أسرانا في جوانتنامو لا بواكي لهم (2)
جريمة بحجم جريمة سجون "جوانتنامو" لا يمكن أن تُنسى، وستظل محفورة في أذهان الأجيال يتوارثونها جيلاً بعد جيل، يتلقونها كدليل وشاهد على الإجرام والطغيان الأمريكي الصليبي، وعلى تلك الامبراطورية الدموية التي لم تشرق الشمس على مثلها -إن جاز التعبير- في قرننا المعاصر!
كنا قد بدأنا حديثنا في الحلقة السابقة عن معتقل جوانتنامو، وعلمنا أنه يقع في كوبا وبالتحديد في القاعدة الأمريكية العسكرية المتواجدة في إقليم جوانتنامو والذي يبعد حوالي 15 كم2 عن المدينة.
هذا ويبلغ عدد الجنود في هذا المعسكر الذي يسعى لحماية أميركا من الجبهة الشرقية للبلاد إلى 7000 جندي ومساحته 117 كم2، وقد قامت السلطات الأمريكية بكراء هذه المنصة الاستراتيجية من كوبا بمبلغ 4085 دولار سنوياً منذ 23 فبراير من عام 1903م، وفي زمن الرئيس روزفلت، وفي هذه المقاطعة بالذات يوجد سجن غوانتنامو الشهير.
فتح السجن لأول مرة في عام 2001م وذلك خصيصاً لاحتجاز عناصر طالبان بعد الاجتياح الأمريكي لأفغانستان لكن مع مرور السنين أصبح السجن لكافة ما يسمونهم "إرهابيون" -بزعمهم- والذين يشتبه فيهم أو يمثلون خطراً على المصالح الأمريكية، والذين هم في غالبهم إن لم يكونوا جميعاً من المسلمين بكافة توجهاتهم، وخاصة المنتمين للتيارات الإسلامية.
على أية حال فهذا السجن يتقسم إلى ثلاثة فروع، أولها معسكر دلتا، وهنا يقدم السجناء الجدد وأصحاب الجرائم الصغيرة أو المشتبه بهم فقط يحتوي هذا القسم على 612 زنزانة ويمكن للمساجين التحاور مع المحققين بكل حرية ويمكنهم أن يطلبوا محامي.
أما الفرع الثاني فهو معسكر إجوانا، وهذا المعسكر أصغر من السابق وهو أقل رقابة نظراً لوجوده أبعد بكلومتر واحد وقد وقع في 2002م أن فر منه سجينين فأغلق في نفس السنة وفتح في عام 2005م.
جدير بالذكر أن ثالث المعسكرات والذي يعد أسوأها وأشدها وأصعبها فهو معسكر أشعة إكس، وهو أصعب سجن حيث يلاقي المسجون كل فنون العذاب إضافة إلى الحرمان من أبسط الحقوق الشخصية.
هذا وقد جاءت تسمية معسكر أشعة إكس حيث أنه تندر فيه الخصوصية الشخصية، وتكشف الأسلاك كل شيء كل الوقت، فالأضواء القوية الكاشفة حولت ليل معسكر أشعة إكس إلى نهار دائم.
وعن الأغراض التي يتسلمها سجناء هذا المعتقل وخاصة القاعدة وطالبان عند دخولهم إلى المعسكر، فهي تتكون من بدلة برتقالية اللون (صناعة مكسيكية) وعبوة شامبو وفرشة أسنان ومعجون برائحة النعناع وفوطتين إحداهما تستخدم كسجادة صلاة.
وحدث ولا حرج عن الاجراءات الأمنية التي تقوم على تكميم اليدين وتغطية الأذنين والفم والعينين عند نقل المساجين إلى هذا السجن يعني قطع جميع الحواس الخمسة، تخيلوا حجم الألم!
أما عند الاستجواب فيا هول مايحدث، حيث يتم تحت الموسيقى الصاخبة والإهانات المتتالية والضرب المبرِّح، وهناك استجواب باستعمال الكلاب الجائعة. أما عن المستجوبون الأمريكان، فهم يتناولون الخمر والمخدرات قبل عمليات الاستجواب.
فعلى سبيل المثال المعتقل أحد المعتقلين السعوديين الجنسية، حالته هي الحالة الأكثر توثيقا للاستجوابات التعسفية في جوانتانامو التي تضمنت جلسات تحقيق قسرية في أواخر 2002م وأوائل 2003م هو سعودي يعتقد أنه كان مخططاً له أن يشترك في هجمات 11 سبتمبر، تقول المعلومات التي وردت بشأن طريقة استجوابه أن رقبته طوقت بحبل مثل الكلب وأهين جنسياً وأُجبر على التبوّل على نفسه. يقول ملفه: "رغم أن الملفات التي أعلنت تدعّي بأنه خضع لتقنيات الاستجواب العنيف في أوائل فترة اعتقاله"، فإن اعترافه "يبدو أنه حقيقي وقد تم التحقق منه من مصادر أخرى -بحسب زعمهم-".
هذا ومن أساليب تحطيم معنويات السجين النفسية، عملية تدنيس المصحف الشريف أمام أعين المصلين وما أدراكم عن طريقة التدنيس البشعة التي يقومون بها -خابوا وخسروا- وهناك أيضاً التبوّل على المساجين -أعزكم الله وسائر المسلمين- أثناء الصلاة واستعمال العاهرات العاريات أيضاً.
هذا وهناك ما تسرّب من معلومات موثقة بالصور من هذا الجحيم ولعل الكثير الكثير الذي لا نعرفه يبقى في السِرّ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
بينما ما ورد في النشرة الدورية للمنظمة الدولية لحقوق الإنسان في المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء يقول:
• يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.
• لا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر.
• من المستحب مع هذا؛ احترام المعتقدات الدينية والمبادئ الثقافية للفئة التي ينتمي إليها السجناء، متى اقتضت الظروف المحلية ذلك.
جدير بالذكر الملفات التي تقول إن عشرات من المعتقلين يوصفون على أنهم أعضاء عاديين سافروا من اليمن إلى أفغانستان قبل أحداث 11 سبتمبر ليتلقوا التدريب العسكري وليقاتلوا في أفغانستان وليس ليصبحوا "إرهابيين دوليين". السجناء أمثالهم من دول أخرى أعيدوا إلى بلدانهم منذ سنوات -حسب الملفات- ولكن هؤلاء ظلوا في غوانتانامو نتيجة القلق بشأن الاستقرار في بلادهم (اليمن) ومخاوف من قدرة سلطات بلادهم على مراقبتهم.
أفادت بعض التقييمات بخطر الاعتماد على معلومات مصدرها أناس ذوو دوافع خفية. حجي جلال، الذي ألقي القبض عليه عام 2003م وكان وقتها في الثالثة والثلاثين من العمر، وكان القبض عليه نتيجة معلومات من رئيس الاستخبارات الأفغاني في هلمند الذي قال إن جلال كان له "دور فاعل" في كمين نفذ ضد القوات الأميركية هناك وقتل فيه جنديين أميركيين. ولكن مسؤولين أميركيين أشاروا إلى "إشارات فساد" حيث تبيّن أن رئيس الاستخبارات الأفغاني نفسه وآخرين شاركوا في الكمين و"استهدفوا" جلال "ليوفر غطاء لتورطهم في الحادث". جلال أعيد إلى أفغانستان عام 2002م.
وتبين نتائج لجنة التحقيقات وجود ارتباك في تحديد المعتقلين الذين يستحقون الإفراج عنهم؛ حيث يوجد في المعتقل الكثير من الذين لا يمثلون قيمة استخبارية ولا يملكون معلومات قيمة عن القاعدة ولا طالبان، مثل شخص أفغاني كان مجرد تاجر سيارات مستعملة. إلا أن الوثائق تشير أيضاً إلى شخص باكستاني لم يكن ذا شأن يذكر ولم يُمثّل قيمة استخبارية للمحققين، ولكنه تحول إلى انتحاري بعد إطلاق سراحه.
جدير بالذكر أن صحيفة زود دويتشه تسايتونغ الألمانية ذكرت أن مجموعتين حقوقيتين أميركيتين اتهمتا وزارة الدفاع الأميركية بإعطاء جميع المعتقلين في معتقل جوانتانامو أدوية لها آثار جانبية شديدة الخطورة دون أدنى مبرِّر طبي، واستخدام هؤلاء المعتقلين حقل تجارب لأدوية تنتجها معامل الجيش الأميركي وشركات على صلة به.
وقالت إحدى الصحفيات في مقالة نشرتها الصحيفة الألمانية الواسعة الانتشار إن تقريراً أصدرته مجموعة الخبراء القانونيين بجامعة ستن هول بولاية نيوجيرسي اتهم البنتاجون بإعطاء المعتقلين في جوانتانامو كميات كبيرة من عقار ميفلوكوين المستخدم في علاج الملاريا دون أي حاجة طبية.
كما ووجه 45 محامياً رسالة إلى وزير الدفاع الأميركي قالوا فيها: "إن الإضراب الذي يشنه عشرات السجناء والذي بدأ في السادس من الشهر الماضي رداً على ما اعتبره السجناء انتهاكاً لحرمة المصاحف، وإنه يمثل تهديداً خطيراً لحياة السجناء وصحتهم".
ووفق ما جاء في الرسالة ذاتها، فإن الإضراب يجري تنفيذه في "المعسكر 6" الذي يضم العدد الأكبر من السجناء في جوانتانامو. ويقبع في هذا المعتقل منذ سنوات 166 سجيناً لم توجه لهم أي تهم، ولم يمثلوا بالتالي أمام أي محكمة.
وأكدوا في الرسالة نفسها أن ما لا يقل عن 24 من المضربين فقدوا الوعي بسبب انخفاض نسبة السكر في الدم، وأن كل واحد من المضربين فقد ما بين 9 كجم و13 كجم من وزنه.
هذا وقد بدأ الإضراب احتجاجاً على ما اعتبره السجناء انتهاكاً للمصاحف بعد عمليات تفتيش متكررة عنها، بالإضافة إلى مصادرة أغراض شخصية كالصور والرسائل العائلية، والرسائل الواردة من المحامين.
وفي عام 2005م، اعتبر وزير الدفاع الأميركي الحالي عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري أن غوانتانامو هو أحد السجون التي خسرت بسببها الولايات المتحدة "حرب الصورة في العالم".
وكان محامون يتابعون وضع السجناء في معتقل جوانتانامو حذروا أمام لجنة أميركية لحقوق الإنسان في واشنطن من تردي الأوضاع في جوانتانامو، خاصة بالنسبة للسجناء الذين أموضوا سنوات دون أن توجه لهم اتهامات.
وقالت المحامية كريستين هاسكي إن الاعتقال دون محاكمة يمكن أن يسبب للسجناء ضغوطا نفسية ترقى إلى درجة التعذيب والمعاملة غير الإنسانية. يذكر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما وعد بغلق المعتقل في 2010م، لكنه لم يف بهذا الوعد -كعادة هؤلاء القوم الذين لا عهد لهم ولا وعد-.
إن أمريكا باعتقالها لمئات من المسلمين في جزيرة" جوانتناموا "الكوبية بصورة تعسفية وانتقامية، ولسنين طويلة، ولا يزالون من غير محاكمة عادلة ولا حتى توجيه تهمة معتبرة -تمارس بحقهم صنوفاً من العذاب والقهر والإذلال- تضيف بذلك إلى جرائمها العديدة بحق الأمة جريمة سُتحفر في ذاكرة الأمة وتاريخها آلاف السنين وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
جريمة بحجم جريمة سجون "جوانتنامو" لا يمكن أن تُنسى، وستظل محفورة في أذهان الأجيال يتوارثونها جيلاً بعد جيل، يتلقونها كدليل وشاهد على الإجرام والطغيان الأمريكي الصليبي، وعلى تلك الامبراطورية الدموية التي لم تشرق الشمس على مثلها -إن جاز التعبير- في قرننا المعاصر!
وهذا الصمت الرهيب -نحو هذه الجريمة الشنعاء- من قبل المجتمع الأوروبي والدولي لا يُمكن أن يُفسَّر إلا على أنه رضى بالجريمة، وموافقة عليها والموافق على أمر كفاعله، وهو كذلك رسالة صليبية عالمية تدل على أن الضحية إن كان مسلماً فلا حرج ولا مانع من انتهاك حرماته والاعتداء عليه، مهما كان نوع وحجم هذه الضحية، ونوع هذا الاعتداء فالمسلم -في قانونهم وأعرافهم- ليس لدمه ثمن، ولا حرمة له ولا حصانة. ولا حقوق ولا بواكي!
والأغرب من هذا كله؛ هذا التواطؤ المخيف، والصمت المطبق الرهيب من قبل الأنظمة العربية وغيرها من الدول التي تُسمّي نفسها زوراً بالإسلامية؛ على هذه الجريمة النكراء، وكأن الذين في سجون "جوانتنامو" ليسوا من تلك الأمصار ولا ينتمون إلى شعوب تلك البلدان!
وأخيراً وليس آخراً؛ لا تعليق لدي وأترك لحضراتكم التعليق، وقد انتهت رحلتنا في جوانتنامو وكل ما ذكرناه يُعتبَر نقطة في بحر بالنسبة إلى ما يدور بداخل ذلك المعتقل، إلى أن نلتق في موضوع جديد إن شاء الله أترككم في رعاية الله.
- التصنيف: