الاستهزاء بالنبي محمدٍ ودينه من أعظم موارد الإرهاب

منذ 2008-04-12

.. وإنَّ من أعظمِ مظاهرِ المحبَّةِ للنبي صلى الله عليه وسلم وأبرزِ دلالاتِ صدقِها أنها تستلزمُ الذَّبَّ عن سُنَّته، لأنها وحيٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..


إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

أما بعد، فقد تناقلت بعض وكالات الأنباء و العديد من المواقع عبر شبكة الإنترنت ما اقترفته الصحيفة الدنمركية: "جيلاندز بوستن" Jyllands-Posten بنشرها (12) رسماً كاريكاتيرياً ساخراً يوم الثلاثاء 26 شعبان 1426هـ الموافق 29/09/2005 م تصوِّر فيه رسول الإسلام محمداً صلى الله عليه وسلم في أشكالٍ مختلفةٍ، وفي أحد الرسوم يظهر مرتدياً عمامة تشبه قنبلةً ملفوفةً حول رأسه!!.

وقد أعادت صحيفة ( Magazinet ) النرويجية في 10 يناير ما قامت به الصحيفة الدانماركية، ونشرت 12 رسماً ساخراً للرسول محمد صلى الله عليه وسلم بدعوى حرية التعبير!!.

و تواصلت الجريدة في غيِّها عندما طلبت من الرسَّامين التقدم بمثل تلك الرسوم لنشرها على صفحاتها مما زاد الأمر قبحاً وشراً.

وأرى لزاماً عليَّ وعلى كل مسلمٍ أن يقف أمام هذا الهجوم على دين الإسلام ورسول الله نبي الهدى والرحمة صلوات ربي وسلامه عليه كلٌّ حسب طاقته ومسئوليته، ولي مع هذا الحدث الأليم الوقفات التالية:

الوقفة الأولى:

ينبغي أنْ يعلم هؤلاء أنَّ للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم مكانةٌ عظيمةٌ في دين الإسلام، وأنَّ وجوب محبته في آياتٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، ومنها قول الله تعالى: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [آل عمران:31].

ومنها قوله تعالى: { قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة:24].

وإنَّ من أعظمِ مظاهرِ المحبَّةِ للنبي صلى الله عليه وسلم وأبرزِ دلالاتِ صدقِها أنها تستلزمُ الذَّبَّ عن سُنَّته، لأنها وحيٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

كما أنّ التَّصَدِّي للمغرِضينَ والمستهزئين والمنافقينَ والمنهزِمِينَ الذين يترصَّدون للسنة النبوية الشريفةِ ويسخرون منه صلى الله عليه وسلم من أعظم الواجبات في دين الإسلام.

وإن من تمام النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث تميم الداري رضي الله عنه الذي يرويه الإمام مسلمٌ في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الدينُ النصيحةُ »، قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: « لله ولكتابهِ ولرسولِهِ ولأئمة المسلمين وعامَّتِهم » الإيمان بنبوَّة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ونصرته حياً وميتاً، فمن كان في حياته كان واجباً عليه أن ينصرَه، ومن لم يدرِكْهُ وجب عليه أن ينصرَه، وذلك بالإيمان به صلى الله عليه وسلم وباتباع سنَّته وإطاعةِ أوامرِه واجتناب نواهيه.

ومن لوازمِ النصحِ له صلى الله عليه وسلم العملُ على نشرِ الشريعة الإسلامية والدعوة إليها وتحكيمها، والتمسُّكِ بآدابها وبما أمرت به ووجهت إليه من تعاليم هذين الوحيين كتابَ الله تعالى وسنَّةَ نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحذير من كل ما يسيء إليه وإلى دينه.

ولذا فإنَّ نصر السنة والذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعظيم شعائر الله تعالى، و لقد سطَّر أئمتنا الكثير في بيان خطر الاستهزاء بالنبي صلى الله عليه وسلم في مؤلفاتهم، وانظر من تلك الكتب الكتاب العظيم لشيخ الإسلام ابن تيمية "الصارم المسلول على شاتم الرسول ".

الوقفة الثانية:


أما هذه السخريات والرسومات التي أساءت فيها الجريدتان السابقتان فهي جمعت بين أنواع من الشرور، إذ جمعت بين الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الافتراءٍ والكذبٍ عليه صلى الله عليه وسلم، إضافةً إلى احتقار مشاعر المسلمين وأحاسيسهم في تلك الديار بل وفي كل أقطار الدنيا، إذ نبينا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أطهر البشرية جمعاء وأزكاها.

و إن هذه السخرية وهذه الرسوم لا تمثل رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم بأي حال، لا رسماً ولا دلالةً، إذ إنها لا تعبر عن معالم وجهه المنيرة، والذي يفيض سماحةً وبشراً وسروراً. كما أنها لا تعبر عن سمته وخلقه صلى الله عليه وسلم.

الوقفة الثالثة:

أين أنتم من الدعاوى البراقة التي تنادي بحقوق الإنسان؟
أليس من حقوق الإنسان عدم السخرية و الاستهزاء بما يعتقده؟
أم أن المسلمين في أنحاء العالم عندكم ليسوا من بني الإنسان؟
و بالتالي لا تشملهم الحقوق!
بل انظروا لأنفسكم كيف تعاملون الحيوان؟!!
ثم قارنوا بتعاملكم أين أنتم من مراعاة مشاعر المسلمين واحترام معتقداتهم؟

الوقفة الرابعة:

إن موقف هاتين الجريدتين المخزي أكبر دعم للإرهاب الدولي المنظم الذي عقدت لمحاربته مؤتمراتٌ ولقاءاتٌ، مع الاختلاف في تحديد مفهومه لأنَّ المسلم قد لا يستطيع ضبط نفسه مع هذا التحدي السافر للإسلام وأهله وعندئذٍ نتساءل:

أليس بالجدير بأن يدرج من يسلك هذا السبيل ويسخر بدين الإسلام ونبيه ويشجِّع على ذلك الإرهاب بأن تتخذ ضده القرارات الدولية لأنه مغذٍ للإرهاب?

ثم ما دامت الشعارات الدولية تنادي بتجفيف موارد الإرهاب، أليس من مهامها تجفيف كلَّ موارده بأنواعها وأشكالها؟

ولا شك ولا ريب أن هذا المورد من أشد موارده، وهو أخطر بكثير من الموارد المالية،لأنها من أعظم الدوافع له.

الوقفة الخامسة:


إنَّ ادعاء صحيفة ( Jyllands-Posten ) حرية التعبير في نشرها لتلك الرسوم الساخرة عن محمدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ادعاءٌ غير مسلَّمٍ ولا مقنعٍ؛ لأن منظمات العالم تؤكد على احترام الرسل، وعلى احترام الشرائع السماوية، واحترام الآخرين وعدم الطعن فيهم بلا بيِّنة. ولذا فإنَّ الحرية المزعومة فيها انتهاكٌ لدين الإسلام، وسخريةٌ برسول الله وإخلالٌ بحقوق الآخرين.

ولهذا فقد استُنكِرَ هذا العمل الشنيع الذي يعدُّ استخفافاً بدين الإسلام الذي يدين به ملايين المسلمين في أنحاء العالم؛ فقام المسلمون من دولٍ ومجالس ووزراء و هيئاتٍ و جمعياتٍ عدةٍ و أفراد باستنكار هذه الحملة الظالمة.

ختاماً:

إننا معشر المسلمين نوجه دعوةً إلى هؤلاء المستهزئين برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام، وإلى غيرهم من غير المسلمين لأن يمتِّعوا أعينهم وفكرهم بالإطلاع على الحقائق من خُلُقِهِ وصفاته، من خلال الكتب في شمائل النبي وصفاته مما كتبه أهل الإسلام، مما هو مسطورٌ في كتب السنة والسيرة، وإن أبيتم فاقرؤوا ما كتبه عددٌ من أهل الإنصاف عن نبيِّ الرحمة والهدى صلى الله عليه وسلم من عقلاء البشر ومثقفيهم، حتى من أهل الملل الأخرى ممن شهدوا له بمكارم الأخلاق والفضائل الجمَّة.

وليعلم المستهزئون وأمثالهم أنَّ الله عز وجل متكفلٌ بحفظ دينه وحامٍ لحمى رسالته، ولن تضير نبيه صلى الله عليه وسلم سخرية الساخرين واستهزاء المستهزئين، فقد كفاه الله ذلك كله، كما قال سبحانه: { إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر:95].

وقد قال الشيخ العلًّامة ابن سعدي رحمه الله في تفسيرها: "وهذا وعدٌ من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أنْ لا يضرّه المستهزئون، وأنْ يكفيهم الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل الله تعالى، فإنَّه ما تظاهر أحدٌ بالاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا أهلكه الله وقتله شر قتلةٍ".

والله أسأل بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يُعلي دينه، وأن يرد كيد الكائدين للمسلمين ودينهم في نحورهم، وأن يقيهم من كل شرٍ.

والحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه..

المصدر: د. عاصم بن عبد الله القريوتي - كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
  • 0
  • 0
  • 6,008

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً