كلانا على خير وبر..
كتب أحد العباد إلى الإمام مالك - رحمه الله - ينكر عليه اشتغاله بالعلم ويدعوه إلى التفرغ للعبادة ، فكتب له مالك - رحمه الله - : " إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق ، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم ، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الجهاد ، وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصدقة ونشر العلم من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح لي فيه ، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه ، وأرجو أن يكون "كلينا على خير وبر" ..
تختلف أساليب العاملين وتتنوع طرقهم في سبيل إحياء الأمة وإيقاظها وتغيير حالها ، فمنهم من يرى أن الجهل قد تفشى في الأمة وأن إحياءها بإزالة غشاوة الجهل عنها ، فُعني بالعلم وسلك طريقه تعلماً وتعليماً ودعوةً إليه ...
وثانٍ رأى أن هذه الأمة إنما كانت خير أمة أخرجت للناس لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فسخر وقته وجهده لإنكار المنكرات الظاهرة ، العامة والخاصة ، فاستغرق عليه ذلك جهده ووقته ، ورأى أن هذا هو الطريق الذي ينبغي أن يسلك لإنقاذ الأمة ، وأنه بمثل هذا العمل يدفع الله به العذاب عن الناس .. ...
وثالث قد تألم لحال من استهواهم الشيطان ، فوقعوا في الانحراف والرذيلة ، فسخر وقته وجهده لدعوة هؤلاء وإنقاذهم ...
ورابع قد رق قلبه للأكباد الجائعة والبطون الخاوية ، فصار ينفق من نفيس ماله ، ويجمع المال من فلان وفلان ، فينفقها في وجوه الخير على الأرامل والمحتاجين وغيرهم ...
وخامس رأى أن هذه الأمة أمة جهاد ، وأنه لا سبيل لرفع الذل عنها إلا به ، فاستهوته حياة الجهاد وحمل روحه على كفه ، وامتطى صهوة جواده ، فهو كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «كلما سمع هيعة لبى وطار يبتغي الموت والقتل مظانه» فيوماً تراه في المشرق ويوماً تراه في المغرب ، وما بين هنا وهناك يسعى للجهاد في سبيل الله ، وأصبح لا يطرب أذنه ولا يشنفها إلا أزيز الرصاص وصوت السلاح ..
وسادس رأى أن هذا الدين دين الناس جميعاً ، فسخر جهده لدعوة غير المسلمين ..
وسابع سخر قلمه لخوض المعارك الفكرية دفاعاً عن الإسلام ومصاولة لأعدائه ، والمتحدثين زوراً باسمه كتابةً وتأليفا ً، فصار يتحدث عن مشكلات الأمة وعن قضاياها ، وقد لزم هذا الثغر يواجه به أعداء الله سبحانه وتعالى ...
وآخر هؤلاء من رأى أن عدة الأمة وأملها في شبابها وجيلها الناشئ ، فسخر وقته لتربية الشباب وإعدادهم وتنشئتهم على طاعة الله سبحانه وتعالى ، ورأى أن هذا الطريق هو الذي يخرج العاملين والمجاهدين وينقذ الأمة ...
وهكذا ترى أبواباً من الخير وألواناً من نصرة الدين والدعوة إليه ، وهي أبواب واسعة شتى تسع الجميع على اختلاف طاقاتهم وعقولهم وعلومهم ومداركهم وأفكارهم ..
وهنا نتساءل : هل يلزمنا أن نبحث عن طريق واحد نسلكه في سبيل إنقاذ الأمة ، لأن الحق لا يتعدد وصراط الله المستقيم إنما هو واحد ؟
حين نرجع إلى عبارة الإمام مالك - رحمه الله - (كلانا على خير وبر) نصل إلى هذه الإجابة : إن الوسائل كلها مطلوبة ، بل لابد من القيام بها جميعا ً، فلابد أن تقوم طائفة بهذا العمل ، وأخرى بذاك ، وثالثة بغيرهما وهكذا لندخل جميعاً من أبواب متفرقة ، ونسد جميعاً هذه الثغور ، ونقف على تلك الحصون ، ولا يعيب بعضنا بعضا ً، بل لسان حال كل طائفة يقول : (كلانا على خير وبر)
- التصنيف:
راية الدعوة
منذ