الإسلام دين النظافة
قيمة النظافة من أهم القيم الإسلامية، والإسلام ينظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من الإيمان، الأمر الذي جعلها تحظى باهتمام بالغ في الشريعة الإسلامية، اهتمام لا يدانيه اهتمام من الشرائع الأخرى، فلم يعد ينظر إليها على أنها مجرد سلوك مرغوب فيه أو متعارف عليه اجتماعياً يحظى صاحبه بالقبول الاجتماعي فقط؛ بل جعلها الإسلام قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، يُثاب فاعلها ويأثم تاركها في بعض مظاهرها.
قيمة النظافة من أهم القيم الإسلامية، والإسلام ينظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من الإيمان، الأمر الذي جعلها تحظى باهتمام بالغ في الشريعة الإسلامية، اهتمام لا يدانيه اهتمام من الشرائع الأخرى، فلم يعد ينظر إليها على أنها مجرد سلوك مرغوب فيه أو متعارف عليه اجتماعياً يحظى صاحبه بالقبول الاجتماعي فقط؛ بل جعلها الإسلام قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، يُثاب فاعلها ويأثم تاركها في بعض مظاهرها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْإِيمَانُ بِضْعٌوَسَبْعُونَ -أَوْ: بِضْعٌ وَسِتُّونَ-شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» (رواه البخاري: [9]، ومسلم: [35]).
ومن مظاهر اهتمام الإسلام بها؛ جعلها سمة من سمات الرجال، وهذه السِّمة جعلتهم ينالون شرف محبة الله تعالى لهم، قال تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبه:108]، كما جعلها سبحانه وتعالى شرطاً لإقامة عمود الدين -الصلاة-، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرضى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6].
وجعل سبحانه وتعالى التيمم بالصعيد الطيب عوضاً في حالة عدم القدرة على الماء، وذلك من أسمى مظاهر الاهتمام بالطهارة والنظافة في الإسلام والتيمم يعكس أيضاً مدى حرص الإسلام على الطهارة، قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة من الآية:6]، كما أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل هذا التكلف من قبيل الحرج والعناء على المؤمنين، ولكن تشريفاً وتكريماً لهم، قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة:6]، أي أن هذه الطهارة التي نأمركم بها ليس المقصود منها إرهاقكم بها ولكنها نعمة من نعمنا التي لا تُحصى عليكم والتي تستحق الشكر.
وهذه الطهارة -التي يريدها الله من عباده- ليست مقصورة على الجوانب المادية فقط، من طهارة البدن والثوب، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]، وغير ذلك من المظاهر المادية؛ وإنما هي عامة تشمل المظاهر المعنوية أيضاً، فالإنسان الذي لا يكذب يُوصَف بأنه نظيف اللسان، والذي لا تمتد يده إلى حق غيره يُوصَف بأنه نظيف اليد.
والمتأمِّل حال الطهارة والنظافة في القرآن الكريم يجد أن الله سبحانه وتعالى يُعاقِب على عدم الالتزام بها أشد وأبلغ عقاب، وقد أهلك الله سبحانه وتعالى أُمَّة كاملة لنجاستهم وعدم طهارتهم وهم قوم لوط عليه السلام، قال تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ . فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:73-74].
وقد جعلها الله تعالى شرط لصحة الصلاة وجعل التيمم بديلاً عن الماء، ومن ثم لا تصح الصلاة بدون الطهارة بالماء أوالتراب، وأول ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح سائر العمل وإن فسدت فسد سائر العمل.
وقد حرّم الله إتيان المرأة حال حيضها لأنه أذى، وبعد انتهاء الحيض شريطة الطهارة قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وتأمَّل نظرة الإسلام إلى من يأتي امرأته حال حيضها وقبل طهورها وهي زوجته، فذلك الشخص لم يجعل الله له حد جلد ولا رجم مثل الزنا وشرب الخمر؛ بل عقوبته أشد من ذلك وهي الطرد من رحمة الله، نسأل الله العفو والعافية، وكذا الحال مع من يأتي المرأة في دبرها.
ولقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم النظافة نصف الإيمان، حيث قال صلى الله عليه وسلم: «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن -أو: تملأ- ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حُجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها» (رواه مسلم: [223]، والترمذي، وابن ماجة).
يرد هذا الحديث على من يعتقدون أن النظافة والطهارة إنما هي من ابتكار الغرب، وأن أُمَّة الإسلام ليس لها علاقة بها بسبب تصرُّفات بعض المنتسبين إلى الإسلام، فإن كانت بعض الأديان أولت النظافة جزء من اهتمامها فقد جعلها الإسلام نصف الإيمان، كما جعلها شرط لبعض العبادات، ويكفي هذا الحديث في الكلام عن اهتمام الإسلام بالنظافة.
ومن خلال ما سبق يتبين لنا مدى تقدير الإسلام للنظافة، لأنها من العوامل الأساسية في الحفاظ على الصحة، والوقاية مما قد يضرُ البدن.
مجالات النظافة في الإسلام:
الوضوء:
شرع الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة، بما فيها من تعهَّد للأعضاء الظاهرة من الإنسان الأكثر تعرُّضاً للتلوث، وجعلها شرطاً لقبول الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: «ولا تُقبلُ صلاةٌ بغيرِ طهورٍ، ولا صدقةٌ من غُلولٍ» (رواه مسلم: [224]، وسنن الترمذي: [1]، وابن ماجة).
كما حث النبي صلى الله عليه وسلم على إسباغ الوضوء، قال صلى الله عليه وسلم: «من توضَّأَ للصَّلاةِ فأسبغَ الوضوءَ ثمَّ مشى إلى الصَّلاةِ المَكتوبةِ فصلَّاها معَ النَّاسِ أو معَ الجماعةِ أو في المسجدِ غفرَ اللَّهُ لَهُ ذنوبَهُ» (رواه مسلم: [232]).
الغسل:
أوجب الشارع غسل جميع البدن، بعد الجماع وبعد الحيض والنفاس وغير ذلك من المواطن التي يلزم معها الغسل، وحث عليه وندب إليه في مناسبات عدة وخاصة مواطن الاجتماع والازدحام كالجمع والعيدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء أحدُكم الجمعةَ فليغتسلْ» (رواه البخاري: [877]، ومسلم: [845]).
كما أن الإسلام وضع حد أقصى لمدة الغسل، وذلك إذا لم يوجد ما يوجب الغسل، فالسُنة ألا يمرّ أكثر من سبعة أيام على آخر غسل، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حقٌّ للهِ على كلِّ مسلمٍ، أن يغتسلَ في كلِّ سبعةِ أيَّامٍ، يغسِلُ رأسَه وجسدَه» (رواه البخاري: [898]، ومسلم: [849]).
شرع غسل اليدين قبل الأكل وبعده، وقد سبقت الإشارة إليه.
غسل اليدين بعد الاستيقاظ من النوم قبل غمسها في الماء:
قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «إذا استيقظ أحدُكم من نومِهِ، فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناءِ حتى يغسلَها ثلاثًا، فإنه لا يَدْرِي أين باتت يدُه» (رواه البخاري: [162]، ومسلم: [278]). لِعِلة عدم تلوث مياه الشرب، لعدم تأكد نقاء اليد.
النهي عن التبوُّل أو التبرُّز أو إلقاء القازورات في الطرق أو في الأماكن التي يركن إليها الناس للاستراحة مثل الظلال وغيرها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا اللَّعَّانين»، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس أو في ظِلِّهمّ» (رواه مسلم: [269]، وأبو داود).
خصال الفطرة:
ومن مظاهر النظافة في الشريعة الإسلامية سنن الفطرة، وهي عبارة عن بعض السلوكيات التي تعتني بنظافة الإنسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الفطرة خمس -أو: خمس من الفطرة-الختان، والاستحداد، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وقص الشارب» (رواه البخاري: [5889]، ومسلم: [257]).
وعن عائشة رضي الله عنها، قال صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظافر، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء»، قال زكريا: "قال مصعب: ونسيت العاشرة: إلا أن تكون «المضمضة»، زاد قتيبة؛ قال وكيع: انتقاص الماء يعني: الاستنجاء" (رواه مسلم: [261]، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة).
1- قص الشارب وإعفاء اللحية:
من سنن الفطرة أيضاً قص الشارب، لأنه ربما تعلَّق الطعام به أو تلوَّث الشراب به إن كان طويلاً، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من الفطرة قص الشارب» (رواه البخاري: [5888]، ومسلم: [259])، فضلاً عن أنه يناسب الذوق العام.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسَمتِه إعفاء لحيته، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «انهكوا الشوارب وأعفوا اللحى» (رواه البخاري: [5893]، ومسلم: [259]).
ومن الناحية الطبية فإن الشوارب إذا ما طالت تلوَّثت بالطعام والشراب وأصبح منظرها مدعاة للسخرية وقد تكون سبباً في نقل الجراثيم، وعندما يقص المسلم شواربه يبدو بمظهر التواضع والارتياح خلافاً لما يخلفه إطالة الشارب وفتله من مظهر الكِبْر والجبروت.
من هنا نرى النتيجة الرائعة للهدي النبوي العظيم في أن وجه الملتحي أكثر نضارةً وشباباً من وجه حليق اللحية، كما أن وجه المرأة المحجبة أكثر حيوية ونضارة من وجه السافرة مهما تقدَّمت بها السن. هذا عدا عما يُسبِّبه حلق اللحية اليومي من تهيج للجلد وتخريب لأنسجته، وعلاوة عما في حلق اللحية من تشبه الرجل بالمرأة.
ومن الناحية الصحية فإن "د. عبد الرزاق كيلاني" يرى أن عمل الرجل يؤدي إلى كثرة تعرُّضِه لأشعة الشمس والرياح الباردة والحارة والذي يؤثر سلبياً على الألياف المرنة والكلاجين الموجودين في جلد الوجه ويؤدي إلى تخربهما شيئاً فشيئاً إلى ظهور التجاعيد والشيخوخة المبكرة. وقد خلق الله -المصوِّر- اللحية في وجه الرجل للتخفيف من تأثير هذه العوامل، ولم يخلقها للمرأة لأنه سبحانه خلقها للعمل في البيت بعيداً عن تأثير الأشعة الشمسية وتقلبات الرياح.
وسنة الإسلام في قص الشوارب تتفق مع ما دعا إليه الطب، بقص ما زاد عن حدود الشفة العليا فقط وهو ما كان عليه جمع من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وهو ما ذهب إليه الشافعي ومالك، وإن عدم إزالة الشارب بقصه فقط تتفق مع الطب الوقائي، فالشارب خُلِق للرجل، وهو المهيأ للعمل وطوارئ البيئة، ووجود الشارب يحمي الرجل من طوارئ البيئة وفي تصفية الهواء الداخل عبر الأنف إلى الرئتين، وهذا بالطبع أنفع وأسلم (روائع الطب الإسلامي، محمد نزار الدقر، موقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، نقلاً عن مجموعة من الأطباء).
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا توضأ خلَّل لحيته، لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه، "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخلِّل لحيته" (رواه الترمذي، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع: [4696]).
وعن أنس رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ، أخذ كفاً من ماء، فأدخله تحت حنكه، فخلَّل به لحيته، وقال: «هكذا أمرنى ربي، عز وجل» (رواه أبو داود، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع: [4696])، تأكيداً لنظافتها وخلوها من الأتربة والغبار.
2- التسوك:
حث النبي صلى الله عليه وسلم على استخدام السواك وتطهير الفم من بقايا الطعام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن أشق على المؤمنين» -وفي حديث زهير- «على أُمتي، لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» (رواه البخاري: [887]، ومسلم: [252]).
وسُئِلَت عائشة رضي الله عنها، بأي شيء كان يبدأ النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته؟ قالت: "بالسواك" (رواه مسلم: [253]، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة).
ويطيب لنا أن نذكر ما أوردته مجلة: ("المجلة" الألمانية الشرقية في عددها الرابع: [1961])، مقالاً للعالم رودات -مدير معهد الجراثيم في جامعة روستوك- يقول فيه: "قرأتُ عن السِّواك الذي يستعمله العرب كفرشاة للأسنان في كتاب لرحّالة زار بلادهم، وقد عرَّض للأمر بشكلٍ ساخر، اتخذه دليلاً على تأخر هؤلاء القوم الذين ينظفون أسنانهم بقطعة من الخشب في القرن العشرين. وفكّرتُ! لماذا لا يكون وراء هذه القطعة الخشبية حقيقة علمية؟ وجاءت الفرصة سانحة عندما أحضر زميلٌ لي من العاملين في حقل الجراثيم في السودان عدداً من تلك الأعواد الخشبية، وفوراً بدأت أبحاثي عليها، فسحقتها وبللتها، ووضعت المسحوق المبلل على مزارع الجراثيم، فظهرت على المزارع آثار كتلك التي يقوم بها البنسلين".
وإذا كان الناس قد استعملوا فرشاة الأسنان من مائتي عام فقط فلقد استخدم المسلمون السِّواك منذ أكثر من 14 قرناً.
ويذكر محمد نزار بعد استعراضه لبعض الأبحاث التي تناولت عود الأراك: "وهكذا يمكننا اعتبار المسواك، الفرشاة الطبيعية المثالية، والمزودة بمعجون ربّاني، من موادّ مطهرة، ومنظفة تفوق ما تملكه معاجين الأسنان الصناعية من مواصفات، ولعل أهمها أن المعجون المطهر لا يستمر تأثيره أكثر من 20 دقيقة ثم يرجع الفم إلى حالته العادية، لكن من المنتظر بعد استعمال السِّواك ألا يعود مستوى الجراثيم الفموية إلى حالته إلا بعد ساعتين على الأقل".
3- التطيب بالمسك وغيره:
ومن مجالات تطبيق النظافة في الإسلام التطيب بالمسك، وغيره من أنواع الطيب الذي يسرُّ النفس، ويُبهجها، ويبعث على النشاط والقوة، ويسرُ المؤمنين، ويؤلف بينهم؛ فقد حث صلى الله عليه وسلم على التطيب وعلى قبول الطيب، فقال صلى الله عليه وسلم: «حُبِّبَ إليَّ من الدنيا، النساء، والطيب، وجُعِلت قرة عينى في الصلاة» (رواه أحمد، والنسائي، وصحّحه الألباني في صحيح الجامع: [3124]).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر امرأة من بني إسرائيل حشت خاتمها مسكاً والمسك أطيب الطيب" (رواه مسلم: [2252]، والترمذي، والنسائي، وأبو داود). وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عُرِض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المَحمَل، طيب الريح» (رواه مسلم: [2253]، والنسائي، وأبو داود).
4- الختان:
الختان من سنن الفطرة، وهو قطع الجلدة التي تغطي الحشفة، حتى لا يجتمع فيها الوسخ أثناء الجماع أو التبول، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختتن إبراهيم بعد ثمانين سنة، واختتن بالقادوم» (رواه البخاري: [6298]، مسلم: [2370]).
قال الألباني: صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، من قوله لبعض الختانات: «اخفضي، ولا تنهكي، فإنه أنظر للوجه، وأحظى للزوج» (وله طرق وشواهد عن جمع من الصحابة، خرجتها في الصحيحة: [2/ 353-358]، وانظر تمام المنة، ص: [67])[1].
5- الاستحداد -حلق العانة-:
لِمَا يتجمع فيها من عَرقٍ محدِثاً رائحة كريهة، ويُشير الأطباء إلى أن ناحية العانة وما يحيط بالقبل والدبر، منطقة كثيرة التعرُّق والاحتكاك ببعضها البعض، وإنه إن لم يُحلَق شعرها تراكمت عليه مفرزات العرق والدهن، وإذا ما تلوثت بمفرغات البدن من بول وبراز صعب تنظيفها حينئذ، وقد يمتد التلوث إلى ما يجاورها فتزداد وتتوسع مساحة النجاسة، ومن ثَمَّ يؤدي تراكمها إلى تخمرها فتنتن وتصدر عنها روائح كريهة جداً، وقد تمنع صحة الصلاة إن لم تنظف وقلع عنها النجاسات.
وفي حلق شعر العانة أيضاً وقاية من الإصابة بعدد من الأمراض الطفيلية المؤذية كقمل العانة الذي يتعلق بجذور الأشعار ويصعب حينئذ القضاء عليها. كما يخفف الحلق من إمكانية الإصابة بالفطور المظنية. لذا سن الإسلام حلق العانة والأشعار حول الدبر كلما طالت تأميناً لنظافتها المستمرة ولأنها من أكثر مناطق الجسم تعرُّضاً للتلوث والمرض (روائع الطب الإسلامي، نقلاً عن: عبد الرزاق الكيلاني، وعادل بربور).
6- نتف الإبط:
فهو أيضاً مكاناً لتجمع العرق؛ فلا تخلوا هذه المواضع من العرق لا صيفاً ولا شتاء. ويؤكد الطب الحديث على أن نمو الأشعار تحت الإبطين بعد البلوغ يرافقه نضوج غدد عرقية خاصة تُفرِز مواد ذات رائحة خاصة إذا تراكم مع الأوساخ والغبار أزنخت وأصبح لها رائحة كريهة، وإن نتف هذه الأشعار يُخفِّف إلى حد كبير من هذه الرائحة، ويُخفِّف من الإصابة بالعديد من الأمراض التي تُصيب تلك المنطقة كالمذح والسعفات الفطرية والتهابات الغدد العرقية -عروسة الإبط- والتهاب الأجربة الشعرية وغيرها، كما يقي من الإصابة بالحشرات المتطفلة على الأشعار كقمل العانة (روائع الطب الإسلامي، نقلاً عن: عبد الرزاق الكيلاني، وعادل بربور).
7- تقليم الأظافر:
تقليم الأظافر من علامات النظافة ومن دلالات الجمال، جعلها النبي صلى الله عليه وسلم من خصال الفطرة ومحاسن العادات، لما لها من آثار واضحة على نظافة الفرد، فقد تتراكم الفضلات والجراثيم والنجاسات تحتها وذلك يتنافى مع الطهارة المطلوبة، فضلاً عما قد تُحدِثه من آثار صحية سلبية.
وفي بحث قدَّمه "د. يحي الخواجي"، و"د. أحمد عبد الآخر" في المؤتمر العالمي للطب الإسلامي أكّدا فيه أن تقليم الأظافر يتماشى مع نظرة الإسلام الشمولية للزينة والجمال، فالله سبحانه خلق الإنسان في أحسن تقويم، وجعل له في شكل جمالي أصابع يستعملها في أغراض شتى، وجعل لها غلافاً قرنياً هو الظفر يحافظ على نهايتها. وبهذا التكوين الخلقي يتحدد الغرض من الظفر ويتحدد حجمه بألا يزيد على رأس الأصبع ليكون على قدر الغرض الذي وجد من أجله. ومن جهة أخرى فإن التخلص من الأوساخ وعوامل تجمعها يعتبران من أهم أركان الزينة والجمال، وإن كل فعل جمالي لا يحقق ذلك فهو مردود على فاعله. وإن تقليم الأظافر بإزالة الأجزاء الزائدة منها يمنع تشكُّل الجيوب بين الأنامل والأظافر والتي تتجمع فيها الأوساخ، ويحقق بذلك نظرة الإسلام الرائعة.
للجمال والزينة.
الأضرار الصحية الناجمة عن إطالة الأظافر:
تحمي الأظافر نهايات الأصابع وتزيد صلابتها وكفائتها وحسن أدائها عند الإحتكاك أو الملامسة، وإن الجزء الزائد من الظفر والخارج عن طرف الأنملة لا قيمة له ووجوده ضار من نواح عدة لخصّها الزميلان "خواجي، وعبد الآخر" في عاملين أساسيين:
الأول: تكون الجيوب الظفرية بين تلك الزوائد ونهاية الأنامل والتي تتجمع فيها الأوساخ والجراثيم وغيرها من مسببات العدوى كبيوض الطفيليات، وخاصة من فضلات البراز والتي يصعب تنظيفها، فتتعفَّن وتُصدِر روائح كريهة ويمكن أن تكون مصدراً للعدوى للأمراض التي تنتقل عن طريق الفم كالديدان المعدية والزحار والتهاب الأمعاء، خاصة وأنّ النساء هُنّ اللواتي يُحضِّرون الطعام ويمكن أن يُلوِثن بما يحملن من عوامل ممرضة تحت مخالبهن الظفرية.
الثاني: إن الزوائد (المخالب) الظفرية نفسها كثيراً ما تحدث أذيات بسبب أطرافها الحادة قد تلحق الشخص نفسه أو الآخرين وأهمها إحداث قرحات في العين والجروح في الجلد أثناء الحركة العنيفة للأطراف خاصة أثناء الشجار وغيره. كما أن هذه الزوائد قد تكون سبباً في إعاقة الحركة الطبيعية الحرة للأصابع، وكلما زاد طولها زاد تأثيرها على كفاءة أصابع اليد أشد، حيث نلاحظ إعاقة الملامسة بأطراف الأنامل وإعاقة حركة الانقباض، وكذا تقييد الحركات الطبيعية للإمساك والقبض.
8- غسل البراجم؛ والبراجم: هي الكلف التي فوق مفاصل الأصابع، حيث تتجمع بينها الأوساخ، لذلك حث على إزالتها.
9- المضمضة والاستنشاق والاستنثار:
10- الاستنجاء: ويستحب الإتيان بهذه الخصال أسبوعياً، استكمالاً للنظافة، وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم أقصى وقت لهذه الخصال أربعين يوماً، حيث أنه لو زاد على ذلك الوقت لظهر ضررها وبان أذاها وتركت أثراً، قال أنس رضي الله عنه: "وقَّت لنا في قص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة، أن لا نترك أكثر من أربعين ليلة" (رواه مسلم: [258]، والترمذي، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجة).
إكرام شعر الرأس إذا وفر:
أباح النبي صلى الله عليه وسلم توفير الشعر، وذلك لمن يُكرِمَه ويهذبه، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «احلقوا كله، أو ذروا كله» (أبو داود، وصحّحه الألباني في الصحيحة: [1123])، وقد أمر صلى الله عليه وسلم من وفَّر شعره أن يُكرِمَه، قال صلى الله عليه وسلم: «من كان له شعر، فليُكرِمَه» (رواه أبو داود، وصحّحه الألباني في الصحيحة: [500]).
كما أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع، قال أبو عبيد الله: قلت لنافع: وما القزع؟ قال: يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض" (رواه البخاري: [5920]، ومسلم: [2120])؛ حِفاظاً على سمت المسلم وهيئته، واستجلاباً للوقار والاحترام، فلا شك أن حلق بعض الرأس دون البعض يجلب الاستهانة بصاحبه ويذهب بالهيبة والوقار، فضلاً عن أن إكرام الشعر والاعتناء به يُضفِي على صاحبه الجمال والزينة اللذان تأنس بهما النفوس، وتنفر من ضدهما.
تطهير الثياب: حث الإسلام على هندمة الملابس وتنسيقها وأمر بتطهيرها، قال تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4]، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وهم قادمون من سفر: «إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم وأصلحوا لباسكم حتى تكونوا شامة في الناس، فإن الله لا يحب الفُحش ولا التفحُّش» (حديث مرفوع).
وقال النابغة:
رقاق النعال طيب حجزاتهم *** يحيون بالريحان يوم السباسب
يحييهم بيض الولائد بينهم *** وأكسيه الاضاريح فوق المشاجب
يصونون أجساداً قديماً نعيماً *** بخالصه الأردان خضر المناكب
النهي عن التبوُّل في الماء الراكد:
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبوُّل في الماء الراكد، لأنه ينجس بذلك، ولا يأمن من أن يأتي غيره فيستعمله، فنهى صلى الله عليه وسلم عنه من قبيل الوقاية والطهارة، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا تبُل في الماء الدائم الذي لا يجري، ثم تغتسل منه» (رواه البخاري: [239]، ومسلم: [282]).
غسل الإناء الذي شرب فيه الكلب:
قال صلى الله عليه وسلم: «إذاولغ الكلب في إناءِ أحدكم فليُرِقه، ثم ليغسله سبع مرار»، وزاد في روايةٍ أخرى: «أولهن بالتراب» (رواه البخاري: [172]، ومسلم: [279]).
ثبت علمياً أن سؤر الكلب يحوي أنواعاً من الميكروبات يصعب إزالتها بالغسل العادي، فتحتاج في تطهيرها إلى تكرار الغسل واستخدام أقوى المساحيق.
نظافة المسكن:
عن صالح ابن أبي حسان قال سمعتُ سعيد بن المسيب يقول: "إن اللهَ طيّبٌ يحبّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يحبُ الكرم، جوادٌ يُحِبّ الجودَ؛ فنظفُوا -أراه قال: أفنيتكُم-؛ ولاتشبّهوا باليهودِ"، فقال حدثنيه عامر بن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله إلا أنه قال: «نظِّفوا أفنيتكم» (رواه الترمذي، والألباني في المشكاة وقال: "حسن" [4487]).
وأخيراً؛ يجب أن نُعلِّم أبنائنا معنى النظافة، وأنها ليست كلمة تقال وإنما هي سلوك يظهر، ونُعلِّمهم أيضاً أنها من الدين، ونُبيّن لهم مخاطر التهاون في النظافة وأن يكون المربيين قدوة لهم في ذلك، وينبغي أن نُعلِّمهم آداب النظافة وصورها، ونخص بالذكر بعض السلوكيات التي يقع فيها الأطفال خاصة مثل: إلقاء أغلفة المأكولات السريعة في الطرقات، وأكل المسليات ورمي القشر في الطريق، وما إلى ذلك.
ــــــــــــ
1- (السيد سابق، "فقه السنة"، الطبعة الثانية، القاهرة: دار الفتح للإعلام العربي 1999م، حاشية، ص [43]، ج1).
- التصنيف: