الهدف من العدوان على لبنان: "إسرائيلي" أم أمريكي؟!
لعل أهم ما تمخضت عنه أحداث العدوان "الإسرائيلي" الجارية الآن في
لبنان وكذلك في فلسطين هو ما يمكن أن يسمى بدخول الأجندة الأمريكية
الخاصة على الخط؛ لتعلو لأول مرة الأجندة "الإسرائيلية" ولا تسير
كالعادة بتطابق تام معها، وكان هذا ظاهرًا في الإلحاح الأمريكي على
المضي في العمليات حتى تدمير جنوب لبنان. وكان من الواضح أن "إسرائيل"
لا ترغب في السير في هذا الطريق إلى آخره، على الأقل فيما يتعلق
بتدمير طائفة لبنانية بأسرها لتتعدل الساحة اللبنانية إلى
الأبد.
ولأول مرة منذ حرب السويس عام 1956 تبدو "إسرائيل" وهي تلعب دور
الأداة لصالح خطط وأهداف دولة كبرى في وضع يعلو على أهدافها هي، وإن
كان بالطبع لا يلغيها بل ويساندها. والجديد هنا هو دور الأداة الذي
كان يفترض أن إسرائيل قد تجاوزته منذ حرب عام 1967 مع تحوّلها إلى قوة
إقليمية وفاعل استراتيجي مستقل مع إعطاء الأولوية لمصالحه هو. وفي هذه
الحرب انعكست الآية بكل جلاء حيث بدا أن أمريكا مستعدة لمواصلة الحرب
حتى آخر جندي إسرائيلي، أو بالأصح، بصرف النظر عن الخسارة الإسرائيلية
التي أصبحت جلية ومتزايدة مع مرور الوقت. وكان هذا البروز للأجندة
الأمريكية على الأجندة الإسرائيلية واضحًا في عدة مظاهر:
فهناك الإصرار على إطالة أمد الحرب على عكس الأفضلية "الإسرائيلية"
المعروفة لتقليل أمد حروبها ومعاركها واعتمادها على أسلوب الحرب
الخاطفة.
-النقطة الثانية كانت عملية تدمير جنوب - بل وكل لبنان - على هذا
النحو الذي لم تقم به "إسرائيل" كثيرًا في حروبها السابقة باستثناء ما
يحدث الآن في غزة، وهو كذلك يفسر بالأجندة الأمريكية. إن ما يحدث في
لبنان يشبه كثيرًا ما فعلته أمريكا بالعراق في الحرب معها عام 1991
و2003 من تدمير متعمد واسع النطاق للبنية التحتية بالذات، مع استخدام
أسلحة محرمة دولياً وقنابل وذخائر مدمرة وذكية. وكان استهدافها للجيش
العراقي نفسه وهو العدو المعلن، وهذا هو بالضبط ما فعلته إسرائيل في
لبنان. وفي نفس الوقت فإن تردد الجيش الإسرائيلي في القيام بالعملية
البرية كان أوضح دليل على أن الأجندة التي تحكم الحرب هي أمريكية
وليست "إسرائيلية".
فعلى الرغم من تصريح شمعون بيريز حول أن الحرب اللبنانية مسألة حياة
أو موت لإسرائيل، إلا أن الجيش الصهيوني لم يحسم الأمور لمعركة برية
حتى لو كانت كلفتها جسيمة كما حدث في الحروب السابقة مع العرب وحتى في
لبنان "عام 1982". فلو كانت المسألة قضية حياة أو موت لإسرائيل فعلاً
لما كان هناك أي تردد في تحمل أية خسائر في سبيل الهدف الإسرائيلي
الأسمى. لكن هذا التردد الغريب كان مبعثه - في تصوري - الإحساس بأن
الضحايا سوف يسقطون لحساب قضية غير إسرائيلية "أي أمريكية". وكان الحل
الجهنمي الذي لجأت إليه إسرائيل للعب دور الأداة للأجندة الأمريكية
دون تحمل ضحايا غير مقبولة هو حل القصف التدميري الشامل، وهو نفسه
الحل والأسلوب الأمريكي في حرب فيتنام وحتى حرب العراق. وهو كذلك
بالمناسبة نفس الأسلوب الأمريكي في محو ألمانيا من الوجود في الحرب
العالمية الثانية.
ولكن ما هو عدم التطابق هذا بين الأجندة الأمريكية والإسرائيلية؟! إنه
ناتج في كون الأولى دولة عالمية الاستراتيجية، بينما الثانية إقليمية
الطابع، ما يعني أن الأهداف الأمريكية المعروفة في اتساع نطاق
العمليات الراهنة مثل إقامة الشرق الأوسط الجديد وضرب الإسلام بعد
تسميته بالإرهاب، ثم السيطرة على القوى الإقليمية المستقلة وأبرزها
إيران وبناء حلف موالٍ لها في الدول التابعة في المنطقة قد لا تكون هي
نفسها الأهداف "الإسرائيلية"، وعلى الأقل ليس بنفس الدرجة أو الكيفية
أو الأولوية أو الاتساع.. فإسرائيل كدولة إقليمية، وليست عالمية،
وموجودة على الأرض، وليست بعيدة، وكدولة صهيونية، وليست كدولة تقودها
الأصولية المسيحية "حتى ولو كانت صهيونية الهدف" لها بالضرورة تصورات
مختلفة. فربما تبقي على شعرة معاوية مع الأهداف التي تضربها أمريكا
بما في ذلك سوريا ولبنان الموحد المتعدد وليس المطهر عرقياً.
ومن هنا، ونتيجة لعدم التطابق، ظهرت قضية استخدام إسرائيل كأداة، وهو
ما لا تحبه السياسة الإسرائيلية، ولا تتصوره لنفسها بعد أن بلغت مرحلة
الدولة الإقليمية المسلحة نوويًا. بالقطع تريد إسرائيل سقوط إيران
النووية وسقوط التيارات الإسلامية المقاومة، لكنها تفضل أن يحدث ذلك
بأيد أمريكية عربية في المقام الأول، وأن يكون وجودها في العملية
محدوداً فقط لضمان جني المكاسب تحت دعوى المشاركة في الجهد، كما تفضّل
أن تكون هذه المشاركة غير مكلّفة سياسيًا ولا بشريًا، من خلال جهد
استخباري أو عن طريق عمليات خاصة ولكن ليس حربًا، بكل تأكيد.
- التصنيف: