مخاطر (دستور الخمسين) على مصر

منذ 2013-12-18

تحاول هذه الدراسة المختصرة تحليل محتوى "مسودة دستور لجنة الخمسين" في مصر، والتي تشكَّلت في أعقاب الخروج على الرئيس محمد مرسي، وامتثالاً للموضوعية البحثية وحفاظًا على حيادية التناول وبعيدًا عن حالة الشد والجذب التي تعيشها مصر هذه الأيام، سأقوم كباحث بتحليل محتوى مسودة "دستور الخمسين" في ضوء دستور عام 1971م الذي وضعه مجموعة من كبار الخبراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وذلك كونه دستورًا -بدون تعديلات مبارك- قد يبدو محايدًا في القياس في ظل التحفظات التصنيفية المصاحبة لدستور 2012م.


تحاول هذه الدراسة المختصرة تحليل محتوى "مسودة دستور لجنة الخمسين" في مصر، والتي تشكَّلت في أعقاب الخروج على الرئيس محمد مرسي، وامتثالاً للموضوعية البحثية وحفاظًا على حيادية التناول وبعيدًا عن حالة الشد والجذب التي تعيشها مصر هذه الأيام، سأقوم كباحث بتحليل محتوى مسودة "دستور الخمسين" في ضوء دستور عام 1971م الذي وضعه مجموعة من كبار الخبراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وذلك كونه دستورًا -بدون تعديلات مبارك- قد يبدو محايدًا في القياس في ظل التحفظات التصنيفية المصاحبة لدستور 2012م.

أولاً: مخاطر متعلقة بمرجعية مصادر التشريع في "دستور الخمسين"



يُروِّج بعض المتدينين لـ "دستور الخمسين" باعتباره قد انتصر للشريعة الإسلامية وجعل ديباجة "دستور الخمسين" ملزمة للمشرع المصري والتي فيها تقييد لتفسير مبادئ الشريعة الإسلامية الواردة في المادة الثانية بمجمل أحكام المحكمة الدستورية؛ وبعيدًا عن الحالة الجدلية في كلمة "مبادئ الشريعة" أو تفسيرات المحكمة الدستورية؛ فإن ما يثير القلق في هذه الجزئية عدة أمور وهي:


1- أن الإشكال حقيقة يقبع في عبارة "المصدر الرئيسي للتشريع"؛ وهذه العبارة النسبية كانت محل تفاعل شديد في حقبة السبعينيات بين جيل الصحوة والسادات حيث كانت العبارة مجردة من التعريف "مصدر رئيسي" فهدأ السادات الاحتقان قليلاً بإضافة "ال" التعريف للكلمتين فصارت "المصدر الرئيسي"؛ وفي كلتا الحالتين فإن هناك بونًا شاسعًا بين "المصدر الرئيسي" و"المصدر الوحيد" فالأولى قد يكون لها الغلبة أما الثانية فلها الإطلاق.


الخطورة في ذلك أن في حالة الغلبة "المصدر الرئيسي"، يُسمح بدخول مصادر أخرى للتشريع؛ وبالتالي تنتفي حجة أن كافة القوانين سيتم مراجعتها في ضوء الشريعة الإسلامية لأن الشريعة ليست هي السلطان الوحيد ولكنها السلطان الرئيسي، وهناك مصادر أخرى للتشريع.


الإشكال أن دستور 1971م لم يحدد هذه المصادر الأخرى، و لكن "دستور الخمسين" أدخل بعضاً من هذه المصادر بصورةٍ شديدة الخطورة كما سيتضح من النقطة التالية.

2- فرح البعض بجعل ديباجة أو مُقدِّمة "دستور الخمسين" ملزمة للمشرع وذلك بحسب المادة (227) والتي جاءت ضمن جملة من الأحكام الانتقالية أضيفت في اللحظات الأخيرة لعمل لجنة الخمسين؛ الإشكال في الديباجة أنها جعلت الدستور متسِقًا مع "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" وقيدت الأمر أكثر في المادة 93 من متن "دستور الخمسين"- "والتي ألزمت الدولة بالاتفاقيات والحقوق والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صدَّقت عليها مصر".



الخطورة الآن أن لجنة الخمسين جعلت هناك مرجعية أخرى تلتزم الدولة في ضوئها عند بناء القوانين أو مراجعتها بأن تكون تلك القوانين متسقة مع أطروحات الأمم المتحدة ومواثيقها.


ومعلوم لكل خبير مخاطر ما تتضمنه المواثيق الدولية الوضعية التي تُشرِف عليها الأمم المتحدة على الهوية الإسلامية، وهذا ما سنُفصِّله في النقاط القادمة خاصة عند مناقشة قضايا المرأة، وقضايا حرية الاعتقاد.

ثانياً: مخاطر تكريس "دستور الخمسين" لوضع اليهود في مصر



أثناء دستور 2012م اعترضتُ بشدة على تخصيص مادة لاحتكام اليهود لشرائعهم وتنظيم أحوالهم في مصر وهي المادة الثالثة والتي تنص على أن "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين و(اليهود) المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية".


وسجلتُ اعتراضي في مقال منشور حينها بعنوان "اليهود ومسودة الدستور"؛ وكان ملخص اعتراضي أنه إذا حسبنا الأمر كنسبة وتناسب سنجد أن عدد المسلمين في مصر يتجاوز 95% وأن عدد النصارى في حدود 4.5% بواقع خمسة ملايين نصراني وعدد اليهود 50 فرد مسن فقط، وأن دستور 2012م أعطى في مقومات الدولة وما يرتبط بالتشريع مادة غير كاملة ومختلف عليها للمسلمين أصحاب الـ 95%، وأعطت اليهود والنصارى مادة كاملة مفصلة تنبني عليها استحقاقات دستورية وتشريعية ووظيفية، فما المُبرِّر لذلك ونحن نضع دستوراً، وتساءلت حينها؛ هل تليق المواءمات السياسية في نصوص دستورية؟ وهل مقبول أن نرضخ بعد الثورة بأي شكل من الأشكال للضغوط الأمريكية واليهودية الفاشلة؟


وتفهَّمتُ حينها أن يكون الحرص على وضع النصارى في الدستور -رغم عدم حرص كافة الدساتير المصرية السابقة على ذلك- لوجود عدد من القساوسة والمسيحيين داخل الجمعية التأسيسية -رغم خطورة ذلك على واقع النصارى في مصر من تشريعات كنسية مقيدة للطلاق والزواج وظالمة في المواريث-، لكن ما لا أتفهمه أبداً ولا أجد له تبريراً هو "من يدافع عن حقوق اليهود داخل الجمعية التأسيسية"؟ ويسعى لتحقيق مطالبهم، ويحرص على "تعطير ذكرهم" في الدستور المصري؟


الشاهد أن دستور 2012م مضى ووافق الشعب عليه ككتلة واحدة وحصل اليهود على مبتغاهم من الاستحقاق الدستوري، وجاءت لجنة الخمسين فأبقت على تلك المادة المثيرة للجدل؛ ليكون لذلك تتمة أخرى، قد تتضح في النقطة التالية.

ثالثاً: مخاطر تسلُّل الصهاينة عبر مادة الجنسية المصرية المستحدثة



استحدثت لجنة "دستور الخمسين" صيغة جديدة لمادة الجنسية المصرية وهي المادة السادسة، حيث "ألزمت بإكساب الجنسية المصرية لكل من يُولَد لأب مصري أو أم مصرية؛ ومنحه أوراقاً تثبت بياناته الشخصية" هذه المادة كانت في دستور 1971م- برقم 6 أيضاً وكانت مقيدة ومختصرة بأن نصَّت على أن "الجنسية المصرية ينظمها القانون" وفي دستور 2012م المعطل كانت المادة (23) تنص على "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون".


الآن "دستور الخمسين" فتح هذا القيد وهو فتح أعتبره تتمة يهودية للمادة الثالثة؛ فأي أحكام أو شروط في تفصيلات قانون الجنسية المصرية تستثني أبناء المصريين من الأجنبيات أو العكس وبصفة خاصة من أبناء الإسرائيليات، سيطعن عليها بعدم الدستورية. لأن الدستور قد نص صراحة على منح الجنسية لكل من يولد لأب مصري أو أم مصرية ولم يقيد المنح بدولة بعينها وبخاصة"الكيان الصهيوني".


ومخاطر ذلك تتمثَّل في الآتي:


1- هناك عدد من المصريين المتزوجين باسرائيليات ويهوديات وبخاصة في حقبة التسعينيات تصل أعدادهم بحسب التقديرات المودعة بالمحاكم المصرية إلى 30 ألف حالة زواج، وهناك تقديرات غير رسمية تصل بالرقم إلى 50 ألف حالة زواج؛ وأبناء هذه الزيجات لهم مع مطالب الجنسية في أروقة المحاكم ووزارة الداخلية جولات وصولات؛ وحيث أن نص دستور 1971م كان يعطي المحكمة مرونة في رفض إعطاء الجنسية بل وإسقاطها عن الأب وبخاصة المتزوج بإسرائيلية، فإن "دستور الخمسين" جاء ليحسم الجدل دستورياً لصالح أبناء الأب المصري المتزوج بيهودية، وبالتالي سنجد عندنا آلاف الحالات من الأبناء الأسرائيليين واليهود -بحكم خصوصية تبعية الديانة اليهودية للأم- يحصلون على الجنسية المصرية؛ وهو أمر له تداعيات شديدة الخطورة على النسيج المجتمعي المصري، خاصة في ظل المادة الثالثة التي تمنحهم اعترافًا مجتمعياً و دستورياً وتشريعيًا مسبقًا.

2- أمر هؤلاء الصهاينة مكتسبي الجنسية المصرية لن يقف عند حدود "التعايش" بل سينطلق إلى المحاصصة والاستحقاق السياسي والوظيفي والاستثماري، وهو ما لم يغفله "دستور الخمسين" في المادة رقم (102) حيث أسقط "دستور الخمسين" شرط جنسية الوالدين المصرية في حالة الترشح لمجلس النواب، بل وأسقط أيضًا شرطًا قضاء الخدمة العسكرية، أو الإعفاء منها قانونًا، وكذا اسقاط شرط عدم حمل جنسية أخرى، على من يترشح لعضوية البرلمان، بل وشغل عضوية الحكومة أيضًا.



فيكون عندنا بناء على ذلك مكتسب جديد للجنسية المصرية قد يكون صهيونيًا، ويكون عضوًا في البرلمان أو وزيرًا في الحكومة؛ وقد يكون رئيسًا أو عضوًا بلجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان ذات الحساسية والخصوصية، بل وقد يكون رئيسًا للبرلمان ويحل محل رئيس الجمهورية في حالة وفاته.

إن الغرابة قد تزول لو أن إغفال أمر الجنسية في "دستور الخمسين" جاء عفويًا، إلا أننا نجد اللجنة منتبهة له جيدًا ففي المادة (141) المتعلقة بمن يترشح لرئاسة الجمهورية شددت المسودة على كونه هو وأبويه مصريين، وألا يكون هو أو أحد أبويه قد حملوا جنسية أجنبية، وأن يكون قد أدّى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانونًا.



وهي ذات الشروط الموجودة في حالة رئيس الحكومة في المادة (164) فلماذا لم يقيد أمر الجنسية في حالتي عضوي البرلمان والحكومة أسوة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة؟!

رابعاً: مخاطر متعلقة بعقيدة المجتمع وفوضى الردة



استحدث "دستور الخمسين" مادة جديدة شديدة الغرابة وهي المادة رقم (64) والتي تنص على أن "حرية العقيدة مطلقة"؛ أي غير مقيدة بأي ضوابط أو قيود بما فيها الضوابط الشرعية المنظمة للوضع العقدي للمجتمع؛ ولما كانت "ديباجة دستور الخمسين" تلتزم بالاتساق مع "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" والمادة 93 من "دستور الخمسين" تُلزِم الدولة بالإلتزام بالمواثيق الدولية؛ فإنه يتوجب علينا الذهاب للإعلان العالمي لحقوق الإنسان لنرى ماذا يقول في هذا الشأن؛ حيث تنص المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن "لكل شخص حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده".


وفي ضوء هذه المادة أصدرت الأمم المتحدة عام 1981م إعلانًا حمل اسم "القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد" والذي يفصل الأمر بصورة أشد تطرفًا.

إن هذه المادة الأممية تحديدًا وما أعقبها من نصوص تفسيرية يعلم المراقبون أنها تُمثِّل انطلاقة لكثير من الشيعة والبهائيين والمرتدين والملحدين في بعض البلدان الإسلامية في المطالبة بحقهم في إظهار هويتهم ومعتقداتهم داخل المجتمعات السنية، كما أنها تضرِب "حد الردة الشرعي" في العمق؛ فما بالنا وقد تم تضمين هذا النص صراحة في "دستور الخمسين" الملزم لكافة القوانين؟



هذا فضلاً عن أن "دستور الخمسين" قد سلب أفراد المجتمع ومؤسساته حق اللجوء للقضاء في حالة تعدي أحد الأشخاص على رموز الأمة بل وعلى الذات الإلهية تعالى الله تحت دعاوى الفن والإبداع وقيد الاختصام في تحرُّك النيابة العامة فقط، كما قيد العقوبة في التعويض المالي ومنع أية عقوبات أخرى سالبة للحرية كما في المادة (67) من "دستور الخمسين".


وبذلك تنتهي قضايا الحسبة من مصر تماماً وبالدستور؛ فضلاً عن تفشي الفوضى الانحلالية والعقدية تحت مُسمَّى الإبداع.

خامساً: مخاطر خلخلة استقرار المؤسستين التشريعية والتنفيذية



"دستور الخمسين" يُربِك فعيلاً المشهد السياسي المصري، ويبث حالة من عدم الاستقرار السياسي في الاستحقاقات الانتخابية على مستوى البرلمان ومؤسسة الرئاسة ومن ثم الحكومة؛ فلأول مرة يستحدث الدستور ثغرة حل البرلمان من قبل الرئيس وذلك بحسب المادة (137) والتي أعطت لرئيس الجمهورية سلطة حل البرلمان عند "الضرورة".


ولم يحدد "دستور الخمسين"معنى هذه الضرورة ولا حدودها ولا ضوابطها بل تركها مطلقة للرئيس؛ مع دعوة الشعب للاستفتاء على قرار الحل؛ وهذه المادة لا توجد في دستور 1971م ولكن توجد مقيدة في دستور 2012م والذي ألزم رئيس الجمهورية بالاستقالة إذا رفض الشعب حل البرلمان -مع غياب لفظة الضرورة- وهو الأمر غير الموجود في "دستور الخمسين" مما يجعل وضع البرلمان مهدِدًا في أي لحظة؛ كما أن ثغرة حل البرلمان موجودة أيضًا في المادة (146) والتي تكشف عن صراع في اختيار رئيس الحكومة بين الرئيس والبرلمان؛ صراع قد ينتهي بحل البرلمان إذا لم تحظَ حكومة حزب أو ائتلاف الأغلبية على ثقة أغلبية البرلمان.

كما أن المادة (161) أجازت سحب البرلمان للثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء البرلمان، وموافقة ثلثي أعضائه.



وهذه المادة كانت مقيدة في الدساتير السابقة ومقتصرة على "جريمة الخيانة العظمى" لكنها الآن اتسعت لتشمل الخلاف السياسي بين البرلمان والرئاسة، وأيهما يسبق ويقنع المجتمع تكون له الغلبة.

فــ"دستور الخمسين" بهذه الطريقة يصنع حالة من التربص بين الرئيس والبرلمان تؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار السياسي وتجعل الحياة السياسية في مصر كلها انتخابات واستنزاف لأموال الشعب والدولة انتخابياً دون ثمرة تنموية حقيقية.



الغريب في الأمر أن خلخلة كيان السلطة التشريعية؛ والسلطة التنفيذية جاء في ظل تحصين "دستور الخمسين" للمحكمة الدستوية التابعة للسلطة الثالثة "السلطة القضائية" وذلك في المادتين (194) و(195)- بنصهما على أن "أعضاء المحكمة الدستورية غير قابلين للعزل ولا سلطان عليهم في عملهم غير القانون، وأحكام المحكمة الدستورية وقرارتها ملزمة للكافة وجميع سلطات الدولة وتكون لها حجية مطلقة بالنسبة لهم" وهذه تحصينات تتعارض مع المبدأ الدستوري المتمثل في الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية والتوازن بينها كما هو وارد في "دستور الخمسين" بالمادة الخامسة.

سادساً: مخاطر تكريس النسوية وتغريب المرأة المصرية



من أكثر المخاطر لفتًا للانتباه في "دستور الخمسين" هو ما يتعلق بتغريب المرأة المصرية وخلخلة الكيان الأسري في المجتمع المصري وذلك بالصورة التالية:


1- دستور 1971م قيد المساواة بين الرجل والمرأة بأحكام الشريعة الإسلامية بينما "دستور الخمسين" أطلق هذه المساواة.


وتقييد دستور 1971م كان متفهَمًا أنه من أجل الفوارق الشرعية في المساواة بين الرجل والمرأة وبخاصةٍ فيما يتعلق بالمواريث والشهادة والقوامة.


هذه الضوابط الشرعية خلخلتها مسودة "دستور الخمسين"، ولو كانت المادة الثانية كافية كما يتعلَّل البعض لما قيد دستور 1971م المساواة بين المرأة والرجل بأحكام الشريعة الإسلامية.


بل إن الخطورة الأشد تتمثل في إدخال مواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالمرأة في بنود الدستور الأصلية، ومعلوم لكل ذي بصيرة محاولات تغريب المرأة المسلمة من قبل الطروحات الغربية، وما مؤتمر القاهرة للسكان ومؤتمر بكين للمرأة مِنَّا ببعيد، ومعلوم ومسجل تاريخيًا الموقف الصارم للأزهر وشيخه جاد الحق رحمه الله من تلك الاتفاقيات الهوائية المليئة بالانحرافات الفطرية والعقدية.

2- "دستور الخمسين" ملأ مسودته بمصطلحات نسوية معلوم خطرها للمراقبين من قبيل ما جاء في المادة (11) من "دستور الخمسين" المتعلقة بالتزام الدولة بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، ومعلوم أن الأمم المتحدة تضم لمصطلح "العنف ضد المرأة" (الزواج المبكر، وعدم المساواة في المواريث "{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11]" وقِوامة الرجل على زوجته خاصة في حالة سفرها بدون إذنه).




وأيضًا مصطلح "تجارة الجنس" الوارد في المادة (89) من "دستور الخمسين" وهذا المصطلح كانت المنظمات الأممية تدخل تحت بنده تزويج الأب لابنته تحت سن 18 سنة، ويعاقب الأب بالسجن على فعلته هذه، وقد صدر في عهد مبارك قانون جائر يُجرِّم الأب والمأذون؛ الآن هذا القانون له غطاء دستوري، ولا عزاء للقبائل العربية وريف مصر وصعيدها الذين يعفون بناتهم بالزواج مبكرًا.

3- المادة (53) من "دستور الخمسين" ألزمت الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، مع إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض".



وهو ما لم تكن المنظمات الغربية تحلم به يومًا ما؛ فمصطلح أشكال التمييز واضح جليًا في اتفاقية السيداو الموقع عليها من قبل الحكومة المصرية؛ والذي يتلخص ببساطة شديدة في (إزالة كافة العقبات تجاه مساواة المرأة بالرجل حتى ولو كانت عقبات شرعية أو عقدية).

4- المادة (180) من "دستور الخمسين" خصَّصت ربع مقاعد المجالس المحلية للمرأة؛ وهي كوتة انتخابية لا توجد في أي دولة بالعالم؛ وخطورة هذا الأمر تتمثَّل في أن عدد أعضاء المجالس المحلية على مستوى الجمهورية يبلغ (54 ألف عضو) وربع المقاعد للمرأة يعني أن هناك إلزام بوجود (ثلاثة عشر ألف وخمسمائة إمراة) في المجالس المحلية على مستوى المحافظة والمركز والقرية والحي.



هذا الرقم الصادم لواقع الريف المصري وصعيده بصفةِ خاصةٍ سيَحرم كفاءات فعلية ومحبوبة بالمجتمع من الدخول للمحليات تحت قيد كوتة المرأة، وسيفرض على المحليات نسبة نسوية كمية بغض النظر عن الكفاءة والفاعلية، وسيلزم الأحزاب ذات القاعدة الشعبية بأن يكون 25% من قوائمها من النساء، وسيسمح بتحرُّك المنظمات النسوية العالمية بالتحرُّك في ربوع المجتمع وأعماق الريف تحت بند تدريب النساء على الممارسة السياسية، وكل هذا من شأنه خلخلة بنيان القوامة والتقاليد المصرية ذات الرسوخ العقدي والشرعي حيث تحظى المرأة والأسرة المصرية فيه بخصوصيةٍ وحساسية عالية للغاية.

قد لا يمانع البعض من المتدينين من نزول المرأة الانتخابات وأن تأخذ فرصتها التنافسية بحسب كفاءتها؛ لكنهم يرفضون فرضها جبرًا على القرى والنجوع؛ تحت زعم الكوتة الدستورية؛ فهذا ليس من العدل ولا الإنصاف.



إن كل هذه التدابير النسوية المفروضة بالدستور كانت سوزان مبارك ومن قبلها جيهان السادات تسعيان لفرضها بالأمر المباشر من خلال سلطة "السيدة الأولى" وقد تخلخت بزوال تلك السلطة، لكن لجنة الخمسين تأتي الآن لتضع طموحات القوم كنصوص دستورية فوق القوانين بل وستسمح بحركةٍ دؤوبة للمنظات النسوية الممولة غربيًا لتطبيق تعاليم "دستور الخمسين" في كافة ربوع المجتمع المصري؛ فضلاً عن وجود المبرَّصر لانتشارها بالمجتمع بما يتيح المجال لاختراق المخابرات العالمية لبنيان المجتمع المصري.


هذه هي بعض المخاطر المجتمعية لــ"دستور الخمسين" على مصر أضعها شهادة لله بين يدي كل المصريين المحبين لمصر بالداخل والخارج بلا استثناء؛ اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.


الهيثم زعفان


 

  • 3
  • 1
  • 4,813

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً