ضحايا المسرحيات والتمثيليات!
مسلسل.. فيلم.. مسرحية.. مقاطعٌ كاذبة من تمثيليات صورية يديرها أناس حقيقيون يُتاجرون بمشاعر النّاس مِن أجل شهوات زائلة، لا تساوي في ميزان ربِّنا جناح بعُوضة..
مسلسل.. فيلم.. مسرحية.. مقاطعٌ كاذبة من تمثيليات صورية يديرها أناس حقيقيون يُتاجرون بمشاعر النّاس مِن أجل شهوات زائلة، لا تساوي في ميزان ربِّنا جناح بعُوضة..
كانَ النّاس يتعجبون مني كيف لا أهتمّ بمثل هذه الفنون! فكان جوابي: لأني أعلم أنها كذب!! يجعلونك تبكي وتفرح، وترتعدُ وترتعب بينما هم أبصارهم كأنما سُكِّرتْ مِن هَوس العظَمة، وجنون الزعامة؛ فلا يهمّهم بعدُ ما يحدثُ لغيرهم ولو كانوا منهم!
يعمَلون في وقتٍ النّاس فيه بين قائم وعابد وتالٍ للقرآن لا يدرون ماذا يخبَّأ لهم منهم في حلْقةٍ قادمةٍ قَدِيمة بأطلالها.. جديدة بأبطالها غير أن النّاس يحسّنون الظن بهم على أنّهم سيعالجون بمسرحياتهم قضاياهم: (فالمؤمن غرّ كريم).. أكرمهم بحسن الظن طمعًا في أن يتحمّلوا عنه الألم والشقاء.. ثم النتيجة: كذب وافتراء، وأكل للضعفاء!
تنقضي فصول مسرحية بشدتها ولأوائها، فيؤوب أبطالها إلى ديارهم سالمين غانمين مخلِّفين محبيهم غرقى في آثام اللقاء، هلكى من آلام الفراق! يسترْخصون أنفسَ من تعلَّقوا بهم في متاجرة جائرة غير عادلة، مِن أجل متابعة بطلٍ وهو في ساحة اللقاء.. بمَن؟! بحبيبته!! يُقبِل عَليها، ويقبّلها والمتابعون مِن السّذاجة! لا يزالون يظّنون بهم الظن الحسن! وأن هؤلاء الأبطال أتَوا ليفرّجوا عنهم همومهم، ويعالجوا قضاياهم! فينتظرونهم الحلقة تلو الأخرى على أحر من الجمر؛ قلوبهم تكاد تنفجر، ودموعهم لا تكاد تنحسر؛ ولا أحدَ يحفل بهم؛ فَالجمر استحال عندهم طعام الأشقياء، والدّم شراب الأبرياء، وماء العيون السبيل الوحيد لإخماد حرارة الجمر، وغسل آثار الدم؛ لتكون أبدعَ خاتمةِ فصلٍ مِنْ فصول المسرحية!
فكم من طفلٍ ينادي أمه.. ولكنْ -لانشغِالها بالمسرحية- لا تجيب..
وكم من أمّ تنادي ابنتها؛ وهي الأخرى لا تجيب..
وكم من أخ ينادي أخته؛ ولا تجيب..
وكم من أب ينادي أولاده فلا يجيبون..
وكم.. وكم.. وكم..
فما إن تنقضي حلقة بآلامها وآمالها.. لتخْلفها أخرى أشد منها ألـمًا، وأضيق منها أملاً؛ فالبطل همه السلامة وغرضه الغنيمة؛ يُبْكي ولا يَتَأثر، ويَقهر ولا يعاتَب، ويُقَتّل ولا يعاقب؛ فالأمرُ عنده ليس يعدو أن يكون تمثيلية.. كَأنَّ أحدَهم أسدى له خدمة العمر، وأهدى له فتوى بحلِّ ما في التمثيل ما لا يحلّ في غيره، كما يحلّ في البحر ما لا يحلّ في البرّ! ألا ترى أنك إذا سألتَ مَنْ يتعرّى في البحر أجابك: أنا في البحر! فكذلك إذا سألتَ القاتلَ في مسرحيته: يقول لك أنَا أمَثّل!
فلا تعثر حينئذ! على ما يحملك على الصمودِ سوى الاستغفار والدّعاء!
دخَل أحدُ مَن اكتنهوا حَقِيقة التمثيل مسجِدًا والخطيب يدعو فكان من دعائه:
"اللهم من أدخل الحزنَ بغير حق إلى قلب مسلمٍ آمن فَأدخل الحزن إلى قلبه، والغمّ إلى صدره.. و.. و.. "
فسأله: وهل الممثلون البارعون داخلون في دعائك؟!
فبكى الخطيب.. وأجابه: هم أولى! لأنهم يسترون كذبهم وأذاهم بحجاب شرعيٍّ!
فسأله: كيف؟!
فأجابه: ألَا ترى الممثل كيفَ يتلوّن في كلّ مرحلة؟! تراه اليومَ صديقًا وغدًا عدوًّا، واليوم طيبًا وغدًا خبيثًا.. وهكذا! وحجّته: اقتضاء مصلحة التَّمثيل!
فسأله: ماذا تنصحني إذًا؟!
فأجابه: مَتى عثرتَ على شيء يشَاكل ذلك فاعلَم أنّها تمثيلية؛ فلا تصدّق ولا تتابع!
فخرج من المسجد فرحًا مطمئنًّا فكانَ مِنْ أجمل مَا سَمِعَ مِنْ نصيحة!
ولكنّه لا يزال يذرف دموع الرّحمة على أولئك الغرقى والهلكى!
فـ «مَن لا يَرحم لا يُرحم» (صححه الألباني).
طالَ به عُمُرٌ أو قَصُر!
ياسين نزال
- التصنيف:
- المصدر: