كوسوفا: تمدد التنصير في فراغات الفقر والجهل والغياب الإسلامي

منذ 2014-04-12

عند الجلوس عرضوا عليه الدخول في الكاثوليكية على أن يحققوا له جميع رغباته لكنه كان مسلما واعيا فدعاهم بدوره للدخول في الإسلام.

يمثل النصارى الكاثوليك في كوسوفا، نحو 5 في المائة وفق التقديرات الكنسية. بيد أن هذا الرقم الضئيل يستخدمه الفاتيكان، لتنصير كوسوفا وألبانيا والجزء الألباني من مقدونيا، كما يستخدم آخرين من قوميات أخرى لنفس المهمة في المنطقة.

إلى جانب ذلك تعمل المنظمات التنصيرية التي تعمل تحت غطاء الإغاثة على ردة المسلمين، مستغلة البطالة والفقر والعوز وجهل أغلبية المسلمين بدينهم، فتقدم لهم المساعدات بهدف تنصيرهم وإخراجهم من الإسلام بطرق ملتوية وأساليب غاية في الخبث والتمويه.
بل أن جهات داخل قوات كي فور ولاسيما المختصة بالجانب المعنوي والبعثات الكنسية المرفقة لتلك القوات تقوم هي الأخرى بدور تنصيري، وفق متابعين ألبان، التقاهم المسلم.
ولا توجد إحصاءات دقيقة عن عديد الذين تم تضليلهم، ولكن كل المؤشرات تؤكد بأن الألبان ورغم كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهونها، يرفضون المقايضة الحقيرة، التي يستخدمها النصارى في التنصير واصطياد الجهلة والضحايا من كل صنف. ويخشى من أن يكون من بين الأعداد التي تخرج من كوسوفا بسبب الأوضاع الاجتماعية بعض من تم شراءهم بالمال.

تمدد في فراغات قاتلة

ويزيد عديد المنظمات التنصيرية في كوسوفا لوحدها عن 538 منظمة تنصيرية، في وقت تعيش فيه منظمات الإغاثة الإسلامية حالة من الانحصار، بسبب سياسة بعض الدول التي تتلقى الأوامر من حكومات غربية على صلة بالمنظمات التنصيرية.
وغالبا ما تتخذ تلك الاتصالات طابعا مغايرا للحقيقة، كلافتة محاربة الإرهاب، وتجفيف ينابيعه، بينما الحقيقة هي إفراغ الساحات الإغاثة من نشاط هيئات الإغاثة الإسلامية ليخلو الجو للمنظمات التنصيرية التي لها أجندة تلتقي وسياسات الهيمنة للدول الغربية، مثل أمريكا والدول الاستدمارية في أوربا، وفي مقدمتها فرنسا، وبريطانيا، وايطاليا، واسبانيا وغيرها. وقد ساعد تلك الدول والمنظمات المتحالفة معها والتي تتلقى للأسف الشديد معونات سخية من أموال الدول الإسلامية المساهمة في ميزانيات الأمم المتحدة للإغاثة. الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة لمصارف تلك الأموال من قبل الدول الأعضاء ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وللبرلمانيين في العالم الإسلامي المبادرة بفتح هذه الملفات الشائكة وشديدة الخطورة، وإلا كيف يرضى البعض بأن ينصر المسلمون بأموال المسلمين؟!

التنصير وتجفيف الينابيع

وقال الباحث الألباني أمير آدمي في لقاء مع (المسلم) "أن أعضاء الكنيسة الكاثوليكية ينشطون بشكل كبير جدا ولديهم أموال طائلة حصلوا عليها من الفاتيكان لإغراء المسلمين ولاسيما الشباب للدخول في الكاثوليكية " وذكر بأن شقيقه: "تمت دعوته من قبل ثلاثة أشخاص ألبان كاثوليك ليشرب معهم القهوة، وعند الجلوس عرضوا عليه الدخول في الكاثوليكية على أن يحققوا له جميع رغباته لكنه كان مسلما واعيا فدعاهم بدوره للدخول في الإسلام مبينا لهم أن الاعتقاد بألوهية عيسى عليه السلام كفر، وأن عيسى لم يدع لعبادته ولم يقل إنه إله أبدا فتركوه دون نقاش بحثا عن ضحية أخرى".

وعن الأساليب التي يعتمدها المنصرون في كوسوفا لتنصير المسلمين قال: "إلى جانب الإغراء المادي والوعود بتأشيرات عمل في أوربا والولايات المتحدة يستشهدون بإبراهيم روغوفا الذي كان يعلق صورة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني وما نسب إليه من دعوة الألبان للردة إلى النصرانية".
وتابع "نشاط التنصير ليس وليد اللحظة، بل يعود لعقود خلت، وتزايد في عهد بابا الفاتيكان الهالك يوحنا بولس الثاني الذي أعلن في سنة 1982م عن خطة لتنصير العالم، والمناطق المسلمة في أوربا وتركز الأمر على الألبان أكثر من غيرهم نظرا للفترة التاريخية التي مروا بها تحت حكم الأنظمة الشيوعية التي نشأت في ظلها أجيال تجهل الإسلام،بل صنع من بينها أعداء ألداء للإسلام، يساهمون في تأجيج نار الإسلاموفوبيا في منطقة البلقان ولاسيما ألبانيا وكوسوفا والبوسنة "وكان وزير التعليم في كوسوفا،البريطاني الجنسية، والنصراني، قد دعا إلى منع تعليم المواد الدينية الإسلامية والشرعية ضمن مناهج التعليم في مدارس الإقليم كلها إلا في المدارس المتخصصة في تعليم الشريعة، وأمر بإلغاء هذه المواد.
وأكد مدير مدرسة سليمان رضا ذلك الاعتداء السافر ضد تعليم الإسلام في كوسوفا: "لا نرضى بإلغاء المواد الدينية من تعليمنا، سنستمر في تقديم هذه العلوم الشرعية من دون النظر إلى توجيهات وزير التعليم الذي لا يحق له اتخاذ مثل هذا الإجراء في أي حال".
وأضاف مدير المدرسة التي دمرها العدوان الصربي وأعادت هيئة إغاثية سعودية أهلية تأهيلها وترميمها وتجهيزها لاستقبال قائلاً: "إن موقفهم معاد للإسلام ولا يمكن أن يقبل به أي مواطن من مواطني الإقليم المسلم وعليهم ألا يتناسوا إنه مسلم".

وكانت هناك دعوات تحض على منع المحجبات من دخول المدارس في دولة كوسوفا.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المشيخة الإسلامية تجد نفسها وحيدة في مواجهة الجهل بتعاليم الإسلام، وبإمكانات متواضعة مقابل ماكينة تنصيرية وانحلالية غربية -هناك علاقة وثيقة بين الانحلال والتنصير فهم بضاعة شيطانية واحدة- حيث تصرف مليارات من الدولارات على التنصير أو إبعاد المسلمين عن الإسلام بكل الطرق.

الإسلام باق في كوسوفا

إن العوامل التي تجعل الإسلام أكثر رسوخا كما يراها مفتي كوسوفا نعيم ترنافا في رده على أسئلة "المسلم" هي: "الاستقلال الذي أحتفل بالذكرى الأولى لإعلانه في 17 فبراير الماضي. والذي يمكن 97 من المائة من سكان كوسوفا من حرية التدين، والمساجد التي أعيد ترميمها أو بنيت حديثا،ويزيد عددها الآن عن 700 مسجد، والطلبة في الكلية الإسلامية والمدارس الثانوية الإسلامية الخمسة والذين يزيد عددهم عن 1550 طالبا منهم 600 طالب وطالبة في الكلية الإسلامية سيكونون دعاة في المستقبل داخل كوسوفا".

ولا يميل مفتي كوسوف كثيرا للاعتقاد السائد بأن الألبان يغلب عليهم الانتماء القومي، ويرى بأن "الإسلام تعرض لتغييب طويل داخل كوسوفا، ترك فيها الكثير من الناس أداء الفروض لكنهم لم ينسوا أنهم مسلمون كما لم ينسوا أنهم ألبانا، وربما يأتي الاعتقاد بأن الألبان قوميون أكثر منهم مسلمون كون القومية ليس لديها طقوس معينة تؤدى في أماكن معينة كالمساجد". وأشار المفتي إلى أن الاحتفال بالمناسبات الإسلامية مثل العيدين وخلال شهر رمضان "تعزز من أهداف ترسيخ الإسلام لدى شعب كوسوفا ولا سيما الشباب، والكثير من الطلبة ينقلون أجواء الاحتفالات إلى بيوتهم، كما يحضر تلك الاحتفالات والأنشطة العديد من المسلمين الذين أبعدوا عن دينهم دهرا طويلا ". وأكد المفتي الشيخ نعيم تيرنافا على أن "المشيخة الإسلامية تعمل على إنشاء 30 دارا لحضانة الأطفال لتنشئتهم نشأة إسلامية منذ الصغر".

وعن مغزى الاحتفالات التي تمت في كوسوفا العام 2007 م بمناسبة مرور 600 عام على دخول الإسلام إلى كوسوفا قال: "إنه تذكير للشعب بأنه مسلم، وتذكير العالم بأننا مسلمون راسخون في المكان والزمان فنحن هنا الأصل، فنحن شعب أوروبي والإسلام الذي نعتنقه مر علي وجوده في هذا المكان أكثر من 600 عام" وعما إذا كان الاحتفال سيستمر سنويا، ذكر بأن ذلك متروك لتقويمات أهل الرأي في المشيخة الإسلامية.

وعن دور علماء الإسلام في بلورة مشروع الاستقلال قال مفتي كوسوفا أن: "الأئمة المسلمون هم الآباء المؤسسون لحركة التحرير الألبانية والتي انطلقت من جامع محمد باشا في بريزرن في 10 يونيو 1878 م ويعد المفتي عمر مدرسي إلى جانب أئمة مرموقين آخرين من أهم شخصيات حركة التحرر الوطني الألبانية".

وعن المساجد والمؤسسات الإسلامية التي تعرضت للعدوان على يد الصرب أثناء المواجهات التي تمت في سنتي 1998 و1999 قال المفتي الشيخ نعيم ترنافا: " لقد تعرضت الكثير من المنازل والمساجد للهدم والحرق منها أكثر من 100 مسجد وكانت أوامر هدمها وحرقها تتم من قبل السلطات الدينية والسياسية الصربية، بينما جرت ردود الأفعال الألبانية من قبل أشخاص، وهذا ما تدركه الجهات الدولية في كوسوفا، فنحن ندين أي عمل يستهدف أماكن العبادة للآخرين".

وحول مشاركة الألبان في الحج قال المفتي أن: "هناك نحو ألفي حاج من كوسوفا يؤدون فريضة العمر سنويا، ونأمل أن يرتفع العدد في المستقبل، كما نأمل أن يعفى أبناء الأقليات الإسلامية والدول التي تعيش أوضاعا خاصة مثل كوسوفا من نظام الحصص المعمول به في الحج".وعن المساعي الجارية لتدريس الإسلام في المدارس الحكومية ولا سيما الابتدائية والثانوية جدد المفتي حرصه الخاص وحرص المشيخة الإسلامية على: "حق الطلبة المسلمين وغيرهم في تعلم دينهم داخل المدارس الابتدائية، أسوة بمختلف الدول المجاورة مثل صربيا وكرواتيا والبوسنة ومقدونيا وغيرها والتي تدرس للطلبة مادة الدين في مدارسها". واعتبر القضية مسألة وقت لأن الدستور في كوسوفا ينص على حرية التدين والعبادة: "ونعتقد بأن تدريس الإسلام لأبناء المسلمين يدخل في صلب هذا المبدأ الذي نرجو ترسيخه في أقرب وقت ممكن"، وأبدى المفتي تفاؤلا بهذا الخصوص لا سيما وأن المشيخة الإسلامية في كوسوفا تمثل نموذجا فريدا للتسامح والتعايش بين مختلف الطوائف والأديان: "والأفضل أن تتولى المشيخة الإسلامية مسؤولية توجيه النشء وتعليمه مبادئ دينه لأن تركه يعني الاستقاء من منابع أخرى".

أصل ثابت وفرع في السماء
 وقال كمال مورينا، مسؤول ملف حوار الأديان في المشيخة الإسلامية: أن الإسلام راسخ الأقدام واثق الخطى، حيا في كوسوفا، لا يمكن لمساعي التنصير أن تؤثر فيه، حتى وأن تساقط بعض الأفراد، إلا أن ذلك لم يمثل ظاهرة. فالوثائق تثبت أن اعتناق الإسلام تم بين أبناء المجتمع الألباني في مختلف أنحاء البلاد خلال القرنين الخامس عشر والسابع عشر، وهناك من يرى أن تاريخ وصول الإسلام بدأ مبكراً مع معركة كوسوفا أو قوصوة 1389م. غير أن الثابت اليوم هو أن كوسوفا دولة إسلامية في أوروبا نسبة المسلمين فيها نحو 97 في المئة. ويعتمد اقتصادها بشكل رئيس على التجارة، وعوائد الدولة فيها مكونة من الجمارك التي تشكل أهم روافد موازنة الإقليم الذي يخضع حتى الآن لرقابة الأمم المتحدة.
يذكر الكوسوفيون الدولة العثمانية بكل خير ويشيدون بطباعة السلطان عبد الحميد للكتب الألبانية في اسطنبول، إذ كانت المطبعة العـامرة التي بدأت العمل عام 1915 م تطبع بالحرف الألباني بحسب الدراسات التي تمت بهذا الخصوص.

وقد برز علماء أجلاء من أصل ألباني في مقدمتهم الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني، المشهور كمحدث ومحقق، والشيخ شعيب الارناؤوط المقيم في عمان والمولود في سكودرا في البانيا، ثم الشيخ عبد القادر الارناؤوط، والباحث في التحقيق والتراث العربي محمود الارناؤوط، وسامي فراشري، وجميعهم كان له إسهام كبير في الثقافة والحضارة الإسلاميين. ويرى الكوسوفيون أنهم الدولة الإسلامية الأولى في أوروبا بعد ألبانيا والبوسنة باعتبار أنهم مسلمون أصليون على خلاف الإسلام الأوروبي الآخر، ولذا يبدو الكوسوفيون متمسكون برصد وتوثيق تاريخهم الثقافي إلى جانب البحث عن دورهم الحضاري خارج البلقان.
في القرن الخامس عشر كانت بداية الخط الألباني وكانت هناك مؤلفات ألبانية ثم استخدمت الحروف العربية للكتابة باللغة الألبانية.
كما قدمت دراسات عن دور الوقف في النظام التعليمي في كوسوفا والأدب الألباني الجديد وصلاته بالثقافة العربية.

غير أن العنوان الأكبر لهذه المؤسسات والبنى أنها في حاجة إلى الدعم الإسلامي كي تبقى وكي يستمر صوت الإسلام في أوروبا الذي بدأ قبل ستة قرون.وتمثل المشيخة الإسلامية في كوسوفا الجهاز التنفيذي للاتحاد الإسلامي وتعتبر أعلى سلطة تنفيذية للشؤون الدينية والتعليمية والمالية، إضافة إلى أنها المخولة بتنظيم أمور الحج والعمرة وتنفيذ قرارات مجلس الاتحاد الإسلامي والإشراف على عمل الأجهزة الدينية والمؤسسات التعليمية.

ويوجد في كل مدينة مجلس إسلامي محلي يتولى إدارة المجتمع وشؤونها الإسلامية وهذا ما شاهدناه في مدينة بييا المحاذية للجبل الأسود.والسؤال الذي يواجه زائر كوسوفا عن الهوية، فعلائم الدولة والمجتمع تظهر بلداً بعيداً من كل مظاهر التعصب.

والمشيخة عند سؤالها عن قلة ارتداء الحجاب في الشوارع تجيب أنه يوجد هناك من يرتدي الحجاب، والاهتمام عندها هو أكبر في مسألة وجود الإسلام أو عدمه وهذا ما ظهر فعلياً حين زرنا مدرسة علاء الدين التي تعد الطلبة في الدراسات الدينية والعلوم العصرية وهي مختلطة، وفي أمسية مع طلبة المدرسة أنشدت الطالبات أناشيد إسلامية وقراءة القرآن الكريم ومنهن من كن لا يرتدين الحجاب، وبدا أن البحث في أذهان المشيخة الإسلامية ليس في مظاهر الإسلام بقدر ما هي محاولة إيجاد وإعادة الإسلام وتمكينه في النفوس أولاً، وهذا ما تقرأه في كلام مفتي كوسوفا ورئيس المشيخة نعيم تيرنافا حين يعرض الانجازات الكبيرة للمشيخة وعلى رأسها إعادة أعمار المساجد التي هدمها الصرب. لكن تيرنافا لا يخفي غصة البحث عن واجب الدعم على المسلمين وبخاصة الدول العربية التي يبدو ممتناً لها لما قدمت من دعم بعد التحرير، لكنه يطالب بأن تحذو الدول العربية حذو باكستان وماليزيا، اللتين فتحتا مكتب تمثيل لهما في كوسوفا واعتراف تركيا باستقلال كوسوفا.

وفي مبنى المشيخة الإسلامية أقر الكثيرون بوجود محاولات للتنصير تقوم بها جهات غربية من طريق فتح دور لحضانة الأطفال، وجدد المفتي قوله أن لديه مشروعاً لفتح ثلاثين داراً لرياض الأطفال المسلمين كي ينشئوا نشأة إسلامية.

وكان سؤالا قد وجه لكاتب هذه الأسطر في ختام جولته، وهو لماذا لم تعترف الدول الإسلامية باستقلال كوسوفا، وكان الرد الذي لم يجد أبلغ منه هو: "الاعتراف باستقلال الدول يتم بقرارات تمليها إرادات دول مستقلة، والدول التي تعنونها ليست مستقلة، والدول الغربية التي اعترفت باستقلالكم هي التي أملت على الدول (الإسلامية) موقفها المخزي من استقلالكم لعزلكم عنا وتفريقنا دينيا ثقافيا كما فرقونا سياسيا وجغرافيا أو بتعبيرهم جيوبوليتكيا".

عبد الباقي خليفة  

المصدر: المسلم
  • 1
  • 0
  • 3,072

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً