صناعة العلماء - (9) أخطاء العلماء وواقع الأمة
تحدث الشيخين عن أزمة العلماء، وتلك الأزمة ناتجة عن مجموعة من الأخطاء، تظهر ملامحها في عدم اهتمام علماء الأمة –الذين هم نبضها وحياته- بالقضايا الكبرى للمسلمين وتحدثهم في فروع الدين وترك أصوله، وضعف خطابهم الدعوي في توضيح قضايا الأمة. وهنا ملخص ما جاء في هذه الحلقة
بسم الله الرحمن الرحيم
د. راغب:
سنذكر بعض الأمور التي قد تؤلم البعض، لكننا لا نذكرها لمجرد البكاء أو الحزن أو اليأس أو الإحباط، ولكن نذكرها لنبحث سويًا عن العلاج.
نريد أن نتكلم عن المشاكل التي يعيشها علماء الأمة الإسلامية خاصة في هذا الزمن.
د. صلاح:
إن أزمة الأمة الأولى ليست في حكامها وإنما في علمائها، فالحكام يحكمون على المال والسلطة والجيوش لكن العلماء يحكمون على الحكام وعلى القلوب والعقول.
لو أن علماء أي بلد اجتمعوا على أمر ما وتعاهدوا وتعاقدوا على أن ينصحوا حاكم البلد ولا يتنازلوا لأن يقولوا له قولاً لينًا سيتذكر أو يخشى، لكنهم لا يفعلون!
د. راغب:
إن أول مشكلة نرصدها في واقع علمائنا هي أن هناك نوع من الانفصال للعالِم عن واقعه الذي يعيشه، فيكون العالَم الإسلامي في وادٍ والعالِم الإسلامي في وادٍ آخر!
أين العالِم من المشاكل التي تواجهها الأمة الإسلامية؟ هل يعيش هموم الأمة، أم يعيش فقط همومه الشخصية الذاتية؟
د. صلاح:
هناك الظاهرة والحالات، فالظاهرة هي صمت العلماء وانفصالهم عن واقعنا، أما الحالات هي معايشة عدد محدود من العلماء لأزمات الأمة ومشاكلها اليوم، فأصبح الانفصال عن هموم الأمة هو الظاهرة.
لنذهب إلى أي كلية من كليات الشريعة التي تُدَرِّس ماجستير ودكتوراه ولنرى موضوعات الدراسة، فنجد أن كثير من علمائنا أجادوا الهروب إلى الماضي، لأن الماضي آمن، لكن الواقع ربما يعرضه إلى شيء من الهلاك.
دراسة التاريخ تكون من أجل إصلاح الواقع وهذا أمر ضروري جدًا، لكن لا أن يعيش الإنسان في دوائر تحقيق النصوص دون أن يأخذ من هذه النصوص منهجيات لإصلاح الواقع الذي نعيشه الآن! فمثلًا إذا درسنا علم الكلام لا يمكن أن أدرس مشكلاته ومدارس المعتدلة والأشعرية لكي أساهم في مزيد من تقسيم الأمة الإسلامية، وتكفير وتفسيق بعضنا البعض.
بل وهناك حالة انفصال في الشرق والغرب، وليس في الشرق فقط، لكن والله أراها مخططة، لولا أنني لا أميل إلى التفسير التآمري، لكن إذا كنت تجمع عدة شواهد صغيرة فتتكون عندك قاعدة كبيرة.
د. راغب:
لعلها مخططة بشكل غير مباشر، كلمني أحد الإخوة من دولة عربية قريبة جدًا من العراق أثناء احتلال العراق يشكو لي فيقول: لدينا في المسجد تقوم مشاحنة كبيرة ومجادلات فقهية كثيرة في قضايا معينة، والجيوش الأمريكية تُعربد في العراق وتحتل وتقتل وغرس خابور في عنق الأمة الإسلامية في العراق.
وأذكر أننا كنا نعاني من هذا البلد وأنها على علاقة حميمية بأمريكا وكانت هناك أدلة بأن له علاقة بهذا الاحتلال، ولعل هناك شيء غير مباشر، ولعل هناك بالطبع أناس مُسَلَطة ومُوَجَهة بتآمر خارجي، لكن أنا أشعر أن المشكلة الحقيقية من الداخل، فمشكلة الانفصال متجذرة منذ 100 سنة.
د. صلاح:
شُغل العلماء بقضايا هي من فروع فروع الفقه وتركوا القضايا الأصلية الكبيرة، وهذا هروب من أجل تجميل الوجه الذي لا يمكن أن يُجَمَّل على الإطلاق.
فتركوا قضايا الاستعباد الخارجي والاستبداد الداخلي والفساد المالي والتحلل الاخلاقي وغيرها من قضايا التخلف العلمي الفقر والجهل والمرض وهذا السرطان الثلاثي الذي أصاب نخاع الأمة الإسلامية.
وهذا أراه هروب، كما أسماه الشيخ الغزالي رحمة الله عليه: "الهروب إلى فقه دورة المياه"!
د. راغب:
وعندما نقول أن هناك قضية هامشية أو بسيطة من القضايا، وهي قضية من قضايا الدين، لا يعني ذلك أن هذه القضية غير مهمة ولا نعني بذلك أنها قضية لا ينبغي أن تُدرس.
ولكن أولاً: هناك أولويات لا بد أن نتكلم في الأولى ثم الأقل أولوية وإن كان الكل المهم طالما أنه جزء في الدين.
ثانيًا: هناك خطاب يوجه للعامة وخطاب يكون في المحافل الأكاديمية، فهناك في المحافل بين الأساتذة والعلماء والفقهاء تُدرس القضايا وإن دقّت حتى نخرج بحكم ينفع للمسلمين، لكن في الخطاب لعامة الناس، لا بد أن ينتقي الكلام الذي يمس حياة الناس وهموم أمتهم، وهنا يصبح العالِم عالِمًا ربانيًا حقيقيًا يعيش هموم أمته.
لسماع هذه الحلقة: أخطاء العلماء وواقع الأمة
- التصنيف:
- المصدر: