إلى كل فتاة لم تتزوج بعد و قد تقدم بها العمر
لا يحزنك ذلك، و تذكري أنك لؤلؤه مكنونة، في صدفة محفوظة، تعيش حياة ساكنه في أعماق البحار، و عدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.
نقول لها أنتِ لؤلؤة في أعماق البحار، و عدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.
نعم هذه كلمات أكتبها لكِ أختي الكريمة يا من لم تتزوجي بعد، و أصارحك فيها، وكلي أمل أن تتسلل لعقلك، و تجد مكانها في قلبك.
إلى من لم تتزوج بعد، و جعلت الهّم رفيقها، و غلفت بالحزن قلبها، و جعلت اليأس يدبُ في نفسها، وكل هذا لأنها لم ترزق بالزوج بعد.
رفقاً بنفسك أيتها الكريمة...
فالزواج ليس فريضة يهدم دينك إن لم تفعليه، بل هو سنة الله في خلقه، يكتبها لمن يشاء، و يرزق بها من يشاء، ولا رادّ لقضاء الله، فكم من عالم وعالمه أثروُا التاريخ الإسلامي بالأبحاث و الكتب، و لم يكتب الله لهم أن يتزوجوا، و مع هذا ذاع صيتهمُ، وخلفوا وراءهمُ كنوز فكريه ثمينة، خيرٌ من كنوز الذهب و الأحجار الكريمة، ولم يقلل هذا من شأنهم أبداً.
أختي الكريمة:
لماذا تعتزلين الناس؟ أو تكوني معهم بقلب حزين يائس، و كل ذلك بسبب عدم زواجك، وهذا فيه اعتراض على قضاء الله، فيا أختي، أنتِ لا تدرين! قد يكون في بقاءك دون زواج رحمة بك، فاشكري الله على أي حال، ولا تحزني أو تعتزلي الناس، فهذا معناه شعورك بالنقص و كأن عدم الزواج، يخلّ في عقيدتك أو ينقص من إيمانك و كرامتك.
أختاه تعالي لأخبرك كيف يكون عدم الزواج رحمة بك:
إن كنتِ متدينة، فهذا من نعم الله عليك، و كم من فتاة كانت في مثل حالك و تزوجت و فتنها زوجها فأبعدها عن دينها و انتكس حالها، فخسرت في الدنيا و الآخرة، وقد حدث هذا حقاً، فهذه فتاة تربت في بيت متدين و على طاعة الله، و بعد زواجها أشتكى الجيران من حالها و حال زوجها بسبب أصوات الغناء المزعجة و العالية الخارجة من منزلهما، و لا تسألين عن حال أبيها وهو يسمع بشكوى الجيران والله المستعان -وهذه همسة خاصة لمن تقرأ الآن وهي مقدمة على الزواج للسؤال الدقيق عن الرجل قبل الزواج-.
الآن يا أختي أليس الله لطيف بك و أنت مثل هذه الفتاة التي كانت تدعو الله بالزوج الصالح، فكانت هذه هي نهاية حالها! إذاً؛ اشكري الله أن فضلك على كثير من خلقه، و قدر لك هذا الحال لحكمة لا تعلميها، ولعل فيها تخفيف لذنوبك {ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّـهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:5].
لن أنسى الجانب الهام، والذي هو سبب رغبة الفتيات في الزواج، وهو الإنجاب و إشباع عاطفة الأمومة بداخلها، وهنا أيتها الكريمة أتمنى منك أن تنظري حولك و ترين حال من تزوجت و قدر الله عليها عدم الإنجاب، تخيلي شعورها و كيف هو حالها؟ فهي والله في شقاء و عذاب لأنها حُرمت من شيء هام، تسعى له كل امرأة، و الحزن يملأ نفسها بالتأكيد، والله يرحم حالها و يفرج عنها، ويرزقها بالذرية الصالحة.
أختاه أليس حالك أفضل من حالها، فأنتِ محرومة من هذه العاطفة، بينما تلك المرأة محرومة و فوق ذلك تشعر بالحزن، لأنها سبباً في حرمان زوجها من عاطفة الأبوة، وهذا يُشكل ضغطاً نفسياً كبيراً عليها.
أنتِ لديك أبناء اخوتك و أقربائك، فوجهي عاطفتك نحوهم، وعلميهم و ساعدي في تنشئتهم على أحسن الأخلاق و على طاعة الله، و قد تكوني معلمة و لديك فرصة لتربي من هم بين يديك خير تربية فأنتِ مربية أولا و معلمة ثانياً، وقد تكونين طبيبة فتساهمي في شفاء طفل بإذن الله و تكوني سبباً لسعادته، المهم في كل هذا أن تحتسبي الأجر عند الله، و سيمتلئ قلبك بالسعادة الحقيقية و معها الأجر العظيم.
أختي العزيزة:
إن كنتِ تشعرين بأن عمرك يمضي و يحترق، فلا تجعليه يحترق فيكون هباء منثوراً، كعود الخشب اليابس، بل اجعليه يحترق كالشمعة التي تحترق لتنير الدرب للآخرين، و تضيء للآخرين حياتهم، وهدفها ابتغاء وجه رباً كريم.
أما أن كنتِ تنشدين المودة و الرحمة في الزواج، فلا يخفى عليك ذلك الحرمان والشقاء و الجفاء الذي تعيشه كثير من النساء في ظل أزواج قصروا في حقوقهن ولم يراعوا شرع الله، فكان الزواج وبالاً عليهن، لذا عليك شكر الله فأنتِ لا تعلمين عن حالك بعد الزواج كيف سيكون.
لا تجعلي كل تفكيرك محصور في الزواج، فهكذا سيمضي العمر سريعاً و موحشاً عليك، بل اصرفي هذا التفكير عن بالك، وتوكلي على خالقك، و اجعلي همك رضى الله وتعلم دين الله، فأنتِ إن لم تكوني عالمة بكتاب الله وحافظة له فقد فاتك الكثير، فعليك بطلب العلم الشرعي وابتغاء وجه الله الكريم، و هكذا سيمر العمر و أنتِ كلك ثقة بنفسك وبالله لأنك توكلت على الله.
أختاه..
لا تبالي بتلك الأوصاف التي تطلق عليك، فالعنوسة الآن تشمل الشباب قبل الفتيات، و لدي خمس قريبات في الثلاثين من أعمارهن، تزوجن بشباب تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والخامسة والثلاثين، وفي هذا التأخير حكمة عظيمة شعرن بها هؤلاء الفتيات و الشباب معاً، وهي أنهن عرفن قيمة الزواج، و جعلهن هذا الأمر يقدرن الحياة الزوجية، وكان دافعاً لهن لقيامهن بواجباتهن على أكمل وجه ابتغاء مرضاة الله، ولتعويض ما فاتهن، و سبحان من يوزع الأرزاق كما يشاء، وغيرهن كثيرات من تزوجن وهن في منتصف الثلاثينات بل وحتى في الأربعين، و عشن في سعادة وهناء، فليس المهم طول الحياة الزوجية، المهم وقت السعادة الحقيقية فيها.
أختي؛ اجعلي كلمة عانس رمزاً لعزتك وافتخارك بنفسك، و لا تجعليها خنجراً مسموماً تغرسينه بيديك في قلبك. إن شعر الآخرين بعظم شخصيتك ونجاحك وعلو قدرك، فسيخجلون من توجيه هذه الكلمة لك، ولو حدث ووجهوا لك هذه الكلمة، فهذا لن يهز ثقتك بنفسك و ثقتك بمن خلقك وصورك وشق سمعك وبصرك، فمن أنعم عليك بهذا قادر على أن ينعم عليك بما هو خير لك.
أختي الكريمة:
بأي عمر كنتِ، في العشرين أو الثلاثين أو الأربعين أو حتى أكثر، أتعلمين بماذا أشبه حالك؟
حالك كحال تلك اللؤلؤة الثمينة، الساكنة في أعماق البحار، لا أحد يراها، فهي محفوظة في تلك الأصداف، والتي لم تستخرج بعد!
و أقول -بعد- لأنه لم يأتي ذلك الصياد الماهر الذي يعرف كيف يستخرج الجواهر الثمينة، أو بسبب وجودها في أماكن بعيدة وعميقة يصعب على الصيادين الوصول إليها، و ما أكثر اللؤلؤ الذي لم يُستخرج بعد من أصدافه، لأي سبب كان، فهل يعني هذا بأنه رخيص أو ثمنه قليل؟
يا أختي الكريمة:
فافرحي، و اخرجي للناس، و ارفعي رأسك عالياً ليس من أجل العباد، بل من أجل رب العباد، و املئي قلبك بالعزة و الرضى بقضاء الله، و اجعلي هذا اليوم هو البداية الحقيقة لك، و توجهي فيه لله، و ادعيه أن يعينك على ذكره وشكره وحُسن عبادته، و أن ييسر أمرك، و يفقهك في أمور دينك، ويجعلك نوراً لمن حولك، و اكثري من هذا الدعاء و ردديه صبحاً و مساء: "اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك".
يا أختي الكريمة:
لا يحزنك ذلك، و تذكري أنك لؤلؤه مكنونة، في صدفة محفوظة، تعيش حياة ساكنه في أعماق البحار، و عدم اصطيادها، لا يقلل من قيمتها أبداً.
وفق الله فتيات و شباب الإسلام لما فيه الخير في دينهم و دنياهم.