يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان
ففي هذه الأيَّام تشتَعِل العزائم، وتتوقَّد الهِمَم، وتَتضافَر الجهود؛ استِعدادًا للامتحانات الدِّراسية؛ حيث يَعِيش الطلاب والطالبات هموم الامتِحانات والاختِبارات، فنسأل الله العظيم أن يُعِينهم وأن يشرح صدورهم وأن يُنَوِّر قلوبهم. وقد قيل: "يوم الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان"
الحمد لله الواحد القهَّار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، مُقلِّب القلوب والأبصار، وأشهد أن سيِّدنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسوله المصطفى المختار، صلَّى الله عليه وعلى صحابته الأبرار، وآل بيته الطيِّبين الأطهار، ومَن سار على نهجهم واهتَدَى بهديهم إلى يوم الحشر والقرار. أمَّا بعد:
ففي هذه الأيَّام تشتَعِل العزائم، وتتوقَّد الهِمَم، وتَتضافَر الجهود؛ استِعدادًا للامتحانات الدِّراسية؛ حيث يَعِيش الطلاب والطالبات هموم الامتِحانات والاختِبارات، فنسأل الله العظيم أن يُعِينهم وأن يشرح صدورهم وأن يُنَوِّر قلوبهم. وقد قيل: "يوم الامتحان يُكرَم المرء أو يُهان"، وتجد الطالب أيَّام الاختبارات في هلَع وقلَق، إذا نام فهو خفيف النوم، وإذا أكَل فهو سريع الطعام، ولا يطمئنُّ له جنب، ولا تغمض له عين، ولا يَسكُن له قلب؛ لأن عنده ما يشغله. وترى الكثير ممَّن سيُختَبر أيامًا قبل ذلك في جِدٍّ وتحصيل، ومراجعة ومذاكرة، لا وقت لدى أحدِهم ولا همَّ له إلا ما هو مُقرَّر عليه حفظُه وفهمُه، لا يَكاد أحدُهم يضيِّع لحظةً من لحظاته، بل منهم مَن يزهد فيما كان لا غنية له عنه، من مَأكَل وراحة ونوم، يسهر الكثير منهم إلى آخِر الليل، ويستَيقِظ عند سَماع أذان الفجر أو صِياح الديك. وإذا دخَل الامتحان ودقَّ الجرس فاشتدَّ المَغَص، أرسل طالِب إلى أستاذه برسالة فيها:
أَمُعَلِّمِي قُلْ مَا الْعَمَلْ *** وَالْيَأْسُ قَدْ غَلَبَ الْأَمَلْ
قِيْلَ امْتِحَانُ بَلاَغَةٍ *** فَحَسِبْتُهُ حَانَ الْأَجَلْ
وَفَزِعْتُ مِنْ صَوْتِ الْمُرَا *** قِبِ إِنْ تَنَحْنَحَ أَوْ سَعَلْ
يَجُولُ بَيْنَ صُفُوفِنَا *** وَيَصُولُ صَوْلاَتِ الْبَطَلْ
أَمُعَلِّمِي مَهْلاً أَخِي *** مَا كُلُّ مَسْأَلَةٍ تُحَلّْ
فَمِنَ الْبَلاَغَةِ نَافِعٌ *** وَمِنَ الْبَلاَغَةِ مَا قَتَلْ
قَدْ كُنْتُ أَبْلَدَ طَالِبٍ *** وَأَنَا وَرَبِّي لَمْ أَزَلْ
فَإِذَا أَتَتْكَ إِجَابَتِي *** فِيهَا السُّؤَالُ بِدُونِ حَلّْ
دَعْهَا وَصَحِّحْ غَيْرَهَا *** وَالصِّفْرَ ضَعْهُ عَلَى عَجَلْ
وفي هذا المقام نُرسِل أربع رسائل: (رسالة إلى الطلاب، ورسالة إلى المعلِّمين والمعلِّمات، ورسالة إلى أولياء الطلاب والطالبات، ورسالة إلى المجتمع)؛ لنُحمِّل كلاًّ منهم مسؤوليَّته، ويقوم بواجبه، حتى لا يُقَصِّر فيما أودَعَه الله عندَه من أمانة.
الرسالة الأولى: إلى الطلاب والطالبات:
وأمَّا رسالتنا إلى أبنائنا الطلاب والطالبات:
1- أخلص لله:
فالإخلاص هو أوَّل مفاتيح السعادة والتفوُّق في الدنيا والآخرة، وإلاَّ فالخسران في الدارين؛ فعن أبي هريرة رضِي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم قال: « » (أخرجه مسلم: 3/ 1513، رقم: 1905، وأحمد: 2/ 321، رقم: 8260).
2- كن عالي الهمة:
خذ بأسباب علوِّ الهمَّة وكبر النفس، ليكن لك نفسٌ توَّاقة، تطلب العلا وتأنَف من الأقذاء، وتتجرَّأ على الصِّعاب والمَضايِق، إنها لقِمَّة الفرح والسعادة وقد قيل: "بقدر ما تتعنَّى تنال ما تتمنَّى". خرج أحد العلماء وهو القفَّال الشافعي يطلب العلم وعمره أربعون سنة، بينما هو في الطريق جاءته نفسه فقالت له: كيف تطلب العلم وأنت في هذه السن؟! متى تحفظ؟! ومتى تعلِّم الناس؟! فرجع، فمرَّ بصاحب ساقية يسقي على البقر، وكان الرِّشاء -أي: الحبل- يقطع الصخر من كثرة ما مرَّ، فقال: أطلبه وأتضجَّر من طلبه!
اطْلُبْ وَلاَ تَضْجَرَ مِنْ مَطْلَبٍ *** فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضْجَرَا
أَمَا تَرَى الْحَبْلَ بِطُولِ الْمَدَى *** عَلَى صَلِيبِ الصَّخْرِ قَدْ أَثَّرَا
وكان هذا الموقف عظةً له، واصَل على أثره طلب العلم، وجَدَّ واجتهد، حتى بلغ المنزل، وصار من أئمَّة الشافعية ومن العُلَماء الكبار رحمه الله.
3- كن مُتَفائلاً بقوَّة بأنَّك ستحقِّق النجاح والتوفيق، واحذَر بشدَّة من (التفكير السلبي) أو الرسائل السلبيَّة حول الفشل، وصعوبة المنهج واستحالة النجاح، وغيرها من الأفكار الخطيرة جدًّا، فمثل هذه الأفكار تُعتَبر رسائل سلبية ينتُج عنها غالبًا إخفاق وفشَل بعكس الأفكار الإيجابية المبنيَّة على الثقة والنجاح والتوفيق.
4- اجتهِد في المذاكرة:
اجتهِد في المذاكرة، وخذ بأسباب النجاح، وأسباب الصلاح والتوفيق والفلاح، فإن تعبتم اليوم فغدًا راحَة كبيرة عندما يحزن الكُسالَى لكسلهم، ويفرح حينَها الفائزون بفوزهم، عندها وكأنَّه لم يكن هناك تعب ولا نصب، ومَن جدَّ وجد، ومَن زرَع حصد.
لاَ تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ *** لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبْرَا
فتنظيم الوقت بطريقة معقولة تراعي فيها تقسيم وقتك بين الدراسة الجادة واستِقطاع بعض الوقت للراحة بين كلِّ فترة وأخرى، والبدء بالموادِّ الدِّراسية حسب أهميَّتها، ووضع جدول للمذاكرة يُعتَبَر خطوة ضرورية ومهمَّة جِدًّا، اختيار المكان المناسب للمذاكرة أمرٌ ضروري للحصول على أفضل النتائج بعَوْن الله.
5 - المحافظة على الطاعات والبُعْدُ عن الذنوب:
العلم نورٌ يَقذِفه الله في القلب، والمعصية تُطفِئ ذلك النور، فتركُ الصلاة، أو التخلُّف عنها في الجماعة، أو تأخيرها بالنوم عنها بحجَّة الإرهاق والتَّعَب مع الاختِبارات- كلُّ ذلك من الآثام والمعاصي التي تُطفِئ نور العلم. حافِظوا على الصلوات الخمس في أوقاتها، وسَلُوا الله العون والتوفيق، وستَجِدونه بإذن الله تعالى.
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي
وَأَخْبَرَنِي بِأَنَّ الْعِلْمَ نُورٌ *** وَنُورُ اللهِ لاَ يُهْدَى لِعَاصِي
6- عدم الغش:
فالذي يغشُّ ارتَكَب معصية؛ فعن أبي هريرة رضِي الله عنْه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: مَن غشَّنا فليس مِنَّا (أخرَجَه مسلم: 1/99، رقم: 101، وابن ماجه: 2/ 860، رقم 2575). ولا يدخل الجنة خائن؛ كما روي عن أبي بكر رضِي الله عنْه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « » (أخرجه الترمذي: 4/343، رقم 1963، وقال: حسن غريب).
فقد جعل الامتِحان لتَمييز المجتَهِد من غيره، والدِّين لا يُسَوِّي بينهما في المعاملة، وكذلك العقل السليم لا يَرضَى بهده التسوية؛ قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28]، وبِخُصوص العلم قال: « » [الزمر:9]. وقد قال عبد الله بن عباس رضِي الله عنْهما: "مَن خادع الله يخدعه الله". فمَن نجح بالزُّور والغِش والدَّلَس فإنَّ الله يَمكُر به، ويُعاقِبه في دنياه قبل أخراه، إلا مَن تاب فيَتُوب الله عليه.
خطورة الغش:
انتِشار الغش في الامتِحانات وغيرها رذيلةٌ من أخطر الرذائل على المجتمع، حيث يَسُود فيه الباطل وينحَسِر الحق، ولا يَعِيش مجتمع بانقِلاب الموازين الذي تُسنَد فيه الأمور إلى غير أهلها، وهو ضَياعٌ للأمانة، وأحدُ علامات الساعة كما صحَّ في الحديث الشريف. لأنَّ خُطورة الضرَر الناتج عن الغش في الامتحانات يتمثَّل في:
أولاً: في الاعتِراف الرسميِّ بأهليَّة الناجِحينَ عن هذا الطريق، وبصلاحيتهم لِمُباشَرة العمل الذي يُسنَد إلى الناجِحين في صدْقٍ فيما امتَحنوا فيه مِن موادَّ مُعيَّنة، تُحدِّد مستوى تعليميًّا معيَّنًا؛ كأساسٍ للصلاحية الخاصَّة، وهكذا نجد بعض مَن تُناط مسؤوليات حسب مستواهم الثقافي والتعليمي لا يستطيع أداءَها، ومعنى أن هذا البعض -من الذين نجحوا غِشًّا وزُورًا- لا يستَطِيع أداء مسؤوليَّته: حرمانُ مَن يَتعامَل معهم مِن الحصول على حقوقهم المشروعة بسبب عجز أولئكم عن الأداء.
ثانيًا: حصول هؤلاء الدين نجحوا بالغِشِّ على أجور مُقابل إهمالٍ أو سوء أداء، إذا ما كُلِّفوا بمسؤوليات رسميَّة في وظائفَ مُعَيَّنة، دون أن تكون لهم طاقة على الأداء، ودون أن تكون لدَيهم أمانةٌ فيه، فمَن يَقبَل الغِشَّ والخِداع في اغتِصاب حَقٍّ ليس له وانتِزاع حقٍّ ممَّن هو صاحبه، يقبَل الاختِلاس وأنواع الصُّوَر المختلفة في عدم الأمانة في العمل أو التقصير فيها.
تقديم المساعدة للزُّمَلاء في الامتحان عن طريق الغش:
وإذا ساعَد أحد الطلاب زميله في الامتحان فهذا ليس من باب تفريج الكربة، بل هو مساعدة في الغِشِّ، وهذا أيضًا حرام؛ قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. فالمفروض في الامتِحان أن يكون وسيلةً غير متحيِّزة لوَضْعِ الحق في نصابِه، وتوزيع العدل بين الممتَحَنين في غير غمطٍ لأحد.
أجرة الموظف بشهادةٍ سبَق أن غَشَّ في امتحاناتها:
والذي تولَّى عملاً يحتاج إلى مُؤهِّل يشهد بكفاءته، وقد نال الشهادة بالغِشِّ يحرم عليه ما كسبه من وراء ذلك؛ عن ابن مسعود رضِي الله عنْه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « » (أخرجه الديلمي:3/591، رقم: 5853). وقد يصدق عليه قول الله تعالى: {لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران:188]. ومَن كان قد حصَل منه شيءٌ من ذلك، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى توبةً نصوحًا مثل توبته من سائر الذنوب.
6- استَعِن بالله:
استَعِن بالله وتوكَّل عليه، والجأ إليه بالدعاء بطَلَب التوفيق والعون، والله تعالى قريبٌ مُجِيب؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].
إِذَا لَمْ يَكُنْ عَوْنٌ مِنَ اللهِ لِلْفَتَى *** فَأَكْثَرُ مَا يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
ولا نعلم دعاءً أو صلاةً أو ذِكرًا أو عملاً خاصًّا بما يتعلَّق بالامتِحان، ولكنَّ الدعاء مطلوب، وخاصَّة في وقت الشدَّة والمحنة. كأن تقول: "ربِّ اشرح لي صدري، ويسِّر لي أمري"، تذكَّر دعاء الخروج من البيت: "بسم الله، توكَّلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أَضِلَّ أو أُضِلَّ، أو أَزِلَّ أو أُزلَّ، أو أَظلِم أو أُظلَم، أو أَجهَل أو يُجهَل عليَّ، ولا تنسَ التِماس رضا والدَيْك فدعوتهما لك مستجابة". وإذا استَصعَب عليك شيءٌ فقل: "اللهم لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً" (أخرجه: ابن حبان: 3/255، رقم: 974، الديلمي: 1/495، رقم 2019) عن أنس.
الرسالة الثانية: إلى المعلمين:
معاشر المعلمين والمعلمات، ها هو العام ستُطوَى صحيفتُه، وتذهب أيامُه وذكرياته، ذهبت بما فيها من التوجيه والتعليم والإرشاد، شكَر الله سعيَكم وعظَّم الله أجوركم، وجزاكم عن أبناء المسلمين وبناتهم خير الجزاء وأوفاه، نِعْمَ ما صنعتُم، وأسأل الله أن يعظم الأجور لنا ولكم. معاشرَ المعلمين والمعلمات، الامتحانات مسؤوليات وأمانات وتبعات، فاللهَ اللهَ في فِلذات أكباد المؤمنين، فاتَّقوا الله عزَّ وجل فيهم، كونوا أشدَّاء بدون عنف، ورُحَماء بدون ضعف، وأعطوا كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وكلَّ ذي قدرٍ قدرَه، وزِنُوا بالقسطاس المستقيم، واعدلوا بين أبنائكم وبناتكم؛ فإنهم أمانة في أعناقكم.
1- تهيئة الجو المثالي للطلاب:
هيِّئوا الجوَّ المثالي لهم، فإنَّ الطلاب والطالبات يدخلون إلى الامتِحان والاختِبار بنفوس مهمومة، وقلوب مغمومة، فيها من الأكدار، وفيها من الأشجان والأحزان ما الله به عليم، فامسَحُوا على رؤوسهم عَطفًا وحَنانًا، وأكرِموهم لطفًا وإحسانًا؛ فإنَّ الله لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً.
2- الاختبارات أمانة:
معاشِرَ المعلمين والمعلمات، أسئلة الاختِبار أمانة في أعناقكم، فاحفَظُوا الأمانات، ألا لا إيمان لِمَن لا أمانةَ له، إفشاء الأسرار أو تنبيه الطلاَّب على مواضع الأسئلة، أو السكوت عن الغشَّاشين والمُتَساهِلين ذنب كبير، ووزر عظيم، وشر مستطير، يخرج للأمَّة مَن يتسمَّى بالعلم غشًّا وزورًا، وتحمل بين يدي الله إثمه ووزره، فاتَّقوا الله يا عباد الله.
3- الاختبار ليس تعجيزًا:
اعلموا رحمنا الله وإيَّاكم أنَّ الاختبار لا يُقصَد به التعجيز والأذيَّة والأضرار، فهذه ذريَّة ضعيفة بين أيديكم، إياكم وأن تشقُّوا عليهم فتكلفوهم ما لا يستطيعون، أو تحمِّلوهم ما لا يُطِيقون؛ فعن عائشة رضِي الله عنها عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: « » (أخرجه مسلم: 3/1458، رقم: 1828، أحمد: 6/93، رقم: 24666).
الرسالة الثالثة: إلى أولياء الطلاب:
يا مَعاشِر الآباء والأمَّهات، رِفْقًا بالأبناء والبنات، ها هي أيامهم قد أقبلت، وهمومهم قد عظمت، فخُذُوهم بالعطف والحنان، واشملوهم بالمودَّة والإحسان، وأَعِينوهم على هموم الامتحان يَكُن لكم في ذلك الأجر عند الكريم المنَّان، أحسِنُوا إلى الأبناء والبنات، وخَفِّفوا عنهم في التَّبِعات، ويَسِّروا عليهم يَسَّر الله عليكم الأمور، أَعِينوهم على ما هم فيه، وقوموا بواجبهم عليكم، علِّموهم وأرشِدوهم واشحَذوا هممهم. والتشجيع بالكلام مطلوبٌ مثل: أخذ الله بيدك، وأعانَك الله، وبارَك الله فيك.
عبد الله، تذكَّر أنَّك مسؤولٌ عن هؤلاء الأبناء، ليس فقط من أجل نجاحهم في امتحان الدنيا، بل أنت مسؤول حتى عن نجاحهم في الآخرة. عن ابن عمر رضِي الله عنْهما عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «البخاري: 2/ 848، رقم: 2278، ومسلم: 3/1459، رقم: 1829).
» (أخرجه
الرسالة الرابعة: إلى المجتمع:
ليقم المجتمع بمسؤوليَّته، ليعلم أبناء الأمَّة ما الهدف من الدراسة، هل هي مجرَّد تلك الشهادة لتعلق على الجدار؟ أم أنَّ الهدف أن يفتَخِر المرء بأنَّه درس وتفوَّق؟ أم أنَّ الأمر مجرَّد ملءٌ للفراغ، وإشغالٌ للوقت؟ أم أنَّ الهدف وظيفة مرموقة، وكرسي دوَّار وثير؟ أم أنَّه منصبٌ نسعى له؟
يا ترى ما هو الهدف؟ إنَّني لأتساءَل: يا ترى ما هي الأهداف التي نبتَغِيها من دِراسة أبنائنا وتفوُّقهم، والتي نزرعها في أفئدتهم طِيلَة سنواتهم الدراسية؟ أيُّها المسلمون، إنَّ الواجب على المجتمع والمسؤولين أن يعلِّموا أبناءنا حبَّ التعليم وحب التفوق؛ لأنه لبنة بناء في مجد الأمَّة؛ لأنه مصدر إنتاج في الوطن الإسلامي، لأنه مشعل تستَضِيء به الأمَّة في هذا الظلام الدامِس الذي انتابها في هذه العهود.
نعم، كيف نبني؟ وكيف نصنع؟ وكيف نعلِّم ونطبِّب ونُهندِس؟ وكيف نخطِّط وننتج؟ بل كيف نستغني عن الاستعانة بالخبير الأجنبي الذي ليس همُّه إسلامًا ولا أمَّة، بل همُّه تدمير الأمَّة ورجالاتها، إذا لم يتربَّ أبناؤنا على حمل هم المجتمع، بل الأمة كلها، منذ نعومة أظافرهم، حتى حملهم للشهادة التي يبتغونها هم وأُسَرُهم؟
نعم، علينا أن نُحيِي في نفوس أبنائنا أنهم بناة المجد، وهامة العلوِّ، والقوَّة التي ننتظرها، والحصن الحصين الذي تتحصَّن به الأمَّة. ليس الهدف مجرَّد شهادة ووظيفة وراتب عالٍ ومنصب، بل الهدف أشدُّ رفعةً من سموِّ الجِبال الراسِخة. إذن ندرس من أجل الإنتاج، ندرس من أجل أن يكون الواحد مِنَّا بنَّاء لمجد أمَّة الإسلام، لا يكن همُّ الواحد مِنَّا من الآباء والطلاب مجرَّد تحصيل الدنيا ونيل أجرها ونعيمها؛ فإن الله قد تكفَّل بالرزق؛ فعن زيد بن ثابت رضِي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «
» (أخرجه أحمد: 5/183، رقم: 21630، والطبراني: 5/154، رقم: 4925). هذا والله أعلى وأعلم. وصلِّ اللهم وسلِّم على سيِّدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.عبد العزيز رجب
- التصنيف:
- المصدر: