الكذب على الأطفال

منذ 2014-04-15

الكذب على الأطفال خطأ كبير يقع فيه الآباء، وهم لا يدركون فداحته وتأثيره على تَعوُّد الأبناء على الكذب، وهو يزرع في قلوبهم البريئة الطاهرة الحقد والكراهية لمن يكذب عليهم، ثم يصير الكذب عادة لهم تعلموها من الكبار.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين... أما بعد:
الكذب على الأطفال خطأ كبير يقع فيه الآباء، وهم لا يدركون فداحته وتأثيره على تَعوُّد الأبناء على الكذب، وهو يزرع في قلوبهم البريئة الطاهرة الحقد والكراهية لمن يكذب عليهم، ثم يصير الكذب عادة لهم تعلموها من الكبار.


فينبغي الحذر من الكذب عليهم بحجة أنهم صغار لا يفهمون، أو لا يدركون، بل هم يحسون ويدركون ويتأثرون، ويقلدون في نفس الوقت، وقد جاء عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمي يومًا، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وما أردتِ أن تعطيه؟» قالت: أعطيه تمرًا، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبة»(1).


قال صاحب عون المعبود: "وفي الحديث أن ما يتفوه به الناس للأطفال عند البكاء مثلاً بكلمات هزلاً أو كذبًا بإعطاء شيء أو بتخويف من شيء حرام داخل في الكذب"(2).
وانظر إلى ما أورده صاحب المدخل حيث قال: "وقد ورد فيمن انفلتت دابته فلم يقدر على إمساكها فأراها المخلاة، فتأتي على أن العلف فيها، فيمسكها، أنها تكتب عليه كذبة يحاسب عليها يوم القيامة، مع أنه معذور في ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال، وفعله ذلك من باب صيانته،ألا ترى إلى البخاري -رحمه الله- لما أن رحل من بلاده إلى بعض الشيوخ ليسمع عليه الحديث، فلما أن جلس عنده جاء صغير ليقع من موضع، فقبض الشيخ يده، لكي يظن الصبي أن في يده شيئًا يعطيه إياه، ليأتي فيأخذ ما فيها، فقام البخاري -رضي الله عنه- وتركه، ولم يسمع عليه شيئًا؛ لأنه رأى أن ذلك كذبًا وقدحًا في الرواية عنه"(3). فهذا البخاري -كما ترى- يترك السماع من محدث كبير، لأنه أوهم الصبي أنه يريد أن يعطيه شيئًا، ولم يعطه، فما بالك بمن يكذب على الأطفال ليل نهار!


فتربية الأبناء وتنشئتهم على الصدق وهم صغار، مسؤولية كبيرة على الآباء، لا بد أن يدركوا ذلك... فما الحال إذا كان الأب هو نفسه الذي يكذب على الابن؟! يعده يقول له: سأشتري لك كذا وكذا، مرة بعد مرة، ولم يفِ بشيء من ذلك، سنذهب إلى المكان الفلاني الصباح، فيظل الابن ليلته يفكر في الرحلة في الطلعة في زيارة عمه أو خاله أو قريبه بفرح ولهفة شديدة، ثم يصحو مبكرًا قبل والده، يصبح فيتفاجأ أن ذلك الكلام لم يكن صدقًا ولم يفِ الأب بما قال، فيصدم الولد، ويتألم، وخاصة إذا تكرر هذا التصرف الأرعن من الوالد، وخاصة إن لم يبدِ الأب السبب والعذر الذي جعله يتخلف.


فقل لي بالله عليك -أيها الفاضل- كيف نتصرف مع الأطفال بهذه الطريقة، ونأمل منهم بعد ذلك أن يتربوا على الصدق، ويحبوا الصدق؟! وصدق الشاعر القائل:


وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه


فالأب معلم، والأم كذلك، ومتى أخطأ الأب أو الأم، قلدهما الابن، وتأثر بهما في تصرفاتهما وأخطائهما، وصدق الشاعر حين قال:


وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ *** جاءت على يده البصائرُ حولا


فإياكم إياكم الكذب على الأطفال، فإنهم مرآة بيضاء، يظهر فيها كل ما ننقش فيها، وهم أمانة في أعناقنا، فلنؤدِ الأمانة، ولنعمل على وقايتهم من النار، كما قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (سورة التحريم:6).


نسأل الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل، والذرية الصالحة، إنه خير مسؤول.  
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


____________________________
(1) سنن أبي داود [13/173]، وحسنه لغيره الألباني في صحيح الترغيب والترهيب [3/74].
(2) عون المعبود [11/28].

(3) هو أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري القبيلي الفاسي. المدخل [1/180].

المصدر: موقع إمام المسجد
  • 1
  • 0
  • 1,320

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً