متى نصر الله؟

منذ 2014-02-01

سؤال كالشعاع؛ يغزو القلوب بألوان الطيف؛ فمرة يحمل معنى الاستعجال، ومرة ينم عن ضعف ثقة بنصر الله، ومرة ينبعث من شدة إشفاق على الحق وأهله، ومرة يؤزه الحنق على الباطل وحزبه، وهكذا؛ يتحلَّل وتتنوع أطيافه إذا مرَّ على القلوب المؤمنة الطيبة، مثلما يفعل الشعاع إذا مرَّ على منشور من الزجاج الشفيف.

 

بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛



متى نصر الله؟



سؤال يتردَّد صداه..



سؤال يلاحق جند الحق في الصحو ويداهمهم المنام..



سؤال كالشعاع؛ يغزو القلوب بألوان الطيف؛ فمرة يحمل معنى الاستعجال، ومرة ينم عن ضعف ثقة بنصر الله، ومرة ينبعث من شدة إشفاق على الحق وأهله، ومرة يؤزه الحنق على الباطل وحزبه، وهكذا؛ يتحلَّل وتتنوع أطيافه إذا مرَّ على القلوب المؤمنة الطيبة، مثلما يفعل الشعاع إذا مرَّ على منشور من الزجاج الشفيف.



والذي يبعث على الطمأنينة أن هذا السؤال انبعث على ألسنة أفضل وأقوى أجيال البشر إيماناً وثباتاً، وسجله القرآن لئلا ينزعج المؤمنون إذا وجدوا صداه يدوي في جنبات نفوسهم وآفاق قلوبهم: {حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة من الآية:214] ولأجل تثبيت هذه الطمأنينة وتتويجها بالبشرى المحركة للهمم؛ يأتي الجواب بهذه العبارة الحاسمة كفلق الصبح: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.



لم يعد لنا بعد هذا الجواب القاطع إلا أن نقلب النظر في هذه الجملة القرآنية الموحية: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} ويثير التقليب والتنقيب سؤالاً آخر ربما يكون أكثر فاعلية: ولماذا يتأخر النصر القريب؟



ما هي الأسباب التي تجعل النصر -الذي هو من حيث الأصل قريب- يتأخر قليلاً أو كثيراً بعض الشيء؟ لا بدَّ أنَّ هنالك أسباباً مبعثها حكمة الله عزَّ وجلَّ، ونحن مطالبون بما وهبنا الله تعالى أن نجتهد في البحث عنها واستخراجها.



وقبل أن نطرق هذا الباب يجدر بنا أن نُقرِّر حقيقتين هامتين:



الحقيقة الأولى: أنَّ سنة الله تعالى في أخذ المجرمين لا تتخلف ولا تتبدل؛ {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} [فاطر من الآية:43]، ولكنها تمضي على كل أمة بلون {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت من الآية:40].



وقد مضت سنة الله تعالى على المجرمين في حق الأمة الإسلامية بلون مخالف تماماً لكل ما مضى، مضت سنة الله عليهم أن يأخذهم بأيدي المؤمنين، ولذلك بعدما ذكر الله تعالى مصارع الغابرين في سورة القمر ختم بقوله: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ . أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ . سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:43-45].



وانغرست الآية المكية في ضمائر المسلمين تحمل البشرى الغائمة في سحائب من الإبهام، حتى جاء يوم بدر، فوثب رسول الله في درعه وتلا: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} وبعد أن أخذ الله قريشاً في بدر على أيدي المؤمنين نزل التعقيب في سورة الأنفال، وفيه: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:52].



وهي حقيقة كبيرة تتفجر منها الإيحاءات بعنف في كل اتجاه مثلما تتفجر ألسنة اللهب من الشمس الوهَّاجة، أهمها: أن سؤال: متى نصر الله يجب أن يسأله المؤمنين لأنفسهم؛ لأنهم ستار قدرة الله تعالى في تحقيق وعده بنصر المؤمنين ومحق الكافرين، فإذا تأخر النصر وجب أن يفتشوا في زوايا حياتهم ومنحنياتها ودروبها عن أسباب هذا التأخر.



الحقيقة الثانية: أنَّ هناك نوعاً من التداخل والتكامل بين سنن الله تعالى التي يمضيها على الناس، وأنَّ هناك سنناً عامة وسنناً خاصة بالمؤمنين وسنناً خاصة بالكافرين، وأنَّ كل هذه السنن تدخل في منظومة واحدة، تماماً مثلما تتداخل وتتكامل وتنضوي في منظومة واحدة قوانين هذا الكون؛ لذلك ينبغي -وهذا من أصول  الاعتبار- أن نراعي كل هذه السنن ونحن ننظر إلى الساحة التي تحتضن المواجهة بين أهل الحق وأهل الباطل،وإلى ما يموج فيها من تفاعلات وتغيرات؛ لذلك عندما صدم المؤمنون بما جرى في أحد، ولم يتذكروا إلا ما يخصهم من السنن؛ جاءت الآيات في سورة آل عمران تتدفق كالسيل حاملة جملة عظيمة من السنن التي لا يصح أن تُنسى ونحن نكيف الأوضاع، منها -مثلاً- قول الله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آلِ عمران من الآية:179].



ومنها: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آلِ عمران:132].



السبب الأول: ولا بدَّ أن نبدأ حديثنا عن أسباب تأخر النصر بما لا نملك أن نتجاوزه أو نتجاهله، لكونه أول ما يتبادر إلى الذهن لدى الحديث عن هذه الأسباب، وهو في الحقيقة سبب له أهميته؛ وهو منصوص عليه في الكتاب العزيز {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ} [آلِ عمران من الآية:165].



غير أنَّني لا أفضل المكث عنده طويلاً؛ لكون ذنوبي تتقاصر بي عن بلوغ رتبة الواعظ في هذه المسألة، وأكتفي بصيحة أوجهها لنفسي ثم لكل منتصح: آن لنا أن نتوب من ذنوبنا وتقصرينا؛ فها هي الفتن تُطِلُ برأسها؛ منذرة بقرب يوم الحساب، وها نحن أحوج ما نكون إلى عون الله ومدده ونصره، ولا يصح أن نؤتى من قبل ذنوبنا، كما قال أبو بكر رضي الله عنه لجيش اليرموك: "إن مثلكم لا يغلب عن قلة، وإنما من قِبَل الذنوب فاحترسوا منها".



ولعل من أخطر الذنوب في مثل هذه المِحن تلك الذنوب التي يسببها الاجتهاد السياسي الخاطئ؛ وبرغم أن الخطأ فيها مغفور لا يترتب عليه مسئولية في الآخرة، ما دام لم يتلبس بهوى، إلا أنَّ آثاره الدنيوية تترتب عليه قطعاً؛ وهذه صورة من العقوبة التي تعد رحمة من الله عزَّ وجل؛ لذلك اعتبر بعض السلف -منهم عليٌّ- أنّ أرجى آية في كتاب الله تعالى هي: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، والذي يدل على خطر الاجتهادات السياسية الخاطئة تلك اللهجة الحاسمة المعبأة بالتحذير للنبيّ صلى الله عليه وسلم وصحابته: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68]، وذلك على أثر الاجتهاد الذي أدَّى إلى اتخاذ قرار بقبول الفِداء من أسرى بدر.



السبب الثاني: إعطاء الفرصة لسنن من سنن الله عزّ وجلَّ حتى تعمل عملها وتظهر آثارها ونتائجها، وهي لا تعمل إلا في مثل هذه الأجواء، على رأس هذه السنن سنة التمييز، سنة الفرز والغربلة والفضح للمخبوء، قال تعالى: {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}.



وهي سنة تمهد لإقامة المجتمع والدولة والأمة على أسس نظيفة، ولإعادة هيكلة المنظومة المجتمعية بما يؤهل للدور الكبير الذي ينتظر هذا الجيل، فهل كان من الممكن أن يشق جيل النصر طريقه للمجد وهو يضع الثقة في أشخاص ومؤسسات وجماعات وأحزاب قد استبان اليوم زيفها ونفاقها وما انطوت عليه من فساد عريض؟



ولذلك كان من أهم ما أفاده المسلمون من أحد سقوط الأقنعة عن وجوه قاتمة كانت تظهر للمسلمين كشموس مشرقة؛ ولهذا جاء في التمهيد للتعقيب على أحداث أحد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آلِعمران:118-119].



وها نحن نرى الساحة من يومها -يوم الانقلاب الأسود- إلى يوم الناس هذا تفور وتضطرم؛ ترفع أقواماً وتخفض آخرين، وتبيض وجوه رجال وتسود وجوه آخرين، واشتداد فورانها واضطرابها يشي بأنه لا يزال في جوفها ما تريد أن تلفظه، ولا يزال من المخبوء ما لا بد أن يطفو ويطل على الناظرين بسوأته -ونسأل الله تعالى الثبات والعافية- ولا عجب أن يخفى كثير من ذلك على عباد الله المخلصين في زماننا؛ وقد خفي ما هو أقل منه حيلة على من هم أعظم منا فطنة وحصافة وفراسة؛ حتى قال الله تعالى: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة من الآية:101]، {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ} [محمد من الآية:30].



ولولا شدائد أحد ما كان الفتح الأكبر، ولولا محن أحد وتبوك غيرها ما صفت الأمة هذا الصفاء ولا ترتبت على النحو الذي هيأها لقيادة الأمم.



ومن هذه السنن كذلك سنة التمحيص، {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [آلِ عمران من الآية:141]، والتمحيص هو التطهير والتصفية، فهو تطهير من الذنوب وأدرانها وتصفية من كل ما يهبط بإنسانية الإنسان؛ لأنّ الغرض هو إعداد جيل سيحمل رسالة عالمية كبرى؛ وسيخوض بها لجج التحديات في الداخل والخارج، ويوم أن يقف أبناء هذا الجيل على مشارف المسجد الأقصى ويقول قائلهم قولة ربعيّ بن عامر رضي الله عنه: "الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة"؛ يومها سيدركون أنه لولا ما صنعته بهم أيام الشدة ما تسنى لهم أن يتسنموا هذه القمة السامقة.



ومن هذه السنن أيضاً سنة الإملاء والاستدراج؛ إنّ الله عزّ وجلّ يعلم قدر ما في نفوس القوم من كنود وجحود، ويحيط علما بما ينطوون عليه من فساد وإلحاد، ويريد بحكمته وعدله أن يستخرجه ليكون حجة عليهم؛ فهو لذلك يمهلهم ويملي لهم ويستدرجهم من حيث لا يعلمون؛ {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا . وَأَكِيدُ كَيْدًا . فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} [الطارق:15-17]، {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ . وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44-45]، «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» (متفقٌ عليه).



السبب الثالث:أنّ هناك أصناماً سياسية وفكرية قُدّر للأمة أن تسكت عنها، وأرغمتها الظروف على أن تداهن كهنتها وسدنة معابدها؛ فكان منا المقتصد ومنا المبالغ وكان منا المتحفظ الذي لم يقدر على ذلك إلا بالاعتزال التام؛ فجاءت النكبة لتنهدم المعابد على من فيها؛ ليخلص المؤمنون من عقالها إلى الأبد.



وعلى سبيل المثال: أين المنادون بمدنية الدولة اليوم؟



أين الليبراليون أرباب الدعوة إلى  الحريات العامة وحقوق الإنسان الآن؟



لقد تهاوت كل هذه الأكاذيب وبان للناس أنها آلهة من ورق، وعما قريب سيتهاوى صنم الديمقراطية أمام الضمير الإنساني الذي سيقف مدهوشاً وهو يتابع مباركة أعتى الديمقراطيات للنظم القمعية الاستبدادية وللانقلابات العسكرية الدموية السوداء.



إنّ الأيام لتكشف لنا أنّ من ارتقوا من الشهداء قد اتخذهم الله تعالى عربوناً لنصر كبير وتمكين عظيم، تتمهد له الساحة السياسية والفكرية والعقدية والإنسانية، بصورة لم يكن لنا أن نبلغ منها -بما ننتجه من كتب ومقالات ومحاضرات ومناظرات- إلا بقدر ما يبلغ السابح بجسده العاري في لجج البحر الكبير.



السبب الرابع: أنَّ هناك ممن هم منغمسون في الغفلة، ومنطرحون في غياهب اللاشعور وظلمات اللامبالاة، من يعلم الله أن فيهم خيراً قد توارى خلف أستار من التعتيم الإعلامي أسدلت، وسدول من التضليل اللاهوتي أرخيت، وأنهم سيكونون غداً في صف الحق وأهله؛ لذلك يتوقف قطار النصر لحظات ليدركه من لم يكتب عليه الفوات، وأمثال هؤلاء مدركون بعدل الله، ومما يدل على أن العناية الإلهية تكترث بهم قول الله تعالى: {وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۖ لِّيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ ۚ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الفتح من الآية:25].



ولن تكون مبالغاً ولا مرتقياً من القول شرفاً ناشزاً إذا ادعيت أنَّ ما يجري في مصر الآن سيكون زاوية انقسام عالمية؛ وأنك ستجد من الشعوب والمؤسسات والنظم والأنظمة من يؤمن بقضيتك العادلة، وستجد في المقابل من الدجاجلة وسماسرة البضاعة الغربية الكاسدة ومحترفي النفاق الدبلوماسي من يقف ضدها، وستكون المعركة الفكرية والسياسية والإنسانية، التي تقسم الناس على ظهر هذا الكوكب إلى مؤمنٍ بمعطياتك ومسلماتك كافرٍ بما يخالفها من زيف ورياء، وإلى رجعيّ آبائيّ جديد يردد ما ردَّده الأقدمون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [الزخرف من الآية:22]؛ وهكذا يعود الإسلام كما بدأ غريباً في مبدأ الصراع، ثم ما تلبث أن تتبدد الغربة على يديك لتبدأ مرحلة من سيادة الحق ودولة الحق.



واعلم أنك لست وحدك، وأن الساحة ليست منحصرة في زاويتك، وانظر حولك؛ لترى ذات الصراع دائراً في شام الإسلام وغزة الصمود وعراق المجد والسؤدد، لكن لا تنس أنك تقف على رأس الزاوية، التي ستظل تنفرج حتى تجد نفسك في مركز الدائرة، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف من الآية:21].



وأخيراً؛ فإنه من العقل والرشد ألا نستعجل النصر؛ وألا يشغلنا الاستعجال عما يجب أن يُتخذ من التدابير لحسن إدارة الصراع، فلابد من إيجاد الآليات التي تتناسب مع طبيعة كل مرحلة من مراحل الثورة؛ من شأنها أن تجعل أهل الحق قادرين على فرض واقع يسمح لهم بالتعايش مع الصعوبات، لا بد أن توجد -وستوجد بإذن الله- أدوات الممانعة التيتخفف من وطأة الظلم، وتحدث قروحاً في جسد الباطل، وتعطي الثورة قدرة على امتلاك زمام الحلول التي توسع من خياراتها.



وسوف نظل نردد دوماً ذلك الوعد الحق: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.

عطية عدلان

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,854

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً