أَكُلُّ مَنْ جَاءَ مِنَ الصَّحراءِ أخوكِ يا زهراء؟!

منذ 2007-01-28

بقلم: زكي محمد المصمودي التلمساني

" أكلُّ مَنْ جاء من الصّحراء أخوك يا زهراء؟!"..

واحد من الأمثال المتداولة هنا بتلمسان، وقيل في سببه أنّ امرأةً لم يكن لها إلا أخٌ، تَغرَّب عنها إلى الصحراء، ثم انقطعت أخباره عنها، فاهتمّت لغيبته و اغتمّت، و أصابها من الحزن ما أصابها، و مع كل هذا لم تقطع حِبال آمالها بأوْبته، وكانت كلما سمعت بِمَقْدَمِ قادمٍ من الصحراء هبَّت إليه صارخة متلهفة مستنجدة: أخي، أخي!

غير ناظرةٍ إلى وَصْفِهِ وفصله أو أصله، فكثر خطئها، حتّى قيل لها: أَكُلُّ مَن جاء مِن الصحراء أخوك يا زهراء؟!.

وحالُ بعضِ الأُمّة ــ رجاءَ أنْ لا يكون جُلُّهَا ــ حالِ زهراء.

أمَّتي اليوم كزهراء التي غاب أخوها في الصحراء ، كلما سمعت بقائلٍ يقول:

أنا الذي أصنع لكِ مجداً، أنا الذي أبني لكِ عزًّا، أنا الذي أعيدُ لكِ أيّامك الخوالي، تجري لاهثةً خلفهُ، غير ناظرةٍ إلى صِدْقِ دعواه، غير آبهةٍ لنصائحِ عقلاء القومِ بالتريثِ والتبصُّرِ، فهي لا تعرفُ إِن كان يريدُ أن يُشَيِّدَ لنفسه عِزًا أو لها، ولعلّه قد يصدقُ لكنّه لا يعرفُ له طريقا ولا يهتدي إليه سبيلا...

ويا زهراء! استبيني وصف أخيكِ، فليس كل من جاء من الصحراء أخوكِ يا زهراء.

ويا زهراء! أخوكِ عليه شامةٌ، معروفةٌ عنه بصحيح الآثار والسننِ.

ويا زهراء! اتّق الله، فأنتِ ذاتُ عزٍ وقدرٍ، و الطامعون بك كثير، فكُونِي على حذر.

ويا زهراء! ما نحنُ مُعاتِبوكِ إلاَّ خوفًا عليكِ، فما أدرانا إن كان القادمُ قائماً على قَدَمِ صِدْقٍ أو على غيرها، ونعلمُ أنَّكِ ما أردتِ إلاَّ خَيرا، لكنْ كم مِن مُريدٍ للخير لا يبلغه؟

أمّتي ُ! ايّاك من اثنتين كانتا في زهراء: سذاجة و عجلة.

أمّتي ! الوعدُ حقيقةٌ ليسَ بسرابٍ، نصرُ اللهِ و تمكينُه آتٍ لا مِرْيَةَ فِيهِ، وواقعٌ ما له من دافعٌ، فقد نطق به الصادقُ المصدوقُ صلواتُ ربِّي وسلامهُ عليه فيمَا صَحَّ عنهَ من حديث أبي بن كعب ــ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ »

وتأملي أمتي في قوله ــ عليه الصّلاة و السّلام ــ « ..فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب »

فهناك من يعمل عمل الآخرة للدنيا، كثيرون يدعون إلى الله وهم في حقيقة الأمر يدعون لأنفسهم كما قال الإمام محمد بن عبد الوهاب ــ رحمه الله ــ فتأملي أمتي ولا تسيري وراء كل متحدث، يتكلم عن النصر والتمكين.

أمّتي! لن نَسكتَ عن توحيدٍ تُدْرَسُ مَعَالِمُهُ، حتّى ولو كنّا نَسِير لإحقاقِ ذروة سَنَامِ هذا الدِّين، ولن تأخذنا فيه لومة لائم، لأنّ لنا فيه سلفٌ وأَكْرِم به مِن سلفٍ!.

رسولُ الله صلى الله عليه و سلم يسيرُ بجيوشه لإعلاءِ كلمةِ اللهِ، فيَلمحُ سُدُسَ الجيشِ وقلبهُ معلَّقٌ بذاتِ أنواطٍ، فيشتدُّ ويعلو صوتُه ليقطعَ جَهيزةَ كُلَّ خطيبٍ أو صحفيٍ أو محلِّلٍ يريد رَدْمَ التَوحِيدِ حَتَّى ولو في دقائقِ فُصُولِهِ، وليُصَفِّيَ القلوب من كلِّ دَخَنٍ يُصيبها قبلَ أنْ يُكمِلَ المَسِيرَ:"الله أكبر! إنها السنن، لقد قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا آلهة كما لهم آلهة" فهل سَكتَ رسولُ ربِّ العالمين لنسكتَ نحنُ؟!

فبِاللهِ عليهِم نحن سائلوهُم، منْ سَلفُهم فيما يزعُمُون من رَدْمِ التوحيد عندَ المُعْضِلاَتِ؟

أمْ أنَّ أصحاب الفُلْكِ كانوا على تفقه وبصيرةٍ مِنهُم! فقد عَلِمُوا ما لم يعلمه القومُ.

أمَّتَي! لن نَسكُتَ عن جفوة عن الاِتِّباع، و لا عن نُبَوَةٍ لا تُطَاعُ، و إلا سنُهزمُ أمام أدنى كتيبةٍ، فضلاً عن أُمِّهَا؟ هذا حتَّى و لو كان فينا الصَّالحونَ، وما خَبَرُ غزوةُ أُحُدٍ عنَّا ببعيدٍ، وَفِيهِم مَنْ فِيهِم، فِيهِم رَسُول الله صلى الله عليه و سلَّم وخيْرُ النَّاسِ مِن بَعدِهِ، فلمْ يُغْنِ هَذَا عِندَ اللهِ مِن شَيءٍ، فكيف بنا نحنُ وما فينا مَنْ فِيهِم؟

فكيفَ يصنعُ لكِ العِزَّ مَنِ الذُُلُّ والصَغَارُ مُلازِمٍ لَهُ لاَ يُفَارِقُهُ مَا لم يَزَلْ على مُشاقَقَةِ الرسولِ « وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ » . إِنَّ لكِ في هذا عِبرةً لو كنتِ تعتبرِينَ.

أُمّتي! أيُّ دَعوةٍ يُرِيدُونَهَا لكِ؟ " وما حُجَّتُهُم إلاَّ المَقُولاتُ الباطلةِ:

لا تُصدِّعوا الصفَّ مِن الدَّاخل!

لاَ تُثِيرُوا الغُبارَ مِنَ الخَارج!ِ

لاَ تُحَرِكُوا الخلاف بين المسلمين!

  ( نلتقي فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ).

وأضعفُ الإِيمانِ أن يُقال لهؤلاء: هلْ سكتَ المُبطلونَ لنَسكُتَ نحنُ، أم أنَّهم يُهاجِمُون الاعتقاد على مرأى ومسمعٍ ويُطلَبُ السُكوت؟ اللّهم لا..."

وإن قام فيهِم عبدُ اللهِ يدعوهُم إلى الهُدى والرشاد رَمَوْهُ بأشنعِ اثنتينِ واحتكموا إليهِما، أمّا أُولاهُما فهي: " إن لم تكُن معنا فأنت معهم ".

سبحان ربِّي ! {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 35-36]

فمتى كان تقويمُ المسيرِ والنصحُ للأمَّة مظاهرةً لأهلِ الكفرِ؟ فوالله ما هذه إلا فِرْيَةٌ خَزِيَّةٌ يقذِفُها من له في حَشْدِ الجماهِير مشارب ومئارب، ومن لهم دور البطولة في الخرجات الإعلامية الغاشمة... وخرجاتهم معهودة مألوفة.

وإن لم يُفلحوا صاروا إلى ثانيهما يكتالون منها مكاييل غَمطِ الحقِ وإلباسِ الباطلِ مئازيرَ الهُدى وهي عِندهُم " الغايةُ تبرر الوسيلةَ ".

والعجبُ كلُّ العجبِ أنَّ هذه قاعدة يهودية حملَ لِوائها مَن بني جِلدتِنا من يزعُم معاداة اليهود ويرمي غيره بِموالاَتهم وَلسانه لا يزال رطباً بِذكر قاعدتهم هذه... هذا لعَمْرُ اللهِ مُحالٌ في القياسِ بديعٌ.

يكفيها بُطلانًا أنَّها من لَدُنِ الأمَّة الغضبيَّة

بقــاعدتـهـــم هــــذه قتــلــوا أنـبيـــاء الله

بقــاعدتهـــم هـــــذه حـرَّفــوا كتــــاب الله

بقــاعدتهـــم هـذه انتهكوا حرمة سَبْتِهِم

يَصِحُ فيهم أن نقول عنهم أنَّهم اتخذوا الغايات ءالهة من دون الله تُعبَدُ وَ تُطاعُ.

أو تريدينَ أمَّتي أن تركبي مَركَبَهُم وتَتبعي سَنَنَهُم، فإيَّاك إيَّاك!.

أُمَّتي! لا تقُولي عدُوُنا شرٌ مِنَّا فتسْتَكِينِي لأَسقامٍ جاريةٍ في أوصالكِ، تحسبينها هَيِّنَةً وهي عند الله عظيمةٌ، فلا تَبْنِ لكِ عِزًا على شَفَا جُرفٍ هارٍ!

أمَّتي! أوبة إلى دين الله قبل أن ينادي المنادي من مكان قريب.

أُمَّتيُ! لا تُنَادِي على كُلِّ مَن هَبَّ وَدَرَج، ولا تكُوني كزهراء، بَل كُوني كالحجرِ والشجرِ اللذان أنطقهما الله عَونًا لعبادِه المؤمنين، فيُناديان: يا مسلم! يا عبد الله!

يناديان على من أسلم وجهه لله حنيفاً مسلماً ولم يك من المشركين.

أُمَّتي! مَراقي سَعُودِك ومناشيرُ بُنُودِكِ ومفاتيحُ عِزُّكِ في أمرين: الكتاب والسنة، فلا تكوني:

كالعِيسِ في البيداءِ يقتُلها الظما والماء فوق ظهرها محمول.

أمتي! الفجر فجران، فلا تغُرنَّك بُرقة الفجر الكاذب، ولا يغوينَّك الساطع المُصعد، لكنْ مهلاً حتَّى ينفجرَ الفجرُ الصادقُ وقرّي عينا.

قدْ ينتفِشُ الباطِل وتَصيرُ له صَولةٌ وجولةٌ، فتعمَى الحقائقُ على كثيرٍ من الخلائقِ، ويهلك المُرتابُون ويثبُت الراسِخون الذين يعلمون عِلم اليقين أن الباطل كزبد البحر يذهبُ جُفاءا وما ينفع الناس سيبقى حيَّا مَعقُودًَا في قُلوبِهم مكتوباً بِحِبرِ البقاءِ، ولِلَّهِ في كُلِّ هذا حِكَمٌ وأحكامٌ.

أكلُّ من جاء من الصحراء أخوك يا زهراء؟!

حتّـــــى ولـــو بــــــأيِّ وصــــــفٍ كـــــان؟!

أخــــــوك آت ولا ريـــب، فــلا تستعجلي!

وما عسانا أن نقول إلا كما قال موسى لقومه واعظاً لهم:

{اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]

والعاقبة للمتقين... وأيُّ تقوى بلا توحيد ولا اتباع

والعاقبة للمتقين... وأيُّ تقوى بتـرقيــع ديـــن الله

والعاقبة للمتقين... وأيُّ تقوى بعبــادة الغـــايــات

  • 14
  • 0
  • 6,943
  • زكي التلمساني

      منذ
    [[أعجبني:]] بارك الله فيك يا أخي الكريم، و أعادك إلى الأوطان غانما سالما...
  • محمد إبراهيمي

      منذ
    [[أعجبني:]] السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته بارك الله لك و فيك وجازاك خير الجزاء، ما أجمل أن يكون من أمتى أصحاب قلوب حية. لا تنسوا إخوانكم المسلمين من صالح دعائكم والله ولي التوفيق وعليه يتوكل المؤمنون محمد الأغواطي [[لم يعجبني:]] ليس لي المعرفة الكافية للتقييم

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً