من مقال: الإسلام في مواجهة ادعاءات الإرهاب
د.
سمير غويبة
عدالة الإسلام سر انتشاره..
وينكر المفترون على تاريخ إسلامنا أن عدالة هذا النظام في مختلف أمصاره بعد أن تمَّت حركة التوسع، كانت عاملاً هامّاً في انتشار الإسلام نفسه وانتقال الناس إليه، فلا هو نظام جادل بعنف أو أكره أحدًا على دخوله، بل هو انتشر؛ لأنه كان يتبع منهج القرآن الكريم في الآية الشاملة لهذا المنهج: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}، والآية العظيمة: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
نعم انتشر؛ لأن الناس التفوا حوله؛ إذ حارب الربا، ووأد البنات،
وتعدُّد الزوجات بغير حد، والإباحية الخلقية، والطبقية، والرق،
والخرافة وغيرها.. فهل من نظام وضعي دعا إلى ذلك
مثله؟
انتشر لأنه انتصر للإنسانية يوم فتح مكة في لحظات تاريخية نادرة ندر
فيها إراقة الدماء.. وكان يوم الطلقاء لم يكن فتحًا لملك، ولكن كان
فتحًا لدعوة ورسالة تحمل الخير للبشرية. انتشر لأنه طبَّق العدل في
عصر النبوة، وعصر الراشدين، فوجدنا خليفة يأمر لرجل قبطي بالقصاص من
ابن الوالي، ويعلنها كأول وثيقة لحقوق الإنسان: متى استعبدتم الناس
وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟! انتشر لأنه لم يعرف محاكم التفتيش في
أوروبا التي أزهقت الآلاف حرقًا وشنقًا.. ولم يعرف الأفران البشرية
ليهود ألمانيا.. ولا الفظائع اليهودية في دير ياسين وصابرا وشاتيلا
وقانا.. ولا المقابر الجماعية لمسلمي البوسنة، والتي جعلت أحد
المراسلين يعلن في ذهول: نحن أمام تلك المذابح نشعر كأوروبيين بكوننا
صغار النفوس!
انتشر بعدله، فهو لم ينزع أرضًا من يهودي أو نصراني، ولم يبادلهم
التعصب، بل أطلق لهم حرية الرأي وحرية الدين، فدخلوا في ذمَّة
المسلمين وعهدهم، فلم يضاروا في عرض، ولا نفس، ولا مال.
بالأخلاق لا بالإرهاب
خلاصة القول -والكلام للشيخ يوسف القرضاوي- الإسلام لم ينتصر بالإرهاب، لم ينتصر إلا بأخلاق المسلمين، الناس رأوا فيهم صدق الإيمان، ومتانة الأخلاق، وحسن التعامل، وإنصاف الآخرين، لم يحسوا فيهم بجبروت الفاتحين، ولا بظلم الأقوياء أو قوة الظالمين، إنما وجدوا فيهم أناسًا جددًا غير الذين عرفوهم طوال التاريخ، فأحبوهم ودخلوا الإسلام من أجلهم.
وعندما نتوغل في جذور الإرهاب والعنف؛ فالباحث لا يمكنه أن يغفل دور
النفوذ الأجنبي في إثارة النوازع والعصبية والفوارق العنصرية، وفي
الوقت نفسه فهو ينقل صورة خاطئة عن الإسلام في الغرب بأنه الدين الذي
يدعو إلى القتل والاغتيال تحت شعار "الجهاد"، وأنه الدين الذي يرفض
التعايش مع الآخر فهو إما قاتل أو مقتول!
وقد انطبعت هذه الصورة في عين كثير من الغربيين، فلا يُذكر الإسلام
إلا قرين القسوة والخوف، ولا يوصف مسلم إلا بالهمجية والتوحُّش، ولكن
الثابت أن هناك روحًا عدائية متغلغلة منذ عصور قديمة ومستمرة حتى
الآن؛ حيث لعبت الكنيسة في القرون الوسطى دورًا كبيرًا في تحريف
الإسلام وفي الافتئات عليه، وفي التخويف منه، والدعوة إلى القضاء
عليه! وهي المؤامرة التي اشتعل أوارها بعدما أطلق السلطان عبد الحميد
صيحته: "يا مسلمي العالم اتحدوا"، وبدأت حركة تجمع أزعجت الغرب كلَّفت
السلطان ملكه، وعجَّل به موقفه الحاسم من اليهود!
وتاريخ الأندلس الحزين يحكي لنا عقب سقوط غرناطة قصة أكبر عملية
مطاردة للمسلمين من قبل محاكم التفتيش فقد أجبروا على التنصُّر، ومن
كان يحتفظ بإسلامه كان يُقْتل، فلا جزية ولا تسامح، بل غلظة وقسوة
جعلت الكثيرين يعبرون البحر إلى المغرب، ومن بقي فصار عليه أن يدفع
ثمن المأساة! ومنذ تلك المرحلة المأساوية صارت الأمة المسلمة نهبًا
لأفكار تحارب فكرها، أهمها الفكر الماسوني، والفكر التبشيري التنصيري،
والفكر الاستشراقي، وكانت دعوة هؤلاء إلى نقل القيم الغربية تحت اسم
التسامح والنزعة الإنسانية العالمية، وحقيقة الأمر أن تلك القيم
المزعومة ما هي إلا بضاعة قدمتها الصهيونية العالمية التي وضعت
بروتوكولات لاغتيال الإسلام!
"العدو الأخضر"
وموضوع بحثنا يُعتبر إحدى قضايا الساعة الساخنة، وهي قضية تعكس إصرارًا في الغرب على اتهام الإسلام بالإرهاب، والذي بلغ ذروة التعصب واقترن بالإيذاء بعد الحادث المدمِّر الذي تعرَّضت له رموز الولايات المتحدة بنيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر 2001م، وليست هذه المرة الأولى؛ إذ صار أي عمل إجرامي يقوم به عربي أو مسلم يُقحَم فيه الإسلام، ويعلن أن وراءه إرهابياً مسلماً، وبينما يغضُّ المدعون الطرف عن الإرهاب الدولي الذي يمارسونه! كما أن هناك إصرارًا غريبًا على اعتبار الإسلام العدو الأخضر بدلاً من العدو الأحمر الذي سقط بسقوط الشيوعية؛ ذلك لأنهم يتوقعون أن يصبح الإسلام ملاذًا فكريًّا لكل القوى المتضررة من الهيمنة الدولية الجديدة.
وحول تلك الحقيقة يقول الشهيد "سيد قطب" رحمه الله، وكأنه يقرأ
المستقبل قبل أربعين سنة: يبدو جليًّا أن الصراع الحقيقي في المستقبل
لن يكون بين الرأسمالية والشيوعية، ولا بين المعسكر الشرقي والمعسكر
الغربي، ولكن سيكون بين المادية المتمثلة في الأرض كلها وبين الإسلام،
أو بتعبير أصحّ وأدق ستكون بين النظام الذي يجعل العبودية لله وحده
ويخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، وبين سائر الأنظمة
الأرضية التي تقوم على أساس عبودية العباد للعباد!
من التعددية والحوار إلى صراع الحضارات
ومجريات
الأحداث المعاصرة تلعب دورًا يخدم ادعاءات القوى المعادية للإسلام،
مثل إصرار أعداء الإسلام على وصمه بالخوف بتعبير "الإسلاموفوبيا" في
مؤتمر مكافحة العنصرية في ديربان عام 2001م، ثم ما حدث بعدها من
تفجيرات مدمرة لمبنى التجارة العالمي في نيويورك، ومبنى وزارة الدفاع
الأمريكي (البنتاجون)، في سبتمبر 2001م، والذي منح فرصة نادرة
للحاقدين على الإسلام أن ينعتوه مجددًا بالإرهاب قبل التأكد من هوية
الفاعلين!
غير أن ما أثار الجدل بالفعل، هو ذلك الاستعداد الذي بدت عليه وسائل
الإعلام الغربية، في توجيه الاتهام للمسلمين. هذا الاستعداد ألقى
بشكوك كثيرة حول جدوى الجهود التي بُذلت طيلة السنوات الأخيرة لنشر ما
يسمَّى بـ"الحوار بين الحضارات"، وقيم "التسامح"، وقبول الآخر،
والتعددية الثقافية.. كلها تبدو الآن في ظلِّ موجة العداء الشديد،
وكأنها قد فقدت مصداقيتها إلى الأبد!
كما أن المستفيد الأول من تلك الأحداث هو العدو الإسرائيلي الذي أوغل
في تنفيذ جرائمه، ثم يسرع في اتهامه للفلسطينيين ولغيرهم من العرب
بأنهم يمارسون العنف ضد إسرائيل! وما دامت إسرائيل تمارس الإرهاب
المنظَّم في حماية القوة العظمى في العالم، فإن فضح الجرائم التي
تقترفها يوميًّا يشكِّل حافزًا للإسراع في تعريف الإرهاب وتوصيفه،
وحتى يمكن استئصال الإرهاب عبر جهود دولية، فلا تسنح الفرصة لإرهابي
إسرائيلي أن يرتدي ثوب الضحية بعد ممارسته لأبشع جرائم القتل والإبادة
الجماعية.
- التصنيف: