دراسة تحليلية عن حكم (التأمين الإلزامي)
إن التأمين
الإلزامي على الرخصة لا يتفق مع ما قرره علماء الأمة في فتاويهم التي
صدرت من دار الإفتاء أو من مجامع الفقه الإسلامي بالرغم من اعتراض
البعض ، فكلمة تعاوني وإن بقيت مكتوبة فهي حبر على ورق تلغيها كلمة
إلزامي ، أما التكافل الإجتماعي أو بمعنى آخر التأمين التعاوني أو
التبادلي الذي أجازه الفقهاء فإنه يقوم على مبدأ عقود التبرعات وعلى
مبدأ المشاركة بالضرر والمنفعة من العائد ، وإذا خرج من باب التعاون
المطلق ودخل فيه عنصر الإلزام بقوة القانون فهل يمكن إعتباره من عقود
المعاوضات بالسلع والخدمات التي من أهم شروطها التراضي بين الطرفين
دون غبن ولا غرر ، أو هل يمكن اعتباره من باب الضرائب (التوظيف) ؟ ..
وهذا غير وارد لأن الضرائب تصرف إيراداتها في المصالح العامة والخدمات
التي تعود على الجميع بالنفع ماديا أو معنويا .
إن المشكلة في التأمين التعاوني الإلزامي تكمن في مصير هذه الأموال
التي يتم تحصيلها من المسلمين ، فبعد تعويض الحوادث المحتملة وبعد خصم
تكاليف تشغيل وإدارة شركات التأمين ، وهذه كلها قد لا تتجاوز نسبة
واحد من كل مائة ألف مساهم ، وبقية المبالغ التي تقدر بعشرات
المليارات هي مدار البحث ومناط الحكم فيها يعود إلى كيفية إنتقال
ملكيتها بعد انتهاء الفترة الزمنية المؤمن عليها .
وهذه تنقسم إلى حالات
ثلاثة :
الحالة
الأولى :
إذا كانت شركات التأمين من القطاع الخاص وليست مكونة من قبل المؤمن
لهم (المساهمين) بل هي شركات محترفة مستقلة فإن المتبقي من أموال
المؤمن لهم بنهاية الفترة تنتقل إلى ملكية الشركة بعد خصم تعويضات
الحوادث والتكاليف التشغيلية والإدارية ، وعلى الناس أن يدفعوا
تأميناً جديداً في كل فترة ولا يحق لهم المطالبة بشيء بعد انتهاء
العقد .
الحالة
الثانية :
إذا كانت شركات التأمين حكومية أو شبه حكومية كأن تكون بمثابة مكتب
تحصيل يورد المبالغ إلى خزينة الدولة ، وتقوم على نفس السياسات التي
تعمل بها شركات التأمين في القطاع الخاص بحيث تنتقل ملكية المبالغ
المتبقية في نهاية المدة إلى من تعود إليه ملكية الشركة ، وعلى المؤمن
لهم (المشاركين) تجديد مبالغ التأمين لفترة أخرى .
هاتان الحالتان الأولى والثانية تنتقل فيها ملكية الأموال المتبقية
في نهاية المدة إلى جيوب آخرين غير الذين دفعوها وبغير وجه حق ، فكيف
يمكن تخريج هاتين الحالتين؟ .. ألا تعتبر من باب أكل أموال الناس
بالباطل...
وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا
لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض
منكم } ، فما نوع التجارة التي تزاولها شركات التأمين مع
المساهمين المؤمن لهم ؟ .. وأين التراضي المطلوب شرعاً ؟ .
أليس ذلك من باب أكل أموال الناس بالإثم سواء كان من قبل القطاع
العام أو القطاع الخاص ، حيث يتم عن طريق استصدار القوانين الموصلة
إلى أكل أموال الناس بالإثم ، قال تعالى : " ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم
وأنتم تعلمون " ، ثم ألا يعتبر ذلك أيضاً نوع من أنواع الميسر الكثيرة
فمن الميسر القمار بشتى صوره ، ومنه اليانصيب وأنواع أخرى متداولة في
عصرنا ، وأنواع الميسر تتفق في صفات منها الغرر الفاحش ومنها الغبن
البين ، وفيها منفعة كبرى لأصحاب نواديها ومؤسسيها ، وفيها منافع لبعض
المساهمين العاثرين بالرغم من فوزهم ، قال تعالى : { ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير
ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } .
إن هذه الشركات وكذلك وكلاء الشركات يعلمون بطلان ما يروجون له
ويعلمون أنهم لا يستطيعون الوصول إلى أموال الناس إلا بالإدلاء إلى
الحكام وبقوة القوانين التي تستصدر لمثل هذه الأغراض ، ناهيك عن كثير
من فئات المجتمع التي لا يوجد لديها القدرة على دفع هذه المبالغ ولا
توجد لديها الرغبة للقيام بهذا العمل ولديها قدر كبير من القناعة أن
هذا الأمر لا ينسجم مع الشرع الحنيف ، قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) : « لا
يحل أخذ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه »
أما الحالة
الثالثة :
وهي الموافقة للشريعة الإسلامية حيث تقوم شركات أو مؤسسات تكافل
إجتماعي أو تأمين إجتماعي سواء من قبل القطاع العام مثل (مؤسسة
التأمينات الإجتماعية) ، أو شركات ينشئوها المساهمين بشكل تكافلي أو
تعاوني تستصدر لها تراخيص بحيث يتم تشغيلها من قبل المساهمين فيها
يتوزع فيها الضرر والتكاليف على الجميع ويعود الربح والمنافع على
الجميع ، وتدار أصول هذه الشركات ونشاطاتها لمصلحة جميع المشاركين
فيها بحيث تبقى ملكية المبالغ في نهاية الفترة لأهلها الذين دفعوها
بنسب مساهماتهم بعد دفع التعويضات وخصم تكاليف التشغيل والإدارة ، ولا
ترجيح لمصلحة أحد على أحد .
ودع عنك من يقول أن التأمين الإلزامي اليوم يشبه نظام خفارة أو حراسة
المسافرين والقوافل المستخدمة قديما بحيث أن هناك جماعات متخصصة في
مرافقة القوافل وحراستها وحمايتها من النهب والنشل ويأخذون على ذلك
اجرة ، في نظر البعض أنها تشبه التأمين ، وما أبعد المغرب عن المشرق
لأن شركات التأمين لا تقدم خدمة مثل الخفارة والحراسة بل هم يضعون
شروطاً في العقد قد تحرم المتضررين من التعويض .
وأيضا من يقولون أن التأمين على الرخصة مثل معاشات التقاعد أو
التأمينات الإجتماعية أو الضمان على السيارات والمعدات الجديدة أو
غيرها فإن كل واحد من هذه المواضيع يحتاج إلى بحث منفرد وبعدها سيتضح
حكمه ، وهناك من الفتاوي الشرعية في هذه الأمور وفي أنواع التأمين
المختلفة ما يحقق للقارئ رغبته في معرفة الأحكام إن شاء الله ،
والله من وراء القصد ،،،،
كتبه/ د. غازي بن سالم التمــام
- التصنيف:
اسعد الفلالي
منذابو راكان
منذأبو بكر
منذعبد الرحمن عيد
منذعلي
منذسعد الماجد
منذأبو محمد
منذأبو حسين
منذأبو عمار
منذ