رمضان الصادقين
إنها الأيام التي يفوز فيها الصادقون، ويعلو شأنهم، وترفع مقاماتهم، وتسمو هاماتهم حتى إنها لتكاد أن تقارب السحاب، وتظهر معادنهم فتلمع لمعانا يشي بمعاني الخير والاستقامة.
إنها الأيام التي يفوز فيها الصادقون، ويعلو شأنهم، وترفع مقاماتهم، وتسمو هاماتهم حتى إنها لتكاد أن تقارب السحاب، وتظهر معادنهم فتلمع لمعانا يشي بمعاني الخير والاستقامة.
إنه رمضان الصادقين، رمضانهم نعم، فالصيام مداره على الصدق والإخلاص؛ فالصدق في محتوى الأعمال، والإخلاص في جوهرها ودافعها ومرتجاها، والصادقون هم المخلصون، ونتاجه التقوى لا محالة، فمزيج الصدق مع الإخلاص هو مزيج الصالحين، الذي يستقون منه معاني حياتهم جميعا. والصدق يتجلى قدره مع الله سبحانه، في صدق التوجه له سبحانه غير عابئ بمخلوق أيا كان، وصدق المشاعر الإيمانية التي تدفعه نحو الإنجاز والإيجابية تقربا إلى الله سبحانه. وصدق الحركة والسلوك، فيبذل فيها استطاعته غير بخيل بقدرة، إذ هي حركة لله سبحانه وتحرك لوجهه عز وجل، وصدق العبادة له عز وجل، إذ لا معبود غيره، ولا مرتجى سواه، وكذا صدق اللهجة، فكينونته تدل على صدق لهجته فتظهر دواخله الصادقة أثناء حديثه وأثناء فعله، فهو يرتجي ثواب الله، ذاهل عما في الدنيا.
وللصائمين الصادقين حياة تحتوي كل جميل، وتذوب في ريحانة الإيمان مع كل ساعة تمر بهم، فإذا الوجود من حولهم نور وحبور، وإذا هم يسبحون في فيض النورانية الساجي، يستقون من نبع الحب والبذل والعطاء والرضا برب رحيم، جواد كريم، غني حي قيوم. إنها حياة تمتزج فيها العبادة بالحب، فتصير في أسمى معانيها، إذ أسمى العبودية هو تمام الحب مع تمام الذل والانقياد. تلك الحياة المخلصة التي يحياها الصائمون يستشعرون فيها بلذة العبودية لا مجرد تنفيذ الأمر، فهو مذاق سكري مستلذ في حلق الصائم يتذوقه بجنانه لا بلسانه، ويستسيغه بفؤاده ويفيض سعادة على جوارحه، فترى الجوارح كلها في مؤتمر إيماني مؤتلف، فلا العقل يعصى، ولا اللسان يلغو، ولا العين تخون، ولا الأذن تسترق، ولا اليد تجترئ، ولا القدم تخطو، ولا النفس تصبو إلى ما نهاها ربها عنه.
والصدق في رمضان يدفع نحو ذكر الله سبحانه مواطأة للقلب، فهو ذكر صادق، يتعلق القلب فيه باللسان والجنان، فتطمئن النفس ويهدأ الجسد {أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]. كما يدفع نحو قراءة القرآن، فهو يرجو ثواب القرآن في شهر القرآن، فتراه مرتبطا بالمصحف طوال الشهر، ليلا ونهارا، قائما وقاعدا وسائرا، وما يلبث أن يختم المصحف حتى يبتدئ في ختمة أخرى، يرجو ثواب الله.
كما يدفع نحو الصدقة الخفية، فالصادقون يحبون طاعات الخفاء، وصدقات الخفاء، فلا تعلم شمائلهم ما أنفقت أيمانهم، فلا رياء ولا سمعة، بل تجرد ونقاء. وكذا هو سبب في طول القيام، وانكسار القلب بين يدي العزيز الحكيم في وقت السحر، فالصادقون لا يلتفتون إلى جهد ولا تعب، بل البذل شيمتهم، والعطاء صفتهم.
إنها منظومة نورانية وضاءة، وعقد فريد من طهارة ونقاء وشفافية، ينظمها الصادق مع ربه، المخلص له سبحانه، فتتحول حياته جميعا إلى سبيل مستقيم، فيتعلق بربه في حركاته وسكناته، متوكلا عليه وحده، راجيا ثوابه، خائفا من عقابه، هاربا من معصيته، فارا إليه، ساعيا إلى جنته.
خالد روشه
- التصنيف:
- المصدر: