دموع المآذن - (10) كمال الصلاة

منذ 2014-04-30

ينبغي على العبد أن يعظم ربه إذا وقف بين يديه، كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان أبو بكر إذا صلى بالناس لم يكد يسمعون قراءته من الرقة، وكان عمر يسمع نشيجه من وراء الصفوف..

ولكن من رحمة الله بنا أن شرع لنا ما نسد به نقص صلاتنا..
كما أخرج الحاكم وصححه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول ربنا عز وجل للملائكة -وهو أعلم- أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ثم تؤخذ الأعمال على ذلك».

وكان صلى الله عليه وسلم يحث على السنن الرواتب بل أخبر بالفضل العظيم لمن صلاها، فروى مسلم وابن خزيمة، أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة»، أربعَ ركعات قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح.

وينبغي على العبد أن يعظم ربه إذا وقف بين يديه، كان صلى الله عليه وسلم إذا صلى يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، وكان أبو بكر إذا صلى بالناس لم يكد يسمعون قراءته من الرقة، وكان عمر يسمع نشيجه من وراء الصفوف، كان علي بن الحسين رضي الله عنه إذا توضأ أخذته رعدة، وتصبب عرقاً، فيسألونه عن ذلك؟ فيقول: "ويلكم أتدرون بين يدي من سوف أقوم"!

أما مسلم بن يسار فقال عنه بعض أصحابه: "ما رأيت مسلم بن يسار ملتفتاً في صلاته قط خفيفة ولا طويلة، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدته وإنه لفي المسجد في صلاة، فما التفت إليهم"، وقال ابن سيرين: "رأيت مسلم بن يسار رفع رأسه من السجود في المسجد الجامع، فنظرت إلى موضع سجوده كأنه صب فيه الماء من كثرة دموعه"! وقال ابن عون: "رأيت مسلم بن يسار يصلي كأنه وتد، لا يميل على قدم مرة ولا على قدم مرة، ولا يتحرك له ثوب ولا يتروح على رجل".

وكثير الحمصي أمَّ أهل حمص ستين سنة كاملة، ولم يسهُ في صلاة قط، فسئل عن ذلك فقال: "ما دخلت من باب المسجد قط وفي نفسي غير الله"، نعم يستشعر أحدهم أنه مخلوق حقير واقف بين يدي ملك كبير، خضعت له السماواتُ وما أظلّتْ والأرضُ وما أقلّت، عَنَتْ له الوجوهُ وخضعتْ له الرقابُ، وذلّتْ له الجبابرةُ.

وإذا قال: الله أكبر، استشعرَ أنَّ الله أكبرُ منْ كلِّ ما يخطرُ بالبال، وهو سبحانه يراقب إلى صلاته، ويسمع مناجاته
فإذا قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَقال الله: «حَمِدَنِي عبدي»، وإذا قال: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمقال الله: «أثنى عليَّ عبدي»، فإذا قال: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال الله: «مجدني عبدي»، وإذا قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، قال الله: «هذا لعبدي ولعبدي ما سأل»، فيا لذة قلبه وقرّة عينه، وسرور نفسه بقول ربّه: «عبدي، عبدي».

وهو سبحانه الغني عن عبده قد استوى على عرشه، وتفرد بتدبير ملكه، يغيثِ الملْهُوفين ويجيب المضْطَرِّين، فيخشع لذلك قلبه وتطْمئنُ نفسهُ وتسْكنُ حركاته، ويجْتَمَع همُّهُ على الله وتقرُّ عينُهُ بمولاه، ويحسُّ بحلاوة قُرْبِهِ ويتلذذ بخشوع قَلَبهُ، فيعبدُ الله كَأَنَّهُ يَرَاه فَوقَ سَمَوَاتِهِ مُستَوِيًا عَلَى عَرْشِهِ، يَتَكَلَّمُ بِأَمْرِهِ وَنَهيِهِ، وَيُدَبِّرُ أَمْرَ خَلِيقَته، فَيَنْزِلُ الأَمْرُ مِنْ عِنْدِهِ وَيَصْعَدُ إلَيهِ وهو حَيّ سَمِيع بَصِير، يُحِبُّ وَيُبغِضُ وَيَرضَى وَيَغضَبُ، وَيَفعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحكُمُ مَا يُرِيدُ..

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [الحج:17].

----------------------------------------

من كتاب: (دموع المآذن) للشيخ محمد بن عبد الرحمن العريفي

محمد بن عبد الرحمن العريفي

دكتور وعضو هيئة التدريس بكلية إعداد المعلمين

  • 3
  • 1
  • 3,412
المقال السابق
(9) الصلاة والجنة
المقال التالي
(11) بغض الشيطان للصلاة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً