لمحات عن العلاقة بين الرجل والمرأة

منذ 2014-04-07

فهذه السطور محاولة لإلقاء بعض الضوء على موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة، الذي كثر الحديث فيه، وسيستمر الاختلاف حوله ما دام في الحياة رجال ونساء، وما دام الهوى والتحيّز يتغلغلان في نفوس أكثر الذين يخوضون فيه، وأنا أكتب في هذا الموضوع استجابةً لطلب ابنة فاضلة تلقيته منها عبر شبكة الإنترنت، وجّهت لي فيه بعض الأسئلة، تريد (أن يطمئنَّ قلبها) على بعض الأفكار التي تختلج في خاطرها، وأجعل جوابي على شكل نقاط، بعضها في منهج البحث، وبعضها في صلب الموضوع:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه. وبعد:
فهذه السطور محاولة لإلقاء بعض الضوء على موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة، الذي كثر الحديث فيه، وسيستمر الاختلاف حوله ما دام في الحياة رجال ونساء، وما دام الهوى والتحيّز يتغلغلان في نفوس أكثر الذين يخوضون فيه، وأنا أكتب في هذا الموضوع استجابةً لطلب ابنة فاضلة تلقيته منها عبر شبكة الإنترنت، وجّهت لي فيه بعض الأسئلة، تريد (أن يطمئنَّ قلبها) على بعض الأفكار التي تختلج في خاطرها، وأجعل جوابي على شكل نقاط، بعضها في منهج البحث، وبعضها في صلب الموضوع:

أولاً: نستبعد كل حديث نبوي غير صحيح، أما الآيات الكريمة فكلها قطعي الثبوت، ويختلف العلماء في فهم مدلولاتها.
ثانياً: يتصل بهذه النقطة أن هناك فرقاً بين النص الشرعي وبين فهم النص، أعني: هناك فرق شاسع بين (قول) رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين (فهم) إمام من الأئمة أو عالم من العلماء، فالرسول الكريم معصوم وسواه ليس بمعصوم.
ثالثاً: نصوص الشريعة الجزئية تفهم في ضوء مقاصد الشريعة الكلية (مثلاً: من المقاصد الكلية: القاعدة الأساسية التي أرساها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا ضرر ولا ضرار» (صحيح الجامع: 7517)، ففي ضوء هذه القاعدة ينظر إلى العلاقة العامة بين الزوجين وإلى النصوص التي تحكم هذه العلاقة).
رابعاً: إن حسن فهم الكتاب والسنة يحتاج إلى ثلاث أدوات لا بدَّ منها جميعاً -كما يقول أستاذنا مصطفى أحمد الزرقا رحمه الله- وإن النقص في أي واحدة منها يؤدي إلى سوء الفهم وسوء النتائج، هذه الأدوات هي:

1- التعمق في اللغة العربية ومعرفة أساليبها البيانية لأنها لغة الكتاب والسنة.
2- العقل، لأنه هو الميزان الذي ربط الله به التكليف، وعلى قدر سلامته يحاسِب المكلفين، وبه يوازن الإنسان بين الأمور، ويميز الصحيح من الفاسد، ويتجنب التناقض في سلوكه وآرائه.
3- التمكن من فقه الشريعة الذي به يعرف العالم مقاصدها، ويقيس الأمور بأشباهها، ويعرف محامل النصوص، ويميز بين الوسائل والغايات في أحكام الشريعة، ويدرك فقه الأولويات، ويعلم أن الغايات هي الثوابت، وأما الوسائل فإنها غالباً ما تقبل التبدل والتغير بتبدل الأحوال والأزمنة والأمكنة ما حُوفِظَ على الغايات.

خامساً: من المشاهد أن أهل كلّ قُطر ينظرون إلى بعض الأحكام الشرعية من خلال بيئتهم الثقافية أو تقاليدهم الاجتماعية، وهذا النظر يجعلهم يرجِّحون قول مدرسة فقهية على قولِ مدرسة أخرى، واجتهادَ إمام على اجتهاد إمام آخر، وفي موضوع المرأة الذي يدلي بدلوه فيه العالم والجاهل، والمثقف وغير المثقف، تلبس التقاليد والعادات والأعراف لباس الأحكام الشرعية.
سادساً: المرأة في الحياة ليست (زوجة) فقط. إنها: أم، وأخت، وابنة، وعمة، وخالة، وجدَّة... إلخ، ومن الخطأ النظر إليها بحيث تطغى مساحة (الزوجة) فيها على سائر المساحات.

سابعاً: معرفة سبب نزول الآية الكريمة (إن وجد)، وسبب ورود الحديث الشريف يعين كثيراً على فهمهما، وقد يتوقف الفهم على معرفتهما. وإذا وُجِدَ أكثر من نصّ في موضوع ما فيجب جمع النصوص جميعاً (الآيات والأحاديث) وفهم بعضها في ضوء بعض.

ثامناً: حتى تأخذ صورة العلاقة بين الزوج والزوجة أبعادها الصحيحة من غير تشوه يجب مقارنة واجبات المرأة مع واجبات الرجل وحقوقها مع حقوقه، لا أن نضع حقوق الزوج في كفة وواجبات الزوجة في كفة أخرى، فهذا ليس عدلاً.

تاسعاً: هناك عدد من النصوص الشرعية تصرح أو تلمّح إلى ترجيح كفة الإكرام في المعاملة إلى طرف المرأة، أوضحها ما جاء في حق الوالدة فهو أكبر بكثير من حق الوالد، وما جاء من ترغيب في إكرام الأخوات والبنات، مثل قوله عليه الصلاة والسلام: «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، أو بنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة» (الترمذي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 1973). وقوله: «ساووا بين أولادكم في العطية، ولو كنت مفضلاً لفضلت البنات» (الطبراني والبيهقي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع: 3215).

عاشراً: خلق الله سبحانه الرجل والمرأة مختلفين في كثير من الأمور: الفيزيولوجية، والنفسية وغيرها، ولذلك اختلفت حقوق كل منهما وواجباته باختلاف طبيعته واختلاف وظيفته، والاختلاف لا يعني عدم المساواة، إنما يعني عدم التماثل، وقد حدا هذا الاختلاف ببعض المؤلفين أن كتب كتاباً في هذا الموضوع سماه: (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة)؛ كأنه يريد أن يقول: أنهما لشدة الاختلاف بينهما كأنما جاءا من كوكبين مختلفين (جون غراي- الكتاب مترجم إلى العربية).

أحد عشر: ألخص أهمّ ما جاء في رسالة السائلة الفاضلة في النقاط الآتية:
- فصل الدين عما اختلط به من التقاليد في شأن المرأة.
- العدل بين الجنسين في الأحكام الشرعية.
- هل تمحورت الحياة حول آدم عليه السلام فخُلِق أولاً ثم خُلقت حواء من أجله؟
- ترى السائلة أن المرأة في (كل التوصيات تابعة للرجل خاصة كزوجة لزوجها، لا ترقى إلى مستواه).
- حديث (خلق المرأة من ضلع أعوج).
- حديث (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها).
- حديث لعن الملائكة للمرأة التي تمتنع عن فراش زوجها.

اثنا عشر: آتي الآن إلى الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي تتعلق بموضوعنا، وأحاول إلقاء الضوء عليها -على قدر علمي- لعلّ ذلك يزيل بعض الإشكالات التي قامت في نفس السائلة الكريمة:
1- القصد من خلق الذكر والأنثى، والجن والإنس هو عبادة الله، لا أن يكون أحد تابعاً لأحد: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، يستوي في ذلك آدم عليه السلام، وزوجه، وذريته، والأنبياء، والرسل، والملائكة.
2- عدل الله بين الجنسين مطلق، والظلم منتفٍ: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 124]، والنقير: الشيء الطفيف، {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195]، وبعضكم من بعض تفيد المساواة على أي معنىً تمّ حملها (وكلامي هنا موجه لمؤمن بعدل الله وحكمته وليس لمن يشك في عدل الله وحكمته).

3- الذكور والإناث من أصل واحد: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1].
4- جعل الله القوامة للرجل على المرأة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]. القوّام: المبالغ في القيام بالأمر، وهو الذي يعتني بالمرأة ويهتم بحفظها، والقِوامة سببها أن الله تعالى فضّل جنس الرجال على جنس النساء (بصفة عامة) بمزايا منها: العِلم، والقوة الجسدية، وأن منهم الأنبياء والرسل، وقادة الجيوش... إلخ، وليس المراد نفي أن يكون بين آحاد النساء من تتفوق في علمها وفضلها على ألف رجل، فمعاجم سِير النساء حافلة بأسماء المخترِعات، والشاعرات، والعالِمات اللواتي يتفوقن على جماهير الرِّجال.

ومن أسباب التفضيل أن الرجل مكلف بالإنفاق على المرأة، فإن لم يفعل أو أنفقت هي عليه فقد نقص سبب من أسباب قوامته عليها (في بعض الحالات تصبح هي قوَّامةً عليه). ثم بيَّنت الآية أن النساء في هذا الصدد ينقسمن إلى قسمين: صالحات، ومطيعات لله تعالى، يحفظن حق الزوج في غيابه بما حفظ الله، أي: (في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن، حيث أمرهم بالعدل عليهن، وإمساكهن بالمعروف، وإعطائهن أجورهن، فقوله: {بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} يجري مجرى ما يقال: هذا بِذاك، أي هذا في مقابلة ذاك) كما أفاده الإمام الرازي في تفسيره. والقِسم الثاني: المقابل للصالحات (ولم يقل: وغير الصالحات، أو السيئات مكتفياً بهذه الإشارة البليغة) هو الناشزات أو اللاتي يخشى نشوزهن، ونشوز المرأة على زوجها: رفع نفسها عليه، وإهمال حقوقه، وإساءة معاملته... إلخ. {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34].

يقول سيد قطب رحمه الله عند حديثه عن هذه الآية (في ظلال القرآن: 2/653 بتصرف):
"لا بدّ من أن نستحضر في الأذهان ونحن نقرأ هذه الآية تكريم الله سبحانه للإنسان بشطريه وما قرره من حقوق للمرأة يضيق هذا المجال عن الإشارة إليها. لقد شرعت هذه الإجراءات كإجراء وقائي عند خوف النشوز للمبادرة بإصلاح النفوس والأوضاع، لا لزيادة إفساد القلوب، وملئها بالبغض، أو بالمذلة، إنها لسيت معركة بين الرجل والمرأة يراد بها تحطيم رأس المرأة وردّها إلى السلسلة لتربط بها. عندما لا تنفع الموعظة يكون الهجر في المضجع، وللهجر في المضجع أدب معين، فهو في مكان خلوة الزوجين، وليس في مكان ظاهر أمام الأطفال يحسّون فيه تصدع الأسرة، ولا أمام الغرباء يذل الزوجة أو يستثير كرامتها فتزداد نشوزاً فالمقصود العلاج وليس الإذلال. ولكن هذه الخطوة إذا لم تفلح فهل تترك مؤسسة الزواج تتحطم إن كان هناك إجراء يحميها من التحطم" (انتهى النقل بتصرف عن ظلال القرآن).

وقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} للإباحة، وليس للأمر ولا للاستحباب، بل المستحب ألا يفعل بدليل تصريح النبي صلى الله عليه وسلم بأن الذين يضربون نسائهم ليسوا من الخِيار، وبدليل أنه لم يضرب أي واحدة من نسائه، بل منع سيدنا أبا بكر من ضرب ابنته السيدة عائشة عندما رفعت صوتها على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم (أبو داوود: 4999). وخَتمُ الآية الكريمة بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء: 34]، تهديد للرجال بأنهم إذا ظلموا نساءهم فإن الله عليّ كبير ينتقم لهن منهم.

5- قوله تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]، يبيّن أن للمرأة حقوقاً على زوجها مماثلة لحقوقه عليها، وله فوق ذلك درجة القِوامة. وبمناسبة الحديث عن القِوامة تحسن الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من النساء السويات فطرن على الاطمئنان إلى العيش في كنف رجل قوي مكتمل الرجولة يتمتع بحقّ القِوامة ويمنح المرأة مقابله العون والمساندة والحِماية والرعاية المادية والمعنوية والنفسية.

6- ويقرر معنى المساواة أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام في مناسبة أخرى: «إنما النساء شقائق الرجال» (السلسلة الصحيحة: 2863).
7- حديث سجود المرأة لزوجها وردت له عدة روايات، واحدة منها: عن قيس بن سعد رضي الله عنه قال: «أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمَرزبان لهم، فقلت: رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يُسجَد له... فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فمنعه عليه الصلاة والسلام وقال: لو كُنتُ آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من حق» (أبو داوود: 2140). وتعليقي على هذا الحديث يتلخص في همسة واحدة في أذن الأزواج: من هو الزوج الذي أحلّه الدين هذا المحل الرفيع من نفس المرأة؟ أليس الزوج الذي يؤدي واجبه وينصف من نفسه، ويتخلق بالأخلاق التي حثّه الدين على التخلق بها؟ وكذلك حديث الترمذي: «أَيُّمَا امرأةٍ ماتَتْ وزوجُها عنها راضٍ دخَلَتِ الجنةَ» (السلسلة الضعيفة: 1426) لا يعني أن ترضي المرأة زوجها لتدخل الجنة ثم تفعل ما تريد! بل يعني أن إرضاء الزوج له أجر عظيم، وأنه أحد أسباب دخول الجنة، والله أعلم.

8- حديث الصحيحين: «إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشِهِ فأَبَتْ، فبات غضبانَ عليها، لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ» (البخاري: 3237، مسلم: 1436). فقه الحديث يدل على أن المرأة إذا امتنعت عن تلبية رغبة زوجها بدون سبب، فقد ارتكبت ذنباً عظيماً. أما إذا كانت متعبة من العمل، أو من مرض، أو من تغير في الهرمونات، أو متألمة من إساءة زوجها إليها بكلام أو غيره فهي لا تدخل تحت هذا التهديد. يقول عليه الصلاة والسلام: «لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد، ثم يجامعها في آخر اليوم» (البخاري: 5204). وواضح أيضاً من هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج وضعاً اجتماعياً فيه أخطاء يجب إصلاحها..

كما يدل على ذلك حديث أبي داوود: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «لا تضربوا إماء الله» هذه هي القاعدة الأولى. فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذئِرن النساء على أزواجهن (يعني: نشزن، واجترأن، وأسأن)، فرخَّص في ضربهن (فماذا كانت النتيجة؟)، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهنّ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهنّ، ليس أولئك بخياركم» (صحيح أبي داوود: 2146)، وهذه هي القاعدة الثانية: ليس من الخيار من يضرب زوجته. نختم هذه الفقرة بالقول: إن بعض النساء يمتنعن عن تلبية رغبة أزواجهن إذا لم يحققوا لهن مطلباً معيناً، أو رغبة ما، ويعاقبن الأزواج بذلك مستغلاّت قلة صبر الرجل عنهن، وهذا خلق سيء، وهو المراد بالتهديد والوعيد حسبما أفهم، والله أعلم.

9- حديث الصحيحين: «استوصُوا بالنساءِ ، فإنَّ المرأةَ خُلقتْ من ضِلعٍ ، وإنَّ أعوجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعلاه ، فإن ذهبتَ تقيمُه كسرتَه ، وإن تركتَه لم يزلْ أعوجَ ، فاستوصُوا بالنِّساءِ» (البخاري: 3331)، وفي رواية: «إنَّ المرأةَ خُلِقت من ضِلَعٍ لن تستقيمَ لَكَ على طريقةٍ، فإنِ استمتعتَ بِها استمتعتَ بِها وبِها عوجٌ، وإن ذَهبتَ تقيمُها، كسرتَها وَكسرُها طلاقُها» (مسلم: 1468). الحديث سطران: بدأ بـ(استوصوا بالنساء خيراً) وانتهى بها، وكأني بالرسول عليه الصلاة والسلام يقول للرجل: إن طبيعة المرأة خلاف طبيعتك فهي عاطفية انفعالية متقلبة في الأعم الأغلب، فإذا بدر منها هذا فلا تغضب، فإنها غير ملومة لأنها هكذا خُلِقَت، وإذا أردت منها غير هذا كسرتها وكسرها طلاقها.

10- حديث الصحيحين الذي فيه: «ورأيتُ النار... ورأيت أكثر أهلها النساء... يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله ثم رأت منك شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قطّ» (البخاري: 1052). غاية ما في الحديث تحذير النساء من أخلاقٍ تدخلهن النار وتعرضهن للعقاب، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ووقع في حديث جابر ما يدل على أن المرئي في النار من النساء من اتصف بصفات ذميمة ذُكِرت، ولفظه: "وأكثر من رأيت فيها من النساء اللاتي إن اؤتمن أفشين، وإن سُئلن بخِلن، وإن سَألن ألحفن، وإن أُعطينَ لم يشكرن"، وفي الحديث إغلاظٌ في النصح لإزالة هذه الصفات المعيبة، وبعض الناس يأخذون بعض الأحاديث الشريفة، وهذا أحدها، ويتخذونها سبباً للطعن في صحيحي البخاري ومسلم، ومن ثم يشككون في ثبوت هذا الحديث أصلاً! وطائفة أخرى أسوأ حالاً يعترضون على حكمة الله فيقولون: كيف خلقهن من ضلع أعوج ثم يعاقبهن... فهؤلاء ليس هذا المقال موضع مناقشة آرائهم.

11- حديث الصحيحين: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمرّ على النساء فقال: «يا معشر النساء... ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبّ الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان دِيننا وعقلِنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قُلنَ: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصلّ ولم تصم؟ قُلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها» (البخاري: 304). الحديث مجال لكلام طويل في الفرق بين شهادة الرجل وشهادة المرأة المنصوص عليها في الكتاب العزيز {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]، وهو أيضاً واحد من الأحاديث التي يحتج بها من يطعنون على السُّنة ويشككون في ثبوتها. حسبنا من التعليق عليه فيما يخص موضوعنا، أن الحديث قيل في مناسبة العيد، وهي مناسبة سعيدة لا يمكن أن يفسد صفوَها الرسول الكريم ذو الخُلُقِ العظيم بالإساءة إلى معشر النساء..

أنا أفهم أنه عليه السلام قدم للنساء نصيحة بطريقة الملاطفة كما هي عادته عندما يمازح بعض أصحابه (مثل قوله للمرأة العجوز التي طلبت منه أن يدعو لها بدخول الجنة، فقال: لا تدخل الجنة عجوز، فولت تبكي، فقال أخبروها أنا ستدخلها وهي شابة) ومستحيل أن يقول لهن هذا على سبيل الانتقاص بسبب أمر جُبِلن عليه ولا يدَ لهن فيه. ولو كان انتقاصاً لكان الانتقاص للرجال أشد: فأين لبّ الرجل الحازم وعقله الذي تذهب به امرأة ضعيفة ناقصة عقل ودين، مخلوقة من ضلع أعوج؟؟ لا بد من وضع النص الشرعي في سياقه: اللغوي، والتاريخي، والاجتماعي، ومعرفة كيفية فهم المخاطبين به، لا أن نقي النصوص بمقياس فهمنا اللغوي الآن، وظروفنا الثقافية، وبيئاتنا الاجتماعية. نصيحته صلى الله عليه وسلم -كما قال الأستاذ عبد الحليم أبو شقة في موسوعته: تحرير المرأة في عصر الرسالة: أيتها النساء إذا كان الله قد منحكن القدرة على الذهاب بعقل الرجل الحازم مع ضعفكن، فاتقين الله ولا تستعلمن هذه القدرة إلا في الخير والمعروف.

جُلّ ما مضى من هذا المقال تحدّث عن (واجبات المرأة وحق الرجل عليها). بقي الحديث عن (واجبات الرجل وحق المرأة عليه)، ونلخصه في السؤال الكبير المهم، السؤال المحوري الذي يدور شطر الكلام حوله، إذ في الإشارة ما يغني ذوي الألباب عن الكلام الكثير، هذا السؤال: من هو الرجل الذي يستحق أن يحتل تلك المكانة العالية، والذي يُدخِل رضاه المرأة الجنة؟ ولو كانت مأمورة بالسجود لأحد لأُمِرت بالسجود له؟ إنه الرجل الذي يتقي الله في أهله فلا يطالبهم بالأخذ قبل أن يعطي، والذي يكون معهم أنموذجاً للعطف والتسامح والحنان. والذي يذكر بقوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (الترمذي: 3895، وصححه الألباني)، وقوله في حجة الوداع في وصيته الأخيرة للمسلمين قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى: «ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هنّ عوانٌ عندكم» (يعني: أسيرات) (الترمذي: 1163، وحسنه الألباني). إنهما كفتا ميزان، ووجهان لعملة واحدة، ومخطئ من ينظر إليهما خارج هذا الإطار، والله سبحانه أعلم، والحمد لله رب العالمين.

أحمد البراء الأميري

دكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود.

  • 3
  • 2
  • 30,946

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً