الشاب الخطيب

منذ 2013-10-25

هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب، من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والشيء الأقل أهمية من بين هذه الصفات الثلاثة هي الأخيرة. فهل هذه مغالاة؟ أجل، لكن امسح ظاهرها وستجد الحقيقة تشع من داخلها. كتب أحد الخطباء خطبًا ممتازة جدًا من ناحية المنطق والحكمة والإنشاء، ومع ذلك كان يفشل في إلقائها أمام الجمهور، إذ لم تكن لديه القدرة على إيصال كنوزه الثمينة وإظهارها بطريقة لائقة".

 

الشاب الخطيب... نعم هذا هو عنوان المقال، وليس أي خطيب، بل الخطيب البارع.

كثير من الشباب يتعرّض في مواقف عدة من حياته لفرصة الخطابة ومواجهة الجمهور، وكلما حالف التوفيق هذه الفرص كلما أسهم ذلك في بناء الشاب بناء جيدًا.

وفي هذا المقال نتعرف على أهم أسس "فن الخطابة" والتي من خلال التدرب عليها نكتسب فن الحديث وخطاب الجماهير.

إشارات على طريق الخطابة:

يقول دايل كارنيجي: "لا يعتمد الأمر كثيرًا على ما تقوله، مثلما يعتمد على طريقة إلقائه"، ويقول: "إن الإلقاء الجيد يجعل المادة الهزيلة ذات معنى وقيمة" (فن الخطابة، دايل كارنيجي).

"قال اللورد مورلي مرة بمرحٍ سافر: هناك ثلاثة أشياء مهمة في الخطاب، من يلقيه؟ وكيف يلقيه؟ وما الذي يقوله؟ والشيء الأقل أهمية من بين هذه الصفات الثلاثة هي الأخيرة. فهل هذه مغالاة؟ أجل، لكن امسح ظاهرها وستجد الحقيقة تشع من داخلها. كتب أحد الخطباء خطبًا ممتازة جدًا من ناحية المنطق والحكمة والإنشاء، ومع ذلك كان يفشل في إلقائها أمام الجمهور، إذ لم تكن لديه القدرة على إيصال كنوزه الثمينة وإظهارها بطريقة لائقة" (فن الخطابة، دايل كارنيجي).

أسس وأسرار الإلقاء:

ينضوي فن الخطابة على أسس كثيرة، يستطيع من يملك زمامها أن يقدم خطابًا رائعًا، من يسبر أغوار هذه الأسس يستطيع أن يكتشف أسرار الإلقاء الرائع، من هذه الأسس والأسرار:

كن طبيعيًا:

إن الجمهور الحديث، سواءً كان في اجتماعٍ عمل أو تحت خيمة، يريد من الخطيب أن يتحدث بشكل مباشر مثلما يفعل خلال جلسة سمر، وفي الأسلوب العام كالذي يستخدمه أثناء محادثة واحد منهم.

إذا كنت تخطب أمام الناس فإنك لن تستحوذ على استحسانهم إلا عندما تخطب بأسلوبٍ طبيعي، فالخطيب الجيد لا يجذب الانتباه إلى شخصه، ولكن إلى العبارات والكلمات التي تنساب من قلبه كالسلاسل الذهبية.

ثق بأنك فريد في شخصيتك ومتفرد بأسلوبك وفكرتك، وليس لك شبيه، فأنت تمتلك أثمن هبة فتعلق بها وطورها، فهي الشرارة التي ستضع القوة والإخلاص في خطابك.

إن ذلك يحتاج إلى التدريب ليأتي الخطاب طبيعيًا أمام الجمهور مثل الممثلون.

إن مشكلة تعليم أو تدريب الناس على الإلقاء ليست من المميزات الصعبة الإضافية، بل إنها مسألة إزالة العوائق وتحريرهم واستدراجهم للتحدث بشكلٍ طبيعي.

فإذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف، توقف وقل بحدة لنفسك: "ما الأمر"؟ انتبه!

إن الإخلاص والحماس والصدق يساعدك أيضاً. فعندما يكون الإنسان تحت تأثير مشاعره، تبرز ذاته الحقيقية، وتزال من أمامها القضبان. إذ أن حرارة عواطفه تحرق كل الحواجز. فيتصرّف تلقائياً، ويتحدث بتلقائية. فيكون طبيعياً.

وهكذا؛ في النهاية، يرجع موضوع الإلقاء إلى الشيء الذي شددنا عليه في البداية: ضع قلبك في خطابك.

ثالثًا: الصوت

والمقصود هنا أن تغير من طبقات صوتك، ولا تجعلها على وتيرة واحدة، بل اجعلها متموجة كسطح البحر، فعندما تجد نفسك تتحدث برتابة وطبقة ثابتة، عدل من طبقات صوتك وتكلم بصورة طبيعية مرة أخرى.

رابعًا: سرعة الصوت

ونقصد به تغيير معدل سرعة الصوت، هكذا كان يفعل لنكولن، "كان يقول عدة كلمات بسرعة عظيمة، وعندما يصل إلى الكلمة أو الجملة التي يرغب في التشديد عليها؛ يرفع صوته ببطء ثم يندفع إلى آخر جملته كالبرق. فكان يكرس وقتا لكلمة أو لكلمتين يرغب في التأكيد عليهما، أكثر مما يكرسه لستة كلمات تكون أقل قيمة منها" (تقارير لنكولن، والتر. ب. ستيفنز).

خامسًا: توقف!

ونقصد به التوقف قبل وبعد الأفكار المهمة، فعندما تمر بفكرة رائعة أو مهمة تود ترسيخها في أذهان مستمعيك، توقف للحظة دون أن تقول شيئًا، هذه الوقفة اليسيرة تجذب الانتباه إليك، وتجعل الناس المستمعين أكثر انتباهًا وانجذابًا إليك.

وعلى سبيل المثال، هذه نقاشات لنكولن مع دوغلاس "فعندما كانت نقاشاته المشهورة مع دوغلاس تشرف على الانتهاء، وعندما تشير الدلائل إلى هزيمته، ينتابه الأسى، والحزن الاعتيادي القديم يعود إليه في بعض الأوقات، فتأتي كلماته مصبوغة بالرقة، ففي نهاية خطبه، يتوقف فجأة ويقف صامتاً للحظة، ثم ينظر إلى الوجوه التي نصفها عدائي ونصفها حميم، بعينيه القلقتين العميقتين اللتين كانتا تبدوان مليئتين بالدموع التي لم تنهمر، ثم يفرد ذراعيه وكأنهما متعبتين من جراء قتال مميت"، ويقول بنبرته الغريبة: "أيها الأصدقاء، هناك فرق بسيط بين انتخابي وانتخاب القاضي دوغلاس إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، لكن المسألة العظيمة التي قدمناها لكم اليوم هي بعيدة جدًا عن المصالح الشخصية أو المصير السياسي لأي رجل، يا أصدقائي -هنا يتوقف ثانية- فيصغي الجمهور إلى كل كلمة هذه المسألة ستعيش وتتنفس وتحيا عندما يصمت في القبر لسان القاضي دوغلاس ولساني الضعيف المتلعثم".

هذه الكلمات البسيطة، تقول إحدى مذكراته: "لامست كل قلب في الصميم".

قال كيبلينغ: "من خلال صمتك تتكلم"، فالصمت وسيلة ذهبية عندما تستخدمه أثناء كلامك، والخطباء البارعون لا يغفلون أبدًا هذه الأداة على عكس المبتدئين.

 

محمد السيد عبد الرازق
 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 0
  • 0
  • 1,728

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً