رفض الظلم

منذ 2014-03-08

هذا بيان وإيضاح مختصر عن حلف الفضول أحببت الكتابة عنه وعن بعض الفوائد التي يمكن أن يستفيد منها المسلم الذي يريد أن يلتزم بها من أراد اتباع شرع الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه والالتزام بسنة الرسول الفعلية كما التزم بالسنة القولية...

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فهذا بيان وإيضاح مختصر عن حلف الفضول أحببت الكتابة عنه وعن بعض الفوائد التي يمكن أن يستفيد منها المسلم الذي يريد أن يلتزم بها من أراد اتباع شرع الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه والالتزام بسنة الرسول الفعلية كما التزم بالسنة القولية، وليدرك الجميع أنه يجب على الجميع رفض الظلم والتعاون على رفعه عن من وقع عليه مهما بلغت قوة الظالم وجبروته، وأنه لا يجوز شرعاً السكوت عن الظلم أو تسويغه بأي حال من الأحوال سواء كان الساكت عن هذا الظلم عالم أو عامي أو متعلم أو جاهل، وليدرك المتقاعسون عن رفع الظلم عن المظلومين أنهم في تقاعسهم عن هذا الواجب آثمون وأن الله سيعاقبهم على ذلك إن في الحياة الدنيا أو في الآخرة يوم يبعث الله الخلائق.

ورفع الظلم ليس حقاً خالصاً لله بل كما أنه حق لله فهو حق للظالم بوجوب نهيه ومنعه من الظلم، وحق للمظلوم بوجوب مساعدته لرفع الظلم عنه ولذلك أوجب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في قوله: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما» (البخاري: 2443)، ومعنى هذا أن وجوب منع الظلم ورفعه يجتمع فيه الحقان حق الله وحق عباد الله فإذا تفضل الله عز وجل بعفوه عن حقه فهل سيعفو خلق الله عن حقوقهم!

وهذا تنبيه مهم لأولئك الذين يؤثرون السلامة والخوف من تخويف الشيطان على القيام بما أو جبه الله وأوجبه رسوله صلى الله عليه وسلم ويزعمون أن هذا مما لا تستطيعه أنفسهم والله لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ونسي هؤلاء أن الله لا يكلف بمستحيل فلو كان نصر المظلوم مستحيلاً لما أو جبه الله عز وجل. كما ينبغي أن يدرك عموم المسلمين أن فكرة أو قاعدة: (من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه)، أو: (ابعد عن الشر وغني له)، أو غيرها من الأمثال الذي صنعها المستعمر وجنوده العملاء ونماها المستبد في استمراء الظلم على النفس أو على الغير فهذا مما نشر بين الناس من أجل استمرار الظلم من المستبدين وأعوانهم، وتحمل المظلومين له وتقاعس المصلحين عن التعاون في منعه قبل وقوعه، ورفعه بعد وقوعه.

وبين يدينا نصاً يوضح بجلاء ما أسلفنا الحديث عنه، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت، تحالفوا أن يردوا الفضول على أهلها وألا يعز ظالم مظلوماً» (قال الألباني في فقه السيرة: "سند صحيح لولا أنه مرسل. ولكن له شواهد تقويه وأخرجه الإمام أحمد مرفوعاً دون قوله، لو دعيت به في الإسلام لأحببت وسنده صحيح). ومن المعروف لكل مطلع أن سبب عقد هذا الحلف المسمى (حلف الفضول) إنما هو من أجل منع الظالم من إيقاع الظلم ونصرة المظلوم على الظالم. ولقد كانت البداية في إيجاد هذا الحلف عندما بادر الزبير بن عبد المطلب بالمناداة به لنصرة رجل من اليمن باع سلعة على العاص بن وائل الذي اشتراها منه ولم يعطه ثمنها. وأصل حلف الفضول أن ثلاثة رجال من أهل مكة، وهم: الفضل بن فضالة الجرهمي، والفضل بن الحارث الجرهمي، والفضل بن وداعة القطوريّ، اتفقوا على أن يتحالفوا على أن لا يُقرّ بمكّة ظالم. وقالوا: لا ينبغي إلا ذلك؛ لما عظّم الله من حق مكة. فسمّي حلفهم: (حلف الفضول) وهو جمع أسمائهم، لأن اسم الفضل يجمع على الفضول، قال عمرو الجرهمي:

إنَّ الفضول تحالفوا وتعاقدوا *** ألا يُقرّ ببطن مكة ظالمُ
أمرٌ عليه تعاهدوا وتواثقوا *** فالجارُ والمعترُّ فيهم سالمُ


وقيل: "إنَّ هذا الحلف سمّي (حلف الفضول)؛ لأنّ القائمين به تحالفوا على أن يردّوا الفضول -أي المظالم- إلى أهلها، ولا يُقَرَّ ظلم على مظلوم، ما بلّ بحرٌ صوفه، وما رسا ثَبير وحِرَاء مكانيهما، ومهما كان سبب التسمية بذلك فإن الظاهر أنّ الحلف الذي بادر به عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن عبد المطلب، إنما سمّي حلف الفضول لشبهه بذلك الحلف السابق، وقد تكوَّن هذا الحلف في شهر ذي القعدة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعشرين سنة وقد حضره صلى الله عليه وسلم مع أعمامه، وأما السبب المباشر الذي شجع الزبير بن عبد المطلب على إيجاد هذا الحلف، فهو قدوم رجل من زبيد من اليمن ببضاعة إلى مكة فاشتراها منه العاص بن وائل السَّهميُّ، وكان العاص من أهل المنعة الشرف والجاه بمكة، مما أغراه بحبس حق الزبيدي عنه، فاستعدى عليه الزبيديُّ مجموعة من الأحلاف من بني عبد الدار ومخزوم، وجمح، وسهم، وعدِّي بن كعب، فأبوا أن يعينوه عليه وتهيبوا ذلك، وانتهروا الزبيدي وعنفوه. فلمّا رأى الزبيديُّ الشرَّ، صعد على جبل أبي قُبيس عند طلوع الشمس، وأشراف قريش في أنديتهم حول الكعبة، فنادي بأعلى صوته:
 

يا آل فِهرٍ لمظلومٍ بضاعته *** ببطن مكة نائي الدار والنفر
ومحرمٍ أشعثٍ لم يقضِ عمرتَه *** يا لَلرجالِ وبينَ الحِجر والحَجر
إنَّ الحرامَ لَمن تمّت مكارمُه *** ولا حرامَ لثوبِ الفاجرِ الغَدِرِ


وكان من المعروف أن الزبير بن عبد المطلب يكره الظلم، ويرى أنه جرم كبير، لا بدّ وأن ينال فاعله مغبّته. وقد روي أنه قيل له يوماً: لقد مات فلان يعنون رجلاً من قريش وكان ظلوماً غشوماً. فقال: بأي عقوبة مات؟ قالوا: مات حتف أنفه. ففكر قليلاً، ثمّ قال: لئن كان ما قلتموه حقّاَ فإن للناس معاداً، يؤخذ فيه للمظلوم من الظالم. فلما سمع الزبير الزبيدي قام فوراً في الأمر، واجتمع إليه بنو هاشم، وبنو زهرة، وبنو عبد العزى، فاجتمعوا في دار الندوة واتّفقوا على أن ينصفوا المظلوم من الظالم، ثم خرجوا من دار الندوة وساروا إلى عبد الله بن جدعان التيميّ، سيد قومه وكريمهم وعظيمهم، فتعاهدوا وتعاقدوا بالله المنتقم، ليكونُنّ يداً واحدة مع المظلوم على الظالم، حتى يؤدوا إليه حقّه، شريفاً كان أو وضيعاً، ما بلّ بحرٌ صوفه، وما رسا ثَبِير وحِرَاء مكانيهما.

وكان معهم في ذلك الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه بالإسلام: «لقد شهدت في دار ابن جدعان حلفاً، ما أحبُّ أن لي به حُمرَ النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت» أي لو قال قائل في الإسلام: يا آل حلف الفضول لأجبت؛ لأنَّ الإسلام إنّما جاء لإقامة الحق ونصرة المظلوم. وقد قال أمير المؤمنين في وصيته لولديه: "وكونا للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً". فلما تمّ الحلف، ذهب أهله وفي طليعتهم الزبير إلى العاص ابن وائل السهمي، فاستخلصوا حق الزبيري منه، وقد قال الزبير بن عبد المطلب عن ذلك الحلف:
 

حلفت لنعقدن حلفاً عليهم *** وإن كنا جميعاً أهل دار
نسميه الفضول إذا عقدنا *** يعز به الغريب لدى الجوار
ويعلم مَنْ حوالي البيت أنّا *** أباة الضيم نهجر كل عار


وروى ابن هشام في تاريخه: أن هذا الحلف المسمى (حلف الفضول) استمر أثره والعمل به في المدينة إلى عهد الدولة الأموية حيث كاد أن ينادي الحسين بن علي بالحلف ذاته لينتصر ويأخذ حقه في منازعة مالية حصلت بينه وبين الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان الوليد في ذلك الوقت أميراً على المدينة، وقد أقسم على إجابته إن نادى به عدد من الصحابة والتابعين منهم الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه.

هذا الحديث عن حلف الفضول إنما هو لبيان وجوب رفع الظلم عن عموم المظلومين سواء كانوا مسلمين أو كفار، بل إن الأصل فيه أنه كان لرفع الظلم عن كفار ومع ذلك قال خير البرية: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً لو دعيت به في الإسلام لأجبت». وكان أصل الحلف قبل الإسلام، ومع ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو دعيت به في الإسلام لأجبت» فإذا كان النبي سيجيب به وهو حلف مع كفار ولنصرة كافر، فإنه إذا كان مع مسلمين ولنصرة مسلمين، فهو أوجب وأولى.

إن هذا الحلف الذي نتحدث عنه كان مجرد مبادرة من حر تحركت دماء الحرية في عروق جسده، فوجد هذا الحلف، ورفع به الظلم، واستمر معمولاً به أكثر من مائة سنة، وهكذا هم الأحرار الشرفاء في الجاهلية والإسلام لا يرضون بالذل والمهانة أبدا، لا عليهم ولا على غيرهم.

ولا يقيم على ضيم أريد به *** إلا الأذلان حمار الحي والوتد


ولعله مما لا يخفى على مطلع ومتابع أن جميع الناس المؤثرين الذين غيروا في التاريخ ووضعوا بصماتهم عليه كانوا مجرد أصحاب فكرة ومبادرة، وأولئك هم الذين أبقوا لهم أثار مميزة ولذلك حري بك أخي المسلم أن تبادر لتبني فكرة رفع الظلم عن إخوانك المظلومين ولا أظنك أقل همة ومبادرة من أولئك الذين فكروا بأفكار ضالة ومبادئ هدامة ومع ذلك تبنوها وعملوا عليها حتى انتشرت واعتنقها كثير من الناس مثل البعثية والشيوعية والنازية وغيرها. فهل تعجز أخي المسلم عن إيجاد فكرة إصلاحية إسلامية معززة للأخلاق الشرعية.

أهم الفوائد المستفادة من هذه القصة وهذا الحديث:
1- أن الاتفاق والاجتماع من أجل إبراز المعاني السامية والأخلاق الرفيعة من السنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أن التعاون والتكاتف في العمل على رفع الظلم قديم جداً وكان العرب يفتخرون فيه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم.
3- إذا كانت محاولة رفع الظلم في الجاهلية قبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن ذلك واجباً على الناس فإن رفع الظلم بعد الإسلام من أوجب الواجبات خاصة مع تحريم الله للظلم على نفسه وعلى الناس.
4- أن العمل على رفع الظلم عن من وقع عليه تنفيذ لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وأنه لا يعتبر ذلك من التدخل في شؤون الناس الخاصة كما يحاول بعض المتمصلحين من بقاء الظلم في المجتمعات.
5- أنه لا يمكن للظلمة الاعتداء على حقوق الناس وافتراس أعراضهم ولا أموالهم إلا عندما يتفرقون ويتشرذمون فيسهل افتراسهم والتلاعب بهم.
6- أن وجود مؤسسات المجتمع المدني التي تطالب بحقوق الناس وتحافظ على مكتسباتهم سبب من أسباب رد الظلم ودفعه ورفعه عن من وقع عليه.
7- أن في الاتحاد والاجتماع في مؤسسات وجمعيات أهلية قوة ومنعة للناس من وقوع الظلم عليهم، وفي التفرق والتشرذم ضعفاً وغلبة للظالم على المظلوم.

فليتق الله طلبة العلم الشرعي وعقلاء المجتمعات الإسلامية وليقفوا وقفة صادقة في وجه الظالمين والمعتدين على حقوق الناس وليأطروهم على العدل والحق وليمنعوهم من التعدي والظلم.

وبعد أن أدركنا ما سبق هل يعي عقلاء المجتمعات سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويتبنوا العمل بها حتى ولو خالف العمل بها أهواء ورغبات الظلمة والمعتدين في كل مجتمع من المجتمعات ويتحروا مثل هذه الوقائع التاريخية فيتلمسوا الفوائد الشرعية والاجتماعية منها. أم نجد من يحرف النص ويخرج الواقعة على غير ما هي عليه لإرضاء ظالم أو مجاملة معتدي ويخافون من الناس أكثر من خوفهم من الله الذي يطلع على السرائر وما تخفي الصدور. 

 

عبد الكريم الخضر

  • 12
  • 1
  • 39,689

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً