لا تحزن - الاستغفارُ يفتحُ الأقفال

منذ 2014-05-13

عجبتُ لعظماء عَرَفَهُمُ التاريخُ، كانوا يستقبلون المصائب كأنَّها قطراتُ الغيثِ، أو هفيفُ النسيمُ، وعلى رأسِ الجميع سيدُ الخلْقِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وهو في الغارِ، يقولُ لصاحبِه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}. وفي طريقِ الهجرةِ، وهو مطاردٌ مشرَّدٌ يبشِّرُ سراقة بأنه يُسوَّرُ سواريْ كسرى!

يقول ابنُ تيمية: إنَّ المسألة لتغلقُ عليَّ، فأستغفرُ الله ألف مرةٍ أو أكثر أو أقلَّ، فيفتحُها اللهُ عليَّ.
{​فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}.
إنَّ منْ أسبابِ راحةِ البالِ، استغفار ذي الجلال.
رُبَّ ضارةٍ نافعةٌ، وكلُ قضاءٍ خيرٌ حتى المعصيةُ بشرطِها.

فقدْ ورد في المسندِ: لا يقضي اللهُ للعبدِ قضاء إلا كان خيراً له. قيل لابن تيمية: حتى المعصية؟ قال: نعمْ، إذا كان معها التوبةُ والندمُ، والاستغفارُ والانكسارُ. {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً}.

  • قال أبو تمامٍ في أيامِ السعودِ وأيامِ النحسِ: 

مرَّتْ سنونُ بالسعودِ وبالهنا *** فكأنَها مِنْ قِصْرِها أيَّامُ
ثمَّ انْثنتْ أيامُ هجرٍ بعدها *** فكأنها منْ طولِها أعوامُ
ثمَّ انقضت تلك السنونُ وأهلُها *** فكأنَّها وكأنَّهُمْ أحلامُ

{وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}، {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}.

عجبتُ لعظماء عَرَفَهُمُ التاريخُ، كانوا يستقبلون المصائب كأنَّها قطراتُ الغيثِ، أو هفيفُ النسيمُ، وعلى رأسِ الجميع سيدُ الخلْقِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم، وهو في الغارِ، يقولُ لصاحبِه: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}. وفي طريقِ الهجرةِ، وهو مطاردٌ مشرَّدٌ يبشِّرُ سراقة بأنه يُسوَّرُ سواريْ كسرى!

بُشرى مِن الغيبِ ألقتْ في فمِ *** الغار وحْياً وأفضت إلى الدنيا بأسرارِ

وفي بدر يثبُ في الدرعِ صلى الله عليه وسلم وهو يقولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

أنت الشجاعُ إذا لقِيت كتيبةً *** أدَّبْت في هوْلِ الردى أبطالها

وفي أُحدٍ بعد القتلِ والجراحِ يقولُ للصحابةِ: «صُفُّوا خلفي، لأُثني على ربي». إنها هِممٌ نبويَّةٌ تنطحُ الثريَّا، وعزْمٌ نبويٌ يهزُّ الجبال.

قيسُ بنُ عاصم المنْقرِيُّ منْ حلماءِ العربِ، كان مُحتبياً يكلِّم قومهُ بقصةٍ، فأتاه رجلٌ فقال: قُتِل ابنُك الآن، قَتَلَهُ ابنُ فلانة. فما حلَّ حَبْوَتَهُ، ولا أنهى قصّتهُ، حتى انتهى منْ كلامِه، ثم قال: غسِّلوا ابني وكفِّنوه، ثمَّ آذنِوني بالصلاةِ عليه! {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ}.
وعِكرِمةُ بنُ أبي جهلٍ يُعطى الماء في سكراتِ الموتِ، فيقولُ: أعطوه فلاناً. لحارثِ بنِ هشامِ، فيتناولونه واحداً بعد واحداً، حتى يموتُ الجميعُ.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 14
  • 0
  • 52,044
المقال السابق
الاكتئابُ طريقُ الشقاءِ (5)
المقال التالي
الناسُ عليك لا لك

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً