخلص منك؛ إذ لا يوجد طابع التأشيرة الإسرائيلية على جواز سفرك، كما أنك اجتزت نقطة التدقيق في جوازات السفر بلا أختام، أي لا يوجد ما يثبت أنك لدينا، ويمكننا أن نقوم بقتلك إذا لم تدل بالاعترافات".


وتوصلت التحقيقات إلى أنّ عبد الكريم سيميريك كان ينوي استطلاع أهداف في تل أبيب، وأنه يريد الاستشهاد على أرض فلسطين كي يحرر المسجد الأقصى من الاحتلال. وحكمت السلطات الإسرائيلية في صيف العام الماضي على سيميريك بالسجن لمدة عشر سنوات، بعد إدانته بالعمل لصالح منظمات فلسطينية، والعزم على تنفيذ هجمات مسلحة ضد أهداف إسرائيلية، قضى عاماً منها حتى الآن في معتقل عسقلان الواقع على الساحل الفلسطيني. وبدت على سيميريك مشاعر الثقة والارتياح خلال المقابلة التلفزيونية، فهو يرى أنه سعى للاستشهاد في فلسطين، ووجد أنه لا غرابة في ذلك لمن يعرف الإسلام، وفي الإسلام فإنّ المنزلة الأفضل هي للشهيد.


وللنساء دورهن أيضاً..


لم يقتصر أمر الجهاد في انتفاضة الأقصى على الرجال والأطفال وحدهم؛ بل كان للمرأة دورها أيضاً، وسطرت بطولات خالدة ومواقف تحتذى، حيث ذكرت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان أن عدد الفلسطينيات اللواتي قتلن على أيدي قوات الاحتلال ارتفع إلى(141) فلسطينية منذ بداية الانتفاضة الأولى عام(1987م).


وكانت (23) فلسطينية قد قتلت على يد قوات الاحتلال خلال فترة انتفاضة الأقصى الحالية، ومن بينهن يوجد (7) طفلات تتراوح أعمارهن بين (24) يوماً وعشر سنوات، وثمان أخريات تجاوزن الخمسين من العمر .

 

وقد تنوعت أسباب وفاة الفلسطينيات بين القصف، و إطلاق النار، وإعاقة عملية تقديم العلاج في الوقت اللازم.

ونقف هنا على بعض صور التضحية النسائية في انتفاضة الأقصى المباركة:

امرأة بألف رجل!!


امرأة تجاوز عمرها الخمسين عاماً لم تتغيب عن المواجهات في كافة الأحداث التي شهدتها منطقة خط التماس وسط مدينة الخليل، حيث كانت دائماً في الصفوف الأولى للمواجهات، فهي تارة تضرب الحجارة مثل الشبان الثائرين، وتارةً تحضر لهم الحجارة، وتارةً أخرى تراقب ساحة الأحداث تحذر الشبان.. امرأة لم تذكر اسمها ولكن صورتها لم تغب عن أعين المراسلين والصحفيين.


وتظل تلك المرأة مشدودة إلى منطقة خط التماس دون خوف أو وجل.. وفي أحد مهرجانات الانتفاضة قالت: "إنها تعشق الجهاد، وترغب أن تقاتل اليهود حتى تستشهد، ولم تنقطع عن ترديد الهتافات طوال المهرجان الإسلامي..".

-
أم البطل أيمن اللوح جاءت تزور ابنها المصاب، ففوجئت بابنها الثاني مقتولاً:
"
كان الله في عون أمه، الله يلهمها الصبر"، لم تكن أم رائد تعلم وهي تنطق بهذه الكلمات أنها تدعو لنفسها بالصبر عندما شاهدت الشبان يحملون ابنها أيمن على أكتافهم.


كانت أم رائد تزور ابنها البكر رائد الذي يرقد في قسم العظام في مستشفى الشفاء بغزة مصاباً بعيار ناري في يده، ولدى سماعها هتافات الشبان الذين كانوا يحملون على أكتافهم أحد الشهداء، أطلت من شرفة قسم الجراحة لتدعو ربها أن يلهم أمه الصبر.. إلا أن قلبها دفعها إلى النزول مهرولة كي تراه.


حاول الشبان منعها من الوصول، فصرخت: من الشهيد؟ أخبروني.. فلما علمت لم تصدق، وقالت: ".. لقد تركته منذ ساعات قبل أن آتي لزيارة أخيه رائد في المستشفى.." فجعلت تبكي ثم اندفعت تجاه ابنها لتسقط إلى جواره فاقدة الوعي، ولحق بها ابنها رائد المصاب غير عابئ بإصابته، رأى أمه وأخاه فهمَّ بمغادرة المستشفى والتوجه إلى مفرق الشهداء حيث أصيب أخوه هناك، إلا أن الطوق البشري الذي فرضه عليه أصدقاؤه حال دون خروجه من المستشفى.


وقالت رائدة شقيقة أيمن:"إن والدتها تمالكت نفسها، ثم قالت:"ابني شهيد إن شاء الله "، وذلك قبل أن يغمى عليها من هول الصدمة والمفاجأة. ومضت رائدة تقول والدموع تنهمر من عينيها: "قتلوه بدم بارد، كانت طائرتان تحلقان في سماء الوطن تغتال أبناءه".



------------------------
*
الهوامش:
1
القدس محمد الصالح إسلام أون لاين نت 29-3-2001م.
2
انظر: موقع البراق على شبكة الانترنت 18-11-2000م، جريدة الشرق الأوسط 16-2-2001م.

 

  • 0
  • 0
  • 20,678

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً