آفات القات

منذ 2013-11-29

من العادات السيئة في مجتمعنا عادة القات التي أُبتليَ بها كثير من المسلمين في هذا البلد على وجه الخصوص في اليمن، وإنّ هذه الآفة وهذه الشجرة لها مضرة كثيرة وآفات عظيمة اقتصادية وصحية واجتماعية.


الخطبة الأولى:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سئيات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آلِ عمران:102].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:1].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}[الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

أيها المسلمون: يقول الله جل وعلا: {وَالْعَصْرِ . إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].

ألا إن من العادات السيئة في مجتمعنا عادة القات التي أُبتليَ بها كثير من المسلمين في هذا البلد على وجه الخصوص في اليمن، وإنّ هذه الآفة وهذه الشجرة لها مضرة كثيرة وآفات عظيمة اقتصادية وصحية واجتماعية.

وحقنا نحن معشر المسلمين أن نتواصى فيما بيننا بالحق والأمر بالمعروف وأن يعضَّ بعضنا بعضاً على الخير وترك ما يضر الدين أو الدنيا.
ألا وإن من آفات القات أنه مضيعة للأوقات فيقضى المسلم في مجلس القات بما معدله ست ساعات يوميّاً وهذه الساعات تضيع من عمره بلا فائدة.


إن العمر أيها الأخوة هو أغلى شيء في هذه الحياة لو كان الوقت يقدر بالمادة لكان هو أغلى وأنفس شيء في هذه الوجود وفي هذه الدنيا والمادّيون يقولون: "الوقت من ذهب" ونحن نقول: "الوقت هو الحياة"؛ لأن الحياة هي الساعات واللحظات التي يعيشها المسلم، فإذا ضاع وقته فقد أضاع حياته وصح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن عِلمه ماذا عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه» (رواه الترمذي وغيره).

فالمسلم لا يمتلك وقت لإضاعته في مجالس القات، بل هذا الذي أدمن على القات لن يجد وقت للقيام بالواجبات الشرعية عليه؛ كحقوق الزوجة وتربية الأبناء والقيام بحقوق الوالدين وطلب المعاش الحلال، ونحو ذلك، فأصبح همه كيف يحصل على القات؟ وكيف يقضي وقته هذا اليوم؟

ومن آفات القات: أنه مَضيعة للأموال فمئات الملايين يومياً تُصرف في هذه الشجرة، ولو صُرِفَت هذه المئات من الملايين التي تُصرف هدراً يومياً لو صُرِفَت لسد حاجة الفقراء والمحتاجين والمعوزين في هذا البلد لما وجدنا فقيراً، ولو صُرِفَت هذه الملايين في المشاريع العامة وإصلاح أحوال المسلمين وحاجياتهم الضرورية كإصلاح الصحة والتعليم لتحسين حالنا إلى أحسن حال هذا ويُصبح المال دولة بين الأغنياء منكم وهم أصحاب مزارع القات وتجّار القات حينما يُصبح المال دولة بين فئة وطبقة من المجتمع، إن الإسلام لا يرضَ بذلك وفي المقابل هذا الرجل الذي يبذل ماله للقات قد يترك أولاده بحاجة إلى كأس الحليب أو إلى طعام جيد وقد يضيّع حقوق أبويه الكبيرين وقد يسلك مسارك شتّى محرَّمة من أجل الحصول على قيمة القات.

إن وضعنا الاقتصادي المدّمر أحد أسبابه وعوامله هو زراعة هذه الشجرة الخبيثة فقد تراجعت زراعة البُنّ في اليمن بسبب انتشار هذه الشجرة الخبيثة.

ومن آفات القات: إنه إتلاف للصحة فكثير من الأمراض بسببها القات، ومنها انفصام الشخصية وذلك أن القات يسبب السهر والأرق وإذا تكرر من مدمن القات السهر والأرق جّره ذلك إلى الشكوك وإلى التخيّلات وجرّه إلى نوع من فصام -فصام الشخصية- وذلك يسارع مدمن القات إزالة هذا الضجع وهذا القات بأنواع من العقاقير المخدّره وربما استعملوا المحرمات كالكحول والفاليوم ونحو ذلك لإزالة آثار القات.

ومن مضاره الصحية يعتقد أن القات من الأسباب الرئيسية في الفشل الكلوي وفي الفشل الكبدي، كما إن المبيدات التي تُرَش بها مزارع القات مبيدات سامة ويُستعمَل في اليمن مبيد خطير في هذه المزارع هو ممنوع دوليّاً لأنه خطير على الزراعة ويسبب مرض السرطان ومن الجدير بالذكر إنّ أصحاب مزارع القات لا يتناولون القات التي تُرش بهذه المبيدات، كما إنّ مجالس القات لا تخلوا من الدخان والسجائر الشيشة أي (المداعة) لا تخلو من كل ذلك أو من يعرضه فيضطر حتى من لم يتناول الدخان و(المداعة) يضطر إلى أن يستنشق هذا الجو المبوء، ومن تمّ هذه ذريعة لأمراض الصدر والدرن والالتهابات الفيروسية المعدية الخطيرة، وقد ذكر الأطباء أمراض أخرى يسببها القات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» (حديثٌ حسن؛ رواه ابن ماجة والدارقطني وغيرهما مُسنداً).

ومن آفات القات الاجتماعية والأخلاقية: إن القات يسبب انتشار الرشوة في مجتمعنا بسبب رئيس لانتشار الرشوة في مجتمعنا حتى أصبحت كالحلال لا يستحي منها الآخذ ولا المعطي فـ {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

وهو من كبائر الذنوب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش» (رواه الترمذى وحسّنه، وابن حبان في صحيحة، والحاكم)؛ والرائش: هو الساعي بينهما والوسيط.

فأصبح المسلم يفكر كيف يدخل قيمة القات بأي سبيل وبأي طريق من طريق الرشوة أو من طريق الكذب أو الاحتيال وهذا ما لا يرضاه الشرع.

إنّ غياب كثير من الموظفين عن وظائفهم وخروجهم في وقت مبكر أو حضورهم للوظيفة في وقت متأخر كل ذلك من أسباب القات في الغالب إما بسبب السهر وإما بسبب الاستعجال لشراء القات.

إنّ الفساد الإداري الذي تشهده بلادنا -اليمن- هو أحد العوامل الرئيسية فيه هذه الشجرة، هذا مع ما يدور في مجالس القات من الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، هذا مع انشغال الرجال والنساء به حتى انشغلوا عن ما هم أعظم واجباً في هذه الحياة ألا وهو الصلاة، ومنهم من يجمع بين صلاتي الظهر والعصر من أجل مجلس القات.

ومنهم من انشغل عن أبنائه وتربيتهم ولأولاده رجالاً ونساءً بسبب مجالس القات، هذه بعض مضاره فهل يعي المسلم ويقلع عن هذه العادة السيئة؟!

إنه بحاجة إلى إرادة قوية وتوفيق من الله، فعليه أن يدعو الله من ابتلى بهذه الشجرة الخبيثة، عليه أن يدعو الله عز وجل أن يخلصه منها، ثم عليه أن يجتهد لقوة إرادية أن يترك هذه الشجرة، وما يروجه بعض الناس من أن القات له فوائد إنما لذلك من تلبيس إبليس: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام من الآية:121]، {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء:120].

إنه ليس من شيء إلاّ وفيه فوائد، ولكن العبرة بغلبة الفوائد، أو غلبة المضار، فالشيء إذا كثرت مضاره وكثرت مفاسده حرم شرعاً حتى قال الله جل وعلا في الخمر: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة من الآية:219].

ٍأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وأسأل المولى جل وعلا أن يبارك لي ولكم بالقرآن العظيم أنه سميع قريب.

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، أشهد بأنه قد بلغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، فصلَّى الله عليه وعلى آله صلاة وتسليماً كثيراً.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18-19].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ . وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ . وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المنافقون:9-11].

عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» (رواه البخاري)، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، "يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه، وأعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كما شئت فكما تدين تدان".

ألا وصلوا على سيد الأولين والآخرين محمد الصادق الأمين، فقد أمركم بذلك رب العالمين بقوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56].

اللهم صلِّ على محمد وعلى محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارضَ اللهّم عن الأئمة الخلفاء الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن سائر الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وعنّا معهم بعفوك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام وانصر المسلمين واحفظ حوزة الدين وأذلَّ الشرك والمشركين.

اللهم أرفع عنَّا الغلاء والوباء والربا والزلازل والمِحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أبرم لهذا الأمة أمراً رشداً يُعزُّ فيه أهل طاعتك ويُذَلُّ فيه أهل معصيتك ويُأمَر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن منكر يا سميع الدعاء. {رَبُّنَا آَتِنَا فِي الدنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَار}.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي القدير يذكركم، وأسالوه من فضله يعظكم واشكروه على آلائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


عبد الله بن فيصل الأهدل
 

  • 3
  • 1
  • 10,714

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً