منافذ الشيطان

منذ 2014-03-14

جاء الحثُّ على الذِّكر والتِّلاوة في الكِتاب والسُّنَّة، قال الله جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب من الآية:35]، وقال عليه الصلاة والسلام: «سبق المُفرِّدُون الذَّاكرُون الله كثيراً والذَّاكِرات» (رواه مسلم)

جاء الحثُّ على الذِّكر والتِّلاوة في الكِتاب والسُّنَّة، قال الله جل وعلا: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب من الآية:35]، وقال عليه الصلاة والسلام: «سبق المُفرِّدُون الذَّاكرُون الله كثيراً والذَّاكِرات» (رواه مسلم)، وجاء التَّرغيب بتلاوة القُرآن، ففي كل حرفٍ من القُرآن عشر حسنات، عِبادات أُجُورها لا يُمكن أنْ يُحاطُ بها مِمَّن لا تنفد خزائِنهُ، ومع ذلك لا تُكلِّفُ شيئاً، والمحرُوم لا تنفعُهُ مثل هذه النُّصُوص من كَتَب الله عليه هذا الحرمان؛ لأنَّ الله جل وعلا قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45]، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [القمر:17]، {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر} ليس كل النَّاس. 

ولذلك تجِد بعضُ النَّاس يصعُبُ عليهِ أنْ يَفتح المُصحف، وتَجِدُهُ حافِظ ومع ذلك لا يقرأ، ولاشكَّ أنَّ هذا حِرمان، وبكلِّ حرف عشر حسنات، والختمة الواحدة بأكثر من ثلاثة ملايين حسنة، يعني الجُزء الواحد الذِّي يُقرأ بربع ساعة مائة ألف حسنة، وهذا أمرٌ في غاية اليُسر مِصداقاً لقول الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}؛ يعني الإنسان إذا جَلَس بعد صلاة الصُّبح ينتظر الشَّمس إلى أنْ ترتفع بإمكانِهِ أنْ يقرأ القرآن في سبع وهو مرتاح، وهذا لا يعُوقُهُ عن شيءٍ من أعمالِهِ؛ لكنْ هذا الأمر يحتاج إلى شيءٍ من المُجاهدة، ثُمَّ بعد ذلك التَّلذُّذ كغيرهِ من العِبادات، وإلا فالأصل أنَّ هذه العبادات تكاليف، ومِمَّا حُفَّت بِهِ الجنَّة، والجنَّةُ حُفَّت بالمكاره، يعني خلاف ما تشتهيهِ النُّفُوس، فإذا جاهد نفسهُ، وعَلِم اللهُ جل وعلا صِدْقَ الرَّغبة والنِّيَّة، أعانهُ حتَّى تلذَّذ بذلك. 

وأُثِر عن السَّلف أنَّهُم كابدُوا قيام اللَّيل، وما أشق قيام الليل على من لم يعتاد، تَجِدُهُ مُستعد يجلس في القيل والقال إلى قُرب الفجر، ثُمَّ بعد ذلك صِرَاع مع نفسِهِ، هل يُوتر بركعة أو يقول: الوِتر سُنَّة، ولِئَلاَّ يُشبَّه بالفرائض نترُكُهُ أحياناً، هذا شيءٌ مُجرَّب، وما كُرِه السَّهر والحديث بعد صلاة العِشَاء إلاَّ لهذا الأمر؛ لأنَّهُ يعُوق عن ذكر الله وعن الصَّلاة؛ لأنَّهُ على حِسَاب الذِّكر، فإذا صلَّى العِشَاء ونام، نامَ على خير، الصَّلاة كفَّرت ذُنُوبُه، الصَّلوات الخمس كفَّارات لما بينهُما ما لم تُغشَ كبيرة، تنام على ذنُوبٍ مُكفَّرة، ولذا كان ابنُ عُمر إذا تحدَّث بعد صلاة العِشَاء صلَّى قبل أنْ ينام، لينام على صلاة.

هذا الحديث في القيل والقال لاشكَّ أنَّهُ يعُوق صاحبهُ عن الذِّكر والتَّلاوة، ولذا نرى مع قولِهِ عليه الصلاة والسلام: «من حجَّ فلم يرفُث ولم يَفْسُق رجع من ذُنُوبِهِ كيوم ولدتهُ أُمُّه» (رواه البخاري ومسلم)، بعض النَّاس يقول: الحج أربعة أيَّام بالإمكان أنْ تُضبط النَّفس، ولا يتكلَّم بكلمة؛ لكنْ إذا كان قد عوَّد نفسه على القِيل والقال، يستطيع أنْ يَملك نفسهُ الثلاثة الأيام؟ وبعض النَّاس يُجاور في العشر الأواخر، ويجلس من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام، فالمُتوقِّع أنَّهُ ترك أهلهُ وترك أموالهُ، وجاور في هذه البُقعة طلباً للثَّواب والإكثار من العِبادات، تجِدُهُ يفتح المُصحف إذا صلَّى العصر، ثُمَّ إذا قرأ صفحة أخذَ يلتفتُ يميناً وشمالاً لأنَّهُ ما تعوَّد على الله في الرَّخاء ليعرِفْهُ في الشِّدَّة، ثُمَّ بعد ذلك إنْ رأى أحداً مِمَّنْ يعرِفُهُ وإلاّ أطبق المُصحف، ثُمَّ يُؤنِّبُهُ ضميرهُ، لماذا أنا جئت، ويفتح المُصحف مرَّة ثانية، ثُمَّ يقوم من مكانِهِ يبحث عمَّن يُبادِلُهُ الحديث، وتجد بعض النَّاس نظرُهُ في السَّاعة خشية أنْ يُؤَذِّنْ المغرب قبل أنْ يُتِمَّ حِزْبُهُ، هذا تعوَّد في حال الرَّخاء، واللهُ جل وعلايقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل:4].

الذِّكر من أفضل العِبادات، وذكر ابن القيم فوائد عظيمة جدًّا في مُقدِّمة الوابل الصَّيِّب، وهو لا يُكلِّفُ شيئاً، «من قال: سُبحان الله وبحمده مئة مرَّة حُطَّت عنهُ خطاياهُ وإنْ كانت مثل زبد البحر» (متفق عليه)، يعني هذه تُقال بدقيقة ونصف، ومن قال: «لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ، لهُ المُلك ولهُ الحمد وهو على كلِّ شيءٍ قدير كمن أعتق أربعةً من ولد إسماعيل»، والمائة عشرة من ولد إسماعيل، مع ما فيها من حِرز، ورفع درجات، وحط سيئات، ولا إله إلا الله وحدهُ لا شريك لهُ.... إلى آخِرِه (متفق عليه)، مئة مرة بعشر دقائق.

والاستغفار شأنُهُ عظيم وجاءَ التَّنصيصُ عليه بالكتاب وصحيح السُّنَّة، والإنسان تجدُهُ إمّا بالقيل والقال أو بالسُّكُوت رغم أنَّ هذا شيء لا يُكلِّفُ شيئاً؛ لكنْ على الإنسان أنْ يُريَ الله جل وعلا من نفسِهِ خيراً، ويعزم، ويترك أو يسد منافذ الشيطان إلى قلبِهِ، ليُوفَّق لمثل هذه الأعمال.

عبد الكريم بن عبد الله الخضير

عضو هيئة التدريس في قسم السنة وعلومها في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض وحاليا عضو هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

  • 15
  • 1
  • 3,756

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً