إن الحسنات يذهبن السيئات

منذ 2014-04-25

اغتنموا مواسم الطاعات فأيامها معدودة، وانتهزوا فرص الأوقات فساعات الإسعاد محدودة، وجُدُّوا في طلب الخيرات فمناهل الرضوان مورودة، وقوموا على قدم السداد، واتقوا الله الذي إليه تحشرون.

روى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: أصاب رجل من امرأة قبلة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114]، فقال الرجل يا رسول الله: أَلِيَ هذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «لجميع أمتي كلهم» (متفق عليه).
فالصلوات الخمس والأعمال الصالحة تقرب إلى الله وتوجب الثواب وتغفر الذنب وتمحو الخطيئة بإذن الله.
قال العلامة السعدي رحمه الله: "ولعل الإشارة لكل ما تقدم من لزوم الاستقامة على الصراط المستقيم وعدم مجاوزته وتعديه.
قال صلى الله عليه وسلم: «اتق الله حيثما كنت وأتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن» (أخرجه الترمذي، والحاكم، وحسنه الألباني رحمه الله).
قال العلامة السعدي رحمه الله: "هذا حديث عظيم جمع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حق الله وحقوق العباد، فحق الله على عباده: أن يتقوه حق تقاته فيتقوا سخطه وعذابه باجتناب المنهيات وأداء الواجبات.

ثم لما كان العبد لابد أن يحصل منه تقصير في حقوق التقوى وواجباتها أمر صلى الله عليه وسلم بما يدفع ذلك ويمحوه، وهو إتباع الحسنة السيئة".
فعليك تقوى لله فالزمها تفز إن التقي هو البهي الأَهْيَبُ واعمل بطاعته تنل منه الرضا إن المطيع له لديه مقرَّبُ، وللصلوات الخمس مزية خاصة في تكفير السيئات: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟»  قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: «فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا» (متفق عليه).
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر» (رواه مسلم).
وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئٍ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله» (رواه مسلم).
بادر إلى الأعمال الصالحة، قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ . وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7-8].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمساً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك» (رواه البيهقي) وهو حديث مرسل، ولكن كل فقرة منه دلت عليها أحاديث صحيحة تُرشد إلى اغتنام الأعمال الصالحة في الصحة قبل أن يحول بينك وبينها السقم، وفي الحياة قبل أن يحول بينك وبينها الموت.
قال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ» (رواه البخاري).

إن في الموت والمعاد لشغلاً *** وادِّكاراً لذي النهى وبلاغا

فاغتنم خصلتين قبل المنايا *** صحة الجسم يا أخي والفراغا

وقال غنيم بن قيس: "كنا نتواعظ في أول الإسلام: ابن آدم اعمل في فراغك قبل شغلك وفي شبابك لكبرك، وفي صحتك لمرضك، وفي دنياك لآخرتك، وفي حياتك لموتك".
يقول ابن رجب رحمه الله: "فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها، ويُحال بينه وبينها إما بمرض أو موت، فإذا كان الأمر على هذا، فيتعين على المؤمن اغتنام ما بقي من عمره ولهذا قيل إن بقية عمر المؤمن لا قيمة له"، وقال سعيد بن جبير: "كل يوم يعيشه المؤمن غنيمة"، وقال بكر المزني: "ما من يوم أخرجه الله إلى الدنيا إلا يقول: ابن آدم اغتنمني لعله لا يوم لك بعدي، ولا ليلة إلا تنادي: ابن آدم اغتنمني لعله لا ليلة لك بعدي".


 

مضى أمسُك الماضي شهيداً معدَّلاً *** وأعقبه يوم عليك جديد

فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة *** فثنِّ بإحسان وأنت حميد

 

فيومك إن أعتبته عاد نفعه *** عليك وماضي الأمس ليس يعود

ولا تُرْجِ فعل الخير يوماً إلى غد *** لعل غداً يأتي وأنت فقيد

يقول ابن القيم: "السنة شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمارها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرته ثمرة طيبة، ومن كانت أنفاسه في معصية فثمرته حنظل".
احذر من أن تستكثر عملك: قال تعالى: {وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ . وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:6-7].
عن محمد بن أبي عميرة رضي الله عنه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو أنَّ رجلاً يخرُّ على وجهه من يوم وُلد إلى يوم يموت هرَماً في طاعة الله عز وجل لحقره ذلك اليوم، ولَودَّ أنه رُدَّ إلى الدنيا كيما يزداد من الأجر والثواب»  (رواه أحمد، وصححه الألباني).

 

اغتنم ركعتين زلفى إلى الله *** إذا كنت فارغاً مستريحا

وإذا هممت بالقول في الباطل *** فاجعل مكانه تسبيحا

استعذ بالله من فضول الأعمال والهموم، فكل ما شغل العبد عن الرب فهو مشؤوم، ومن فاته رضى مولاه فهو محروم، كل العافية في الذكر والطاعة، وكل البلاء في الغفلة والمخالفة، وكل الشفاء في الإنابة والتوبة.
قال إبراهيم بن يزيد العبدي: أتاني رياح القيسي فقال: يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى الآخرة نُحْدِث بقربهم عهداً.
فانطلقت معه، فأتى المقابر فجلسنا إلى بعض تلك القبور، فقال: يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنياً لو مُنِّيَ، قلت: أن يُرَدَّ والله إلى الدنيا فيستمتع من طاعة الله ويُصلِح.
قال: فها نحن، ثم نهض فجدَّ واجتهد فلم يلبث يسيراً إلا مات.
في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُكثر أن يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل» (البخاري[2893]).
الكسل عن العمل الصالح مزلقةُ الربح وآفة الصنائع وأَرْضةُ البضائع، وإذا رقدت النفس في فراش الكسل استغرقها نوم الغفلة عن صالح العمل.

 

ما هذي الحياة رخيصة *** فَصُنْها عن التضييع في غير واجب

وأكثِر بها ذكر الإله وحمده *** وشكراً له تحظى بأسنى المراتب

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى ?لله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، إحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» (رواه مسلم).
اغتنموا مواسم الطاعات فأيامها معدودة، وانتهزوا فرص الأوقات فساعات الإسعاد محدودة، وجُدُّوا في طلب الخيرات فمناهل الرضوان مورودة، وقوموا على قدم السداد، واتقوا الله الذي إليه تحشرون.
فيا سعادة أولي الطاعات الذين اجتباهم مولاهم لدار السلام، وأوردهم مناهل الإنعام، ووالاهم بمواهب الإكرام، وسقاهم من رحيق مختوم ختامه مسك، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
ويا مسرة من شاهد طريق الرشد فسلك مسالكه، وكان من المستبشرين يوم القيامة ووجوههم ضاحكة، لا يحزنهم الفزع الكبر وتتلقاهم الملائكة، هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

سعد بن عبد الله البريك

دكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 5
  • 0
  • 13,270

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً