الوساطة بين الفكر والتربية

منذ 2013-09-22

لا يزال الناس بخير ما داموا يعرفون للآفات أوصافَها، ويخلعون عليها أكمَّتَها، ليسعوا بعد ذلك في علاجها والخلاص منها، ولكن البليَّة حين يستحيل الفَتقُ رتقًا، ويلبس الداءُ جبَّةَ الدواء، فتستطيل حينئذ عملية الإصلاح، ويكون من ضرورتها بعثُ الروح في حقائق الأشياء لتسمَّى باسمِها، ويكون من مقدماتها تلقينُ الناس إشكالَ الإشكال، وتعريفُ الآفات بأنها: آفات!


لا يزال الناس بخير ما داموا يعرفون للآفات أوصافَها، ويخلعون عليها أكمَّتَها، ليسعوا بعد ذلك في علاجها والخلاص منها، ولكن البليَّة حين يستحيل الفَتقُ رتقًا، ويلبس الداءُ جبَّةَ الدواء، فتستطيل حينئذ عملية الإصلاح، ويكون من ضرورتها بعثُ الروح في حقائق الأشياء لتسمَّى باسمِها، ويكون من مقدماتها تلقينُ الناس إشكالَ الإشكال، وتعريفُ الآفات بأنها: آفات!

ثمة آفة تلصَّصت زمنًا على مختلف حقول المعرفة وسَرَت بينها على مُكْث، حتى إذا ما تمكَّنتْ منها وطوَّقتها صرَّح شرُّها واستبان، وأضحت -على حين غفلةٍ- جزءًا من كل حقل معرفي، ترتبط به ارتباطًا عضويًّا، ويجهر بها أربابه دون نكير. إنها آفة الحدود الفاصلة بين (دويلات المعرفة)، فليست دولة الخلافة وحدَها مَن تعرَّضت لأسْرِ هذه الحدود الفاصلة بين أجزائها، بل إن دولة المعرفة كذلك، فصار لكل معرفة حدودُها، وساستُها، ومواطنوها، وحرسُها، وما شئتَ وراء ذلك، وصار كلُّ مواطن يحمل جنسية معرفته، لا يقبل أن يُنسبَ لغيرها، ولا يجد في نفسه لغير دولته ميلًا ونزوعا. فكان من شؤم ذلك أنْ تقطَّعت أوصال المعارف، أو قُلْ: تقطَّعت أوصالُ معارفِ المخلصين في وطنيتهم، والقصة تطول، وليس عن هذه الآفة أردت الحديث، ولكن التَّقدِمة بها يقرِّب من المقصود.

وصلة تاريخية:

الفكر -من حيث هو مفاهيمُ معرفيةٌ لا أدواتٌ عقلية- ليس تخصُّصًا معزولًا، فإنما تُستنبَت بذوره في أراضي المعارف المختلفة، فللاقتصاد فكرُه، وللسياسة فكرُها، وللفقه فكرُه، وللتربية فكرُها، وهلمَّ جرًّا، وإماتةُ الفكر تتحقق بعزله عن مواقع المعارف المختلفة، وعليه فالنفرة من (الفكر) كمفهوم معرفي ليست ذات عِماد موضوعي، لِمَا أن الفكر ذو اتصال وثيق بالحقل الذي ولَّده، وهذه الجنايةُ على كل ما كان فكرًا، والتزهيدُ في كتبه وأعلامه أنجبت لنا تأخرًا في الحِراك المعرفي الفكري، كما مهَّدت السبيل للدخلاء على علم الشريعة لأنْ يتحدثوا عن مفاهيمها بحجة أنهم يعالجون (فكرًا) لا (علمًا شرعيًّا). ولما ارتاضت كثير من العقول على هذا الفكِّ الجائر بين العلم والفكر صار اسم الفكر ثقيلًا، منفِّرًا، مبتذلاً.

ونجد لهذه الآفة بعدًا زمنيًّا، وحضورًا قديمًا في الساحة المعرفية، ففي افتتاحية العدد الثامن والعشرين من مجلة البيان (شوال - 1410 هـ) تحت عنوان (صناعة الفكر) نجد ما نصُّه:

(إننا في بلاد المسلمين لا زلنا بحاجة إلى التخطيط الفكري، فإن هذه البضاعة لا تزال عزيزة، وإذا وُجِدت فإنها بضاعةٌ غيرُ رائجة، فلا تزال المنزلة الأولى للخطيبِ، والواعظِ، وصاحبِ الحديث الجذاب والبلاغة الأدبية، ولا تزال "المجلة الفكرية"، و"المحاضرة الفكرية" ثقيلتَي الظل على السامع أو القارئ المسلم بشكل عام، وإذا حَدَث ودُعِي مفكر لندوة أو محاضرة فهي من باب "التمَلُّح" أو لكسر الروتين السائد).

وفي محاولة مبكرة يقوم أ. د. عبد الكريم بكار بتسليط الضوء على أحد أسباب تشكُّل هذه الآفة، فيكتب في مقالة بعنوان (الفكر؛ طبيعته وأهميته) نشرت في ذات المجلة (شعبان - 1416هـ) ما نصُّه:

"صدَّ تأكيدُ كثيرٍ من مفكري المسلمين على أهمية الفكر كثيرًا من الشيوخ والشباب عن الاهتمام بمناهج الفكر وقضاياه، ظنًّا منهم أن ذلك الاهتمام سيكون على حساب العمل و"التربية" والأخلاق والسلوك، وسبب هذا الظن أننا حين نتبنى توجهًا معينًا في الإصلاح نلح عليه إلحاحًا يوهم الآخرين بأننا لا نرى سواه، وأننا نهمل ما عداه، ومن ثَمَّ فإنني أبادر إلى القول: إن استقامةَ الفكر ونقاءَه ليس بديلًا عن "التربية"، ولا الأخلاق، ولا أعمال الخير، ولا الحركة الدعوية".

وعن التربية خصوصا، وعن الفكر في جانبه الأداتي، كتب الشيخ المربي د. محمد الدويش مقالةً في مجلة البيان أيضًا بعنوان (التكامل في التربية بين مفهومين) نُشِرت في (شعبان - 1425هـ)، جاء فيها:

(الحديثُ عن بناء القدرات العقلية ومهارات التفكير لدى الفرد، والمهارات الاجتماعية، والصحة النفسية ... إلخ؛ الحديثُ عن هذه الجوانب في "التربية الدعوية" لا زال نادرًا، فضلاً عن الاعتناء بذلك في التطبيق والممارسة).

فهذه ثلاثةُ نماذج منتقاة من شكاية التأخر الفكري، تخلَّلت أعطاف العشرين الأعوام الماضية، ما يحتِّم علينا أن نسعى في فحصها، ونشرعَ في مداواة جزء من عَرَض (دويلات المعرفة) عبر (وَسَاطةٍ) عاقلةٍ بين (الفكر) و(التربية)، ولهذا الغرض تحديدًا كانت هذه الكتابة.

بين ثنائيتين:

في سنواتٍ خلت كان العقلُ التربويُّ مهجوسًا بثنائية (التربية/العلم)، وكم وجد كثيرٌ من المربين أنفسهم أمام مفترق طرق، إما إلى العلم أو إلى التربية، وتلحظ هذه الثنائية حاضرةً في الكتابة التربوية في العشرين سنةً الماضية، وكذا في المحاضرة الصحوية والسؤالات الواردة في ذيلها، لكن هذه الثنائية أخذت في الذبول، ويمكن التعليق على ذلك بما يلي:

1- ليست التربية قسيمًا للعلم بإطلاق، بل كلٌّ منهما مكمِّلٌ للآخر، وليست المقابلةُ بينهما في هذه الثنائية والمصيرُ إلى أحدهما يعني إهدار الآخر وعدم العناية به، بل المقابلة واقعة بين القدر الزائد على حدِّ الإجزاء، وبيان هذا الأمر من الأهمية بمكان، لدفع التشغيب الموجَّه نحو المحاضن التربوية بحجة إعراضها عن العلم الشرعي وتزهيدها فيه، وهذا تجنٍّ لا يصدر إلا من ناقدٍ لا يشترط في بناء نقده سلامةَ التصور والعدلَ في التقويم، وإن كانت هناك شواهد لذلك فهي شاذَّة في السياق العام، ولو تتبعنا مخرجات التربية لوجدنا الساحة العلمية العامة والكليات الشرعية -طلابا وأساتذة- والدوائر القضائية طافحةً بها.

وأيضًا فإن من آثار الفهم الخاطئ لهذه المقابلة أنْ كفَّ كثيرٌ من طلبة العلم يد العون لمحاضن التربية بحجة أنَّ كلًّا (على ثغر)، والواقع أن البيئة التربوية ليست خلوا من المكوِّن العلمي، لكنها لم تتخصص فيه، وبوسع طالب العلم أن يخصص جزءًا من عطائه لها بالقدر الذي ينضج رسالة التربية ويسدِّد مسيرتها، وذلك من زكاة علمِه ووسائل تثبيته.

كما أن انصراف كثير من طلاب العلم عن التربية خصوصا، والدعوة عموما، ولَّد لديهم فتورًا في الهمَّة العملية، فتورًا في الهمِّ الإصلاحي والسعي في تكوين قيادات من رحم المجتمع التربوي والدعوي، في مقابل شِرَّةٍ مباركة في الهمة العِلمية.

ومن ناحية أخرى اختزل كثير من المربين اهتماماتهم في حدود ضيقة ليس منها طلبُ العلم الشرعي، وما فقهوا أن المقابلة ليست في أصل الاهتمام بهذا الجانب أو ذاك، بل في هوامشَ نادَّةٍ عن صلب المتن.

2- كان حضور هذه الثنائية صحِّيا فيما أحسب، فإن التفكيرَ الجادَّ في تحديد مسارٍ من بين مسارات عدَّة يشير بالضرورة إلى أن هناك باعثًا داخليًّا وعزيمةً صادقةً على الرقي بالمدارك والدفع بالنفس لمراتب عالية، ومن هنا كان ذبولُها أمارة ضعف. فتأفُّف المربي ضجراً من عدم وضوح الطريق له لاحبةً، آلعلم أم التربية ؟ وقلقُه الذي يبعثه لاستثمار ما يملك تطويقه من يومه = خيرٌ من اطمئنانٍ يمكِّنه من الاتكاء على أريكة الخمول.

هذه أولى الثنائيتين، وأما ثنائية (الفكر/التربية)، فقبل النظر في مفرداتها والبحث عن صيغة ملائمة تضبط علاقة المربي بهما نحتاج لنظرةٍ مقارِبةٍ مقارِنة بين الثنائيتين، فمن جهةٍ نلحظ حضور ثنائية (العلم/التربية) في زمنٍ مضى عند شريحة عريضة من المربين، بينما نجد حضور ثنائية (الفكر/التربية) خجولًا، وذلك لأسباب، منها:

1- بروز القيادات العلمية بخلاف الرموز الفكرية، ما يجعل المربي يستحضر -حين تفكيره- شخوصَ أهل العلم وطلابه، دون أهل الفكر وروَّاده، على أن حضور هذه الثنائية بدأ يبدِّد حمرة الخجل بعد أن جاوز ثلةٌ من نشطاء الفكر الإسلامي مرحلة البواكير الإعلامية، وعمروا الساحة المحلِّية بكتابات رصينة لفتت نظر المهتمين من المربين وغيرهم.

2- الموقف المتحِّرز من الفكر والمفكرين، ولهذا الموقف دوافعُ منطقية، وأخرى ليست كذلك، وعلاج هذا الموقف هو محلُّ بحث الفقرة التالية.
3- ضمور التصور عن حقيقة الفكر ومجالاته، وهذا تسبَّب في تحييده عن حيز النظر وعدم مكابدة المقابلة بينه وبين مجال التربية المعهود المألوف، والفطامُ -كما يقول أبو حامد الغزالي- "عن المألوف شديد، والنفوسُ عن الغريب نافرة"
(المستصفى [1: 43]).

عن أيِّ فكرٍ نتحدَّث؟

ثمة مأزقٌ في رسم حدود ما يسمَّى (فكرًا)، ولِينضبط حديثنا، لا بد من تخليص مفهوم (الفكر) من الاشتباه، ولن أسترسل مع القيود المنطقية، لكني سأحاول أن أضع محدِّدَين ليتميَّز في ذهن المقالة الفكرُ الذي تعالج العلاقة بينه وبين التربية:

1- للفكر جانبان: أداتي، ومفاهيمي. فالأداتي يشمل ما يتعلق بأدوات التحليل والنقد ومهارات التفكير ونحوها، أما المفاهيمي فهو "ضربٌ من البحث في الصلة بين الواقع الثقافي والمنهج. والواقع الثقافي هو مظاهرُ ممارساتِ الناس المتعلقة بالدين والعادات والآداب والفنون والسياسات. والفكر بالتحديد: محاولةُ صياغةِ رؤيةٍ للواقع الثقافي، تصورًا وحكمًا وتغييرًا، من خلال منهج معين، فيستعمل المنهج لصياغة وتحليل المفاهيم، ثم لصناعة النماذج التي يتم التعامل مع الواقع على أساسها" (أحمد سالم؛ أبو فهر السلفي، مقالة: قائمة قراءة في المباحث الفكرية: http://www.arabicent...on=view&id=1722)
.


والفكر الإسلامي بشكلٍ أخص هو "عبارةٌ عن مجموعة الرؤى والتحديدات والطروحات والاجتهادات الذي توصل إليها العقل المسلم من خلال اشتغاله على النصوص والأحكام والأدبيات الشرعية والإسلامية، وذلك بغية استيعاب الواقع الموضوعي والارتقاء به وحل مشكلاته" (عبد الكريم بكار، المناعة الفكرية [8]).

والجانب الثاني، أعني الفكر من جهته المفاهيمية، هو المقصودُ بحثُه هنا، وإن كان له مساسٌ بجانبه الأداتي، لكنني أجعل من الأدوات الفكرية مكوناً خادمًا للجانب المفاهيمي، ولهذا لن أبالغ في الفكِّ بينهما.

نلحظ من الأسطر الماضية أنَّ الفكرَ في نسخته الإسلامية عبارةٌ عن نتاج احتكاك العلوم الشرعية -وسائلِها وغاياتِها- بالواقع ومشكلاته المعرفية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها.

وهذا يجرُّنا إلى نتيجة مهمة يصدقها الواقع الفكري، وهي أن كثيرًا من الأطاريح الفكرية هي في واقع الأمر مسائلُ شرعية، لكنْ لاختلاف مستوى المعالجة سميت هذه (فكرًا إسلاميًّا) وتلك (علمًا شرعيًّا).

ومتى ما ذلَّت الأقلامُ وأصحابُها لهذه الحقيقة، كان من اللازم على أحلاس علم الشريعة أن يتنبَّهوا لحجم البُسُطِ التي تسلب من تحت أرجلهم بأيدي الفكر، فهي بضاعتهم، ولا بُدَّ أن تُردَّ إليهم، ولا يضيرهم بعد ذلك أن يوصفوا بكونهم علماء أو مفكرين أو مثقفين، فالغاية أن يفطنوا لهذا المدخل المعرفي، فإنَّ "من أعظم وسائل الدعوة اليوم التسلح بقدر أساس من الثقافة المعاصرة، فإنَّ العلمَ الشرعيَّ غذاء، والثقافة المعاصرة وعاء، والوعاء الجميل يفتح شهية المتلقي للغذاء النافع، وأكثر العلماء بعد السلف تأثيرًا في قضايا المنهج هم العلماء المثقفون، كابن حزم والغزالي وابن تيمية، بل إن المثقفين الإسلاميين كالمودودي وسيد قطب والندوي ونحوهم كانوا أكثر تأثيرًا من بعض فحول العلماء في عصرنا، برغم ما يعتري خطاب هؤلاء المثقفين الإسلاميين من قصور ناشئ عن قلة الخبرة بعلوم الشريعة، فكيف لو جمع بينهما في نموذج العالم المثقف؟" (إبراهيم السكران، مقالة: إلباس العجز جبَّة الحكمة: http://www.dorar.net/art/1557).

وختم هذه الفقرة أن يقرَّر أن العلم الشرعي أساسٌ في التكوين، وليس مرحلة مصاحبة للفكر والثقافة ولا متأخرة عنها، بل سابقةٌ لها، و"انفتاح الشباب السلفي على العلوم الإنسانية، ولو كان بمجرد الرغبة فيها = ليس أمارةَ نضج، بل الذي أزعمه أنه علامة تأخر وانهزام في "كثير" من أحواله، إذ نجد غالب هذه الشريحة لم يأخذوا من علم الشريعة بالقدر الذي يسد الرمق الفكري .. ولو أجلنا النظر لوجدنا المؤثرين في الساحة الإسلامية من السلفيين قد كان صلب تكوينهم من علوم تراثهم، وقد أبلغوا من النهل منه، فكان ذلك حصنا مكينا لهم حين تقحَّموا علومَ القوم" (الكاتب: إبراهيم بن عمر السكران. مقالة: شبابَ السلفية الزموا أماكنكم: http://www.dorar.net/art/1527).

وسدُّ الرمق يكون بالإشراف على مباحثِ أصول الاعتقاد، والأحكامِ الواجبِ تعلُّمُها من العبادات والمعاملات، وأدوات المعرفة الشرعية، ومناهج الاستدلال، ومصادر التلقي.

فالعلاقة بين العلم والفكر تراتبية لا تزاحمية، وإنما تبرز مظاهر القصور والانحراف بأحد أمرين: تأخيرِ العلم وتهميشه، وطرد الفكر وتقزيمه، ولكلٍّ أهلون.

2- فرقٌ بين (الفكر)، و(نتوء الفكر) فالفكر وحدة متكاملة، أما نتوءُه فأعراضٌ آيلةٌ للزوال، الفكر بنيةٌ معرفية صلبة، يتنقَّل طالبه فيها من التبصُّر بلَبِنة إلى البصر بأخرى، أما نتوءه فبيتٌ زجاجي يعكس صورة شاهق مكين، حتى إذا ما قرب منه الطالب لم يجده شيئاً!

النُّتوء الفكرية قضايا تستلهم حضورها من الظرف المحيط بها لا من ذاتها، حتى إذا ما تبدَّلت الظروف بارت، ربما كان باعثها قذرًا تحدَّر من عقول أهل الفكر المنحرف -وبطبيعة الحال ليس الفكر في هذه المقالة يشمل فكرًا كهذا-، وربما كان باعثها سؤالات منطقية ونظرات معتبرة، لكنها نالت أزيدَ من حظِّها المشروع واستطالت على محكَم الفكر ومقاصده -ومن هنا كانت نتوءًا-.

وأيًّا ما كانت، فلست أعني بذلك تجاوزها والإعراض عنها، لكن المراد التنبيه على أن الاسترسال معها يخدع طالب الفكر عن نفسه، فلِتكالب الناس على قضية معينة يرى أنَّ من اللازم عليه صرفَ غالب جهده لبحثها وفحصها، وربما استغرق منه ذلك زمنًا طويلًا على حساب تكميل بنائه الأساس الذي سيكون مصاحبًا له في مسيرته مهما تبدلت الظروف، فما هي إلا أن تنقشع سحابة هذه النتوء، وإذا به يراجع أوعيتَه فلا يجد فيها سوى ماءٍ آسنٍ، ولبنٍ قد تغيَّر طعمه.

فإذا خلَّصنا الفكرَ في الفقرة الأولى من الاشتباه الباطن، فهذه الفقرة لتخليصه من الاشتباه الظاهر.

نعم، لهذه النتوء أثرٌ في تحريك المياه الراكدة، وإثارة بعض السؤالات، ثم البحث عن علاجها باستنهاضِ المدارسات والحوارات، وحصدِ مخبَّآت المصادر، لكن لا ينبغي أن يُجاوَزَ بها قدرها، فإنما هي نتوء.

علاقة المربي بالمجال الفكري:

سعادةَ المربِّي، هنا أستحثُّ سمعَك لمزيدٍ من الإصغاء، وبصرَك لتكثيف التحديق.

ذاتُ المأزق الذي صدَّرنا به الحديث في فقرة: (عن أيِّ فكر نتحدَّث؟) ينساق هنا، فكما أن هناك مأزقا في رسم حدود ما يسمَّى (فكرًا)، فكذلك الشأن في التربية، ويسجل د. محمد الدويش شهادة مهمة في ذلك، وهي شهادة لها اعتبارها إذا ما استصحبنا رسوخ قدمه في المجال التربوي.
نصُّ الشهادة:

"لا زال العمل التربوي الدعوي يفتقر إلى رؤية واضحة شاملة، فمفهوم التربية عائم غير محدد، أو يدور في إعطاء الأفراد قدرًا من المحتوى العلمي والسلوكي .. والممارسات التربوية إما تنطلق من السجية والعفوية، أو وفق ما نسميه "تخطيطًا"، وهو لا يعدو رسم خارطة سنوية أو فصلية لمحتوى البرامج التربوية" (مقالة: هل حان الوقت لرسم رؤية تربوية؟، مجلة البيان، العدد [225]، شهر جمادى الأولى، 1427 هـ).

ومع ذلك، فسأتكئ على المعهود الذهني لدى القارئ، مع ما تمليه سياقاتُ المقالة من تصوُّرٍ، {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ} [النحل من الآية:9].

يمكننا القول بأن للتربية أربعةَ أركان: (المربِّي، المتربِّي، منهج التربية، البيئة التربوية). وإذا نظرنا في الركن الثالث منها وجدناه ينكسر إلى عدة مستويات: فأسُّ التربية قائمٌ على تعبيد المتربين لله عز وجل، ووراء هذه الدائرة تتسع أُطُر التربية، وتتفاوت بحسب تفاوت قُدَرِ المتربين واهتماماتهم، ولِيُشبِعَ المربي نهمة الطالب لابد أن يكون له من اتساع النظر وبسطة المعرفة ما يملك معه إشباعَ هذه النهمة، ومِن بَخسِ المتربين حقَّهم أن يُقادوا إلى حيث يحسنه المربي القائم على العمل التربوي.

فالتربية ليست منهجًا تتساوى تطبيقاته بالنسبة لآحاد المتربين، بل ذلك يختلف اختلافًا واسعاً، ويَقرُبُ أن يكون لكل فردٍ تربيةٌ تخصُّه، ولا يعني ذلك نفيَ وجودِ مشترَكَاتٍ تربوية، ولكن لا ينبغي أن تُنسِيَنا هذه المشترَكات غيرَها من مكونات التربية، ولهذا فـ "الهدف من التربية في كلمات قليلة هو: تنشئة "الإنسان الصالح" أيًّا كان هذا الإنسان: ذكرًا أم أنثى، وأيًّا كانت وظيفته التي يقوم بها في المجتمع" (محمد قطب؛ مكانة التربية في العمل الإسلامي [12]). نعم؛ وأيًّا كانت طبيعته وقدراته.

ومن هنا كان من أخصِّ صفات المربِّي اطلاعُه على "الثقافة العامة، بمعنى: الاطلاع السريع على العلوم الأساسية الطبيعية أو الإنسانية وأحدث التطورات العامة فيها. ويمكن جمع الفوائد التي تعود على المربي من ذلك في:

1- معرفة سبل الخير وسبل الشر، وكيف يُسلك كلٌ منها؟

2- توسيع المدارك وتعميق الأفهام وتنشيط العقول، فهذه الثقافات من شأنها أن تنمي قدرة المربي على التفكير، وعلى القياس المستقيم، وربط الأسباب بمسبباتها.

3- زيادة قدرة المربي على التحدث والحوار الثنائي أو الجماعي، فالمربي يتعامل مع عقول مختلفة وثقافات متنوعة، يحتاج إلى التواصل معها بكفاءة، والمربي محدود الثقافات أشبه شيء بمذياع الشيوعية القديم ليس فيه إلا محطة واحدة: إما أن تسمعها أو تغلقه، بينما المربي متنوع الثقافات: متعدد الموجات، فاحتمال غلقه غير وارد.

4- فَهمُ ظروف المتربين المختلفة اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، انطلاقًا من فهمه لأحوال المجتمع الذي يعيشون فيه والتي تمثل الخلفية الدافعة للكثير من أقوالهم وتصرفاتهم" (أحمد فهمي، مقالة: صفات المربي؛ دراسة تحليلية -بتصرُّف-، مجلة البيان، العدد [204]، شهر شعبان، 1425 هـ).

وفي هذا السياق أقيِّد بعض ما عسى أن يُلِين الجانبَ التربويَّ للحاضنة الفكرية:

1- بغضِّ النظر عن تقييم مدى حاجتنا للفكر، فالحديث عن الفكر أضحى ضرورةً لا اختيارا، فإن المحاضرات والدورات الفكرية صارت حاضرة في المشهد، وإقبال الشباب على الكتب الفكرية قد بدت معالمه، ونحن إن وقفنا نتربَّص آثار ذلك دون أن يكون لنا إسهام فكري فسيأتي علينا زمان نخضع مناهجنا التربوية وأطاريحنا لما تقرَّر بأقلامِ غيرنا.

نحن في عصر "الفكر للجميع، فلم يعد هناك طبقة قليلة من الناس تفكر بينما الأخرى والأكثر عددا حظها أن تنقاد لما يقوله الأكثر علمًا، والأنفذ بصيرة، والأرجح رأيًا. الكلُّ أصبح يعتقد أن من حقِّه قولَ ما يريد، ومناقشةَ ما يشاء، ومَن يشاء" (محمد السعيدي، منهج للبناء الفكري [7]).

وقد كانت منافذ التلقِّي للعقل التربوي تُطلُّ على من يُؤمَن جانبه من أهل العلم وأشياخ الصحوة ودعاتها، أما الآن فـ "لم تَعُد الصحوةُ برموزها الحاليين ومنجزاتها الباهرة ومكتسباتها الضخمة اللاعبَ الوحيدَ على الساحة المحليَّة ولا المتفرّدةَ بقيادة المشهد الثقافي" (ماجد البلوشي، مقالة: جيل ما بعد الصحوة: http://www.saaid.net/arabic/344.htm).

وما دامت البيئة التربوية بيئةً مفتوحةً فهي خاضعةٌ لا محالة لإشكالية "اختلاط التربيات"، حيث "صار المجتمعُ خليطًا عجيبًا من أشخاصٍ تتنازعهم تربيات عديدة، فإن الدرجات العديدة التي عليها أصحاب كل وجهة تربوية بحسب مدى السماع والرؤية، والدرجات المتعددة التي عليها أولئك الذين تتنازع التربيةُ الجديدةُ عندهم مع التربية القديمة = كلُّ ذلك جعل المجتمع وكأن لكلِّ عضوٍ فيه تربيةً خاصةً معينة، أو أن أصحابَ السمت الواحد هم عددٌ قليل" (محمد الراشد، منهجية التربية الدعوية [16]).

وهذا ما يضع أمامنا تحديًّا كبيراً، فالظواهر والمشاكل في بيئة كهذه ذاتُ طبائعَ مركبةٍ لا أحادية، ما يعسِّر من فهمها وعلاجها... والخلاصة: البيئة التربوية لا تكون شاغرة أبدًا، بل إما أن تضع فيها ما تريد، أو سيضع فيها الآخرون ما يريدون.

2- كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه تنبيهُهم على ما سيلقونه في قابل أيامهم، من ذلك قولُه عليه الصلاة والسلام: «بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا» (أخرجه مسلم [118]).

ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إنها ستكون بعدي أثرةٌ وأمور تنكرونها» قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر من أدرك منَّا ذلك؟ فقال: «تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم» (أخرجه البخاري [3408]، ومسلم [1843]).

ووعظ عليه الصلاة والسلام صحابته موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجلٌ: إن هذه موعظةُ مودِّعٍ، فماذا تعهدُ إلينا يا رسولَ الله ؟ فقال: «أوصيكم بتقوى الله، والسمعِ والطاعةِ، وإنْ عبدٌ حبشيٌّ، فإنه من يعِش منكم يرى اختلافًا كثيرًا، وإياكم ومحدثاتِ الأمور، فإنها ضلالةٌ، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديِّين، عضُّوا عليها بالنواجذ» (أخرجه الترمذي [2676] وقال: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيح").

وإذ قد علمنا أن عصرَ (الفكر للجميع) قد أظلَّنا، وإشكاليةَ (اختلاط التربيات) قد أحكمت قبضتها على من نربي وزاحمت مقرَّراتنا، فهذا يزيد من ضرورة التأكيد على وعي المربي بما يَجِدُّ في الساحة الفكرية، لِما لذلك من أثرٍ في تربيته وتحصين طلابه مما قد يعرِض لهم، كما "يتطلَّب الاعتناءَ بالبناء الداخلي للمتربين، وتزويدَهم بمهارات التفكير والنقد والتمييز والموازنة، وتنميةَ القدرة على التكيُّف مع الأوضاع التي تفرض نفسها، وأن يكون خطابُنا وحديثُنا مقنعًا مبررًا لا يفترض في الآخرين السماعَ والإنصاتَ فحسب (محمد الدويش، الصحوة والتربية المنشودة [61]).

إن طغيانَ جملةٍ من المفاهيم الفكرية المنحرفة يستدعي معالجة فاحصة لها من قبل المختصين، واطِّلاعًا وتوظيفًا من قبل الدعاة والمربين، ومن تلك المفاهيم: نسبية الحقيقية، التلاقح الثقافي اللا منضبط، استقلال العقل، غلواء الحرية، التزهيد بمرجعية الوحي في القيام بمشاريع الإصلاح، وغيرها كثير. ولابد أن نقرَّ بأن لدينًا تأخرًا في البصر بعلاج بعض المشكلات المحيطة بنا، فكيف بما تستقبلنا الأيام به؟!

3- المربي أحوجُ إلى "توسيع قاعدة الفهم" منه إلى "تكثير المعلومات المحفوظة"، والكتب الفكرية من الروافد المهمة لتحقيق ذلك، علمًا أن القراءة من أجل توسيعِ قاعدة الفهم أشقُّ أنواع القراءة ولكنها أكثرها فائدة، والذين يقرؤون من أجل هذا الغرض قلةٌ قليلةٌ من الناس وهذا الضرب من القراءة شاقٌّ منذ بدايته فالكتاب الذي يرقى بفهم قارئه ليس ذلك الكتابَ المفهومَ لديه، أو ذلك الذي يعرض معلوماتٍ وأفكارًا معروفة، وإنما ذلك الكتاب الذي يشعر قارئه أنه أعلى من مستواه ونحن وإن قررنا ذلك فـ "لابد من القول: إن الخطَّ الذي يفصل بين الكتاب الذي يعطي معلومات، وبين الكتاب الذي يوسع قاعدة الفهم = خطٌّ غامضٌ في أكثر الأحيان، فما من كتاب مخصَّصٍ لإعطاء معلومات إلا يمكن أن يحسِّن نوعية الفهم إذا تم تقديمه بطريقة سرد جديدة، كأن يحتوي إلى جانب المعلومات البحتة على استدلالات أو استنتاجات أو مقارنات أو تعليلات معينة" (عبد الكريم بكار، القراءة المثمرة [32-34]).

وفي التربية، لابد كذلك من العناية بتوسيع فهوم المتربِّين أكثر من العناية بإعطائهم الحلولَ للمشاكل الواقعة، فإن تداعيات هذا الزمن المتغير تقف دون ملاحقتها والوقوف على آحادها القائمة فضلا عمَّا في أجنَّة الأيام. وليس يعني ذلك التقليل من شأن كثرة المعلومات، فهي من أن أعظم مغذِّيات الفهم، ولكن: لا ينبغي أن نفرح بتسجيل الأهداف الفكرية، وإنما نريد أن نكتسب لياقة تؤهلنا لخوض أية منافسة، أما أهداف الأمس فلن تحتسب في منافسات اليوم.

يقول أبو حامد الغزالي: "إذا لم يتكلم الفقيه في مسألة لم يسمعها ككلامه في مسألة سمعها = فليس بفقيه" (نقله عنه الزركشي في البحر المحيط [1: 24]). وعلى قياسه المربي، فإذا لم يتكلم المربي في قضية تربوية لم يسمعها ككلامه في قضية سمعها = فليس بمربٍّ، ولا يحقِّق له ذلك شيءٌ كعنايته بتوسيع قاعدة الفهم.

4- ليس القصد من دفع المربِّي للفكر والنهل منه أن يكون مَدرَجَةً للشبهات الفكرية إلى المحضن التربوي، بحيث يتعهَّد المتربين بشُبَه الفكر للإجابة عنها، فضرر ذلك أقربُ من نفعه، ولكن الغاية أن يكون المربِّي على درايةٍ بها ليُحسِنَ إلباس رؤاه اللبوسَ المناسبَ لطبيعة المرحلة، ويكونَ مستحضرا للسؤالات السابحة في الفضاء المجتمعي حتى يتمكن من تقويمِ أحوال طلابه تقويمًا دقيقًا وإفادتِهم الإفادةَ المثلى، غايةُ ما نريده من المربي -إذا تأهَّل لتفكيك شبهات الفكر- أن يكون كالمفتي لا المعلِّم، فالمفتي يكتنز علمًا لكنه لا يَهَبُ مستفتيه إلا ما يحتاجه، أما المعلم فسائرٌ مع طالبه من مبدأ المتن إلى منتهاه، مع ضرورة تحسُّسِ دبيب الشبهات إلى المتربي والسعي في إبادتها قبل تمكُّنِها وانتشارِها.

5- السؤال الذي لا ينفكُّ من الصراخ في عقل كل مربٍّ راغبٍ في الفكر: كيف أكوِّن نفسي فكريًّا ؟ ماذا أقرأ؟ بماذا أبدأ؟ إلى أيِّ حدٍّ أَصِل؟ وسؤالاتٌ بين ذلك كثيراً. وقبل الإجابة لابد من التذكير بما تقدَّم من أنَّ الفكر ليس تخصصا معزولًا، وعليه فالبحثُ عن منهج فكريٍّ يترقَّى فيه الطالب من مرحلة لأخرى على حدِّ ما يجده في العلوم الشرعية = خَبطٌ في عماية. ولذا أفضِّل هنا أن أسجِّل طائفةً من الموضوعات الفكرية وما له تعلُّقٌ بها، مع (كتابٍ، بحثٍ، مقالٍ) مقترحٍ، وما عدا ذلك من الموادِّ المناسبة يصل إليها المربي من خلال البحث وسؤال المهتمين بالشأن الفكري، وبعض هذه الموضوعات المسمَّاة مندرجٌ في بعض، وقد يُنصَّ على الفرع لأهميته، فليس هذا المدوَّنُ منهجًا فكريًا يترقَّى فيه المربِّي شيئا فشيئا، بل هو نثار موضوعات.

م: الموضوع.


(ك): كتاب مطبوع. (ب): بحث منشور على الشبكة أو في مجلة محكَّمة. (م): مقالة.

1- مصادر التلقي ومنهج الاستدلال.
(ك): منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة لـ عثمان علي حسن.
(ك): الدليل العقلي عند السلف لـ عبد الرحمن الشهري.


2- المحكمات.
(ك): المحكمات لـ عابد السفياني.


3- حجية فهم السلف.
(ك): فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية لـ عبد الله الدميجي.


4- الموقف من الصحابة.
(ك): اعتقاد أهل السنة في الصحابة رضي الله عنهم لـ محمد الوهيبي:
(ك): النصب والنواصب لـ بدر العوَّاد (مقدمة الكتاب).
(م): موقف الصحابة رضي الله عنهم من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لـ سلطان العميري:
http://www.dorar.net/art/1207


(م): موقف علماء الأشاعرة من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لـ سلطان العميري:
http://taseel.com/di...x?id=1804&mot=1


(م): من السلامة إلى الغل لـ فهد العجلان:
http://www.albayan.c...le.aspx?ID=1942


5- قضايا الإصلاح.
(ك): شريعة المصلحين لـ أحمد الصويان.
(م): مشاريع الإصلاح؛ رؤية تقويمية لـ عبد الرحيم السلمي:
http://taseel.com/di...x?id=1640&mot=1


(م): الخطاب الإصلاحي والإشكاليات المتجذرة لـ سلطان العميري:
http://www.dorar.net/art/496


(م): ذرائع الإصلاحيين لـ إبراهيم السكران:
http://www.saaid.net...alsakran/35.htm


6- السياسة الشرعية.
(ك): أضواءٌ على السياسة الشرعية لـ سعد بن مطر العتيبي.
(ب): مفاتيح السياسة الشرعية لـ إبراهيم السكران:
http://www.dorar.net...es/alsakran.pdf


7- مقاصد الشريعة.
(ك): الاجتهاد المقاصدي لـ نور الدين الخادمي:
(م): التداول الحداثي لنظرية المقاصد [1-2] لـ سلطان العميري:
http://www.albayan.c...le.aspx?ID=1546
http://www.albayan.c...le.aspx?ID=1693


8- الفقه المعاصر.
(ك): منهج البحث والفتوى في الفقه بين انضباط السابقين واضطراب المعاصرين لـ مصطفى الطرابلسي.
(ك): المبالغة في التيسير الفقهي لـ خالد المزيني.
(ك): إصلاح الفقيه لـ هيثم الرومي.


(م): جسارة الانتقاء وأكذوبة التقليد لـ عبد الله البطاطي:
http://www.saaid.net...cat=4&book=9975


9- التصوُّر الإسلامي لقضايا الحريات.
(ك): فضاءات الحرية لـ سلطان العميري.


10- الإسلام والعلم التجريبي.
(ك): مناهج الاستدلال على مسائل العقيدة الإسلامية لـ أحمد قوشتي ص: [623-686].
(ك): النظريات العلمية الحديثة؛ مسيرتها الفكرية لـ حسن الأسمري [1: 679-810].


11- الإسلام والقوانين الوضعية.
(ك): التشريع الجنائي الإسلامي مقارنًا بالقانون الوضعي لـ عبد القادر عودة (مقدمة الكتاب).
(ك): الإسلام وأوضاعنا القانونية لـ عبد القادر عودة.


12- شبهات أعداء الإسلام.
(ك): شبهاتٌ حول الإسلام لـ محمد قطب.


13- التحولات الفكرية.
(ك): التحولات الفكرية لـ حسن الأسمري.
(ك): تحولات الإسلاميين لـ وليد الهويريني.


14: الانفتاح الفكري.
(ك): الانفتاح الفكري لـ عبد الرحيم السلمي.


15- المعارضات الفكرية المعاصرة.
(ك): التسليم للنص الشرعي والمعارضات الفكرية لـ فهد العجلان.
(ك): ينبوع الغواية الفكرية لـ عبد الله العجيري.
(ك): معركة النص [1-2] لـ فهد العجلان.


16- التعددية الفكرية.
(ب): مفهوم التعددية الفكرية لـ خالد المزيني.
[نشر في مجلة التأصيل - العدد (2) – ص: [27-79].


17- الموقف من المبتدعة.
(ك): المبتدعة وموقف أهل السنة والجماعة منهم لـ محمد يسري.
(م): التسامح العقابي مع المبتدع وضرورة الإتقان المعرفي لـ سلطان العميري:
http://www.dorar.net/art/522


18- الحضارة الغربية والموقف منها.
(ك): رسالة في الطريق إلى ثقافتنا لـ محمود شاكر.
(ك): الإسلام والحضارة الغربية لـ محمد محمد حسين.
(ك): صراع الحضارات بين عولمةٍ غربية وبعثٍ إسلامي لـ جعفر شيخ إدريس.
(ب): مآلات الخطاب المدني لـ إبراهيم السكران.


(م): هل من الممكن أن نتحرر من هذا الرق الثقافي؟ لـ صالح الحصين:
http://www.dorar.net/art/1236


19- الفكر العربي.
(ك): الفكر العربي في عصر النهضة لـ ألبرت حوراني.
(ك): قراءة في خطاب النهضة لـ محمد الفقيه.
(ك): التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي لـ سلطان العميري ص: [9-31].


20- مذاهب فكرية معاصرة.
(ك): مذاهب فكرية معاصرة لـ محمد قطب.
(5): أصول الفرق والأديان والمذاهب الفكرية لـ سفر الحوالي.


21- العلمانية/الليبرالية.
(ك): العلمانية لـ سفر الحوالي.
(ك): حقيقة الليبرالية وموقف الإسلام منها لـ عبد الرحيم السلمي له مختصر على الشبكة.
(ك): العلمانيون والقرآن الكريم لـ أحمد الطعَّان ص: [18-286].
(ك): معركة الثوابت بين الإسلام والليبرالية لـ عبد العزيز مصطفى كامل.
(ك): الليبرالية في السعودية؛ إعداد: مركز صناعة الفكر.


22- التنوير.
(ك): التنوير الإسلامي في المشهد السعودي لـ عبد الوهاب آل غظيف.
(م): خارطة التنوير من التنوير الغربي إلى التنوير الإسلامي لـ أحمد سالم (أبو فهر السلفي):
http://www.albayan.c...le.aspx?ID=2211


23- التغريب.
(ك): حركة التغريب في السعودية لـ عبد العزيز البداح له مختصر على الشبكة.
(م): المدخل الفقهي للمشروع التغريبي لـ عبد الرحيم السلمي:
http://taseel.com/di...px?id=820&mot=1


24- قضايا المرأة.
(ك): حراسة الفضيلة لـ بكر أبو زيد.
(ك): هل يكذب التاريخ؟ لـ عبد الله الداود.
(ك): عودة الحجاب لـ محمد المقدَّم.


25- الإلحاد.
(ك): الإسلام يتحدَّى لـ وحيد الدين خان.
(ك): الفيزياء ووجود الخالق لـ جعفر شيخ إدريس.


(م): اضطراب الملحدين (1-4) لـ جعفر شيخ إدريس:
http://albayan.co.uk...cle.aspx?ID=424
http://albayan.co.uk...cle.aspx?ID=510
http://albayan.co.uk...cle.aspx?ID=599
http://albayan.co.uk...cle.aspx?ID=666


26- مهارات التفكير.
(ك): منهج التفكير لـ ناصر العمر.
(ك): فصولٌ في التفكير الموضوعي لـ عبد الكريم بكار.

ونجازُ بحث العلاقة بين المربي والمجال الفكري بالتأكيد على أنَّ صلبَ العملية التربوية بناءُ جيلٍ قرآني، جيلٍ يُصنَع على عينِ القرآن، ومن أشرِف أوصاف القرآن أنه تبيانٌ لكلِّ شيء، وقد دلَّ الكتاب على ذلك في سياق التقرير: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل من الآية:89].


وكذا في سياق المدافعة: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} [الفرقان من الآية:33].

ولهذا "فليست تنزلُ بأحدٍ من أهل دين الله نازلةٌ إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها" (الشافعي، الرسالة [20])، فجديرٌ بالمربي أن يمهِّد الطريق لرسائلِه بأنوار القرآن، ويسعى جاهدًا في زرع المضامين الفكرية الصحيحة في قلوب من يربِّيهم من خلال النص القرآني، فهذا أمكنُ لنفوذها وأبقى لآثارها (من الكتب المعينة على بناء ملكة استثمار النصِّ القرآني في تقرير المضامين الفكرية: مآلات الخطاب المدني؛ للشيخ البحَّاثة إبراهيم السكران، وكذا كثيرٌ من مقالاته).

رجاء:

تمنَّى أ. د. عبد الكريم بكار في كتابه الحافل عن الصحوة الإسلامية "أن يكون لدى كل جماعة وهيئة ومنظمة وجهة صحوية وحدةٌ صغيرة، مهمتُها الأساسية اصطياد الأفكار، والاطلاع على التجارب العالمية، واقتباس الأساليب الناجحة" ثم عقَّب بقوله: "إن هذه الوحدة قد تختصر الطريق بأكثر مما نتصور" (الصحوة الإسلامية [205]).

وبما أن أحرفَ (الرجاء) أكثرُ فألًا من حروفِ (التمنِّي) فإني لأرجو أن نقوم بإنشاء وحدات تربوية صغيرة في كل بيئة تربوية، أو تكون الوحدة مغذِّية لأكثر من بيئة، مهمتُها: القفز بمعارف المربين من خلال تقييد موضوعات تعين على تكوين عقل المربي في مختلف المعارف، مع حصر حاجيات المحضن التربوي، والمشكلات التي تحيط به، وذلك بشكلٍ دوري (أسبوعي أو شهري...)، ثم السعي في إنشاء أوراق تسُدُّ رمقَ المربين في ذلك، من خلال المقالات المكتوبة، أو انتزاعِ فصولٍ من بطون الكتب، أو تتبع الدراسات الإقليمية والعالمية، والتقارير الإحصائية، وغيرها من روافد المعرفة، مع اقتراح أفكار بنائيَّة لمناهج التربية، وحلولٍ للمشكلات، الواقعةِ والممكنِ وقوعُها، وكذلك يكون من مهمة هذه الوحدة الوساطة بين المربين وأهل التخصصات المختلفة عند الحاجة إليهم.

وإضافةً إلى تلك الأوراق تقوم الوحدة باستثمار مختلف الوسائل الإعلامية، كمقاطع الـ (YouTube) فتجمع البرامج والحوارات والمناظرات الملائمة لشريحة المربين.

ومن أبرز بواعث هذا الرجاء أنَّ المربيَ الفردَ لا يستطيع أن يقوم بتلك المهام لوحده، فلا أقلَّ من إعانته وتغذيته بهذه الأوراق من قِبَل هذه الوحدات التربوية، وليس بشرطٍ أن تكون هذه الوحدات تحت إدارة أشخاص معينين في كل بيئة تربوية، بل الأجدى أن يكون الأمر دُولَةً بين المربين جميعًا، مع أهمية أن يكون على رأسها مَن تحقَّقت فيه أهليةُ النظر في الفكر والتربية، وإن عُدِم ذلك الأهل {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن من الآية:16].
ماذا بقي؟


لم يبقَ إلا شفوفُ النفس ليبدوَ منها ما استكنَّ لم يبقَ إلا وقفة الوفاء لجلالة التربية وسماحة المربين، ومن ذا الذي يملك أن يتحدَّث عن التربية دون أن تنسدل أشواقه وتندلق أقتاب قلبه!

خلُّوا بيني وبين التربية

أيَّ سموٍّ ذاك الذي حفرته محاضن التربية في سماء أمجادنا، وأيَّ معانٍ تلك التي أرستها رسائلُها في مرافئنا. يفيء إليها الفتى فتجعل منها كهلًا في همته، والخاملُ فتُحِيله مكنزَ جِدٍّ وإنجاز، وفاترُ الهمِّ فتحفر في وَجنتيه مجاريَ دمعٍ كلَّما دهمت أمَّتَه النوائب. أمسى فتورُه أثرًا بعد عين!
أما أهلُها، فالحديث عنهم شاق، وشخوصهم الطاهرة تتراءى الآن بين ناظريَّ، فماذا عسى أن أقول عنهم؟!


ما جالستُ واحدَهم إلا وأخاديدُ الهموم قد غزت سحنةَ وجهه، فما الذي ألجأه؟

يَسعد الناسُ بذكر المنجزات، ولا يفتنني شيء كسماع الهموم، هموم التربية فحسب، من صوت المربي فحسب، برعشة يده المثقلَة حين تُشِير وتشرح، بتجاعيد آماله المطلَّة من عينيه، بتنهيدته التي تُقلِق حروفَه، ينطق لسانه ببضع كلمات، وتخُطُّ عيناه لك أسفارًا من شَجَن التربية. فيا لَشُجُون المربِّين.

خلُّوا بيني وبين التربية

أقسم بالله غيرَ حانثٍ أنْ لو قُدِّرتْ محاضنُ التربية عَدَمًا لكانت جناية الباطل وأهله أضعافًا مضاعفة عما هي عليه، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيتْه، وكم من تائهٍ ضالٍّ قد هدتْه، فما أحسنَ أثرَها على الناس، وأقبحَ أثر الناس عليها!

بيوتُ إيمان، ومصانعُ قادة، مدَّت جسورها الواصلة بين شبابِ الأمة وجميعِ ثغور العطاء، "جميعِها" ولا أستثني، وقد آن لها أن تخطَّ تاريخَها المشرق بأقلامٍ فخورة، آن له ذلك ليُعلَمَ مقامُها من جسد الأمة، لِيعلَمَ لاحقُ المربين فضلَ سابقهم، ويحذوَ حذوهم، لنبصرَ مسيرتَها السابقة، ونصلَها بالحاضرة، ثم نكتب من بعدُ خارطةَ طريقِها المستقبلة.

فيا ربِّ أتمَّ لأهل التربية مسيرتهم.. يا ربّ... يا ربّ

 

المصدر: مجلة البيان؛ العدد [315]؛ ذو القعدة 1434هـ، سبتمبر – أكتوبر 2013م
  • 3
  • 0
  • 38,017

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً