اعرف الخير من الشر!
قال ابن تيمية: "فالقلب السَّليم المحمود، هو الذي يريد الخير لا الشَّر، وكمال ذلك بأن يعرف الخير والشَّر، فأمَّا من لا يعرف الشَّر، فذاك نقص فيه لا يُمدح به" (الفتاوى الكبرى: [5/264]).
القلب السليم يريد الخير للنفس ويريده للناس وهو أبعد ما يكون عن الشَّر... فلا يقع فيه على قدر المستطاع ولا يأمر به ولا يحب وقوع الغير فيه..
قال ابن العربي: "لا يكون القلب سليمًا إذا كان حقودًا حسودًا معجبًا متكبرًا، وقد شرط النَّبي صلى الله عليه وسلم في الإيمان، أن يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه" (أحكام القرآن؛ لابن العربي: [3/459]).
وكمال سلامة القلب معرفة الخير معرفة تامة مبنية على علم وفقه وفهم سليم..
جاء في صحيح الإمام البخاري رحمه الله ورضي عنه:
"قال حميد بن عبد الرحمن سمعت معاوية خطيبًا يقول سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: « ، »".
قال الإمام ابن حجر:
"وهذا الحديث مشتمل على ثلاثة أحكام؛ أحدها: فضل النفقة في الدين. وثانيها: أن المعطي في الحقيقة هو الله. وثالثها: أن بعض هذه الأمة يبقى على الحق أبدًا. فالأول لائق بأبواب العلم. والثاني لائق بقسم الصدقات، ولهذا أورده مسلم في الزكاة، والمؤلف في الخمس. والثالث لائق بذكر أشراط الساعة، وقد أورده المؤلف في الاعتصام لالتفاته إلى مسألة عدم خلو الزمان عن مجتهد، وسيأتي بسط القول فيه هناك، وأن المراد بأمر الله هنا الريح التي تقبض روح كل من في قلبه شيء من الإيمان ويبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة، وقد تتعلق لأحاديث الثلاثة بأبواب العلم -بل بترجمة هذا الباب خاصة- من جهة إثبات الخير لمن تفقه في دين الله، وأن ذلك لا يكون بالاكتساب فقط، بل لمن يفتح الله عليه به، وأن من يفتح الله عليه بذلك لا يزال جنسه موجودًا حتى يأتي أمر الله، وقد جزم البخاري بأن المراد بهم أهل العلم بالآثار.
وقال أحمد بن حنبل: إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم، وقال القاضي عياض: أراد أحمد أهل السنة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث، وقال النووي: محتمل أن تكون هذه الطائفة فرقة من أنواع المؤمنين ممن يقيم أمر الله تعالى من مجاهد وفقيه ومحدث وزاهد وآمر بالمعروف وغير ذلك من أنواع الخير، ولا يلزم اجتماعهم في مكان واحد بل يجوز أن يكونوا متفرقين" أهـ.
فالعلم طريق لمعرفة الخير ومن ثم سلامة القلب... وسلامة القلب درة ثمينة ومكسب عزيز لا بد من مكابدة الأهواء والأحوال للوصول إليه، وقبل ذلك الاستعانة بالله فهو وحده من يملك القلوب سبحانه.
قال سفيان بن دينار: قلت لأبي بشير -وكان من أصحاب علي-: أخبرني عن أعمال من كان قَبْلنا؟ قال: كانوا يعملون يسيرًا، ويُؤْجَرون كثيرًا. قلت: ولم ذاك؟ قال: لسَلَامة صدورهم" (الزهد؛ لهناد بن السري: [2/600]).
وقال الأكفاني وعبد الكريم: "وأصل العبادة مكابدة اللَّيل، وأقصر طرق الجنَّة سَلَامة الصَّدر" (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر: [49/123]).
ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة، جمع ولده، وفيهم مَسْلمة، وكان سيِّدهم، فقال: "أوصيكم بتقوى الله، فإنَّها عِصْمة باقية، وجُنَّة واقية، وهي أحصن كهف، وأزْيَن حِلْية، ليعطف الكبير منكم على الصَّغير، وليعرف الصَّغير منكم حقَّ الكبير، مع سَلَامة الصَّدر، والأخذ بجميل الأمور.." (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر: [63/171]).
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: