آداب الأخُوَّة في الله وحقوقها

منذ 2014-05-16

المحبة لأجل غرض دنيوي فإنها تزول بمجرد زوال ذلك الغرض؛ فهي محبة عارضة مضطربة لا بقاء ِِِلها، ولا خير فيها، ولا تعود على أهلها بخير، وكثيراً ِما تنقلب عِداوة لأتفه الأسباب، وعند أول بادرة خلاف.

1- النية الصالحة:

فإن النية الصالحة لابد منها في كل قول وعمل، لقوله عليه الصلاة والسلام «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»[1]، فينوي الإنسان اتخاذ أخ ٍ وصديق صالح، يكون عونا له على أمر دينه ودنياه، وليستعين به على طاعة الله تعالى، فبهذه النية يوفق الله تعالى الصديقين معا إلى الخير، ويحفظ عليهما أخوتهما وصداقتهما.

2- اتخاذ الأخ والصديق المؤمن الصالح: 

وذلك لقوله تعالى:{إنما المؤمنون إخوةٌَ} [الحجرات من الآية:10]، وقوله تبارك وتعالى: {فأصبحتم بنعمته إخوانا} [آل عمران من الآية:103]، وقوله صلى الله غليه وسلم: «لا تصاحب إلا مؤمنا»، وأما مصاحبة غير المؤمنين، فإنها ليست من الحب في الله والبغض في الله في شيء، بل إنها تدل على خلل خطير في هذا الباب من أبواب الإيمان. وصحبة غير المؤمن وبال على صاحبها في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فإن الكافر أو الفاجر لا يُؤمَن جانبه، ولا يمكن الوثوق به مهما حصل، ولا بد أن يغلبه بغضه لأهل الإسلام، وحبه لأهل دينه، وأن يغلبه طبعه الفاجر. وقد يغدر بصاحبه المسلم، كما أنه لن يعينه أبداً على طاعة الله تعالى، بل سوف يشجعه على المعصية. وأما في الآخرة فإنه ينقلب عدواً لدوداً، كما قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} [الزخرف:67].

3- المحبة لله تعالى: 

وذلك بأن تكون محبة الأخ والصديق لله تعالى، وليس لشيء من أمور الدنيا، كالقرابة أو التجارة، أو غيرها. وقد قال صلى الله عليه سلم: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:....وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله»[2]، فهذه هي المحبة الحقيقية، وهي من أوثق عرى الإيمان، ومن أعظم شعبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: «أوثق عرى الإيمان: الموالاة في الله والمعاداة في الله، والحب في الله، والبغض في الله»[3]. 

وأما المحبة لأجل غرض دنيوي فإنها تزول بمجرد زوال ذلك الغرض؛ فهي محبة عارضة مضطربة لا بقاء ِِِلها، ولا خير فيها، ولا تعود على أهلها بخير، وكثيراً ِما تنقلب عِداوة لأتفه الأسباب، وعند أول بادرة خلاف. 

4- إخبار الأخ بمحبته في الله: 

يعني: إخبار الأخ لأخيه بأنه يحبه في الله، فإن هذا مما يستجلب المودة، ويعمل على زيادة الألفة، لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه»[4]، بل ويسن أن يأتيه في منزله ليخبره بذلك، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله»[5]،  فما أجمل هذا الأدب! وما أعظم أثره على النفس ! وما أقل من يفعله! هذا مع أنه لا ينبغي للمسلم أن يخجل، أو يستحي من إحياء سنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم، ونشرها، وإظهارها بين الناس، بل إن ذلك من أعظم الأعمال الصالحة التي يجري له ثوابها.

5- السلام على الأخ ورد السلام عليه: 

أي: إلقاء السلام عليه إذا لقيته، ورد السلام عليه إذا بدأ به، وذالك بتحية الإسلام: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"، ولا يجوز الإعراض عن هذه التحية واستبدالها بغيرها من صيغ التحية التي فيها تشبه بالكفار، مثل: بنجور، جود مورننج ... الخ:. وكذلك لا يجوز استبدا لها بتحية أخرى مثل: صباح الخير، ونحو ذ لك: إلا إذا بدأ بتحية الإسلام أولا، ثم أتبعها بتلك التحية الأخرى والتي يشترط ألا تكون من تحية الكفار. والأولى والأحسن الاكتفاء بتحية الإسلام فقط، فإن ذلك هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتابعيهم بإحسان. ومما يدل على هذا الأدب وما بعده إلى الأدب التاسع قوله صلى الله عليه وسلم: «حق المسلم على المسلم ست». قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه»[6]. 

6- تشميت الأخ عند العطاس: 

يعني: تشمته إذا عطس فحمد الله تعالى، فيقال له: "يرحمك الله"  كما في الحديث السابق، ويرد هو قائلا: "يهديكم الله ويصلح بالكم".

7- عيادته عند المرض:

 بمعنى زيارته إذا مرض، كما في الحديث السابق، وهذا مما يجبر خاطره، ويجعله يشعر بمكانته عند أخيه، ويديم حبل المودة، ويقوي من روح المريض المعنوية، وحينئذ ينبغي للزائر التأدب بآداب عيادة المريض.

8- إجابة دعوة الصديق: 

أي: إجابة دعوته إذا دعاك إلى طعام، سواء في وليمة أو عقيقة، أو نحوها، كما في الحديث السابق، ما لم يكن في هذه الدعوة محرم لا يقدر على تغييره، فلا يجوز حضورها.

9- النصح للأخ الصديق: 

أي: النصيحة الصادقة له بما فيه منفعته إذا استنصحك، وذلك بما فيه الخير له في دينه ودنياه، فإن هذا من حقه عليك كما في الحديث السابق في الأدب الخامس، وينبغي أن تصدقه في النصيحة، ولا تخدعه أو تغشه فيها، لأن ذلك خيانة له.

10- قبول هدية الصديق: 

أي: عدم رد هديته، مهما كانت بسيطة أ و صغيرة الشأن، لقوله صلى الله عليه وسلم: «أجيبوا الداعي، ولا تردوا الهدية»[7].

ورد هدية الصديق قد يكون باباً من أبواب الشيطان ينفذ منه ليقطع حبل المودة بشكل كامل بين الصديقين.

11- الإهداء للصديق: 

وهذا مما ينبغي الحرص عليه، الإهداء إلى الأخ الصديق من حين لآخر، وفي المناسبات المختلفة، وفي حدود الطاقة؛ فإن هذا مما يستجلب محبة الأخ الصديق، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تهادوا تحابوا»[8]، وأما رد الهدية وعدم قبولها فإنه يذهب المحبة، ويقطع أواصرها.

12- مشاركته الحزن: 

أي: إظهار الحزن لأجله، ومواساته بالمال، وبالكلمة الطيبة، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً»[9].

13- مشاركته الفرح: 

يعني مشاركته في أفراحه، وإظهار السرور و الفرح لأجله، فإن هذا مما يقوي عنده دواعي المحبة وأن تدعو له بالبركة إذا نزلت به نعمه، ولا تحسده عليها.

14- محبة الخير له: 

أي: أن تحب له ما تحب لنفسك من الخير، فإن هذا من خصال الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»[10]، وكذالك تكره له ما تكره لنفسك من الشر والضرر، فإن الإيمان لا يكتمل إلا بذلك، وهو عنوان الصدق في المحبة، والسمو فيها.

15- دفع الغيبة عنه: 

بمعنى أن تذب عنه بالغَيبة، وتدفع عن عرضه إذا كان غائبا، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من ذب عن عرض أخيه بالغَيبة، كان حقاً على الله أن يعتقه من النار»[11].

فلا تسمح لأحد أن يذمه في غيابه، بل تمنعه من ذلك. ومن باب أولى أنك نفسك لا تغتابه، فإن هذا من حقه عليك. والأخ الكريم لا يمكن أن يغتاب أخاه أبدا.

16- الستر عليه: 

وذلك بأن تستره بكل صورة، سواء بستر عرضه، أو بستر عورته، أو بستر عيبه ومعصيته وزلته، وغير ذلك. لقوله صلى الله عليه وسلم: «من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة»[12]، فإنها تشمل كل أنواع الستر، وذلك على النحو الذي ترضاه لنفسك سواء بسواء.

17- نصرة الأخ في الله: 

بمعنى أن تنصره ظالما أو مظلوما. أما نصرته مظلوما فبالوقوف معه حتى يسترد حقه، وأما نصرته ظالماً فبرده عن الظلم، وإعادته إلى الحق والرشد، لقوله صلى الله عليه وسلم:  «انصر أخاك ظالما أو مظلوما». قيل: كيف أنصره ظالماً؟ قال: «تحجزه عن الظلم، فإن ذلك نصرته»[13]. 

ولا يجوز للمسلم أن يخذل أخاه المسلم إذا احتاج لنصرته، والوقوف معه، بل يجب عليه أن يهب سريعاً للوقوف معه، والدفع عنه.

18- عدم الخطبة على خطبته: 

بمعنى أن لا تخطب على خطبته، حتى ينكح، أو يتراجع عن الخطبة. فإن فعل ذلك مما يوغر الصدر، ويسبب العداوة، ويذهب الأخوة. ولذلك نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «المؤمن أخو المؤمن، فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر»[14]. 

19- عدم البيع على بيعه: 

أن لا تبيع على بيعه، حتى يشتري أو يتراجع عن الشراء. وكثيرا ما تسبب الوقوع في مثل ذلك في تغير النفوس، وحلول العداوة والبغضاء محل المحبة والمودة. وقد سبق الحديث عن تحريم ذلك في الأدب السابق.

20- الصدق مع الأخ وعدم الكذب عليه: 

والمقصود أن تصدقه ولا تكذب عليه أبدا، لا في حديث، ولا في نصيحة، ولا في غير ذلك. فإن هذا كله من الغش والخيانة. وذلك لقوله صلى الله غليه وسلم: «المسلم أخو المسلم: لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام: عرضه، وماله، ودمه. التقوى ها هنا- وأشار إلى قلبه – بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»[15]. 

21: تصديق الأخ وعدم تكذيبه:

والمقصود بذلك أن تصدقه في خبره، ولا تكذبه بغير سبب كاف، ولا يجوز للمسلم أن يكذب أخاه المسلم ما دام لم يجرب عليه الكذب، فإن تكذيبه يوغر صدره، ويسبب عداوته. والحديث السابق يدل على ما ذكر.

22- عدم خيانة الأخ: 

بمعنى أن لا تخونه أبدا، لا في ماله بأخذه بغير حق، ولا في عرضه بانتهاكه، ولا تفشي له سرا. فكل هذا من الخيانة التي حرمها الله تعالى، وقد قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} [الأنفال من الآية:58]، ومما يدل على وجوب حفظ سر المسلم وعدم إفشائه قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانه»[16]، ومعنى ( التفت ) قيل: أي انصرف. وقيل: التفاته خشية أن يسمعه أحد دليل على أنه خصك بالسر. فكان إفشاؤه خيانة.

23- احترام الأخ في الله والمقصود: 

عدم تحقيره، وعدم الحط من شأنه، أوتسفيهه بأي صورة، وذلك للحديث السابق في الأدب العشرين، ولأن ذلك يوغر صدره، بل الواجب أن تظهر له كل احترام وإعزاز، وأن تستمع لرأيه، ولا تتنقصه، ولا تسخر منه، وخصوصا أمام الآخرين.

24- الدعاء للأخ في الله: 

بمعنى أن تدعو له بظهر الغيب عندما تدعو لنفسك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل»[17]،  وهذا من أعظم علامات صدق الأخوة والمودة، إذ لا مجال للمراءاة أو المداهنة والتزليف في مثل ذلك.

25- عدم هجران الأخ الصديق: 

بمعنى أن لا تهجره بغير مبرر مشروع، فإن ذلك لا يحل، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيصد، هذا، ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»[19]،  وتزداد الحرمة كلما طال الهجر، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه»[20].

أما إذا كان هجره لمعصية يقع فيها، أو بدعة يعتنقها، ويرجى أنه سوف يتأثر بالهجر فيقلع عنها، فذلك حسن. وإلا فلا. وكذلك يهجر إذا تخلى عن إيمانه والعياذ بالله، ولكن قبل الهجر ينبغي النصح له، ومحاولة الأخذ بيده، فلعله يرجع إلى الحق والصواب.

26- التعاون معه على الخير: 

بمعنى معونته على البر والتقوى، وعلى طاعة الله عز وجل، وقد قال تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة من الآية:2]، ولا تتخلى عنه إذا وقع في معصية، بل تسدده وتوفقه وتشجعه على التوبة، وتقف إلى جانبه، كما قال عمر رضي الله عنه: "إذا رأيتم أخا لكم زل زلة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه".

وأما التخلي عنه إذا وقع في معصية، وعدم الأخذ بيده إلى الخير، فهو مما قد يتسبب في ضياعه بشكل نهائي.

27- الاجتهاد في منفعته: 

وذلك بأن تنفعه بكل وجه ممكن في أمر دينه ودنياه، فإن هذا من حقه عليك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه»[21]، ويشمل هذا كل ما يمكن من أوجه النفع الدينية والدنيوية، غير أنه إذا كان هذا النفع من باب الإعانة على أمر محرم فلا يجوز بحال.

28- المحافظة على دوام الأخوة: 

بمعنى استبقاء أخوته، والمحافظة عليها، واستدامتها بعدم المعاصي ما أمكن، فإن المعاصي تفرق بين الإخوة المؤمنين المتحابين، وذلك لشؤمها، كما قال صلى الله عليه وسلم: «ما تواد اثنان في الله، فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما»[22]. 

وكم من صداقات قد انهارت، وتبددت، بشؤم المعاصي، إذ إن الأرواح جنود مجنده، وما دام أحد الصديقين غير تقي فلا بد أن يبغضه صاحبه التقي بمرور الوقت، وبإصراره على المعصية.

29- مراعاة مشاعره: 

بمعنى المحافظة على مشاعره، وعدم إذائه بقول، أو فعل، أو إشارة. حتى ولو كانت غير متعمده- بل ينبغي الانتباه لذلك والتحرز منه. فكم من رجل قال كلمة أمام أخيه لا يقصد بها السوء، لكنها فهمت على غير وجهها ؛ فأفسدت ما بينهما، وقد قال تعالى:{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء:53].

30- عدم التقصير في أداء حقوق: 

الأخ بمعنى أن لا تقصر في أداء حقوقه عليك اعتماداً على ما بينكما من مودة، وقد قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لا تقصر في حق أخيك اعتمادا على مودته؛"[23]، بل ينبغي الاجتهاد في أداء حقوقه، وعدم التهاون فيها، حرصا على استبقاء المودة وتقويتها.

31- إيثار الأخ في الله: 

بمعنى أن تؤثره على نفسك، وخصوصا إذا كان محتاجا، وقد قال تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر من الآية:9]، فإن لم تستطع إيثاره على نفسك فأشركه معك في الخير كما تحبه لنفسك.

32: تعاهد الأخ:

أي: تعاهده بالسؤال عنه إذا غاب عن المسجد، أو عن عمله، وأن تطمئن على أحواله، وتتفقده بالزيارة في الله، فقد يكون محتاجا إلى مساعدتك.

33- مصادقة أصدقائه: 

بمعنى أن تصادق أصدقائه، خصوصاً إذا كانوا من أهل الخير والتقى، وقد قال الشافعي رحمه الله: من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقاً،[24]، فإن ذلك من كمال الإخلاص له والوفاء لأخوته.

34- التجاوز عن زلاته: 

بمعنى التجاوز عن هفواته وأخطائه إذا كانت أمورا تافهة، ومسامحته إذا أخطأ في حقك. وقد قال الشافعي رحمه الله:" من صدق في أخوة أخيه قبل علله، وسد خلله. وغفر زلته"[25]، ومعنى كلامه رحمه الله: "قبل علله": أي قبله بما فيه من العيوب، مع الاجتهاد في إصلاحها. "وسد خلله" أي اجتهد في استكمال نقصه، وإصلاح عيبه. "وغفر زلته": أي قبل اعتذاره، وتجاوز عن هفواته وأخطائه.

35- المصارحة مع الأخ الصديق: 

بمعنى مصارحته في كل الأمور، والانبساط معه، وعدم التكلف، قال الشافعي: "ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته"[26]، ولا يصلح التعامل معه بالمداراة، والمواربة، واستعمال المعاريض في الكلام، فإن كل هذا ليس من علامات الأخوة الصادقة.

36- خلافته بخير: 

بمعنى أن تخلفه في أهله وولده بخير، إذا غاب، أ وسافر، فتتعاهدهم بالسؤال، والنفقة عليهم قدر الطاقة، وغير ذلك حتى لا يستوحشوا بغيابه. وقد كان هذا دأب السلف رحمهم الله، وذلك لصدقهم في أخوتهم. 

37- شهود جنازته: 

بمعنى أن تشهد جنازته إذا مات، وتتبعه حتى يدفن، فإن هذا من حقه عليك، وقد سبق ذكر الحديث الدال على ذلك في الأدب الخامس.

38- الاستغفار له: 

وسواء كان ذلك الاستغفار في حال حياته، أو بعد موته، فإنه من الدلائل على صدق المحبة. سواء عند قبره بعد الفراغ من دفنه، أو في أي وقت، وتدعو له إذا ذكرته، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد دفن أحد أصحابه: «استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل»[27]، وهذا من أوضح الأدلة على ذلك، فينبغي للمؤمن ألا يهمل هذا الأدب أبداً.

39- تعاهد أهله: 

وولده بمعنى أن تتعاهد أهله, وأولاده بعد موته، فتقضي لهم حوائجهم، وتسأل عنهم، وترعاهم، وتعطيهم إذا احتاجوا، فإن هذا من الوفاء له بعد موته، ومن حقه وحق أولاده وأهله عليك. وقد كان هذا دأب كثير من السلف رحمهم الله تعالى.

40- ذكره بخير: 

بمعنى أن لا تذكره بعد موته إلا بخير، وتترحم عليه إذا ذكر أمامك، فإن هذا من بقاء العهد والوفاء. وكذلك ألا تسمح لأحد بذكره بالعيب بعد موته.

41- صلة أهله بعد موته: 

بمعنى أن تصل أهل مودته بعد موته، فإن ذلك من بقاء العهد، ومن كمال الوفاء، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصل أهل ود خديجة رضي الله عنها بعد موتها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان ربما ذبح الشاة، ثم يقطعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة»[28]، كما وردت الروايات بذلك عنه في الصحيح. فهذا من علامات الوفاء للأخ الصديق بعد فراقه لهذه الدنيا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) (البخاري [1]، ومسلم [1907])

(2) (البخاري [16،21] و مسلم [43] عن أنس).

(3) (أحمد [4/286]، وأبن شيبه في الإيمان [110]).

(4)  (أحمد [4/130]، وأبو داود [5124])

(5) (أحمد [5/145] عن أبي ذر)

(6) (مسلم [2162] عن أبي هريرة).

(7) (أحمد [1/404] والطبراني في الكبير [10/10444]، والبيهقي في الشعب [5359]، والبخاري في (الأدب المفرد [157] عن ابن مسعود (صحيح الجامع [158])).

(8) (البخاري في (الأدب المفرد [87]، وأبو يعلى [ 5/6122] عن أبي هريرة (صحيح الجامع [2004]، وانظر (صحيح الأدب المفرد [462])

(9) (البخاري [481، 2446، 6026]، ومسلم [2585] عن أبي موسى).

(10) (البخاري [13]، ومسلم [45] عن أنس).

(11) (أحمد [6/461]، والطبراني في الكبير [24/442] [443] عن أسماء بنت يزيد، صحيح الجامع [6287]).

(12) (أحمد [4/62] عن رجل من الصحابة، وأصله في الصحيحين (صحيح الجامع [6287]).

(13) (البخاري [2443، 2444، 6952] عن أنس).

(14) (مسلم [1413] عن عقبة بن عامر).

(15) (الترمذي [1927] وحسنه، عن أبي هريرة، صحيح الترمذي [1572]).

(16) (أحمد [3/380]، وأبو داود [4868]، والترمذي [1959] وحسنه، عن جابر، انظر (صحيح الترمذي [1597]).

(17) (مسلم [2732] عن أبي الدرداء)،  وقال صلى الله عليه وسلم: «دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد»[18] (18)  (البزار [4/500] عن عمران بن حصين، (صحيح الجامع [3379]).

(19) (البخاري [6077،6237]، ومسلم [2560] عن أبي أيوب).

(20) (أحمد [4/220]، وأبو داود [4915]، والحاكم [4/163]، وصححه، ووافقه الذهبي، والبخاري في (الأدب المفرد [313] عن أبي خراش، (صحيح أبي داود [4107]). 

(21) (مسلم [2199]).

(22) (جزء من حديث أخرجه أحمد [ 2/68]، عن أبن عمر، والبخاري في (الأدب المفرد [401] عن أنس، وانظر (صحيح الأدب المفرد للألباني [310]).

(23) (مقدمة المجموع شرح المهذب [1/31]).

(24) (مقدمة المجموع شرح المهذب [1/31]).

(25) (مقدمة المجموع شرح المهذب [1/31]).

(26) (مقدمة المجموع شرح المهذب [1/31])

(27) (أبو داود [3221]، والحاكم [1/370]، وصححه، ووافقه الذهبي، عن عثمان بن عفان (صحيح الجامع [945]).

(28) (البخاري [3816،6004]، ومسلم [2434] مختصراً من حديث عائشة).

أحمد سعد الدين  

المصدر: إمام المسجد
  • 17
  • 2
  • 80,467

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً