تأمُّلات في واقعِ حاضر وحلم بوحدة أمة

منذ 2014-03-20

إن الدعوة إلى الله شيء سامي؛ لأن الدعوة إلى الله مصلحة أُخروية لمن يبغي الدار الآخرة، ولا يجب الخلط بينها وبين منصب أو كرسي زائل مسموم يسجن من يجلس عليه مخافة ضياعه.

أبدأ تأملاتي بقول الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52]، عندما أنظر في تلك الآية أجدها تتكلم عن وجوب وحدة الأمة وترابطها وعدم تفريقها وتشتيتها مهما كانت الأهداف حيث أن القوة دائما مع الأمة الواحدة، وإذا نظرنا للإسلام كيف انتشر فنجده انتشر من خلال الوحدة وعدم التنازع والشقاق، حيث تألفت القلوب وتآخت فيما بينها وكان أول شيء فعله الحبيب بعد الهجرة إلى المدينة؛ أنه صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، فلم يكن هناك من يقول لأخيه أنت مهاجر غريب وأنا من نصرك وآويتك، ولم يقل المهاجر أنا من أُذيت وتركت وطني ومالي وأهلي من أجل أن أفر بديني وأنت آمن في وطنك ومالك أو ما شابه ولم يرى أحد منهم أنه أعظم أجر من الآخر.

بالعكس كان كل منهم ينصح لأخيه ويساعده ويأخذ على يديه دون خصام أو شقاق ليأخذ بيده إلى الطريق القويم فتحولت الأمة في غضون بضع سنوات إلى أمة قوية يُشار لها بالبنان بل ويقوم لها ألف حساب ومن خلال تلك الوحدة كانت الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في كل بقاع الأرض

وظلت الأمة الإسلامية على هذا العهد من الوحدة وعدم التفرق مما جعلها أمة قوية تقهر الأعداء أما الآن في واقعنا الحالي فقد أصبحت الأمة متفرقة ومتناحرة وأصبح الدم مستباحا أينما حللنا، وكل هذا بسبب تفرقنا وتكييل الاتهامات لبعضنا البعض وكل منا يرى أنه على الحق، وكأن أمة الإسلام والإسلام نفسه انحصر في كل مجموعة ترى نفسها محقة، ومن لا ينتمي لتلك المجموعة فهو ليس من أمة الحبيب بل أن بعضهم يسمون من لا ينتمي لهم بالمتأسلم وكل جماعة تفرح بما لديها وتدافع عنه بكل ما أُوتيت من قوة مما يتسبب في شق صف المسلمين.

وقد نهانا الله عن ذلك وقال في كل من يفرق نفسه عن الأمة لرسوله الكريم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [الأنعام:159]، وقال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:32].

ومعنى {شِيَعًا} أي جماعات كل جماعة تتحد على رأي واحد وتتعاون على فعله مهما كلفها الأمر، ولذلك فإن بعض هذه الجماعات التي رأت أنها على حق تأخذ البيعة ممن ينتمي لها على السمع والطاعة وعدم الخروج عليها أو إفشاء أسرارها؛ وإلا كان مرتدًا في نظرهم وهم فرحون بما هم عليه ونسوا أن السمع والطاعة لله وحده ولرسوله، والمرتد الوحيد في الإسلام هو من كفر بعد إسلامه وخلع نفسه من شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونسى كل من رأى أنه على شيء أنهم بشرًا يصيبون ويخطئون.

ونسوا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في من يفترق إلى جماعات ويفرق بينه وبين بقية الأمة؛ أنه مع الفئة الهالكة لأنهم أحدثوا في دينهم ما لم يكن على عهد الحبيب والصحابة حيث قال عليه الصلاة والسلام: «تفترقُ أمَّتي على ثلاثٍ وسبعينَ فرقة كلُّهُم في النَّارِ إلَّا واحدةٌ»، قيل: يا رسولَ اللَّهِ! ومَن هيَ؟ قال: «من كان على مثلِ ما أنا عليه اليومُ وأصحابي» (مجموع فتاوى ابن تيمية)

وقد وصفهم صلى الله عليه وسلم لحذيفة بن اليمان فقال: «هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا»، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (صحيح البخاري)

فكيف ننسى آيات الله عن الأمة الواحدة ونظن أننا على الصراط القويم؟

وكيف ننسى توجيهات وأحاديث رسوله عن عدم التفرق ونظن أننا على الطريق القويم؟

أليس فينا رجلٌ رشيد ينبهنا أن الإسلام ينحصر في البيعة لله وحده ولرسوله والسمع والطاعة لما جاء به الله في كتابه العزيز ولما جاء في سنة رسوله الكريم؟!

وللأسف كان هناك في عهد الخلفاء الراشدين من رأوا أنهم فئة مسلمة وأعلى من بقية المسلمين فرفعوا المصاحف في وجه علي رضي الله عنه وقالوا: "لا حكم إلا حكم الله"، فقال علي رضي الله عنه: "قولة حق يُراد بها باطل" فهل كان علي رضي الله عنه لا يحكم بما أنزل الله ليقولوا له هذا؟! وهذا في عهد الإسلام القوي تظهر تلك الفئات فما بالنا بمن ظهروا في عصرنا الحديث ولكن من يفعل هذا على مر العصور أثبت أنه لا يبغي سوى الحكم والسلطان ومستعد لتفريق الأمة من أجل ذلك.

إن الدعوة إلى الله شيء سامي؛ لأن الدعوة إلى الله مصلحة أُخروية لمن يبغي الدار الآخرة، ولا يجب الخلط بينها وبين منصب أو كرسي زائل مسموم يسجن من يجلس عليه مخافة ضياعه.

وإذا نظرنا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه نجده كره تفرق المسلمين في صلاة التراويح؛ مع أنها نافلة وأراد أن يجمع المسلمين على إمامًا واحد.

فقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج ليلة في رمضان إلى المسجد؛ فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: "إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على إمام واحد" وهذه مجرد نافلة، فالإسلام دين الأمة ويجب التجمع تحت لوائه وعدم التفرق أو التحزب حتى نحفظ دمائنا التي حرمها الله  ويجب علينا أن نعمل بقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10].

فإن لم نعود لرشدنا ونكون تلك الأمة الواحدة المتآخية مرة أخرى ولفظنا كل من يريد شق وحدتنا؛ حتى يعود لرشده فهنا تكون الحرب بحق على الإسلام فأكبر أعداء الإسلام هو تفريق الأمة وتناحرها كل يدافع عن ما يريد.

فأسأل الله أن نعود جميعًا فما نراه في الدول الإسلامية وما فيها من شقاق وقتال يعني أن هناك من يعبث بوحدتنا وقوتنا من خلال إسلامنا؛ لأنهم يعلمون مدى حبنا وتمسكنا بقرآننا وسنة نبينا فلا يجب أن نعطيهم تلك الفرصة.

فهيا إلى الاتحاد واتركوا الخلافات والاتهامات جانبًا فأمتنا أحق كي تعود متماسكة متوحدة لا متفرقة متناحرة.

اللهم ردنا إليكِ ردًا جميلًا ووحد صفنا تحت لواء لا إله إلا الله محمد رسول الله.

أسأل الله أن يبلغ عني ما أود ولا أستطيع التعبير عنه بقلمي الضعيف الركيك، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأسأله أن يرزقني شهادة في سبيله وأن يجعل موتي في بلد رسوله صلى الله عليه وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أم سارة

كاتبة إسلامية من فريق عمل موقع طريق الإسلام

  • 7
  • 0
  • 2,788

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً