قرآننا حياة قلوبنا (1)
القرآن الكريم كلام الله المعجز، وصراطه المستقيم، ونهجه القويم، هو رسالة الله ومعجزته الباهرة، ورحمته الواسعة، ونعمته السابغة، القرآن الكريم: نور الصدور وجلاء الهموم والغموم، وتفهم القرآن وتدبره هو المقصود الأعظم..
بسم الله والصلاة والسلام على خير البرية جمعاء سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
إن خير الكلام كلام الله عز وجل -القرآن الْكريم- ففيه الهداية وفيه الهدى، تنزل آياته على القلب السقيم فيشفيه بإذن الله، وتسمعه النفس الحزينة فتسعد ويزال همها وحزنها، إن فضل القرآن الكريم كبير وعظيم، فهو الذي أخرج به الله تعالى هذه الأمة من الضلالة العمياء والجاهلية الجهلاء إلى نور الهداية وسبل السلام، هو كلام الله المعجز المنزل وصراطه المستقيم، ونهجه القويم، هو رسالة الله ومعجزته الباهرة، ورحمته الواسعة، ونعمته السابغة، القرآن الكريم: نور الصدور وجلاء الهموم والغموم، وتفهم القرآن وتدبره هو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، لقوله تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].
وقد أوصانا الحبيب المصطفى بقرائته والعمل به فقال:
«تركت فيكم ما إن تمسكت به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي» فهنيئًا لمن حفظه في صدره وعمل به في حياته، فهو ضياءٌ في القلب ونور في القبر وشفيع يوم القيامة، غير أن لحافظ القرآن الكثير والكثير من الميزات التي تميزه عن غيره من البشر سواء في الدنيا أو الآخرة..
- الميزات التي في الدنيا
* أن حافظ القرآن يُقدَّم على غيره في الصلاة إماماً، فعن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله..» (رواه مسلم: 673).
* وصاحب القرآن يقدّم في الإمارة والرئاسة إذا كان أهلا لها، واستطاع حملها، فعن عامر بن واثلة: "أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال: من استعملتَ على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزي! قال: ومن ابن أبزي؟ قال: مولى من موالينا! قال عمر: استخلفتَ عليهم مولى؟! قال: إنه قارئ لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين»" (رواه مسلم:817).، سبحان الله لقد أصبح الخادم أمير لعظم ما يحفظ في صدره من القرآن والعمل بما فيه.
- الميزات التي في الآخرة:
* إن منزلة الحافظ للقرآن عند آخر آية كان يحفظها: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأ بها» (صحيح الترمذي:2329).
* أنه يكون مع الملائكة رفيقاً لهم في منازلهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام البررة ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران » ( البخاري:4653).
* أنه يُلبس تاج الكرامة وحلة الكرامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حلِّه، فيلبس تاج الكرامة ثم يقول: يا رب زِدْه، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة» (رواه الترمذي:2328).
* حافظ القرآن يشفع فيه القرآن عند ربه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه...» (رواه مسلم:804).
* وحافظ القرآن يلبس والداه يوم القيامة تاجًا من نور: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن» (السلسلة الصحيحة:2829).
وهناك ما هو أعظم من ذلك كله! وهو أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته، حيث جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ للَّهِ أَهْلينَ منَ النَّاسِ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، من هُم؟ قالَ: هم أَهْلُ القرآنِ، أَهْلُ اللَّهِ وخاصَّتُهُ» (صحيح ابن ماجة:179)، وكي نصل لهذه المنزلة الرفيعة يجب علينا فعل ما أمر به الله وهو: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}، وكي نتدبر كتاب الله علينا الأخذ بكل الوسائل الممكنة ومنها عشر مفاتح لتدبر القرآن، سألخصها لكم كما وردت في (كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة) للدكتور (خالد بن عبد الكريم اللاحم).
وقبل أن نسرد العشر مفاتيح يجب أولا أن نفهم معنى التدبر..
يقول الدكتور (خالد بن عبد الكريم اللاحم): "التدبر هو التفكر الشامل لدلالات الكلم ومراميه البعيدة، وتدبر القرآن أي التفكر والتأمل لآياته من أجل فهمه وإدراك معانيه وحكمه، والمراد منه، وعلاماته: أولاً (إجتماع القلب والفكر حين القراءة) ودليله التوقف تعجبًا وتعظيمًا، ثانيًا: (البكاء من خشية الله مع زيادة الخشوع)، ثالثًا: زيادة الإيمان، رابعًا: التكرار العفوي للآيات ، خامسًا: الفرح والإستبشار، سادسًا: القشعريرة خوفاً من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة، سابعًا: السجود تعظيماً لله عز وجل" (كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة، ص:14).
وبعد أن فهمنا معنى التدبر وعلاماته إليكم العشر مفاتيح..
المفتاح الأول: حب القرآن (انظر كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة، ص:19):
وهذا المفتاح يتحقق من خلال أربعة وسائل: الوسيلة الأولى: (القلب آلة الفهم والعقل)، يقول تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].
- الوسيلة الثانية: (علاقة حب القرآن بالتدبر): إن من أحب شيء وشغف به تعلق به القلب واشتاق إليه، فاجعل القرآن حبيب قلبك وتلذذ بقرائته وفهمه وتدبر معانيه، أما إن فعلت عكس ذلك فلن تجد إقبال من قلبك عليه أو فهم له، ولن يحدث الحب إلا بمجاهدة ومغالبة، فطوع نفسك وقلبك أنه لا سبيل إلا بحب القرآن وتدبر معانيه، والتفكر فيه.
- الوسيلة الثالثة: (علامات حب القلب للقرآن): يقول أبو عبيد: "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله" وهذا هو الدليل عن صدق حبك للقرآن.
- الوسيلة الرابعة: (وسيلة تحقيقه): وهذه الوسيلة تتم بالاستعانة بالله وسؤاله سبحانه أن يرزقنا حب القرآن، ثم الأخذ بالأسباب، وخير الأسباب وأنفعها القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسنة، وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له.
- المفتاح الثاني: أهداف قراءة القرآن (انظر كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة، ص:25):
وهذا المفتاح يحوي خمسة أهداف: (قراءة القرآن بقصد العلم، قراءة القرآن بقصد العمل به، قراءته بقصد مناجاة الله، قراءته بقصد الشفاء، قراءته بقصد الإستشفاء).
المفتاح الثالث: القيام بالقرآن (انظر كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة، ص:47):
وهذا المفتاح من أهم مفاتيح التدبر وأعظمها شأنًا، وقد ورد عدد من النصوص تؤكد أهميته منها على سبيل المثال لا الحصر قوله سبحانه وتعالى{: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79]، ويقول رسول الله صل الله عليه وسلم: «تعلَّمِ القرآنَ واقرَأْه وارقُدْ، فإنَّ مَثلَ القرآنِ لِمَن تعلَّمه فقرَأه وقام به كمَثلِ جِرابٍ محشوٍّ مِسكًا يفوحُ ريحُه على كلِّ مكانٍ، ومَن تعلَّمه فرقَد وهو في جوفِه كمَثلِ جِرابٍ وُكِئ على مِسكٍ» (صحيح ابن حبان:1239)
- المفتاح الرابع: أن تكون القراءة في ليل (انظر كتاب مفاتح القرآن والنجاح في الحياة، ص:51):
إن الليل وخاصة وقت السحر من أفضل الأوقات للتذكر، لأن الذاكرة تكون في أعلى مستوى، وذلك بسبب الهدوء والصفاء والبركة الموجودة في هذا الوقت، لأن الله سبحانه وتعالى يتنزل فيه وتفتح أبواب السماء، فمن أراد تثبيت شيء فعليه بالسحر، ومما يدل على أن القراءة في ذلك الوقت من مفاتيح التدبر قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء:79]، وقوله تعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلا} [المزمل:6].
يُتبع بعون الله وبقية المفاتيح في الجزء الثاني من (قرآننا حياة قلوبنا)
- التصنيف:
- المصدر: