البرنامج الأمثل للنوم من الكتاب والسنة (إعجاز علمي ونفسى)
النوم الزائد عن تسع ساعات لمتوسطي العمر يسبب خمول الذاكرة وتراجعًا، كما يؤدي عدم النوم أو النوم الطويل إلى آثار سلبية على الذاكرة.
يأتي البرنامج الأمثل للنوم من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، على النحو التالي، ينقسم المعدل اليومي للنوم إلى ثلاث فترات:
الفترة الأولى: النوم من بعد العشاء إلى نصف الليل:
قال تعالى في آية الاستئذان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النور:58].
فقوله: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} إقرار منه سبحانه بأن النوم يبدأ من هذا الوقت، حيث نهى عن الدخول فيه إلا بعد الاستئذان، لأنه وقت يكون فيه المرء متحللًا من ملابسه استعدادًا للنوم، فكان من عادة العرب النوم في هذا الوقت ولم ينكر القرآن عليهم ذلك.
وكان هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد نهى صلى الله عليه وسلم عن السهر بعد العشاء، فعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها"[1]، وأيضًا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء" يعني زجرنا، وفى رواية "بعد صلاة العتمة"[2].
وقد رخصَّ النبي صلى الله عليه وسلم السهر بعد العشاء في حالة الصلاة أو السفر أو في السهر على أمر من أمور المسلمين، وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا سمر إلا لمصلي أو مسافر» [3]، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأمر من أُمور المسلمين وأنا معهما"[4].
وبالنسبة للفائدة الصحية للنوم المبكر، تؤكد الباحثة الفرنسية نيريس دي أن عبارة (النوم المبكر والاستيقاظ المبكر يجعل الإنسان صحيحًا وغنيًا وحكيمًا) و(أن ساعة النوم قبل منتصف الليل تساوي ثلاث ساعات بعده) فيها بعض الحقيقة، ولقد تبين أن 70% من نومنا العميق غير الحالم يحدث خلال الثلث الأول من الليل، وعندما نتجاوز النوم قبل منتصف الليل فإننا نفـقد كـثيرًا من نومنا العابر غير الحالم.
أما ما ورد في قطع النوم والاستيقاظ بعد نصف الليل، فتدل عليه الآيات التي وردت في القيام والتهجد، مثل قوله تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة: 16}، وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل: 6].
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّـهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَىٰ ۙ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ ۙ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ ۚ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ۚ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۖ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمل: 20]، وغير ذلك من الآيات.
وقد ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح، قال: «ذاك رجل بال الشيطان في أُذنيه» أو قال: «في أُذنه»[5]، فذلك ذم وتوبيخ منه صلى الله عليه وسلم لمن لم يقطع نومه بالقيام، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة فقال: «ألا تصليان؟»، فقلت يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: {وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[6].
ومن الفوائد الصحية لهذا الاستيقاظ أن الإنسان الذى ينام ساعات طويلة على وتيرة واحدة يتعرض للإصابة بأمراض القلب بنسب عالية جدًا، وتعليل هذه الظاهرة علميًا أن شحوم الدم تترسب على جدران الشرايين الخاصة بالقلب بنسبة كبيرة إذا طالت ساعات النوم مما يؤدي إلى إضعاف عمل هذه الشرايين وفقدها لمرونتها، ويحدث لها تصلب فلا تصلح لضخ كميات الدم المناسبة لتغذية عضلة القلب، علاوة على أن نبض القلب يبطؤ ومع بطء النبض يبطؤ تدفق الدم في العروق، ولذلك نرى العجب العجاب أن الباحثين في هذا الأمر لا يعرفون عن الإسلام شيئًا فيقدمون النصائح التي قدمها الإسلام، بأن يقوم الإنسان من نومه بعد أربع أو خمس ساعات لإجراء بعض الحركات الرياضية أو المشي لربع ساعة تقريبًا للحفاظ على مرونة الشرايين القلبية ووقايتها من الترسبات الدهنية والإصابة بالذبحة الصدرية[7].
الفترة الثانية: من وقت السحر بعد قيام الليل الى الفجر:
قال تعالى في أية الاستئذان: {مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ} [النور: من الآية 58]، في هذه الآية إقرار منه سبحانه أيضًا بأن ما بعد قيام الليل إلى ما قبل صلاة الفجر وقت نوم، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم بعد أن يتم ورده من الليل أن ينام وقت السحر وهو السدس الأخير من الليل، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما ألفاه السحر عندي إلا نائمًا" تعني النبي صلى الله عليه وسلم[8].
وقد سُئلت السيدة عائشة رضى الله عنها أيضًا، كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل؟ فقالت: "كان ينام أوله ويقوم آخره فيصلى ثم يرجع إلى فراشه، فإذا أذَّن المؤذن وثب فإن كان به حاجة اغتسل وإلا توضأ وخرج"[9].
وعنها كذلك قالت: "كانت عندي امرأة من بني أسد فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من هذه؟»، قلت: فلانه لا تنام الليل فذكر من صلاتها، فقال: «مه عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا»[10].
إذًا يتبين لنا من خلال الأحاديث والآيات أن ليل المسلم عبارة عن نوم نصفه وقيام ثلثه ونوم سدسه، وكان هذا أيضًا دأب نبي الله داود عليه السلام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام وأحب الصيام إلى الله صيام داود عليه السلام، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يومًا ويفطر يومًا»[11].
حتى قال بعض السلف: "هذه الضجعة قبل الصبح سُنة"، منهم أبو هريرة رضي الله عنه وكان نومه هذا الوقت سببًا للمكاشفة والمشاهدة من وراء حجب الغيب، وذلك لأرباب القلوب وفيه استراحة تعين على الورد الأول من أوراد النهار [12].
الفترة الثالثة: نوم القيلولة:
كان من عادة العرب في الجاهلية النوم والاسترخاء وقت تعامد الشمس، وربما كان ذلك لشدة الحرارة في ذلك الوقت، وأقرها الإسلام وحث عليها، فقد جعلها الله ضمن أوقات الاستئذان الثلاثة، بقوله تعالى: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ} [النور: من الآية 58]، وقد قلنا سابقًا أنهم يضعون ثيابهم استعدادًا وتأهبًا للنوم، وقال تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4]، وقال تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان: 24]، فمن النعيم الذى يكون فيه أهل الجنة أنهم يقيلون كما كانوا يقيلون في الدنيا وأحسن.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام يحافظون عليها، فكانوا لا يخرجون من بيوتهم في هذا الوقت إلا لحاجة، وقد أمر صلى الله عليه وسلم بها حيث قال في حديث أنس رضي الله عنه: «قيلوا فإن الشياطين لا تقيل»[13].
وقال الغزالي: "القيلولة سُنة يستعان بها على قيام الليل كما أن التسحر سُنة يستعان به على صيام النهار"، وقال عبد الله بن شبرمة: "نومة نصف النهار تعدل شربة دواء" يعني في الصيف خصوصًا، وقال بعض الأطباء: "نومة القيلولة في الصيف مبردة، وفي الشتاء مسخنة".
وقيل النوم على ثلاثة أنواع: نومة الخرق "قلة الحيلة" ونومة الخلق ونومة الحمق، فنومة الخرق نومة الضحى ونومة الخلق هي القيلولة، ومن شروط القيلولة أن يكون وقتها قصير فلا يستغرق في النوم إلى وقت العصر فتفوته الجماعة، بل ينبغي أن ينتبه فيها ليستعد للصلاة.
وقد نشر موقع "cnn" بتاريخ 13-07-2007 بحثًا طويلًا بعنوان "ناموا في مكاتبكم .. تصحِّوا" لمن يحب أن يغفوا قليلًا في مكاتبهم، أصبح بإمكانهم الآن أن يجابهوا مديرهم بعذر طبي ممتاز، فقد أظهر بحث جديد أن قيلولتهم أثناء العمل تقلل من خطر الإصابة بمشكلات قلبية خطيرة ربما قاتلة، فذلك دليل عظمة هذه الشريعة وحاجة الإنسانية إليها.
ومن فوائدها الصحية أنها تعيد للجسم نشاطه، وبناءً عليه فقد بدأت عدة شركات وهيئات علمية تشجع العاملين فيها على نوم القيلولة لتقليل الإجهاد وزيادة الإنتاج، وأظهرت الأبحاث كذلك أن أفضل علاج للشعور بالنعاس هو الحصول على غفوة قصيرة حيث إن تأثير الغفوة يفوق تأثير المنبهات مثل القهوة أو الأدوية المنبهة.
عن جابر بن عبد الله أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاة، فتفرق الناس في العضاة يستظلون بالشجر فنزل النبي صلى الله عليه وسلم تحت شجرة فعلق سيفه ثم نام، فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن هذا اخترط سيفي فقال: من يمنعك؟ قلت: «الله»، فشام السيف فها هو ذا جالس ثم لم يعاقبه» [14].
إذًا النوم الصحي الشرعي ينبغي أن يوزع على هذه الاوقات الثلاثة وهم: نصف الليل الأول، والسحر، والقيلولة.
أما النوم في غير هذه الأوقات مثل:
1- النوم بعد الفجر "نوم الصبحة":
فقد حث الله تعالى إلى الاستيقاظ فيه، قال تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: من الآية78]، وحث رسول الله صلى الله عليه وسلم على النشاط في هذا الوقت، ودعا الله أن يبارك لأمته في هذا الوقت من اليوم، فعن صخر بن وداعة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»" وكان إذا بعث سرية أو جيشًا بعثهم من أول النهار وكان صخرًا تاجرًا فكان يبعث تجارته من أول النهار فأثرى وكثر ماله"[15]، فهو وقت مليء بالبركة، يشعر به من ينشط فيه، فيجده مختلفًا عن باقي الأوقات.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لامتى في بكورها»"[16]، وروى أن ابن عباس رأى ابنًا له نائمًا نومة الصبحة فقال له: "قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟"[17].
وعن بعض التابعين أن الأرض تعج من نوم العالم بعد صلاه الفجر، وذلك لأنه وقت طلب الرزق والسعي فيه شرعًا وعرفًا عند العقلاء.
لذلك كره العلماء النوم في هذا الوقت، قال ابن القيم: "المكروه عندهم (أي الفقهاء) النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه ووقت نزول الأرزاق وحصول القسم وحلول البركة ومنه ينشأ النهار وينسحب حكم جميعه على حكم تلك الحصة، فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر"[18].
وقال أيضًا في زاد الميعاد: "نومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جدًا بالبدن، لإرخائه بالبدن، وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة فيحدث تكسرًا وعيًا وضعفًا، وإن كان مثل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيء، فذلك الداء العضال المولد لأنواع من الأدواء"[19].
وقال علي رضي الله عنه: "من الجهل النوم أول النهار، والضحك من غير عجب"، وكان هشام بن عبد الملك يقول لولده: "لا تصطبح بالنوم فإنه شؤم ونكد"، وقيل: "إن نومة الضحى تورث الغم والخوف، ونومة العصر تورث الجنون".
قال الشاعر:
ألا إن نومات الضحى تورث الفتى *** غمومًا ونومات العصير جنون
وعن العباس بن عبد المطلب أنه مرَّ يومًا بابنه وهو نائم نومة الضحى فوكزه برجله وقال له: "قم، لا أنام الله عينك، أتنام في ساعة يقسم الله تعالى فيها الرزق بين العباد؟ أو ما سمعت ما قالت العرب: "إنها مكسلة مهزلة منسية للحاجة"[20]، وكما قلنا أنه نومة الخرق أي قليلوا الحيلة.
وجاء العلم الحديث وأثبت أن أعلى نسبة لغاز الأوزون تكون عند الفجر وهذه النسبة تقل وتنتهي عند طلوع الشمس، فهذا الغاز ينشط الجهاز العصبي فمن استيقظ بعد الشمس شعر طوال اليوم بانهيار القوى والكسل، وكذلك أثبت العلم الحديث أن نسبة الأشعة فوق البنفسجية تكون أكبر عند الشروق فهي مفيدة للجلد وهشاشة العظام، فالاستيقاظ مبكرًا يمنع الأعراض السابقة الذكر من بطء في دقات القلب وسريان الدم بالشرايين وترسيب المواد الدهنية على جدار الشرايين، مما يسبب الذبحة الصدرية وغيرها[21].
ويرى الدكتور الراوي أن ريح الصبا التي تهب في ساعات الفجر لها تأثير لطيف يحس به الإنسان ويتذوق حلاوته حيث يكون الهواء المشبع بالأوزون، وقد تبين أن لهذا الغاز تأثيرات رائعة على الجملة العصبية والمشاعر النفسية والنشاط العضلي والفكري.
كما أن أروع الإنتاجات الصوتية والتلحين الجميل سجلت وقت الفجر الباكر، وهكذا فإن قارئ القرآن الكريم يحس بقابلية عجيبة وقت الفجر من حيث نقاوة الصوت وصفائه والقدرة على التلحين الجميل هذا عدا عما فيه من خشوع وصفاء، وقد أشار القرآن الكريم إلى سر هذه المعجزة العلمية عند قوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: من الآية78].
ويؤكد عبد الحميد دياب وأحمد فرفور (مع الطب في القرآن) هذه الحقائق عن فوائد الاستيقاظ المبكر، ويضيفا أن هذا الاستيقاظ يقطع النوم الطويل الذي يعرض المسنين للإصابة بالعصيدة الشريانية وخناق الصدر وكثرة حدوث الجلطة القلبية، ويضيفا أن أعلى نسبة للكورتيزون في الدم هي وقت الصباح الباكر حيث تبلغ [7-22 مكروغرام/ 100 مل بلاسما] من الدم، وأخفض نسبة لها تكون في المساء.
ومن المعروف أن الكورتيزون هو الهرمون الهام في البدن والذي يعمل على رفع فعاليات الجسم وتنشيط استقلاباته بشكل عام، ويختم المؤلفان بحثهما بقولهما "وهكذا نجد أن المسلم الملتزم بدينه هو إنسان فريد بالفعل يستيقظ مبكرًا لاستقبال يومه الجديد بهمة ونشاط وحيث تكون إمكاناته الذهنية والعضلية في أعلى مستوى، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج في المجتمع، وإن تعمم هذه الظاهرة في المجتمعات الإسلامية تظهر منها مجتمعات متميزة تدب فيها الحياة منذ مطلع الفجر"[23].
2- النوم بعد العصر:
قال الإمام أحمد: "يكره أن ينام بعد العصر يُخاف على عقله"[24]، وقال بن القيم: "ومن النوم الذي لا ينفع أيضًا: النوم أول الليل عقب غروب الشمس حتى تذهب مخمة العشاء، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه، فهو مكروه شرعًا وطبعًا"، وقال أيضًا: "نوم النهار ردئ يورث الأمراض الرطوبية والنوازل، ويفسد اللون، ويورث الطحال، ويرخي العصب، ويكسل ويضعف الشهوة، إلا في الصيف وقت الهاجرة".
أردأ النوم: نوم أول النهار، وأردأ منه: النوم أخره بعد العصر، قال بعض السلف: "من نام بعد العصر، فاختلس عقله، فلا يلومن إلا نفسه"، ونوم آخر النهار هو نوم الحمق، كما ورد في الأثر.
ما سبق هو أنفع وأصح النوم للبدن وللعبادة، ومخالفة ذلك فيه تربص لضياع ثواب الاتباع والامتثال للشرع، كما أنه يعرض بذلك البدن للأسقام والأوجاع، وأيضًا في الزيادة أو النقصان عن هذا المعدل الذى سقناه مخالفة، وتعريض الجسد كذلك للعلل والأسقام.
وإليك بعض الآثار الواردة في ذم كثرة النوم، وقلته عن المعدل السابق.
النهى عن كثرة النوم:
وقال في شرح أوراد أبي داود: "وأما كثرة النوم فله آفات: منها أنه دليل على الفسولة والضعف وعدم الذكاء والفطنة، سبب للكسل وعادة العجز وتضييع العمر في غير نفع وقساوة القلب وغفلته وموته، والشاهد على هذا ما يعلم ضرورة ويوجد مشاهده وينقل متواترًا من كلام الأمم والحكماء السالفين وأشعار العرب وصحيح الأحاديث وآثار السلف والخلف، مما يحتاج إلى الاستشهاد عليه اختصارًا أو اقتصارًا على شهرته"[25].
عن جابر رضي الله عنه قال: سأل رجل رسول الله صل الله عليه وسلم أينام أهل الجنة؟ قال: «النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة»[26].
وقد وبَّخ رسول الله صل الله عليه وسلم الرجل الذى نام حتى أصبح وقال: «ذاك رجل بال الشيطان في أُذنيه»، وكذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الامام علي وفاطمة رضوان الله عليهم [27].
وعن جابر رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قالت أم سليمان بن داود لسليمان عليه السلام: يا سليمان لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تترك العبد فقيرًا يوم القيامة»[28].
وقال لقمان لابنه: "يا بني إياك وكثرة النوم والكسل والضجر، فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا وإذا ضجرت لم تصبر على حق، وقال الحسن: "يصبح المؤمن حزينًا ويمسي حزينًا، وينقلب في النوم ويكفيه ما يكفي العنيزة"[29]، وقال الفضيل: "خصلتان تقسيان القلب، كثرة النوم وكثرة الأكل"[30]، وكان الحسن بن صالح يقول: "إني لأستحي من الله أن أنام تكلفًا حتى يكون النوم هو الذى يصرعني، وكان يقال له حية الوادي".
والنوم الزائد عن تسع ساعات لمتوسطي العمر يسبب خمول الذاكرة وتراجعًا، كما يؤدي عدم النوم أو النوم الطويل إلى آثار سلبية على الذاكرة منها:
1- الفقدان التدريجي للذاكرة حيث يفقد الإنسان جزءًا بعد جزء من استرجاع المعلومة أو الحدث.
2- فقدان الذاكرة لفترة زمنية معينة حيث يعاني الشخص من فقد أجزاء من الذكريات التي قد حدثت في فترة زمنية معينة، رغم أنه قد يكون قادرًا على تذكر الأحداث التي سبقتها أو تذكر الأحداث التي حدثت بعدها.
3- فقدان الذاكرة للحدث أو المعلومة الجديدة حيث يفقد الإنسان جزء من قدرته على استعادة الأحداث التي حدثت في وقت قريب، رغم أنه قادر على أن يتذكر ويسترجع الأحداث القديمة[31].
مدافعة النوم:
مدافعة النوم تورث الآفات، واليقظة أفضل من النوم لمن يقظته طاعة، ولا ينبغي مدافعة النوم كثيرًا أو إدمان السهر، فإن مدافعة النوم وهجره مورث لآفات أخرى من سوء المزاج ويبسه وانحراف النفس وقلة الفهم وعدم القدرة على العمل، وتورث أمراض متلفة.
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عدم مدافعة النوم، بل كان إذا غلبه النعاس نام صلى الله عليه وسلم، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها في وصف قيام رسول الله عليه وسلم في الحديث الطويل: "وكان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة، ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة واحدة ولا صلى ليلة حتى الصبح ولا صام شهرًا كاملًا غير رمضان"[32].
وروت السيدة عائشة رضي الله عنها أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا نعس أحدكم في صلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسُب نفسه»[33].
وقد جعل الإمام مسلم في صحيحه بابًا كاملًا بعنوان (أمر من نعس في صلاته أو أستعجم عليه القرآن أو الذكر بأن يرقد أو يقعد حتى يذهب عنه ذلك)، ولو كان في مدافعة النوم والسهر خيرًا لسبقنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البخاري [771]، ومسلم [647].
[2] رواه بن ماجه، وصححه الألباني في سنن بن ماجه [2435].
[3] رواه أحمد، والترمذي، وقال الألباني حسن صحيح، وله شاهد عن عائشة مرفوعًا بلفظ: «لا سمر إلا لثلاثة مصل أو مسافر أو عروس» وإسناده حسن، أنظر (السلسلة الصحيحة) [2435].
[4] رواه الترمذي، وأحمد، وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني في (الصحيحة) [2781].
[5] رواه البخاري [1144]، ومسلم [774].
[6] رواه البخاري [1127]، ومسلم [775].
[7] على فؤاد مخيمر، مجلة التبيان، العدد السبعون[38-39].
[8] رواه البخاري [1133]، ومسلم [1318].
[9] رواه البخاري [1146]، ومسلم [739].
[10] رواه البخاري [1151]، ومسلم [785].
[11] رواه البخاري [3420]، ومسلم [1159].
[12] (إحياء علوم الدين) [ج1] [ص469].
[13] رواه الألباني في (الصحيحة) [1647]، وأخرجه أبو نعيم في (الحلية)، والطبراني في (الأوسط)، وقال الألباني إسناده حسن.
[14] رواه البخاري [4135]، ورواه الترمذي، وأحمد.
[15] رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وقال الألباني في (الترغيب والترهيب) صحيح لغيره [1693].
[16] رواه أحمد، وابن ماجه، وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجة) [2238].
[17] أورده بن القيم في (زاد الميعاد).
[18] (مدارج السالكين) [ج1] [ص324].
[19] (زاد المعاد) [ج2] [ص208].
[20] (المستطرف في كل فن مستظرف، [ص496].
[21] على فؤاد مخيمر، مرجع سابق.
[22] (روائع الطب الإسلامي) [51].
[23] نفس المرجع السابق [ص52].
[24] (غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب) [2/278].
[25] (غذاء الألباب في شرح منظومة الألباب) [2/278].
[26] البيهقي في (شعب الإيمان)، والطبراني في (الأوسط)، وصححه الألباني في الصحيحة [1087].
[27] كل ذلك قد سبق تخريجه.
[28] (المعجم الصغير) للطبراني، والبيهقي في (شعب الإيمان)، وابن أبي الدنيا في (التهجد)، والألباني [8501 ] في (الضعيفة).
[29] (شعب الإيمان) للبيهقي.
[30] (الزهد الكبير) للبيهقي.
[31] (كيف تقوي ذاكرتك وتتغلب على النسيان) [ص 38].
[32] رواه مسلم [746]، والبخاري [1971].
[33] رواه البخاري [212]، ومسلم [786].
- التصنيف:
Wasem Gamal
منذNore Aleman
منذ