فضل صلاة الجماعة

منذ 2013-07-15

تعالوا بنا نتعرف على فضائل صلاة الجماعة من خلال القرآن والسنة وكيف كان حال سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم معها


بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وبعد:

إن الصلاة فريضة من الفرائض التي افترضها الله عز وجل على عباده، وهي أول أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي الفارق بين المسلم وغيره، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة فإن صُلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله، فينبغي على مسلم ومسلمة المحافظة عليها كما أمر الله عز وجل وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عظم أهمية الصلاة في الإسلام أن ثواب أداءها في جماعة أفضل بكثير من صلاتها منفرداً.


فتعالوا بنا نتعرف على فضائل صلاة الجماعة من خلال القرآن والسنة وكيف كان حال سلفنا الصالح رضوان الله تعالى عليهم معها.

إن المتأمِّل في القرآن الكريم، والمتدبّر لآياته يجد أن تبارك وتعالى أمر بالمحافظة على أداء الصلاة في وقتها قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء من الآية:103].

وقال تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238].

قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: {حَافِظُواْ} خطاب لجمع الأمة، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها. والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه" (تفسير القرطبي: ج3، [ص:208]).

وقال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني تعالى ذكره بذلك: واظبوا على الصلوات المكتوبات في أوقاتهن، وتعاهدوهن والزَمُوهن، وعلى الصلاة الوسطى منهنّ" (تفسير الطبري: ج5، [ص:167]).

فضل المحافظة على صلاة الجماعة في السنة المطهرة:


بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة الجماعة فضلها عظيم وثوابها كبير، وتزيد على صلاة المنفرد بدرجات ومن هذه الأحاديث:

ما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته، وفي سوقه، خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ، فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة، إلا رُفِعت له بها درجة، وحُط عنه بها خطيئة، فإذا صلى، لم تزل الملائكة تصلي عليه، ما دام في مصلاه اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة» (أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأذان - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب فضل صلاة الجماعة حديث [رقم‏:629‏]).


وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة» (أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأذان - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب فضل صلاة الجماعة حديث [رقم:627‏]، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب فضل صلاة الجماعة - حديث [رقم:1073‏]).

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "قوله: «بسبع وعشرين درجة»، و«خمس وعشرين ضعفًا»، و«خمس وعشرين جزءاً»، يدل على تضعيف ثواب المصلى في جماعة على ثواب المصلي وحده بهذه الأجزاء وهذه الأوصاف المذكورة" (شرح صحيح البخاري: لابن بطال ج2، [ص:272]).

وانظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُبيّن لنا ثواب المشي إلى صلاة الجماعة:


عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم، فأبعدهم ممشى والذي ينتظر الصلاة حتى يُصليها مع الإمام أعظم أجراً من الذي يُصلي، ثم ينام» (أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأذان - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب فضل صلاة الفجر في جماعة [حديث:‏632‏]، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد - [حديث:‏1099‏]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهَّر في بيته، ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحطُّ خطيئة، والأخرى ترفع درجة» (أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا - [حديث:‏1105‏]).

وعن أُبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد من المسجد منه، وكان لا تُخطئه صلاة"، قال: "فقيل له: أو قلتُ له لو اشتريتُ حماراً تركبه في الظلماء، وفي الرمضاء"، قال: "ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد، ورجوعي إذا رجعتُ إلى أهلي"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جمع الله لك ذلك كله» (أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل كثرة الخطا إلى المساجد - [حديث:‏1100‏]).

ومن أهمية صلاة الجماعة وعظم فضلها أن النبي صلى الله عليه وسلم رغّب في أداء الصلاة في جماعة ولا سيما صلاة الفجر وصلاة العشاء:
عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله» (أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة - [حديث:‏1084‏]).


وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممتُ أن آمر بالصّلاة فتقام، ثمّ آمر رجلاً، فيصلّي بالنّاس، ثمّ أنطلق معي برجال معهم حزمٍ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنّار» (أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب فضل صلاة الجماعة - [حديث:‏1076‏]).

قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله:

"خُصَّت العشاء والفجر لأحد أمرين:

1- إما لأنهما في الظلام والمنافق إنما يُرائي الناس في الصلاة، كما قال تعالى: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ} [النساء من الآية:142]، فالعشاء والصبح تكونان في ظلام لا يرى أحد أحداً، فما دام لا أحد يراه فلن يذهب للصلاة، لكن الظهر تؤدى في النهار، وكذلك في العصر والمغرب الناس موجودون، فسيُرائي في صلاته.

2- والأمر الآخر أنه إذا كان الوقت صيفاً، وجاءت صلاة العشاء كان ذلك بداية برودة الجو بعد عناءٍ في نهار الصيف؛ فيكون أدعى إلى الراحة والخلود، وفي الفجر يقصُر وقت الليل، ثم مع قصر الليل يكون ليل الصيف في آخره أبرد، فهو أدعى إلى الخلود والراحة في الفجر.

وإذا كان الشتاء فإن وقت العشاء مع قصر النهار وظلمة الليل وشدة البرد يخلُد إلى السكون، ومع طول الليل يشتد البرد، وهذه دواعي الجلوس والترك، ومن هنا كان الوعيد على الفجر والعشاء أشد؛ لأنهما يكتنفان بعوامل القعود والترك، ولذا جاء التحريض على هاتين الصلاتين بقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى العشاء في جماعة، فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله»" (شرح بلوغ المرام: للشيخ عطية محمد سالم).

وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدرجات في الجنة بكثرة الذهاب والغدو إلى المساجد لأداء فرائض الله عز وجل:


عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنة نُزلاً كلَّما غدا أو راح» (أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب الأذان - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح - [حديث:‏642]، وأخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب المشي إلى الصلاة تمحى به الخطايا - [حديث:‏1108‏]).

قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "فيه؛ الحضّ على شهود الجماعات، ومواظبة المساجد للصلوات؛ لأنه إذا أعدّ الله له نُزله في الجنة بالغدو والرواح، فما ظنك بما يُعِدُّ له ويتفضّل عليه بالصلاة في الجماعة واحتساب أجرها والإخلاص فيها لله تعالى" (شرح صحيح البخاري: لابن بطال ج2، [ص:285]).

وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: "ومعنى الحَدِيْث: أن من خرج إلى المسجد للصلاة فإنه زائر الله تعالى، والله يعد لَهُ نزلاً من المسجد، كُلَّمَا انطلق إلى المسجد، سواء كَانَ فِي أول النهار أو فِي آخره" (فتح الباري: لابن رجب ج4، [ص:65]).

أن المحافظة على صلاة الجماعة سببٌ في كمال إسلام العبد وإيمانه:


عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "من سَرّه أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلِّف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيُحسِن الطهور، ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد، إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويُحَطُّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف" (أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب صلاة الجماعة من سنن الهدى - [حديث:‏1081‏]).

وانظروا إلى هذا الخير العظيم والثواب الجزيل الذي يحصله العبد من محافظته على صلاة الجماعة:


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلّى لله أربعين يوماً في جماعة يُدرِك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار، وبراءة من النفاق» (سنن الترمذي الجامع الصحيح - أبواب الطهارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أبواب الصلاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - باب في فضل التكبيرة الأولى [حديث:‏230‏]، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي حديث [رقم:241]).

قوله: «من صلّى لله»: أي خالصاً. «أربعين يوماً»: أي ليلة. «في جماعة»: متعلّق بصلّى. «يُدرِك»: حال. «التكبيرة الأولى»: أي التكبيرة التحريمة مع الإمام.

«براءة من النار»: أي خلاص ونجاة. منها يُقال برئ من الدين والعيب خلص، ولا يكون الخلاص منها إلا بمغفرة الصغائر والكبائر جميعاً، «وبراءة من النفاق».

قال الطيبي: "أي يؤمنه في الدنيا أن يعمل عمل المنافق ويوفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه مما يعذِّب به المنافق أو يشهد له أنه غير منافق، فإن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، وحال هذا بخلافهم. والحديث يدل على فضل إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام".

قال ابن حجر رحمه الله: "إدراك التكبيرة الأولى سُنَّة مؤكدة، وكان السلف إذا فاتتهم عزُّوا أنفسهم ثلاثة أيام، وإذا فاتتهم الجماعة عزُّوا أنفسهم سبعة أيام" (مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: ج4 [ص:102]).

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «والّذي نفسي بيده، لقد هممتُ أن آمر بحطب فيحطب، ثمّ آمر بالصّلاة فيؤذّن لها، ثمّ آمر رجلاً، فيؤمّ النّاس، ثمّ أخالِف إلى رجال فأحرّق عليهم بيوتهم، والّذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنّه يجد عِرْقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء» (صحيح البخاري - كتاب الأذان - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب وجوب صلاة الجماعة [حديث:‏626‏]).

وانظروا إلى عظم الصلاة في جماعة والمحافظة على الصف الأول:


عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

«لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً» (صحيح البخاري - كتاب الأذان - باب الاستهام في الأذان - [حديث:‏598‏]).

قال الإمام النووي رحمه الله:


"النداء هو الأذان والاستهام الاقتراع، ومعناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وقدرها وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقاً يحصلونه به لضيق الوقت عن أذان بعد أذان أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله، ولو يعلمون ما في الصف الأول من الفضيلة نحو ما سبق وجاءوا إليه دُفعة واحدة وضاق عنهم ثم لم يسمح بعضهم لبعض به لاقترعوا عليه وفيه إثبات القرعة في الحقوق التي يزدحم عليها ويتنازع فيها" (شرح النووي على صحيح مسلم: ج4، [ص:157]).

قوله: «ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه» التهجير التبكير إلى الصلاة أي صلاة كانت، قال الهروي وغيره وخصّه الخليل بالجمعة، والصواب المشهور الأول.

قوله صلى الله عليه و سلم: «ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبواً» فيه الحث العظيم على حضور جماعة هاتين الصلاتين والفضل الكثير في ذلك لما فيهما من المشقة على النفس من تنغيص أول نومها وآخره ولهذا كانتا أثقل الصلاة على المنافقين" (المرجع السابق: ج4، [ص:158]).

وقال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله:

لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول» يعني: لو يعلمون ما فيهما من الفضل والثواب، ثم لم يجدوا الوصول إليهما إلا بالاستهام عليهما -ومعناه: الاقتراع- لاستهموا عليهما تنافساً فيهما ومشاحة في تحصيل فضلهما وأجرهما" (فتح الباري: لابن رجب ج3، [ص:480]).

بل إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن لنا أنه لا عذر للإنسان في التخلُّف عن صلاة الجماعة طالما أنه سمع النداء:


عن عمر بن أم مكتوم رضي الله عنه قال: جئتُ رسول الله فقلتُ: يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار ولي قائد لا يُلائمني فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: «أتسمع النداء»؟ قلت: نعم قال: «ما أجد لك رخصة» (سنن أبي داود - كتاب الصلاة - باب في التشديد في ترك الجماعة - [حديث:‏470‏]، وقال الألباني: حسن صحيح. انظر: صحيح سنن أبي داود حديث [رقم:552]).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر» (المستدرك على الصحيحين للحاكم - ومن كتاب الإمامة - أما حديث عبد الرحمن بن مهدي - [حديث:‏841‏]، وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث [رقم:6300]).

حال السلف الصالح رضوان الله عليهم مع صلاة الجماعة:

(قال سعيد بن المسيب: "ما أذن مؤذن منذ عشرين سنة إلا وأنا في المسجد". وقال محمد بن واسع: "ما أشتهي من الدنيا إلا ثلاثة أخاً إنه إن تعوجت قومني وقوتاً من الرزق عفواً من غير تبعة وصلاةً في جماعة يُرفع عنِّي سهوها ويُكتب لي فضلها".

وقال حاتم الأصم: "فاتتني الصلاة في الجماعة فعزّاني أبو إسحاق البخاري وحده ولو مات لي ولد لعزّاني أكثر من عشر آلاف، لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا".

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "من سمع المنادي فلم يجب لم يُرِد خيراً لم يُرَد به خير".

وقال أبو هريرة رضي الله عنه: "لأن تملأ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع النداء ثم لا يُجيب".

وَرُوِي أن ميمون بن مهران أتى المسجد فقيل له: "إن الناس قد انصرفوا". فقال: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة من الآية:156]، لفضل هذه الصلاة أحب إلي من ولاية العراق".

وَرُوِي أن السلف كانوا يُعزُّون أنفسهم ثلاثة أيام إذا فاتتهم التكبيرة الأولى، ويُعزُّون سبعاً إذا فاتتهم الجماعة) (إحياء علوم الدين: ج1، [ص:147] وما بعدها).

وكان الربيع بن خيثم قد سقط شقه في الفالج فكان يخرج إلى الصلاة يتوكأ على رجلين فيقال له: "يا أبا محمد قد رخّص لك أن تصلي في بيتك أنت معذور". فيقول: "هو كما تقولون و لكن أسمع المؤذن يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح فمن استطاع أن يُجيبه ولو زحفاً أو حبواً فليفعل". وكان بعض السلف يقول: "ما فاتت أحداً صلاة الجماعة إلا بذنب أصابه"، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: "خرج عمر يوماً إلى حائط له فرجع وقد صلى الناس العصر فقال عمر: "{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} فاتتني صلاة العصر في الجماعة أُشهِدكم أن حائطي على المساكين صدقة ليكون كفارة لما صنع عمر" رضي الله عنه" والحائط البستان فيه النخل (الكبائر: للإمام الذهبي: [ص:17]).

فوائد صلاة الجماعة:

صلاة الجماعة فيها فوائد كثيرة، ومصالح عظيمة، ومنافع متعددة شُرِعَت من أجلها، وهذا يدل على أن الحكمة تقتضي أن صلاة الجماعة فرض عين، ومن هذه الفوائد والحكم التي شُرِعَت من أجلها ما يأتي:

1- شرع الله عز وجل لهذه الأمة الاجتماع في أوقاتٍ معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع وهو صلاة الجمعة، ومنها ما هو في السنة متكرراً وهو صلاة العيدين لجماعة كل بلد، ومنها ما هو عامٌّ في السنة وهو الوقوف بعرفة؛ لأجل التواصل وهو الإحسان، والعطف، والرعاية؛ ولأجل نظافة القلوب، والدعوة إلى الله عز وجل بالقول والعمل.

2- التعبُّد لله تعالى بهذا الاجتماع؛ طلباً للثواب وخوفاً من عقاب الله ورغبةً فيما عنده.

3- التوادد، وهو التَّحاب؛ لأجل معرفة أحوال بعضهم لبعض، فيقومون بعيادة المرضى، وتشييع الموتى، وإغاثة الملهوفين، وإعانة المحتاجين؛ ولأن ملاقاة الناس بعضهم لبعض توجب المحبة، والألفة.

4- التعارف؛ لأن الناس إذا صلى بعضهم مع بعض حصل التعارف، وقد يحصل من التعارف معرفة بعض الأقرباء فتحصل صلته بقدر قرابته، وقد يعرف الغريب عن بلده فيقوم الناس بحقه.

5- إظهار شعيرة من أعظم شعائر الإسلام؛ لأن الناس لو صلُّوا كلهم في بيوتهم ما عُرِفَ أن هنالك صلاة.

6- إظهار عِزَّ المسلمين، وذلك إذا دخلوا المساجد ثم خرجوا جميعاً، وهذا فيه إغاظة لأهل النفاق والكافرين، وفيه البعد عن التشبُّه بهم والبعد عن سبيلهم.

7- تعليم الجاهل؛ لأن كثيراً من الناس يَستفيد مما شرع في الصلاة بواسطة صلاة الجماعة، ويسمع القراءة في الجهرية فيَستفيد ويتعلّم، ويسمع أذكار أدبار الصلوات فيحفظها، ويقتدي بالإمام ومن بجانبه وأمامه فيتعلّم أحكام صلاته، ويتعلّم الجاهل من العالِم.

8- تشجيع المتخلِّف عن الجماعة، والقيام بإرشاده وتوجيهه، والتواصي بالحق والصبر عليه.

9- تعويد الأمة الإسلامية على الاجتماع وعدم التفرُّق؛ فإن الأمة مجتمعة على طاعة ولي الأمر، وهذه الصلاة في الجماعة ولاية صغرى؛ لأنهم يقتدون بإمام واحد يتابعونه تماماً، فهي تُشكِّل النظرة العامة للإسلام.

10- تعويد الإنسان ضبط النفس؛ لأنه إذا اعتاد على متابعة الإمام متابعة دقيقة، لا يُكبِّر قبله، ولا يتقدّم ولا يتأخّر كثيراً، ولا يوافقه بل يُتابِعه تعود على ضبط النفس.

11- استشعار المسلم وقوفه في صفّ الجهاد كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]. فهؤلاء الذين صاروا صفّاً في الجهاد لا شك أنهم إذا تعودوا ذلك في الصلوات الخمس سوف يكون ذلك وسيلة إلى ائتمامهم بقائدهم في صف الجهاد، فلا يتقدمون ولا يتأخرون عن أوامره.

12- شعور المسلمين بالمساواة، وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ لأنهم يجتمعون في المسجد أغنى الناس بجنب أفقر الناس، والأمير إلى جنب المأمور، والحاكم إلى جنب المحكوم، والصغير إلى جنب الكبير، وهكذا، فيَشعر الناس بأنهم سواء، فتحصل بذلك الألفة؛ ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمساواة الصفوف حتى قال: «ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم» (من حديثٍ رواه مسلم).

13- تفقُّد أحوال الفقراء، والمرضى، والمتهاونين بالصلاة؛ فإن الناس إذا رأوا الإنسان يلبس ثياباً بالية وتبدو عليه علامات الجوع رحموه، وأحسنوا إليه، وإذا تخلَّف بعضهم عن الجماعة عرفوا أنه كان مريضاً، أو عاصياً فينصحوه فيحصل التعاون على البِرّ والتقوى، والتواصي بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

14- استشعار آخر هذه الأمة بما كان عليه أولها؛ لأن الصحابة كانوا يقتدون بالرسول صلى الله عليه وسلم فيستشعر الإمام أنه في مقام الرسول صلى الله عليه وسلم ويستشعر المأموم أنه في مقام الصحابة رضي الله عنهم وهذا يُعطي الأمة الحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

15- اجتماع المسلمين في المسجد راغبين فيما عند الله من أسباب نزول البركات.

16- يزيد نشاط المسلم فيزيد عمله عندما يُشاهِد أهل النشاط في العبادة، وهذا فيه فائدة عظيمة.

17- تضاعف الحسنات ويعظم الثواب.

18- الدعوة إلى الله عز وجل بالقول والعمل، إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

19- اجتماع المسلمين في أوقات معينة يربيهم على المحافظة على الأوقات" (صلاة الجماعة: للدكتور سعيد بن علي بن وهف القحطاني ج1، [ص:18] وما بعدها).

كانت هذه بعض فضائل صلاة الجماعة في القرآن والسنة نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للمحافظة عليها إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.



أحمد عرفة
 

المصدر: صيد الفوائد
  • 27
  • 2
  • 55,751

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً