الحماة؛ المفترَى عليها أم المفترية علينا!

منذ 2013-09-29

الحق أن مشكلة الحموات هذه من أكثر المشكلات المحيّرة في مجتمعاتنا العربية.


قال أحد الظرفاء: "عجِبتُ للحماة التي تشكر زوج ابنتها، وتُثني عليه؛ لأنه يُقدِّم لابنتها الإفطار في سريرها، في نفس الوقت الذي تصف فيه ابنها "بالنَّطْع"؛ لأنه يُقدِّم لزوجته إفطارها في سريرها!".

الحق أن مشكلة الحموات هذه من أكثر المشكلات المحيّرة في مجتمعاتنا العربية.

فهي محيّرة في الاعتراف بها أولاً؛ إذ أن هناك بعض من يُنكر وجود هذه المشكلة من الأساس، ويعتبرونها مشكلة وهمية ذات موروث ثقافي، توارثته الأجيال على مدار السنين. "بل ذهب بعض من طغى على تفكيرهم نظرية المؤامرة لأبعد من ذلك؛ إذ يرون أن الترويج لمشكلة الحموات في الأفلام والمسلسلات ما هي إلا مؤامرة من الأعداء لتفكيك الأسر العربية!".


وهي محيّرة كذلك في تحديد أسبابها -في حال ما تمّ التسليم بوجودها- إذ لا يُعقل عند الكثير أن تتغير الحماة فجأة للأسوأ، بنسبة مائة وثمانين درجة مع إنسان ما، بمجرّد زواجه من ابنها أو ابنتها.

الواقع المُشَاهَد -بلا شك- يردّ قول من يقول بأن هذه مشكلة وهمية متوارَثة؛ لأن المشاكل بين الحموات والأزواج في مجتمعاتنا كانت -ولا تزال- أحد الأسباب الرئيسية للتنغيص على الزوجين.

أما عن تشخيص أسبابها؛ ففي ظنّي أن مشكلة الحموات هذه ناتجة عن مبالغتنا -نحن العرب- في حُبِّنا لأبنائنا.

فالمصريون -على سبيل المثال- اعتادوا أن يكون أول كلامهم بعد السلام على أي شخص هو أن يسألوه: "ازيك وازاي أولادك؟ ويا ترى أنت عندك كام واحد دلوقتي؟ طيب وأعمارهم إيه؟ وفي مدارس إيه و...... " وهكذا تطير الدقائق الأولى من لقاء الشخصين في السؤال عن الأولاد وأسمائهم ومدارسهم ومقاس أحذيتهم!

وهذا بالطبع ناتج عن الحب المفرط للأبناء؛ لأن الحكماء يقولون: "من أحبَّ شيئاً أكْثَرَ من ذِكْره".

حتى إنه في بعض مجتمعاتنا؛ إذا ما أردت أن تُكْرِم إنساناً وتناديه بأحبّ الأسماء إليه، فما عليك إلّا أن تكنّيه باسم ابنه الأكبر: "أبو فلان" فعندها سيسمعك ويحترم كلامك بغض النظر عمّا ستقول!

وهذا الحب المُفرط للأبناء يكون عند الأمهات -بحكم عاطفتهن الجيّاشة- أضعاف ما عند الآباء الذين لديهم قدرة أكبر في التحكم في المشاعر.

وهذا هو بيت القصيد في سوء العلاقة بين الحماة والزوج؛ ويكون ذلك من خلال أمرين -وكلامي هنا عن حماة الزوج بصفتي رجل-:

الأمر الأول: أن هذا الزوج قد باعد بينها وبين أعزّ الناس عندها، فتجد نفسها لاشعوريّاً تنتقد أكثر تصرفاته وتعاديه لأتفه الأمور، ثم تذكر لابنتها بعد ذلك أسباباً لهذا الانتقاد والعِداء إلا أنه خلاف الحقيقة؛ لأن الأمر ببساطة أن عقلها الباطن قد صوّب سهامه تجاه هذا الرجل الذي سحب البساط من تحت قدميها، ليشاركها فلذة كبدها.

الأمر الثاني: أن الإنسان منّا حينما يعْظُم حبّه لإنسان آخر؛ فإنه يرى أن جميع ما بُذِل لمحبوبه هذا -مهما كان ثميناً- لا يساوي شيئاً أمام ما يستحقّه، وهكذا فمهما فعل الزوج وأحضر من الهدايا والهبات لابنتها حبيبتها، فهي ترى في الحقيقة أنه لم يقدِّم عُشْر مِعشَار ما تستحقّه منه!


بالطبع أنا لا أعمّم، فيوجد الكثير من الحموات اللاتي يُسيطرْن على مشاعرهنّ؛ فتبقى علاقتهنّ طيبة بأزواج بناتهنّ، ولكن هذا نادر، والنادر لا يُقاسُ عليه.


إبراهيم لبيب


 

  • 2
  • 0
  • 1,738

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً