مناجاةٌ متلعثِمة!

منذ 2014-04-09

مناجاةٌ متلعثِمة!

الله... يا إلهي!

اللهم إني أُشْهِدُك أني أحبك...

إلهي! يا من غمرتني بنعمك التي لا تُحصى على غير فضل مني وﻻ مكرمة..

إلهي! يا من منحت روحي جسدًا وخلقتني فصورتني فأحسنت تصويري لتخرجني إلى كونك الجميل..

إلهي! ما أكرمك، ﻻ أدرى كيف أؤدي شكرك على خلقي من عالم العدم إلى عالم الوجود، لقد آويتني وأنا ضعيف همل ﻻ يكاد يُرى في بطن أم حنون تَسعد بحملي على تعبها به وتفرح بوﻻدتي على ألمها الشديد في إخراجي إلى كونك البهي.

إلهي! لقد سخَّرت لي أبًا وأمًا حنونين يحتفون بي من غير أجر وﻻ مِنَّة.

إلهي! لقد سخَّرت لي وأنا رضيع ضعيف لبن أمي الذي خلقته من أجلي فأحسنت صنعه وتحليته وجعله سائغًا جميلًا مشربُه...

إلهي! لقد قذفت حبي في قلبي والدي ليكون حبًا فطريًا منهما ﻻ أستحقة... فأنا لم أُسْدِ إليهما أي معروف ليُحبونَني...

إلهي! ما أجملك، ما أكرمك، ما أجزل عطائك على عبدك الضعيف.

إلهي! لقد خلقت لي السمع والبصر والفؤاد ﻷنهل من معارف كونك الرحب الفسيح الجميل البهيّ من حولي، أنهل منه حتى أصير عالِمًا بسنن كونك فاهمًا إياها.

إلهي! يا أيها الرحمن الرحيم، يا الله، يا ربي وحبيبي وغايتي، يا من رضاه بغيتي ودينه سبيلي إلى هذه البغية العظيمة.

إلهي! لقد خلقتَ لي ذهنًا يستوعب حقائق الحياة التي يستشربها من الحواس التي سخَّرتها من أجلي، هذا الذهن الذي به عرفتك وبه قصدتك وبه شعرت بمدى علو شأن نعمتك الغنية عليَّ، هذا الذهن الذي حللت به كثيرًا من طلاسم الكون وأسراره ليزداد به حبي لك وتوقيري وإجلالي لعظمتك. هذا الذهن الذي مُيِّزتُ به بفضلك وحده بين الحق والباطل، بين طريق الضلال وطريق الرشاد، بين صراطك المستقيم -دينك اﻹسلام- وبين السبل التي التفت يمينًا ويسارًا لتسير بالسائرين فيها إلى المجهول، إلى الضياع، إلى عتمة المعاصي واﻷفول.

إلهي! ما أرحمك بي! لم تخلقني في هذه الدنيا لأتخبَّط في ردهاتها المظلمة، لقد أرسلت لي نورًا أهتدي به في طريقي حتى لا أتعثَّر وحتى أصل لبرِّ أمانك، إلى جنانك الوارفة الظلال. لقد أرسلت لي كتابك، القرآن، هذا المنهج اﻷصيل الثمين الذي يستحيل على تقديره بقيمه، ولا عجب في هذا فهو كلامك يا أعظم الملوك إليَّ أنا البشر الضعيف لتهدِني به.

إلهي! إنك لم تترك القرآن معي أتعلم منه بالقراءة لتتخبَّط أفهامي وأهوائي في إدراك مقاصده الجليلة، بل بعثت إليَّ بنور آخر ينير لي كتاب الله حتى أستطيع قراءته على هدى وبصيرة.

هذا الرسول اﻷمين محمد عليه السلام؛ الذي أثبت عمليًا بإرادتك أن القرآن الكريم كتابك يُطبّق على البشر، فقد كان رسولك بشر، بل وأعطانا الطريق الصحيح لتطبيق ما جاء في كتابك الكريم. كتابك الكريم الذي هو الحق فلا يمكن للباطل أن يأتيه من بين يديه ولا من أمامه.

إلهي! ما أعظمك...

إلهي! ما أكرمك...

إلهي! ما أكثر حبك لي على غير فضل مني أستحق به هذا الحب...

إلهي أُعذرني واغفر لي تلعثمِي في الكتابة إليك ﻷناجيك وأستأنس بك وأشكرك وأعبدك بالتفكُّر في نعمك على، أنا العبد الحقير الضعيف، فمهما بلغ كلامي بلاغةً، فهو ليس موفيك جزءًا ضئيلًا من حقك الذي لا أستطيع حتى تخيله من عظمه.

إلهي! يا الله يا بديع، لقد جعلت لي جسدًا يحار فيه العقل من جماله وتناسقه، فقد جمعت فيه بإبداع ليس له مثيل بين الوظيفة المُثلى المتلائمة مع حكمتك من خلقي... مع شكلي الجميل الذي أبدعته فأحسنت خلقك فيه وتصويرك إيَّاه.

إلهي! إني لأشعر بك في كل حركة وسكنة فيَّ! إنك أنت الذي تُحرِّك يدي وعيني، إنك أنت الذي تُبصِّرني وتُسمِعني، فلا أملك الحول ولا القوة أن أفعل أي شيء في هذا الكون، كونك، إﻻ بإذنك وبقدرتك، فليس عليَّ إﻻ اﻹرادة الحُرَّة التي وهبتها إياي ثم أرى بكرمك عليَّ- الكون يتغيَّر من حولي كما أردت بقوتك وحولك وحدك.

إلهي! إنك ترزقني كل شيء حتى حركاتي وسكناتي مهما بلغت معاصي فيك، ومهما ازداد طغياني ومهما علت حماقاتي وربت.

إلهي! إنها مناجاة مني إليك على غير سبق تحضير ولا تنميق أو تنسيق. لقد تركت المشاعر تتألَّف في شكل حروف متلعثِمة أكتبها لأُعبِّر لك، على قدر قدرتي الضئيلة، عن عِظَم حبي لك رغم أخطائي في حقك وعثراتي في طريقي إليك...

اللهم تقبَّل مني هذا التعبير المتواضع، الذي لا يناسب جلالك، عن حبي وتقديري لك وامتناني على كل نعمة أحصيتها ودعائي بأن تُطلِع ذهني الضعيف على نعمٍ كثيرة لم أُحصِها لضآلة عقلي وللوقر الذي في أذني وللقسوة التي في قلبي وللدرن الكامن في أحاسيسي، لكل هذه العيوب التي جلبتها لنفسي بعصياني إياك.

اللهم اغفر لي زلَّاتي وعثراتي وإخفاقاتي في التزام صراطك المستقيم، وأدعوك يا كريم أن تضع مثقال محاوﻻتي الواهية لأعتدل من سقطاتي في ميزان حسناتي ﻷقابلك بهذا الجهد الضئيل يوم القيامة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتاك بقلب سليم.

إلهي! حبيبي... اللهم إن عزائي في ضآلة حسناتي وعِظَم خطاياي هو رحمتك التي وسعت كل شيء، رحمتك التي هي أعظم من أي جرم اقترفته في حقك.

اللهم تقبَّل هذه المناجاة المتواضعة المتلعثِمة مني إلى جاهك وجلالك.


 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد كمال قاسم

كاتب إسلامي

  • 2
  • 0
  • 2,809

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً