أجمل حياة

منذ 2014-04-04

ما أجمل أن تكون مجالسنا عامرة بذكر الله.. وما أحلى اللقاء على طاعة الله.. وما أطيب اجتماع الأهل والأقارب والأحبة والأصدقاء على مرضاة الله، وأن يكون التواصل وتكون الزيارات على ما يقرّب إلى الله.

ما أجمل أن تكون مجالسنا عامرة بذكر الله.. وما أحلى اللقاء على طاعة الله.. وما أطيب اجتماع الأهل والأقارب والأحبة والأصدقاء على مرضاة الله، وأن يكون التواصل وتكون الزيارات على ما يقرّب إلى الله.

إنها حياة جميلة.. يوم يلتقي الجميع على مجالس الخير والحب والكرامة، القلوب مفعمة بالحب والصفاء، والألسنة ترسل عبارات اللطف والمودة، تلك هي المجالس المباركة التي يحبها الله ويبارك فيها، إنها مجالس البر والتقوى، مجالس التعاون على الإيمان، قال جل وعلا: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

إنه تعاون المؤمنين فيما بينهم على فِعْل الخير وجميع الطاعات، وهو تعاون أيضا على تقوى الله بترك المعاصي والآثام، وترك التعدي وتجاوز حدود الله، والكف عن دماء الناس وأموالهم وأعراضهم، فكل معصية وظلم يجب على العبد كف نفسه عنه، ثم إعانة غيره على تركه، فإن العبد مأمور بفعل كلِّ خصلة من خصال الخير، سواء بنفسه أو بمعاونة غيره من إخوانه المؤمنين، بكل قول أو فعل يبعث عليها وينشِّط لها، وكذلك الحال في ترك كلِّ خصلة من خصال الشر، سواء بنفسه، أو بمعاونة إخوانه.

إنها مجالس الأنس والتذكير بنعمة الله والتحذير من مخالفة أمر الله، فإن الله شديد العقاب على من عصاه وتجرأ على محارمه، إما بالعقاب العاجل أو الآجل، فما أكرم العبدُ نفسه بمثل طاعة الله، وما أهانها بمثل معصية الله، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بُعثتُ بين يدي الساعة بالسيف، حتى يُعبدَ اللهُ وحده لا شريك له، وجُعِل رزقي تحت ظل رمحي، وجُعِلَ الذلةُ والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم» (رواه أحمد وصححه الألباني).

نعم، الذل والصغار لمن عصى العزيز الجبار، لذا كثيرا ما يُرى العقلاء وقد جانبوا مجالس الفحش والشر والفساد، وسَمَو بأنفسهم عن مجالس الطرب والزمر والعناد، تلك المجالس التي ليس لها قيمة أو هدف، سوى أنها مرتع للشياطين والغفلة والضياع، إن حياتنا ومجالسنا ليس لها قيمة بغير الدين وطاعة رب العالمين، إن القيمة الكريمة في مجالس يحبها الشرفاء والكرماء، وتحفها الملائكة.

فلا بد من استثمار الأوقات والمجالس فيما ينفع المرء في الآخرة، ولو أدى الأمر إلى التضحية بالدنيا من أجل الدين، وخسارة بعض العلاقات من أجل رب البريَّات، فإن العزة والكرامة والنعيم في طاعة الله العزيز الكريم، ولا عزة في الملك أو المال، أو في الشهادات أو العقارات، أو في الجاه والسلطان والعلاقات، بل هي في الإيمان وطاعة الرحمن، وحينها أَنْعِمْ وأَكْرِمْ بالإنسان! {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18].

إن أسوأ حياة يوم أن يصبح المرء ويمسي مع الشيطان، يسير في شوارع الضياع، ويعيش في دهاليز الغفلة والندم، ويتقلب في صحراء الشر والباطل، فإن حياته حينئذ تصبح جحيما لا يطاق.

وإن ثمرات تلك المجالس هو القلق والارتياب، الضحك فيها يعقبه ضيق وضنك، والسرور وراءه هم وكدر.
أمّا فارس تلك المجالس فإنه -وإن كان يملك قلبا وجوارح؛ لكنها معطلة عن الخير والنور- قد حادت أقدامه عن طريق الرشد إلى الغواية، ومالت أركانه عن سبيل الهدى إلى سبل الردى، من أجل مصالح مادية، أو شهوات وقتية، لذا فهو لا يرى الصالحين، ولا يعرف سبيل المؤمنين، بل يبحث عن رفقة السوء والضلال، قد وهبه الرحمن جل جلاله العقل والجسم والصحة والعافية، ثم ها هو يبارز الجبار بالغفلة والذنوب، يأكل من الخيرات ويبحث عن المحرمات، يتقلب في نعم الله وفضله، ثم يشكر غير الله، حياته وهمه بطنه وشهواته، يعشق الملذات، ويتفنن في إضاعة الأوقات، بطنه مقبرة لكل ما لذَّ وطاب، لكنه لم يعرف قَدْر الله رب الأرباب، يأكل الأرزاق وينسى الرزاق، ويأكل النعم ولا يشكر المنعم..

أقدامه لا تقوده إلى المساجد، لكنها تقوده إلى المقاهي والملاهي، لديه منطق ولسان لكنه لا يذكر الواحد الديَّان، لم يضع صلاة الفجر في برنامج حياته حتى الآن، إنه لا يقرأ القرآن، ولا يعرف مجالس الخير والإيمان، ولا يوجد في برنامجه صلة أرحام، ولا فعل خير -نسأل الله العافية- قد ضيَّع الصلاة والاتصال بالله، فأصبح وأمسى والشيطان جاثم على قلبه، عاقد على رأسه العُقَد، قد بال في أذنيه، وإذا قام من النوم قام خبيث النفس كسلان، لا سلام ولا ابتسامة، حينها تصبح الحياة كلها قلق وغضب وكدر، وضيق وشقاء وعناء.

أخي رعاك الله: يجب علينا أن نصحح العلاقة مع الله، فإن صحة الحياة بصحة العلاقة مع الله.
أيها الحبيب، أيها العاقل اللبيب: إنها دعوة من القلب إلى العودة الصادقة إلى الله، وإلى موائد الرحمن في كل مكان وزمان، وإن دعوتنا نابعة من محبتنا، إننا نحبك في الله، نحبك من أجل الله الواحد الديَّان، فأنت أيها الإنسان بروحك لا بجسمك، فإيّاك إيّاك أن تهتم وتغذي البدن ثم تهمل الروح.

إن الناس يجتمعون في مجالس متعددة بحثا عن التغيير والخروج عن المألوف، أو لأجل مصالح، أو لإدخال السرور على النفوس، ثمّ عند التأمل تلوح في زوايا تلك النفوس أنفاس فارغة كئيبة؛ من جرّاء أحاديث باهتة، ومعطيات ساخرة، وحصاد المرء حينها التفريط والحسرات وضياع الأوقات.

إن المجالس بغير العبودية لله والدين، مجالس فقيرة المضمون، هزيلة المحتوى تُصيِّر حياة الإنسان إلى جحيم.
لا راحة إلا في الدين، ولا سعادة إلا في طاعة رب العالمين، فلن تسعدنا أموالنا ولا مناصبنا ولا شهواتنا، السعادة والحياة الطيبة والكريمة بطاعة الباري، بالإيمان والعمل الصالح، قال جل وعلا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

الله أكبر! إنها حياة طيبة بسعادة واستقرار، وطمأنينة وراحة بال.
تأمل حياتك إذا أصبحت، وصليت الفجر في جماعة، وذكرت الله وقرأت القرآن، ثم الدعاء وأذكار الصباح، ثم نشرت السلام بين الأهل والزملاء والناس من حولك، ثم الابتسامة والكلمة الطيبة، ستجد صدرك منشرحا، وروحك عالية، والنفس مشرقة تهتف: "أصبحنا وأصبح الملك لله".

ما أطيبك حينئذٍ، إنك في ذمة الله حتى تمسي، ولا يزال عليك من الله حافظ، ولا يضرك الشيطان بإذن الله.
إنها بلا ريب: أطيب وأجمل حياة!
 

 

أنور الداود النبراوي

  • 0
  • 0
  • 2,222

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً