الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء

منذ 2013-10-29

إن الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء، وقد اعتاد الجهلاء والسفهاء أن يهونوا من أمر الدعاء معتقدين أن من يأمر المسلمين بالدعاء على عدوهم يكتفي بالدعاء ولا يأخذ بسائر أسباب النصر من إعداد العدة، والصبر، والثبات وتقوى الله عز وجل..


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

وبعد:

فإن الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء، وقد اعتاد الجهلاء والسفهاء أن يهونوا من أمر الدعاء معتقدين أن من يأمر المسلمين بالدعاء على عدوهم يكتفي بالدعاء ولا يأخذ بسائر أسباب النصر من إعداد العدة، والصبر، والثبات وتقوى الله عز وجل، كما في قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال من الآية:60].

وقوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125].

وإذا كان النصر من عند الله العزيز الحكيم فقد أمر الله عباده المؤمنين أن يطلبوا منه النصر، وأن يستغيثوا به سبحانه، وأن يلحوا في الدعاء فإن الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء، قال تعالى عن طالوت وجنوده: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250]، فماذا كانت النتيجة؛ {فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة من الآية:251].

قال الله تعالى: {أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة من الآية:286].

فشأن المولى أن ينصر مولاه، وفيه إيذان بتأكيد طلب إجابة الدعاء بالنصر، لأنّهم جعلوه مرتّباً على وصف محقّق، ألا وهو ولاية الله تعالى للمؤمنين، قال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا} [البقرة من الآية:257]. وفي حديث يوم أحد لَمَّا قال أبو سفيان: "لَنا العُزّى ولا عُزَّى لكم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا تجيبوه، قولوا الله مولانا ولا مولَى لكم»، ووجه الاهتمام بهذه الدعوة أنّها جامعة لخيري الدنيا والآخرة؛ لأنّهم إذا نصروا على عدوهم، فقد طاب عيشهم وظهر دينهم، وسلموا من الفتنة، ودخل الناس في دين الله أفواجاً.

وقال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:146-148].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:45-46].

والمعنى: إذا لقيتم جماعة كافرة فاثبتوا لقتالهم، والثبات هو أن يوطنوا أنفسهم على لقاء العدو وقتاله ولا يحدثوها بالتولي والفرار، وكونوا ذاكرين الله عند لقاء عدوكم ذكراً كثيراً بقلوبكم وألسنتكم.

فأمر الله عباده المؤمنين وأولياءه الصالحين أن يذكروه في أشد الأحوال وذلك عند لقاء العدو وقتاله، وفيه تنبيه على أن المؤمن لا يجوز أن يخلو قلبه ولسانه عن ذكر الله.

وقيل: المراد من هذا الذكر هو الدعاء بالنصر على العدو، وذلك لا يحصل إلا بمعونة الله تعالى، فأمر الله سبحانه وتعالى عباده أن يسألوه النصر على العدو عند اللقاء.

وعن النعمان بن مقرن رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يقاتل في أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر" (أخرجه أبو داود في الجهاد، والترمذي في السير، وقال: "حديث حسن صحيح"، والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي)، وفي البخاري: "انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات".

وفي فتح فارس قال النعمان رضي الله عنه للجند: "يا أيها الناس، اهتز ثلاث هزات، فأما الهزة الأولى فليقضي الرجل حاجته، وأما الثانية فلينظر الرجل في سلاحه وسيفه، وأما الثالثة فإني حامل فاحملوا فإن قتل أحد فلا يلوي أحد على أحد، وإن قُتلت فلا تلووا عليّ، وإني داع الله بدعوة فعزمت على كل امرئ منكم لما أمَّن عليها، فقال: اللهم ارزق اليوم النعمان شهادة تنصر المسلمين، وافتح عليهم"، فأمَّن القوم، وهز لواءه ثلاث مرات، ثم حمل فكان أول صريع رضي الله عنه وفتح الله على المسلمين.

وفي الآية مع الأمر بالذكر والدعاء الأمر بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم، والأمر بالصبر والثبات، والنهي عن التنازع والفرقة والشتات المؤدي إلى الهزيمة والضعف.

وقال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:9].

قال أَبُو زُمَيْلٍ: "حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبي اللَّهِ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: «اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ»، فَمَازَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ: يَا نَبِي اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّى مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ}، فَأَمَدَّهُ اللَّهُ بِالْمَلاَئِكَةِ"، قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ: "فَحَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهم إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الأَنْصَارِي فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: «صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ»، فَقَتَلُوا يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ" (رواه مسلم).

وفي صحيح مسلم: "باب اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بِالنَّصْرِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ"، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى قَالَ: "دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمِ الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».

قال القحطاني: "إن من أعظم وأقوى عوامل النصر الاستغاثة بالله وكثرة ذكره؛ لأنه القوي القادر على هزيمة أعدائه ونصر أوليائه، قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]، وقال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، وقال: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ}.

وقد أمر الله بالذكر والدعاء عند لقاء العدو، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال:45]، لأنه سبحانه النصير، فنعم المولى ونعم النصير؛ {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آلِ عمران من الآية:126]، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه في معاركه ويستغيث به سبحانه، فينصره ويمده بجنوده، ومن ذلك قوله: «اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، مجري السحاب، هازم الأحزاب، اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم، وانصرنا عليهم».

وكان يقول عند لقاء العدو: «اللهم أنت عضدي، وأنت نصيري، بك أحول، وبك أصول، وبك أُقَاتِل».

وكان إذا خاف قوماً قال: «اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم».

وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد عليه السلام حين قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ}، وهكذا ينبغي أن يكون المجاهدون في سبيل الله تعالى؛ لأن الدعاء يدفع الله به من البلاء ما الله به عليم" (الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى للقحطاني).

وفي معركة ملاذ كرد سنة (463هـ)؛ خرج ملك الروم رومانوس في جمع كبير من الروم والروس والكرج والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي ألب أرسلان، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه، قيل: إنهم قرابة خمسة عشر ألفاً، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له.


وقال قولته المشهورة: "أنا أحتسب عند الله نفسي إن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر أصبح وأمسي، ومن حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي، ويومي خير من أمسي"، وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء، وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً، وتمكنوا من أسر معظم قوادهم.

وكان السلطان قد أرسل من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة، ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض وقال: "هيهات لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم"، وجاء في رواية: "لا هدنة إلا ببذل الرِّي"، وهي بلاد شاسعة تحت إمرة المسلمين، فحمى السلطان وشاط، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: "إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين".

واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة (463هـ)، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع، وقال لهم: "نحن مع القوم تحت الناقص، وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً، فما هاهنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر، فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة، ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة"، فقالوا: "مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه"، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت".

وقال: "إن ُقِتلتُ فهذا كفني"، ثم وقع الزحف بين الطرفين، ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه، ومرغ وجهه بالتراب، وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء، ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه" (دولة السلاجقة؛ للصلابي).

الدعاء للمؤمنين والدعاء على الكافرين في القنوت:

روى البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ قَالَ: "حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: وَاللَّهِ لأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ في الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الآخِرَةِ وَصَلاَةِ الصُّبْحِ، وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ".

وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع، فربما قال إذا قال سمع الله لمن حمده: «اللهم ربنا لك الحمد، اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش ابن أبي ربيعة، اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف»، يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: «اللهم العن فلانًا وفلانًا»، لأحياء من العرب حتى أنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آلِ عمران:128]".

آفة الدعاء الاستعجال وترك الدعاء:

عن خباب بن الأَرَتِّ رضي الله عنه قال: "شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، أو تدعو لنا؟ فقال: «قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيُحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يبعده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون»".

فهذا خبّاب رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب منه الدعاء بالنصر، هكذا أطلق خباب، وهو يريد النصر الظاهر، برفع العذاب والأذى الذي كانت قريش تصبه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته فنقله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقلة أخرى مبيناً له معنى آخر من معاني الانتصار، وهو الثبات على دين الله، وتحمل المشاق والعقبات، حتى لو ذهبت روح المسلم فداء لدينه وعقيدته، ثم يذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم النصر الظاهر وأنه متحقق، ويقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولكنه لا يتحقق إلا بعد الثبات والصبر.

قال الحافظ ابن حجر: "وليس في الحديث تصريح بأنه لم يدع، بل يحتمل أنه دعا، وإنما قال: «قد كان من قبلكم...»، تسلية لهم وإشارة إلى الصبر حتى تنقضي المدة المقدورة، وإلى ذلك الإشارة بقوله في آخر الحديث: «ولكنكم تستعجلون»".

فالمذموم من الحديث هو الاستعجال قبل الأوان وليس طلب النصرة.

وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يستجاب لأحدكم ما لم يُعجِّل»، قيل: "وكيف يعجل يا رسول الله"؟ قال: «يقول: قد دعوت الله فلم يستجب الله لي» (رواه ابن ماجة والترمذي، وقال: "حسن صحيح"، وصححه الألباني).

الاستنصار بالضعفاء:

ويستحب أن يستنصر بالضعفاء أي بدعائهم والشفقة عليهم والإحسان إليهم، لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» (صحيح البخاري كتاب السير والجهاد باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب).

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، ويستحب أن يدعو عند لقاء العدو.

وروى الحاكم في المستدرك عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبر قسمه، منهم البراء بن مالك»، فإن البراء رضي الله عنه لقي زحفًا من المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين فقالوا: "يا براء، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنك لو أقسمت على الله لأبرك، فأقسم على ربك"، فقال: "أقسمتُ عليك يا ربّ لما منحتنا أكتافهم"، ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين، فقالوا له: "يا براء أقسم على ربك"، فقال: "أقسمتُ عليك يا ربّ لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك"، فمنحوا أكتافهم وقُتِلَ البراء شهيداً.

فالدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء؛ لأن المؤمنين يعلمون يقيناً أن النصر بيد الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى ناصرهم على عدوهم متى أخذوا بأسباب النصر، والله المستعان.



جمال المراكبي
 

  • -1
  • 88
  • 212,005

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً