الإعلام الصربي!
إن الحكومات البوليسية الفاشية تحرم على المسلمين أن يدخلوا مجال الإعلام أو النشر أو الثقافة أو الصحافة بصورة فعالة.. وتلاحق من يتصدى للعمل الإعلامي بالتضييق والحصار والإقصاء، والاستئصال. وهذا الكلام صحيح، ولكن وسائل التغلب على ذلك ليست قليلة بحال.
يشكو المسلمون من تحامل الإعلام السائد عليهم وعلى دينهم وعلى رموزهم. وهذه شكوى حق، ولكنها تشير إلى إدانة المسلمين أنفسهم في الوقت ذاته!
فالمسلمون يمثلون في مصر والعالم العربي أغلبية ساحقة، فيها كثير من أصحاب المال والخبراء والموهوبون الذين يستطيعون إنشاء إعلام قوي ومؤثر وفعال داخل المجتمع العربي والإسلامي والدولي، ولكنهم لا يفعلون..
قد يقول قائل: إن الحكومات البوليسية الفاشية تحرم على المسلمين أن يدخلوا مجال الإعلام أو النشر أو الثقافة أو الصحافة بصورة فعالة.. وتلاحق من يتصدى للعمل الإعلامي بالتضييق والحصار والإقصاء، والاستئصال. وهذا الكلام صحيح، ولكن وسائل التغلب على ذلك ليست قليلة بحال، فالفضاء والعالم الافتراضي للشبكة الضوئية والعواصم الخارجية التي تتيح إنشاء الصحف العربية ودور النشر والقنوات الفضائية ومنابر التعبير المباشر والمؤتمرات وغير ذلك، لا تترك ذريعة لأحد كي يظل مع القاعدين الصامتين!
في أحداث ماسبيرو (2011/10/9 م) التي قام فيها الصرب المصريون أو المتمردون الطائفيون المجرمون بذبح جنود الجيش المصري على بوابة ماسبيرو، وضحت قيمة الإمبراطورية الإعلامية التي أنشأها الصرب، واستطاعوا من خلالها قلب الحقائق، وتحويل القاتل إلى ضحية، والضحية إلى قاتل، وروّجوا لتجارة الكذب والتدليس والتضليل كما لم يحدث من قبل! بل إن التلفزيون المصري الذي أشار إلى بعض الحقيقة على غير عادته بحكم اقتراب الموت من أفراده، تحول إلى متهم مجرم على ألسنة الإعلام الصربي المصري وأبواقه، وتم تجييش المظاهرات والاحتجاجات لإقالة وزير الإعلام الذي لم يكن في يوم ما في جانب الثورة أو الشعب المظلوم بل كان من أتباع النظام الفاسد البائد، ويكفي أنه كان مندوبًا لجريدة الوفد في رئاسة الجمهورية المخلوعة. لقد حوله الإعلام الصربي إلى متهم تجب معاقبته وإقالته مع إحدى المذيعات التي قالوا إنها قريبة لأحد رجال النظام السابق، واتهموها أنها استغاثت بالشعب أو السكان في المناطق المجاورة لماسبيرو لأن الصرب الهمج يقتلون جنود الجيش المصري!
لو أن المسلمين فهموا أهمية الإعلام وقيمته في إضاءة العقول والقلوب نحو الخير والسلام والدفاع عن الحق والكرامة والشرف، لكونوا إمبراطوريات على المستويين المحلى والعالمي، ولما أهملوا مجالاً حيويًا خطيرًا، استسهالاً واستسلاماً للأمر الواقع والهبّات الوقتية التي يفرضها حدث هنا وآخر هناك، ولقاموا بإنشاء وسائط إعلامية تعالج الواقع، وتضيء الماضي، وتطرح معالم المستقبل، واحتمالاته.
هناك قنوات إسلامية ضعيفة التمويل وصحف محدودة ومواقع غير مؤثرة، وكلها تحاول أن تقوم بدور ما، ولكن إمكاناتها تقعد بها عن مجابهة الإمبراطورية الصربية الإعلامية بإمكاناتها الهائلة، وكوادرها النشيطة.
لقد صنع الصرب المصريون أو المتمردون الطائفيون المجرمون إمبراطورية إعلامية ضخمة أسهمت فيها القيادات الكنسية المتمردة، والمليارديرات والمليونيرات النصارى..
كان شراء الأقلام والأبواق أسهل الوسائل والطرق لتجنيد من ينافحون عن التمرد الطائفي، ويقفون إلى جانبه ظالماً، لأنه لا يكون مظلومًا أبدًا، والشراء قد يكون مباشرًا أو غير مباشر، قد يكون على هيئة دعوات إلى مؤتمرات أو رحلات، أو تحقيق امتيازات أو توصيل إلى مناصب أو اشتراك في صحف ومجلات بكميات ضخمة أو تخصيص مكافآت لمحاضرات أو مشاركة في ندوات، وقد تمكن الأثرياء الصرب المصريون في العقد الأخير من إنشاء مؤسسات صحفية خالصة لهم أو شاركوا في مؤسسات صحفية برأس المال أو الإدارة أو التحرير، وقد ضمنوا في كل الأحوال أن تفسر الأخبار بعد صياغتها لصالحهم، بحيث يتم التعتيم على جرائمهم أو تمييعها من خلال أساليب المحترفين في التدليس والتضليل و الكذب الصريح.. ثم إنهم انتقلوا إلى القوة الإعلامية الضاربة وهي التلفزيون، حيث إن تأثيره يفوق الصحف، فأنشأوا القنوات الدينية الخالصة التي تسبّ الإسلام والمسلمين، أو القنوات العامة التي تنفذ سياسة الصرب المجرمين. وصار تكليف الصحفيين والكتاب ومن يطلق عليهم المثقفون بالتقديم أو الاستضافة أو المشاركة المأجورة بالإعداد أو التحرير أو غير ذلك في البرامج؛ شراء مقطوعًا للذمة والضمير عبر الشاشة الصغيرة أو عبر الصحف التي يحررها هؤلاء أو يكتبون فيها، ولك أن تتخيل واحدا منهم يحصل على عشرات الألوف في تقديم برنامج أو أقل من ذلك في المشاركة بالتحرير أو الحديث.. هل يستطيع أن يقول الحقيقة أو يتحرى الحق أو الصدق؟
أما المواقع الإلكترونية فحدث ولا حرج، فهي بلا عد ولا حصر، وقد يكون للموقع الواحد عشرات النسخ بحيث إذا تم اختراق موقع بقيت النسخ الأخرى قائمة ومستمرة، وهذه المواقع التي يقوده صرب من أشرس الطائفيين المتعصبين، لا تترك مسلمًا فاهمًا لألاعيبهم الإجرامية ومخططاتهم الشيطانية إلا وتناولوه بكل ما في قاموس البذاءة والفحش من ألفاظ وصفات، وفبركة أخبار كاذبة للتشهير والتشويش والإهانة!
لقد استطاع الصرب المصريون أن ينشئوا إمبراطورية عملاقة تقدم أكاذيبهم ومخططاتهم ومفاهيمهم، وكانت جريمتهم في ماسبيرو خير دليل على نجاحهم في قلب الحقائق، والتدليس والتضليل، بل إن التلفزيون المصري الحكومي الذي يفترض أن يعرض الحقائق، ويطرح الآراء المختلفة كان مستلباً تحت سطوة الابتزاز التي صنعتها الإمبراطورية الإعلامية الصربية الفائقة، لدرجة أن متحدثي المتمردين الصرب المصريين، كانوا يتنقلون بين قنواته المختلفة بسلاسة ملحوظة وكأنهم يسكنون في ماسبيرو، ولا يسكنون في أحياء القاهرة التي تجعل التواصل فيما بينها صعباً، كأنه سفر من بلد بعيد إلى بلد آخر بعيد!
وأبسط ملاحظة أن الصرب حين تستضيفهم قنوات التلفزيون المصري أو قنوات المال الحرام أو قنوات الإمبراطورية الصربية لا يقاطعهم أحد، ولا يرهبهم المذيع أو المذيعة بقوله: داهمنا الوقت، أو بقيت أمامنا دقيقة، أو يحول الكلام إلى الوجهة التي لا تتوافق مع ما يريده الصربي الكذاب!
في إحدى القنوات إياها كان الحوار يدور حول بناء الكنائس من خلال ما يسمى قانون دور العبادة الموحد. كان ضيف الحديث الأول أحد الأشخاص النصارى المشهورين بالولاء للنظام الفاسد البائد، والمشهور عنه عبارته المعروفة عن الرئيس السابق عند انتخابه للمرة الخامسة رئيسًا: "إن الجنين في بطن أمه يبايع مبارك رئيسًا"، وكان الضيف الآخر أستاذًا في جامعة الأزهر مهذبًا وهادئًا. ترك المذيع المستنير(!) صاحب الولاء لسيده يتكلم طويلاً عن القانون الذي أعده وشارك فيه، وعن الحكومة التي لا تستجيب لطلبات النصارى الغلابة المضطهدين(؟) وعن الست والدته التي وهبت أموالها لبناء كنيسة.. إلخ، وعندما حل الدور على الأستاذ الجامعي للكلام، وبدأ يتحدث بالأرقام والإحصائيات والقانون المحلي والقانون الدولي أخذ المذيع المستنير(!) يعرقله كما يحدث مع اللاعبين في مباريات كرة القدم، ويعمل على إرباكه بالأسئلة التي تحرمه من استكمال فكرته، ويحاول الضيف الخجول أن يقنع المذيع أن يترك له الفرصة مثل الآخر، ولكن المذيع لا يتوقف عن محاولاته الرخيصة لحرمانه من كشف الأكاذيب الصربية حتى انتهى الوقت المخصص للضيفين. ثم جاء ضيف جديد من الصرب خصص له وقتاً ممتدًا تحدث فيه عن القانون المنتظر الذي سيحل مشكلات الصرب الجذرية!
خلاصة الأمر أن المسألة ليست في بناء الكنائس، فمعلوم أن عدد الكنائس منذ دخول الإسلام حتى عصر المخلوع لم تتجاوز خمسمائة كنيسة، ولكنها في عصره تجاوزت ثلاثة آلاف وستمائة كنيسة، أي إنه العهد الذهبي للصرب المصريين أو المتمردين الطائفيين في مخطط تغيير الهوية الإسلامية لمصر ببناء الكنائس، المسألة هي إثبات أن الأقلية تسود الأغلبية، وأن التعبير عن الإسلام ممنوع بأمر الأقلية المستقوية بالولايات المتحدة والغرب واليهود الصهاينة، وأن أية محاولة للتعبير عن الهوية الإسلامية في مجالات الحرية والكرامة والديمقراطية وتداول السلطة وتنفيذ إرادة الشعب أمر مرفوض من جانب الصرب المصريين، مثلما حدث في البوسنة والهرسك!
مهما يكن من أمر، فقد نجح الصرب المصريون في إقامة إمبراطورية إعلامية حققت لهم الغلبة الإعلامية، واستطاعوا تجنيد الشيوعيين السابقين والليبراليين والعلمانيين والمرتزقة ليكونوا إلى جانبهم، ويرددوا مقولاتهم الكاذبة، ورغباتهم الشيطانية، والعزف على أكذوبة اضطهاد النصارى!
فهل ينهض المسلمون لإقامة إمبراطورية تقدم الحقيقة وتنصفهم؟