دعائم الوجود العلماني في المشهد العربي

منذ 2013-10-13

العلمانية نظام شمولي صُنع على عين الرجل الغربي، هروباً من سيطرة الغيبيات التي تمثلها الكنيسة الغربية، وسعياً إلى التخلص من سيطرة رجل الدين الذي تسلط بكهنوته، ومنح لنفسه الحق الإلهي في الثواب والعقاب، فجاءت العلمانية لتطيح بكافة الأفكار والموروثات الدينية، سيما الموروث المسيحي، مستبدلة إياه بنتاجات عقلية مادية بحتة، لا تحترم مقدس، ولا تؤمن بغيبي، ولا ترى سلطاناً على الإنسان إلا سلطان العقل، فما يراه العقل حقاً هو الحق، وما يراه باطلاً هو الباطل.


العلمانية نظام شمولي صُنع على عين الرجل الغربي، هروباً من سيطرة الغيبيات التي تمثلها الكنيسة الغربية، وسعياً إلى التخلص من سيطرة رجل الدين الذي تسلط بكهنوته، ومنح لنفسه الحق الإلهي في الثواب والعقاب، فجاءت العلمانية لتطيح بكافة الأفكار والموروثات الدينية، سيما الموروث المسيحي، مستبدلة إياه بنتاجات عقلية مادية بحتة، لا تحترم مقدس، ولا تؤمن بغيبي، ولا ترى سلطاناً على الإنسان إلا سلطان العقل، فما يراه العقل حقاً هو الحق، وما يراه باطلاً هو الباطل.

وإلى جانب الثورة الروحية على الواقع المسيحي، كانت هناك ثورة مادية على الإقطاع، الذي استعبد الرجل الأوروبي، لصالح فئة من الإقطاعيين، المنضوي أغلبهم تحت اللواء الكنسي، وهناك عوامل أخرى حدت بالعقل الغربي إلى التمرد على واقعه، لكنها على أية حال عوامل لا تضاهي في قوتها الظرف الكنسي الذي عايشه الرجل الأوروبي.

يقول الدكتور عمارة في كتابه (علمانية المدفع والإنجيل)، واصفًا طبيعة العلاقة بين العلمانية والمسيحية الغربية: "كانت هذه العلمانية بمثابة الكأس المسموم الذي تجرعته المسيحية الغربية، فترنحت، وأصابها الإعياء والعجز والتهميش. فكان الفراغ الروحي الذي سقطت فيه الشعوب الأوروبية. وخاصة بعد إفلاس الحداثة ودينها الطبيعي" (علمانية المدفع والإنجيل، للدكتور محمد عمارة: [11-13]).

العلمانية في المواجهة مع العقل العربي:

لم يضع منظرو الفكرة العلمانية بلدان العالم الإسلامي في بادئ أمرهم كهدفٍ أصيلٍ لتفريخ أفكار العلمانية المناهضة للدين ولكل ما هو مقدس، فلم يكن في ذهن هؤلاء القادة وقت ولادة الفكرة العلمانية أن تتحول هذه الفلسفة في قابل الأيام لتصير أداة إرباك للمشهد الإسلامي في عصره الحديث. لكن النجاح الساحق للعلمانية في نسختها الغربية على المسيحية الغربية استنهض كثير من الداعمين لهذه الفلسفة في الشرق والغرب، ودفعهم للمناداة بفكرة العلمنة -المطالبة بتنحية الدين عن حياة البشر- ووضع العالم الإسلامي كهدفٍ رئيسٍ لها، إلى جانب هذا كان للمستعمر دوره الكبير في ترسيخ الفكرة العلمانية، مذ حطت رحال أول جندي غربي على شاطئ الثغر السكندري، إبان الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون بونابرت.

وبالرغم من مرور عشرات الأفكار والفلسفات على العقل العربي إلا أنه لم يتوقف عندها قدر توقفه عند العلمانية كفلسفة، فرأينا عدداً من أكابر المثقفين والمصلحين بل المشائخ، ممن يتوسم فيهم الفطانة ورجاحة العقل، يتبنون قسماً كبيراً من أفكار هذه الفلسفة، ويسعون في نشرها بين الناس، دون الالتفات إلى الأفكار الصدامية التي تناقض الأطر الشرعية والثوابت العرفية التي تحكم- ويتحاكم إليها- المجتمع الإسلامي.

فقد أثبتت العلمانية أنها الفلسفة الأقدر على الإطاحة بأعتى الأنظمة والفلسفات بل والديانات، وعلى هذا الأساس مضت قوافل العلمانية الآتية من شمال العالم الإسلامي وغربه، عابرةً حدود المكان والزمان، لتضع رحلها أول ما تضع في مصر وسوريا ولبنان وتركيا.. ومن ثمَّ تمّ تصديرها إلى مختلف البلدان الإسلامية، كرادعٍ ومهاجم في آن واحد، في حالة الصراع الإسلامي/المسيحي (الإسلامي/الغربي).

ولأن العلمانية منتج غربي خالص، وفكرة مستوردة لا نظير لها في المجتمع المسلم، ظل الغرب بكل ما يملك من آليات يمثل أحد أكبر الداعمين لها والحامين لوجودها في الغرب والشرق، فأنفق في سبيل ذلك الكثير، وأوقف العديد من المشاريع العلمية والباحثين النابهين؛ لدراسة كل ما له علاقة بالإسلام، وبيان سبل اختراقه وهدمه داخلياً وخارجياً، وفي عمل المدرسة الاستشراقية الحديثة أوضح شاهد على هذه المؤامرة.

الاستعمار والعلمانية وجهان لعملة واحدة:

لم تكن الآلة العسكرية بمنأى عن هذا الصراع بل كانت ولازالت إحدى أكثر الوسائل استخداماً في حالة الصراع الدائرة بين الإسلام وخصومه، سيما الغرب المسيحي، وهل كان للعلمانية ولغيرها من الأفكار الهدامة وجود إلا بفضل الاستعمار الغربي وسلاحه؟ وهل دامت فكرة غربية في بلداننا إلا تحت إلحاح القوى الغربية وعمالة حكام الداخل؟

فما أينعت علمانية في الشرق أو الغرب إلا برعاية مستعمر أو عسكري متآمر، في المقابل ما دام حكم جبري سلطوي عسكري إلا بمباركة علمانية، فما العلمانية والسلطوية- المتمثلة هنا في الاستعمار أو حكم العسكر- إلا وجهان لعملة واحدة، موقع عليها بيراع مستبد واحد. فلأن العلمانية كفكرة، سلاح قديم جديد في ساحة الصراع الإسلامي الغربي، سعى الغرب إلى تثبيت أركانها وإرساء دعائمها داخل المجتمع الإسلامي، ولذلك لم يدخر القائمون على هذه الفلسفة جهداً لبثها في كافة بلدان العالم الإسلامي بلا استثناء، وفي كل مفصل من مفاصل هذه الدول، وعلى كل الأصعدة والمستويات.

وكانت أُولى قنوات الاتصال بين العالم الإسلامي وعلمانية المجتمع الغربي متمثلة في حملة بونابرت على مصر، حيث جاء بونابرت بأفكار المجتمع الفرنسي وعاداته ومُثله وقيمه، إلى جانب ترسانة من الأسلحة، خلْفها جيش عرمر من الرجال، وكان العنصر الفكري هو الأهم والأرجى في هذه الحملة.

ويكفي أنْ يعرف القارئ الكريم عدد من صحبهم بونابرت في حملته على مصر من العلماء والباحثين ليعي حجم المؤامرة، التي كانت تُدار ولا تزال علينا، وليتأكد له أن هذه الحملة كانت حملة أيدلوجية فكرية في المقام الأول، حيث تذكر المراجع التاريخية أن عدد من صحبهم بونابرت من العلماء بلغ أكثر من 150 عالماً، إضافة إلى أكثر من 2000 متخصص من خيرة الفنانين والرسامين والتقنيين في مختلف المجالات. وفوق هذا وذاك يُروى أن نابليون جلب معه مجموعة من الفتيات الفرنسيات ممن يمتهن الرقص، فلما سُئل عنهن قال: "إنهن أقوى فرقة في أسطولي". وبهذا جمع المستعمر بين الدراسة للحالة التي كانت عليها المجتمع الإسلامي وقت حملته، وبين ما أراده بزراعته لأفكار وأعراف تعارض أفكار وأعراف هذا المجتمع.

يقول الدكتور السيد أحمد فرج: "يرى الدارسون المحدثون من أساتذة التاريخ الحديث والفلسفة في الجامعات المصرية أن أول ظهور العلمانية بمصر كان مع حملة نابليون تعبيراً عن روح الثورة الفرنسية، وأنها اتخذت طابعاً رافضاً لكل ما هو ديني، ولهذا فهؤلاء المحدثون يطلقونها لتعبر عن الإطار العام الذي احتوى الأفكار التي حملها نابليون" (جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج: [ص:17]).

فلم تكن الحملة الفرنسة حملة سلاح فحسب، بل كان للجانب الفكري حظ وافر ونصيب لا يُستهان به في تلك الحملة، ولذلك ظلت الآثار الفكرية لهذه الحملة باقية إلى اليوم، فزعزعةُ العالم العربي والإسلامي والعبثُ بأيدلوجياته وقناعات أفراده كان هدفاً رئيساً في غالب الحروب التي خاضها الرجل الغربي ضد المسلمين.

وهذا ما رأيناه في البلدان التي دخلها المستعمر الغربي، ونراه اليوم في البلدان التي يحكمها وكلاء الغرب، فعلى سبيل المثال لا الحصر لازال الشمال الإفريقي -سيما دول المغرب الإسلامي- يعاني من رواسب المستعمر الفكرية، وزاد منها الحكم الاستبدادي الذي عانت منه دول هذا القطر طيلة الفترة الماضية، حيث حُكمت بقوانين وضعية، شوهت الكثير من الملامح الإسلامية في تلك البلدان. ثم ما نراه اليوم في دول الاستعمار الحديثة كأفغانستان والعراق، شاهد آخر على استمرار الغرب في اتباع نفس السياسات القديمة، من خلال استبدال نظم تلك البلاد بنظم علمانية بحتة.

العلمانية والكنيسة، من العداء إلى التحالف:

إلى جانب الدور الحربي كان للدور الكنسي في الداخل والخارج أعظم الأثر في تثبيت أركان العلمانية، فبرغم اشتداد العداء (العلماني/الكنسي)، في بادئ النشأة إلا أن النهايات جاءت سعيدة، بخلاف ما كان متوقع، فسرعان ما استجابت الكنيسة ورضخت للعقل العلماني، ومن ثمَّ تمَّ التصالح على المبدأ (الكنسي/العلماني) القائل: "دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله".

وبالفعل خففت الكنيسة من قبضتها على أتباعها، وأعطت لهم من الحريات ما أراح الجنوح العلماني، لكن قبضتها لم تُرفع كليةً، بل ظل للكنيسة أثرها على الدولة الغربية، والسياسيات الغربية، سيما السياسات التي ترتبط بقضايا العالم الإسلامي. فالاعتراف المسيحي بالعلمانية لم يكن نتاج الضغط علي المسيحية في أوروبا الحديثة فحسب، بل كان لطبيعة الديانة المسيحية أكبر الأثر في هذا الاعتراف، فالمسيحية تم علمنتها فعليًا مذ تمّ تحريفها عقب رفع المسيح وتصرُّف أتباعها في أصولها ونصوصها وكتابها.

"فأوروبا عندما ارتضت العلمانية لم تكن قد انتقلت من مرحلة إلى مرحلة أخرى مغايرة للأولى بمعنى إن التشريعات الدينية لم تكن مطبقة في حياة الأوروبيين، فالأوروبيون منذ القدم وهم يتحاكمون إلى القوانين اليونانية والرومانية بعيداً عن المنهج الرباني المتمثل بالتوراة والإنجيل، أما القول بأن هناك تطبيقا لأحكام التوراة والإنجيل في أوروبا فهذا ليس صحيحًا، ولم يحصل إطلاقًا، وذلك لأن اليهود والنصارى على السواء كانوا معطلين لهذه الأحكام منذ القدم، وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة منذ البعثة النبوية المباركة" (أثر الانحراف العقدي والفكري عند اليهود على الفكر الصهيوني المعاصر، عطا الله بخيت حماد المعايطه- رسالة ماجستير: [(405]).

لذلك لم يكن من المستغرب أن تتعاون الكنيسة مع دعاة العلمانية في الشرق والغرب، لبث الأفكار العلمانية داخل المجتمع الإسلامي، فبعد توافد العلمانية إلى عالمنا الإسلامي تسارع صليبيون وتغريبيون إلى تبني أفكارها وترجمتها في البلدان العربية على شكل أحزاب أسسها نصارى من أمثال: أنطون سعادة، مؤسس الحزب القومي السوري، وجورج حبش، مؤسس حزب القوميين العرب، وميشيل عفلق، مؤسس حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان أبرز القادة المنظرين للفكر العلماني في العالم العربي نصارى أيضاً، من أمثال: قسطنطين زريق، وأميل البستاني، وسلامة موسى (ينظر: العلمانية.. إمبراطورية النفاق... من مهد لها الطريق؟!- د.عبد العزيز مصطفى كامل: [7-8]).

فالتعاون المسيحي/العلماني، لم يعد خافيًا، سيما في ظل الأوضاع التي تحياها بلداننا الإسلامية هذه الأيام، وما نشاهده من صراع دائر حول الهوية؛ بهدف تشويهها وتغييب عناصرها عن المشهد الإسلامي. فالناظر في هذا المشهد يرى حالة من التوحد (العلماني/النصراني)، في الوسائل والأهداف، وإنْ اختلفت الغايات، لكنها لا تتعارض على أية حال، فالعلماني غايته التخلص من سلطان الدين (الإسلامي) بهدمه كلياً، أو بتحييده وتهميشه فحسب، وهذه الغاية في أصلها غاية نصرانية، لكن النصراني يزيد عليها رغبته في تحويل وجهة المسلمين قِبلَ كنائس أوروبا.

وإلى هذا الأمر عمل قادة الغرب (قساوسة وعسكر) ففي رسالة أرسلها البطريرك جريجوريوس كبير قساوسة اليونان أيام حكم الدولة العثمانية إلى قيصر روسيا، شرح البطريرك للقصير فيها كيفية هدم الدولة العثمانية من الداخل وذلك سنة 1820م, مشيرا إلى أهمية استخدام الوسائل العلمانية، ومما جاء في هذه الرسالة قوله: "لابد من إعلاء أهمية وقيمة الأمور المادية في تصوراتهم وأذهانهم وإفسادهم بالإغراءات المادية؛ فإنه ليس بالحرب فقط تهدم الدولة, بل العكس هو الصحيح؛ لأننا إذا اتبعنا طريق الحرب وحده لتصفية الدولة العثمانية سيكون هذا سببًا في سرعة إيقاظهم ووصولهم لمعرفة حقيقة ما يخطط ويبيت لهم في الخفاء. وإن ما يجب علينا عمله هو إكمال هذه التخريبات في بنيتهم الذاتية والاجتماعية ومكانتهم الدولية دون أن يشعروا بذلك".

ولا ننسى إن نسينا وصف الرئيس المسيحي الإنجيلي جورج بوش الابن لحربه على العراق بأنها حرب صليبية، وقريب من هذا المعتقد أشار الجنرال الأمريكي (وليام بويكن) الذي كلف من قبل بتتبع أسامة بن لاند أن "العدو ليس أسامة بن لادن، العدو هو الديانة..." قاصداً الإسلام.

خلف كل انحراف ابحث عن اليهود، العلمانية نموذجًا:

وقبل جنرالات الغرب وقساوسته، كان لليهود دورهم الأكبر في تشكيل المنتج العلماني وصياغته، ثم كان لهم نفس الدور وزيادة في تصدير هذا المنتج إلى بلدان العالم الإسلامي، فبفعل اليهود بثت النعرات العنصرية والطائفية في البلدان الإسلامية، وتلا ذلك نشر العديد من الأفكار والفلسفات إلى أن جاءت العلمانية كفكرة خاتمة لمجتمع الأفكار والشذوذات الغربية.

فقد "استطاع اليهود بعبقريتهم الشريرة أن يتسلموا قياد المجتمع الأوروبي الآخذ في الانسلاخ من دينه بتأثير انحرافات الكنيسة الأوروبية وجرائمها وخطاياها فينشئوا على أنقاض المجتمع الإقطاعي المنهار مجتمعاً جديداً بلا دين ولا أخلاق ولا تقاليد.. وقد سلطوا على هذا المجتمع كل قواهم الشريرة لينشئوه على هذه الصورة، فوضعوه بين ذراعي كماشة هائلة تعصره عصراً وتُفتت كيانه وتُحيله كياناً ممسوخاً مشوهاً بلا قوام" (مذاهب فكرية معاصرة- للأستاذ محمد قطب: [91]).

والأمر ذاته حدث في ربوع عالمنا العربي والإسلامي، حيث سعى اليهود في نشر الشذوذات الفكرية الغربية، والمناهج الفلسفية الضالة؛ بهدف التشغيب على المنظومة الفكرية للعقل المسلم، فلم يتركوا فلسفة إلا وسعوا في بثها وتعليمها الناس، ولا باباً من أبواب الفساد والإفساد إلا وفتحوه على مصراعيه.

فعلى يد (تكين ألب- ألبرت كوهين) اليهودي أُسست النعرة الطورانية التي تنادي بتوحيد الشعوب الناطقة بإحدى اللغات التي تنتمي للغة التركية على حساب رابطة الإسلام، وهي نعرة عنصرية جاءت لمقابلة نعرة القومية العربية التي نمت وترعرعت في البلدان العربية على يد طائفة من اليهود العرب والصليبيين والنصارى؛ بهدف تقسيم العالم الإسلامي إلى أعراق وعنصريات، لإضعاف كيانه، وهو ما تمّ لهم، ونراه هذه الأيام، بل تحولت هذه العدوى إلى أبناء البلد الواحد.

والفكرة القومية في الأساس فكرة يهودية/إغريقية، يقول اليهودي (هانس كوهين) في كتابه (أساس القومية الحديثة): "ترجع القومية الحديثة في أصولها إلى ذلك المصدر الذي يعتبر أساس المدنية الغربية بأكملها، وهو المصدر العبري الهليني" (أساس القوية الحديثة، لهانس كوهين، نقلا عن أثر الانحراف العقدي والفكري عند اليهود على الفكر الصهيوني المعاصر- عطا الله بخيت حماد المعايطه- رسالة ماجستير: (422]).

فكما قال هانس فإن المدنية الغربية وما نراه من فلسفات غربية، تعود في أغلب الأحيان إلى مصدر يهودي ويشرف عليها يهود، وهذا ما رأيناه في العلمانية والشيوعية والعلمانية والداروينية، وفي كل فلسفة ترى في الدين خصما لها، ومناوئاً يجب القضاء عليه. وعبر منظومة من الجمعيات والمراكز البحثية، إضافة إلى ترسانة من الإعلاميين والمثقفين، استطاع رعاة العلمانية من اليهود والحلفاء من النصارى، الحفاظ على كيان هذه الفلسفة رغم ضعف أسسها وعدم صلاحيتها للعيش في البيئة الإسلامية.

وتعد الجمعيات الماسونية أحد أهم الوسائل التي ساهمت في نشر الفكر العلماني (الإلحادي)، فـ "قد نشرها الإفرنج -من اليهود والنصارى واللادينيين- وأعوانهم المتفرنجون في مصر والبلاد الإسلامية في القرن التاسع عشر، وكان من بين أعضائها خديوي مصر، وجمال الدين الأفغاني، والشيخ محمد عبده، ثم انفصل الأخيران عنها، ولكن أمرها استشرى في مصر مع الاحتلال البريطاني، وكان أكبر العاملين على نشرها شاهين مكاريوس أحد أصحاب المقطم، وصاحب امتياز مجلة اللطائف، التي أنشئت 1886م؛ لتكون أعلى أبواق الدعاية للماسونية والإلحاد في مصر، وكانت أول جهاز إعلامي يجاهر بنشر التعاليم الماسونية والإلحادية في مصر" (جذور العلمانية، د. السيد أحمد فرج: [ص:70]- بتصرف يسير).

إلى جانب ما سبق، فهناك حماة كثر للفكرة العلمانية، يسهرون للحفاظ عليها ورعايتها دخل البلدان العربية والإسلامية، لكنهم حماة بالوكالة، لا حماة أصليين يتحركون وفق أيدلوجية فكرية معينة، ومن هؤلاء الحماة (الموكلين): "المستغربون العرب، وأصحاب المصالح؛ ممن لا علاقة لهم بفكر ولا فلسفة ولا ثقافة، ويتجلى هذا الأمر في أنظمة الفساد التي تحكم غالب الدول الإسلامية، حيث تتحرك هذه الأنظمة وفق رؤية علمانية بحتة، تترسم فيها خطى الغرب.

ومع هذه الأنظمة الاستبدادية في دولنا الإسلامية تتكون جوقة من المثقفين والإعلاميين والرياضيين والفنانين...إلخ، يرددون نفس العبارات، ويتبنون نفس الأفكار والانحرافات والشذوذات، ولعله يكون من المفيد إفراد مقالاً آخر للحديث عن هؤلاء الحماة (حماة الداخل) ودورهم الخطير في إفساد المجتمع الإسلامي، ونشر الفكرة العلمانية، وما يتبعها من انحرافات.

فنسأل الله التيسير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

رمضان الغنام

كاتب إسلامي مصري التحصيل العلمي: "باحث بالدكتوراه"، تخصص الدراسات الإسلامية، جامعة طنطا.

  • 2
  • 0
  • 18,748

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً