ثقافة الاجترار
منذ 2008-06-03
لقد ذُبح المشروع التغريبي من الوريد إلى الوريد.. بأيدي إسلامية وعربية بالذات.. امتدت من المحيط إلى المحيط.. ذبحاً إسلامياً على الكتاب والسنة..
ثقافة
الاجترار (1)
وبعدُ:
الأستاذ المفكر العظيم محمد بن علي المحمود كتب مقالاً يأتي ضمن سلسلة من مقالات الاعتراف التي بدأ يستعلن بها ويجاهر بعض أفراد القطيع الذي استهوته الشياطين فصدته بالدنيا وبهرجتها عن الدين. وهذا القطيع- كسائر الكائنات- له خصائص أو قل سلوكيات أو قل طبائع طُبع بها: وأحد أهم علاماته طمس البصيرة الذي بُلي به جزاء وفاقاً على انحراف عن الحق إلى الباطل كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف 175: 176]..
ومن آخر مفردة من هذه الآية أدلف إلى موضوعي هذا لأقول:
إنني وغيري من الزملاء الأعزاء حين نكتب أو نعلق على ما يتقيؤه هذا الغثيث وأشباهه لا نكتبه نتطلب هداية الله أن تنزل عليهم- وإن كان ذلك هدفاً نبيلاً- ولكني أرى أنه وفي ظل وجود منهج جديد في لباسه ومنطلقاته قديم في مضمونه وأصحابه يسمح لمثل هذه الكائنات بالحياة والتنفس بين الأصحاء تذرعاً بما يُسمى الحوار و (عدم الخوف من النقد) وتقبل التنكيت على التدين في جوهره ومظهره- أقول: أخشى أنه بمرور الزمن وغياب الاهتمام بهذه البكتيريا الخضراء الطافية على السطح أن تتحول إلى مصدر استنارة واستلهام كما تحول بعض العفونات في عصرنا هذا إلى مصدر للطاقة والصحة في علم الطب البديل وأشباهه.
إنني وعامة المسلمين ندرك بجلاء بحمدالله أن هؤلاء الليبراليين أو التنويريين كأمثال هذا الرجل الفحل الملهم محمد المحمود هم من أتفه الناس منطقاً وأكثرهم سطحية وغباء وأسفههم أحلاماً وأسخفهم طرحاً وتناولاً وآخراً: كذبهم حديثاً..
المقال الذي نشرته له- كالعادة- الرياض يناقش فكرة أصبحت مثل الوسواس القهري عند قطيع المستغربين: لماذا نفشل جماهيرياً مقابل نجاح الخطاب السلفي؟؟
أرأيت سؤالاً غبياً كهذا؟ ماذا لو قال شخص مثلاً: غريب.. لماذا تفوقت أمريكا في علوم الفضاء في حين لم تطلق الدول العربية أي مكوك فضائي..؟
والحقيقة أني لما تأملت وجدت أن الأمر لا ينطوي على الغباء بمثل ما هو نوع من النرجسية التي استولت على عقول هؤلاء الناس وأقسم بالله لست حانثاً أن عامتهم مرضى نفسيون يستطيع أي محلل نفسي أن يصنف طبيعة المرض من مقال أو اثنين غير أن النرجسية عامل مشترك بينهم:
وحقيقة سؤالهم: لماذا مع كل ما متعنا الله به من العلم والثقافة والذكاء والاستنارة والفكر لا يتبعنا إلى ثلة قليلة من النخب المثقفة؟
بينما خطيب متوسط المستوى ربما يجيش مئات الآلاف لخطاب ديني بسيط؟
يقول المفكر العظيم المحمود: (مضى ما يناهز القرنين من الزمان على بداية الحركة التنويرية في العالم العربي؛ منذ بدأ رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي رحلة التنوير الذي كان يخضع- تبعاً لظروف المرحلة، ومكونات الفاعل التنويري- للمنحى الإصلاحي، بدل المنحى العقلاني الخالص. ورغم كل هذه السنوات، ورغم تعدد وتنوع التيارات التنويرية، إلا أن هناك حقيقة مؤلمة، لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، وهي أن التنوير لم يحظ بالاستجابة الجماهيرية التي ترجح كفته على تيارات التقليدي).
أقول: حقيقة مؤلمة لا يستطيع تجاهلها ولا إنكارها، لكنه سيحاول تحليل أسبابها بمنطق أعوج سيذكره بعد قليل، ويلفت نظري هنا اعترافه أن الخط الظلامي (الذي يسميه تنويرياً) فشل رغم تنوعه وثرائه وتغييره الألبسة مرة بعد مرة: فبعد العقلانية الخالصة التي تنكرت لحقائق الغيب ونزعت إلى المادية جاء التنوير في الذي خضع كما يقول الكذاب لظروف المرحلة يريد أن يبرر ما يعرفه الجميع من ارتباط هؤلاء المستنيرين بالغرب عمالة سواء كانت عمالة تطوعية انبهارية أو عمالة مادية نفعية بحتة.
يقول المفكر الأممي الملهم: (طبيعي أن تبقى الجماهير الأمية وشبه الأمية في صف التقليد، وضد التنوير في بداية التعرف على التنوير. لكن، أن يكون هذا الانحياز الجماهيري هو الغالب على روح الأمة في بعديها: العربي والإسلامي، فهذا يدل على أن هناك تصورات راسخة ضد التنوير وأعلامه، جعلت منه خصماً للجماهير في كثير من الأحيان، أو موضع إهمالها في بعض الأحيان).
أقول أنا العبد الفقير: هكذا يلمز الجماهير بالأمية، وهكذا ديدن هؤلاء الحمقى، فكل من لا يتبع هراءهم ودجلهم فهو أمي مقلد: أما من يتبعهم فهم النخبة وهم القادة وهم المفكرون المستنيرون.. ألا ما أشبه الليلة بالبارحة..
وقد كرر هذا حين قال في آخر مقالته: (عبر هذه الرحلة الطويلة من المواجهة، كان الجهل الذي اتسمت به شرائح عريضة من الجماهير، يخدم سدنة الخطاب التقليدي. الأمية القرائية، والأمية الثقافية- وهي الأخطر في هذا الجدل الفكري- كانت ظروفاً اجتماعية، تساعد على رواج التقليد من جهة، وعلى الجهل بالتنوير- والجهل داعية ارتياب- من جهة أخرى. لقد لوحظ أن التنوير يتقهقر في الوقت الذي يتردى فيه التعليم، وتتراجع فيه الثقافة؛ كخطاب في التنوع والمعاصرة) وهذا خداع النفس حين تتهرب من الحقيقة.
ثم انظر إلى الاكتشاف العظيم الذي توصل إليه إذ يقول: (هناك تصورات راسخة ضد التنوير وأعلامه) ما شاء الله، الآن حصحص الحق: نعم هناك شيء راسخ في الأمة ضد الظلامية التي تسميها تنويراً: لكنه ليس تصورات كما تقول وتدعي وتزعم: إنما الذي رسخ في قلوب الأمة (الجماهير) ضد التنوير المزعوم هو الإيمان والدين والفطرة الكاشفة التي تدل صاحبها على زيف دعاوى المستنيرين، خصوصاً تلك التي هي من مخرجات أردأ وأحط آليات إنتاج المستنيرين المعاصرين، كتلك التي خرجت لنا منها نسخة (المحمود) وأمثاله، لأنها نسخ مقلدة مهترئة تحمل عوامل فسادها وعفونتها في أجوافها..
فتاريخ صلاحيتها متقدم أصلاً على تاريخ إنتاجها!
قال العلامة الجهبذ خاتمة المستنيرين (قولوا آمين): (لا شك أن الوعي السلفي، سواء في منحاه الديني، أو في منحاه الاجتماعي- وبينهما علاقة جدلية؛ لا تجعل من الديني بالضرورة هو الأصل- هو المسئول عن الرفض الجماهيري للتنوير، والانحراف عن الفاعل التنويري، لحساب التقليد والجمود، ولصالح الفاعل التقليدي المنتج لخطاب الخرافة التي ترضي عواطف الجماهير، والموغل في أسطرة التاريخ الذي لا تجد الجماهير البائسة في سواه عزاء لها عن واقعها، واقع التخلف والانحطاط، وعن هزائم الزعماء الملهمين!.).
أقول أنا الفقير: في هذه الأسطر القليلة على ما فيها من الهلهلة والفيهقة: كذبة صلعاء ومقولة صدق وهو كذوب: أما المقولة الصادقة فهي أن الوعي السلفي هو المسئول عن الرفض، وهو وعي له جذوره الموغلة في التاريخ، شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أما الكذب الأقرع فهو يريد أن يفصل بين هذا الوعي وبين الدين ليقول إن الدين لا يصطدم بالظلامية التي يدعو إليها وهذا منتهى الكذب فالوعي السلفي إنما اكتسب قوته وصموده في وجه الاستغراب والتغريب من الدين، وإلا لكان مثله مثل غيره من الدعوات التي قضت نحبها على نصل الوعي الديني.
ثم إن الوعي السلفي لا ينتج الانحراف وإنما ينتج الاستقامة على الحق والثبات عليه..
والفاعل التقليدي الذي يتضجر المحمود هو التقليد والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، والخرافة التي يريد تحرير الجماهير منها هي ما جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا خطاب معتاد لا نستغربه، وهل يتأمل عاقل من الجُعَلِ طيباً؟
الخطاب السلفي ليس خطاب الخرافة.. والمحمود يعرف- أو ربما يجهل- أن الخطاب السلفي إنما حصد العداوة من كثير من الغوغاء والعامة بسبب محاربته الخرافة ونزوعه إلى العلم وتحرير الإنسان من التبعية الفكرية- لا مطلقاً كما ينادي به الظلاميون كالمحمود وإنما مقيداً باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول المحمود: (التيار التنويري، وفي كل زمان ومكان في العالم العربي، لم يتعامل مع الجماهير مباشرة، أو لم يسمح له أن يبلغ رسالته؛ دون تدخل من أحد. لقد كان من قدر التنوير أينما حل، أن يقف التقليد منه موقف الخصم اللدود. وهذا طبيعي في سياق خطاب يجاهد انطفاء شعلته المقدسة؛ فيما يتوهم. لكن- وهذا هو المهم- لم تكن المواجهة بين أفراد وأفراد، ولا بين مؤسسات ومؤسسات، وإنما بين أفراد من قبل التيار التنويري، ومؤسسات تقليدية راسخة، تاريخها يمتد لعدة قرون، بحيث أصبحت البنية المؤسساتية للخطاب التقليدي، مقدسة بذاتها، فضلاً عن مضمونها ذي المنحى الرجعي السلفي.
هذه المؤسسات الراسخة في التاريخ، ومنه في أعماق وعي الجماهير التي لم تشب عن طوقه، وبقيت- لجهلها- أسيرة جهله، أو ما يسميه علماً!، هي التي وقفت بالمرصاد لأعلام التنوير كأفراد، ولكل إجرائية تنويرية يراد لها أن تتمأسس في الواقع. وفي هذا تم توظيف كل شيء يمكن أن يفيد في كسب هذه المعركة؛ من خطبة الجمعة، إلى واقع الاستعمار المرفوض من جميع الشرائح الاجتماعية، مروراً بولولة الأدعية وبكائياتها، وحلقات الدروشة وغنائياتها).
أقول: قديماً قيل للكذاب: ما يحملك على الكذب؟ قال: لو تغرغرت به مرة ما نسيت حلاوته).
والذي يبدو أن المحمود قد حُنّك بمرارة كذاب مشهور.. وإلا كيف يستمرئ مثل هذا الكذب علناً على صفحات الجرائد..
أنا أعلم أن الفشل مر.. وأن الخسارة فادحة.. لكن يا محمود (باشا) الواقعية والموضوعية تستلزم الصدق في التحليل مع النفس أولاً ثم مع الآخرين..
الباشا يريد أن يقول لكم: سبب فشل دعوات الظلاميين ليس راجعاً لهم: (يعني بالعامي الجماعة ما قصروا بذلوا جهدهم) لكن السبب هو ما وجدوه من مواجهة وممانعة من قبل مؤسسات سلفية وقفت لهم بالمرصاد. وأنا أقول: إن الأحزاب اليسارية والشيوعية والدعوات العقلانية والتنويرية المزعومة لقيت كل الدعم لا من قبل المؤسسات فقط بل حتى من الدول.. لقد كانت هذه الدعوات- وما زالت- والأحزاب طلائع الغزاة وفرق الموت التي يستعملها الغرب لللاستيلاء على ثروات الشعوب المادية والمعنوية لكنهم فشلوا وارتدوا على أعقابهم بفضل الله ثم بفضل بقايا من الفكر والوعي السلفي الجهادي..
الوعي السلفي الذي ردكم على أعقابكم ليس هو الدروشة في زوايا الصوفية ولا علم الكلام والمنطق في حوزات الرافضة..
بل الوعي السلفي هو الكتاب والسنة والحجة والبرهان والسيف والرمح..
يا محمود (باشا).. الفكر والعلم والوعي السلفي هو الذي بقي منذ أربعة عشر قرناً رغم كل ما تعرض له من مصادمة وتشويه وتأليب للدول عليه.. لأنه يحمل عوامل حياته وبقائه في ذاته..
بعكس كل دعوات الباطل ومنها دعوة الاستنارة المدعان من قبل (فخامتكم).
يقول كيف يستطيع رجل فرد- كالشيخ محمد عبده- أن يواجه معقلاً من أكبر معاقل السلفية في العالم الإسلامي (الأزهر)، بينما معظم شيوخه يطعنون في فكره، وربما في دينه؟ وعندما يحاول توظيف قوى الاستعمار؛ يصبح في خط النار، فيتهم بأن الاستعمار هو الذي يوظفه لصالحه، وليس هو الذي يوظف الاستعمار؛ مع أن التنوير- آنذاك- مستحيل دون التفاعل الإيجابي مع الوجود الاستعماري. لقد كان الاستعمار هو العدو المحتل، ولكنه كان القدوة، والمثال، والأنموذج الحضاري، ومصدر الوعي بالتخلف في الوقت نفسه).
أقول: يظهر أن لسعة الشيخ سعد البريك كوت جنوب القوم.. انظر إلى هذا الاستخفاف.. بل الخفة في الحقيقة.
محمد عبده الذي يسميه هؤلاء إماماً والذي يعود إليه الفضل بل المذمة في انحرافات كبيرة وقعت في الأمة بل كان في حقيقته ذيلاً للمستعمر.. يقول المحمود إنه لم يكن موظفاً عند المستعمر بل كان هو الذي وظف المستعمر..
في ماذا يا ترى؟
في تنوير الأمة من خلال تقديم الأنموذج الحضاري من خلال حسناوات بني الأصفر المتبرجات.. وقد كان ذلك.
ومن خلال القانون البريطاني والفرنسي: وقد كان ذلك.
ومن عقلانية المنهجية المادية في البحث العلمي: وقد كان ذلك.
وأخرج لنا محمد عبده كبار المحاربين لله ورسوله وشريعته حاشا من أنقذه الله مثل الشيخ رشيد رضا.
ثم يقول: هذا الأفاك (فكيف يمكن لأفراد- كعبده- إفهام قوى التقليد ومؤسساته بهذه الحال، وإقناعها بضرورة الخروج من كهوف قرونها الوسطى)..
إلى الله المشتكى.. أي قرون وسطى تريد إخراجنا من كهوفها؟
يبدو أنّه خانته العبارة فقط، هو أراد أن يقول: من أغوار القرون الوسطى: من غار حراء وغار ثور..
الأغوار التي نزل فيها النور الإلهي على محمد صلى الله عليه وسلم فعم به أرجاء الدنيا حتى ضجت الخفافيش من سطوعه.. يعجب المحمود من كيفية إخراج الأمة منه.. نعوذ بالله من هكذا بشر.
يقول: لقد استطاعت قوى التقليد والجمود أن تحاصر التنوير في جيوب ضيقة، بحيث لا يؤثر في مسيرة المجتمع، ولا يفعل في وعي الجماهير؛ فيبقى مخلصاً لمقولاتها، وخاضعاً لرموزها وزعاماتها؛ عبر إخضاعه لجملة من المؤثرات التي تضمن تدجينه واستئناسه في حظائرها. ولتحقيق ذلك؛ قامت باللعب على أوتار المقدس؛ لتصبح الحرب (الجدل الفكري) حرباً مقدسة، يخوضها سدنة التقليد، ومن ورائهم مسلوبو الإرادة من الجماهير الغائبة والمغيبة، لمواجهة خطاب التنوير وأعلامه.
أقول: في الحقيقة أخطأت الأمة كثيراً حين تركت أعلام التنوير من العلم الهمام (المحمود) وذهبت تقلد في جمود وغيبة فكر لمجموعة من الزعامات التقليدية..
وأقول أيضاً: لن أعلق على مثل هذا الكلام إلا بقوله تعالى لأسلاف المحمود: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119].
يقول البيك: (كل هذا مؤشر إلى أن هناك علاقة بين صعود خطاب التقليد والمحافظة، وبين تراجع التعليم والثقافة عن مكانتهما كقيمة في السياق الاجتماعي العام. هل كان يمكن- لو كان هناك تعليم نوعي، وسياسة ثقافية تدعم التنوير وقيم الانفتاح- أن تصل مبيعات الكتب التي تتحدث عن الحجاب، وعن تفسير الأحلام، وإخراج الجان، وكرامات الأولياء... إلخ إلى أرقام مليونية، وفي المقابل لا تصل مبيعات كتب الفكر الجاد حدود الآلاف، وأحياناً دون حدود الألف الواحد).
أقول: انظر إلى الحسد.. مع أني لا أدعم هذه النوعيات من الكتب كثيراً- إلا الكتب عن الحجاب- إلا أني أتعجب من هذا الكذب المتعمد: يريد أن يصور الأمة والجماهير بأنها لا تسعى إلا للخرافة، ثم إني أتعجب كيف حشر الحجاب مع إخراج الجان وتفسير الأحلام؟ هل هو عنده خرافة؟ يبدو كذلك.
ومع هذا نقول: إن الأفاك تغاضى عن كتب مفكرين جادين حقاً من الإسلاميين رغم ما فيها من ملاحظات ونواقص ومؤاخذات إلا أننا وإياها في خندق واحد ضد دعاة الظلام وأبواق الغرب- هؤلاء وصلت مبيعات كتبهم أرقاماً فلكية مع أنها حوت روائع الفكر الإسلامي مؤصلة ومفصلة وفيها الفكر المستقيم الذي يعتمد على الكتاب والسنة والتصور الإسلامي..
ثم إن تعجب فعجب وصفه لما يكتبه الأفاكون والدجاجلة من أمثاله بالجدية فضلاً عن كونها فكراً..
الفكر فكران: فكر صحيح يعتمد على قضايا يقينية أو ظنية غالبة معلومة ليصل من خلالها إلى مجهول يقيني أو ظني غالب، وفكر آخر يعتمد على التخيل والكذب وبناء النتائج الكاذبة على المقدمات الكاذبة الخاطئة..
وهذا الأخير هو الذي يصفه المحمود بالجدية ويتأسف من رفض الأمة له!
يا سبحان الله، هل يُلام الإنسان إذا تقيّأ الطعام الفاسد؟ أو هل يُلام إذا رفض ما يتعارض مع طبيعة خلقته؟
وهؤلاء الظلاميون يقدون للأمة ما يتعارض مع طبيعتها وفطرتها ودينها الذي آمنت به ثم يعجبون من رفض الناس لهم.. تباً لهذا الغباء!
يقول: (ولو نظرنا إلى الكتب أو الكتيبات التي تعنون ب(فلان في ميزان الإسلام) لوجدنا هذا الفلاني في الغالب من أعلام التنوير. ومعنى هذا أن الذي يحاكم هذا العلم التنويري، إنما هو شخص يدعي أنه الممثل الشرعي للإسلام، وأن الموضوع في الميزان شخص متهم في دينه. وليس هذا التصنيف من نوع كتب العقاد- مثلاً- كهتلر في الميزان؛ لأن الميزان هنا مطلق، يترك فرصة للجدل العقلي، ولتنوع الرؤى. بينما (ميزان الإسلام) محدد بالإضافة. فليس مجرد محاكمة فكرية، وإنما محكمة تفتيش، باسم الإسلام).
أقول: أحيل هذه الفقرة بمذكرة إدارية لأخينا الشيخ سليمان الخراشي باعتباره أحد الذين وزنوا بعض رواد الظلاميين (المستنيرين).
يقول: (ومما زاد من ضراوة المواجهة بين التيار التقليدي وبين الأطروحة التنويرية برموزها الفكرية والعملية، أن السنوات الأخيرة بدأت تأخذ المجتمع في اتجاه الانفتاح النسبي. وهذا من شأنه أن يعزز مقولات التنوير، ويدعم مواقع أصحابها، ويظهرها وكأنها خيار المستقبل، خاصة وأن المجتمع قد جرّب الانقياد التام للخطاب التقليدي؛ فوجد أنهم- دائماً- في صف التقهقر والارتياب بالحضاري، أي أنه- بعد التجربة الواقعية- وجد أنه خطاب فاشل؛ بدليل أن الخطوات الإيجابية في المجتمع، قد تم القيام بها رغماً عنه، أو- على الأقل- بعيداً عن مبادرته ومباركته. وبهذا أدرك مجتمعنا أن الخطاب التقليدي الذي طالما تماهى معه، أنه أحد أسباب التخلف التاريخي، وأحد أسباب استمراريته؛ حتى وإن عزّ عليه الاعتراف صراحة بهذه الحقيقة المؤلمة).
أقول: الظاهر أن السيد المفكر المحمود تحول إلى (نكت جي) يعني بياع نكت أو أخصائي نكت..
الرجل يستدل بما يُفرض على المتدينين بالإسلام من قبل سلطات الدول دليلاً على أنه خطاب فاشل!
بالله عليكم يا كل العقلاء: هل هذا منطق شخص عاقل فضلاً عن مفكر (جلمود) علم من أعلام التنوير!
وأنا أقول: فإذا كان ما يفرضه المتسلطون والمتنفذون على الأمة من خطوات إفسادية (يسميها إيجابية) دليلاً على فشل الخطاب الإسلامي فإن لفظ الأمة لكم وبصقها على أطروحاتكم وإعراضها عنكم دليلاً أكبر وأكثر قطعية على أن الخطاب التنويري المزعوم خطاب فاشل.. وإلا فأين هي نتائجه أو على الأقل أهدافه التي تحققت!
الجواب: لا شيء إلا الغنا والخنا والتفسخ ومزيداً من التنظير للعربدة تحت شعار الحرية..
يا مستر محمود: قدوتنا وإمامنا (رغم أنفك) محمد صلى الله عليه وسلم علمنا أن العبرة بالعاقبة والمآل لا بالواقع والحال، قال تعالى: {الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة:214]..
المؤمن قرير العين بنصر الله وحسن العاقبة.. لا يهزه النصر ويطغيه.. ولا يحبطه الابتلاء ويثنيه لأنه يعلم أنه محن وتصفية وتربية وامتحان للمنافقين والمندسين في الصفوف كأمثال سعادتكم لا كثر الله أمثالكم، ألم تسمع قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166} وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} [آل عمران 166: 167].
يقول: (الجماهير بحكم العلاقة التاريخية، عواطفها مع الخطاب التقليدي، وتتمنى لو كانت النجاة على يديه. ولكنها في الوقت نفسه تدرك- أو بدأت تخطو خطواتها الأولى في سبيل ذلك- أن الخطاب التقليدي لدينا، لا يمتلك أي مقوم من مقومات الحضارة، وفاقد الشيء لا يعطيه. بل على العكس من ذلك، بدأت تتضح الصورة بتفاصيلها المؤلمة، حيث تؤكد في مجملها، أن هذا الخطاب ينطوي على نفور شديد من العلم (العلم الحقيقي، وليست التراثيات الجاهزة التي يتم اجترارها).
أقول: في هذه الفقرة ألمس معاناة المحمود من طعم المرارة، ومن وطأة الشعور بالفشل.
إن الفشل في ذاته أمر مريع.. ويصيب الفاشل بالإحباط.. فكيف إذا كان المصاب نرجسياً مغروراً؟!
لذا بدأ يهذي بما يضحك عليه العقلاء، فهو يقول: إن الخطاب التقليدي- يعني به الخطاب الإيماني الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر- لا يملك أي مقوم من مقومات الحضارة، وأنه ينفر نفوراً شديداً من العلم الدنيوي، وهذا من أكبر الكذب، فلعنة الله على الكاذبين!
يا رجل!
يا هذا!
هب أنّه لا دين يردعك عن الكذب!
وهب أنه لا حياء عنه يمنعك!
ولا عقل يحكمك!
أما لك ولي عن السفه يمنعك ويحوطك عن رفقة السوء!
وهل تعرف أنت شيئاً عن مقومات الحضارة؟!
بل هل تدري ما الحضارة أصلاً قبل أن نسألك عن مقوماتها؟
الحضارة عرفها الوعي الديني السلفي قبل أن تسمع بها أنت ولا قومك.
نعم إن كنت تقصد بالحضارة تلك التي خصبت النواة وأبادت بها البشر فنحن نحمد الله أننا لا نملك مقوماتها.
أو كنت تقصد تلك التي أقامها أسيادك في العراق فكذلك.
أو كنت تقصد بها الحضارة التي شيدت بها ألمانيا في كأس العالم آلاف المواخير وأكواخ الدعارة فكذلك.
أو كنت تقصد بها حضارة الحرية التي تسمح بالمسافدة في الطرقات فكذلك.
كل هذه وأشباهها حضارة لا نعرفها ولا نريدها..
أما إذا قصدت بالحضارة منظومة الأخلاق والمعاملات والسلوك والفكر والأخذ بأسباب الرقي الدنيوي المباح فلا تستيطع أنت ولا ألوف مثلك أن يثبتوا دعوى نفور الوعي السلفي منها..
تلفت حولك يا رقيع وانظر من قادة الشركات الكبرى ومدراؤها ومشغلوها إلا أصحاب التقوى والخطاب الديني..
تلفت حولك وانظر من هم أساتذة الجامعات وقادة الإصلاح الاجتماعي والفكري إلا أصحاب الوعي السلفي..
وهذا يجعلني ألفت النظر إلى خديعة يخدع بها التنويريون أنفسهم وغيرهم وهي أنّ أتباعهم هم النخبة وأتباع الخطاب الديني هم الجماهير وهذا هراء في الحقيقة، بل النخب بكل أطيافها إلا من شذ من الحمقى والمستغفلين- هم رواد أتباع الخطاب الديني.. والجماهير (الأمة) إنما تتبع هؤلاء النخب.. فالحقيقة أنّ الفكر الظلامي مدحور مقهور فاشل على كل الأصعدة وبأكثر من وجه..
يقول أخيراً: (هذا التزحزح الجماهيري الذي بدأ يظهر في السنوات الأخيرة لدينا، لم يجعل الخطاب التقليدي يراجع نفسه، أو يحاول التخفيف من إيغاله في التصدي لخطاب التنوير. ما حدث من هذا الخطاب التقليدي في هذه الفترة، لا يمكن تفسيره إلا بالإحالة على سيكولوجية الإنسان المذعور؛ حيث زاد اضطرابه، وتشبثه بمقولاته، وترويجه التهم الجاهزة، لهذا التنوير الذي بدا- في تصور الخطاب التقليدي- وكأن الزمن يسير لصالحه).
أقول: بل العكس هو الصحيح، فإنّ شعور الحركات والتيارات المُستعمرة فكرياً والموظفة إستعمارياً وفي مقدمتها دعوة المستنيرين (الظلاميين) بالهزيمة وفقدان المقاعد واحداً تلو الآخر وسحب البسط من تحت أقدامهم واحداً بعد آخر جعل خطابهم العمومي المائع اللامز أكثر صراحة في السب والشتم لله ورسوله ودينه وشريعته..
انظر للناتج الإعلامي الموجّه تجده كذلك.
واقرأ في صحافتهم تجدها كذلك.. ومقال المحمود مثال صارخ، وإلا هل كان المحمود يحتاج لأن يسمي دين الله وشريعته التي سطرها الأئمة في كتبهم (التراثيات الجاهزة التي يتم اجترارها) ..
لماذا بدأ هؤلاء بالتصريح بعد التلميح ولماذا أصبحوا أكثر بجاحة وكلاحة.. بعض الناس يحسب أن هذا نتيجة قوة ودعم ونفوذ وهذا غير صحيح..
بل الصحيح أنها انتفاضة الذبيح..
ومقاومة يائسة في آخر رمق ولكن هيهات..
لقد ذُبح المشروع التغريبي من الوريد إلى الوريد.. بأيدي إسلامية وعربية بالذات.. امتدت من المحيط إلى المحيط.. ذبحاً إسلامياً على الكتاب والسنة..
ذبحته أصوات الناخبين التي أسكتت أصوات الناعقين على الخراب .. الذين لا يحسنون إلا الكلام ودعاوى عريضة بامتلاكهم وحدهم المشروع الحضاري المنقذ ومنهم هذا الأفاك الذي نتناول مقاله ..
ذبحته طلقات المجاهدين التي أثبتت أنه في أحلك الأوقات وأصعب الظروف لن تجد الأمة من يمد لها يد العون ويفديها بروحه وماله إلا الخطاب الديني والوعي السلفي.
ذبحته لحية طويلة وثوب قصير وقلب سليم وخلق رفيع وسلوك قويم وعفة وطهارة .. وهي مقومات الحضارة التي ننشدها وينشدها كل فِطري لم يتلوث بزبالة فكر الاستنارة والمستنيرين ..
قال: (يُتبع).
أقول: وسنتبع إن شاء الله.
خاتمة:
اللهم إن هؤلاء آذونا في أحبّ أنبيائك.. وأفضل كتبك.. وأحسن شرائعك.. وأصلح أوليائك.. وقد قامت عليهم حجتك.. فاللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.. آمين .
وبعدُ:
الأستاذ المفكر العظيم محمد بن علي المحمود كتب مقالاً يأتي ضمن سلسلة من مقالات الاعتراف التي بدأ يستعلن بها ويجاهر بعض أفراد القطيع الذي استهوته الشياطين فصدته بالدنيا وبهرجتها عن الدين. وهذا القطيع- كسائر الكائنات- له خصائص أو قل سلوكيات أو قل طبائع طُبع بها: وأحد أهم علاماته طمس البصيرة الذي بُلي به جزاء وفاقاً على انحراف عن الحق إلى الباطل كما قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{175} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث} [الأعراف 175: 176]..
ومن آخر مفردة من هذه الآية أدلف إلى موضوعي هذا لأقول:
إنني وغيري من الزملاء الأعزاء حين نكتب أو نعلق على ما يتقيؤه هذا الغثيث وأشباهه لا نكتبه نتطلب هداية الله أن تنزل عليهم- وإن كان ذلك هدفاً نبيلاً- ولكني أرى أنه وفي ظل وجود منهج جديد في لباسه ومنطلقاته قديم في مضمونه وأصحابه يسمح لمثل هذه الكائنات بالحياة والتنفس بين الأصحاء تذرعاً بما يُسمى الحوار و (عدم الخوف من النقد) وتقبل التنكيت على التدين في جوهره ومظهره- أقول: أخشى أنه بمرور الزمن وغياب الاهتمام بهذه البكتيريا الخضراء الطافية على السطح أن تتحول إلى مصدر استنارة واستلهام كما تحول بعض العفونات في عصرنا هذا إلى مصدر للطاقة والصحة في علم الطب البديل وأشباهه.
إنني وعامة المسلمين ندرك بجلاء بحمدالله أن هؤلاء الليبراليين أو التنويريين كأمثال هذا الرجل الفحل الملهم محمد المحمود هم من أتفه الناس منطقاً وأكثرهم سطحية وغباء وأسفههم أحلاماً وأسخفهم طرحاً وتناولاً وآخراً: كذبهم حديثاً..
المقال الذي نشرته له- كالعادة- الرياض يناقش فكرة أصبحت مثل الوسواس القهري عند قطيع المستغربين: لماذا نفشل جماهيرياً مقابل نجاح الخطاب السلفي؟؟
أرأيت سؤالاً غبياً كهذا؟ ماذا لو قال شخص مثلاً: غريب.. لماذا تفوقت أمريكا في علوم الفضاء في حين لم تطلق الدول العربية أي مكوك فضائي..؟
والحقيقة أني لما تأملت وجدت أن الأمر لا ينطوي على الغباء بمثل ما هو نوع من النرجسية التي استولت على عقول هؤلاء الناس وأقسم بالله لست حانثاً أن عامتهم مرضى نفسيون يستطيع أي محلل نفسي أن يصنف طبيعة المرض من مقال أو اثنين غير أن النرجسية عامل مشترك بينهم:
وحقيقة سؤالهم: لماذا مع كل ما متعنا الله به من العلم والثقافة والذكاء والاستنارة والفكر لا يتبعنا إلى ثلة قليلة من النخب المثقفة؟
بينما خطيب متوسط المستوى ربما يجيش مئات الآلاف لخطاب ديني بسيط؟
يقول المفكر العظيم المحمود: (مضى ما يناهز القرنين من الزمان على بداية الحركة التنويرية في العالم العربي؛ منذ بدأ رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي رحلة التنوير الذي كان يخضع- تبعاً لظروف المرحلة، ومكونات الفاعل التنويري- للمنحى الإصلاحي، بدل المنحى العقلاني الخالص. ورغم كل هذه السنوات، ورغم تعدد وتنوع التيارات التنويرية، إلا أن هناك حقيقة مؤلمة، لا يمكن إنكارها أو تجاهلها، وهي أن التنوير لم يحظ بالاستجابة الجماهيرية التي ترجح كفته على تيارات التقليدي).
أقول: حقيقة مؤلمة لا يستطيع تجاهلها ولا إنكارها، لكنه سيحاول تحليل أسبابها بمنطق أعوج سيذكره بعد قليل، ويلفت نظري هنا اعترافه أن الخط الظلامي (الذي يسميه تنويرياً) فشل رغم تنوعه وثرائه وتغييره الألبسة مرة بعد مرة: فبعد العقلانية الخالصة التي تنكرت لحقائق الغيب ونزعت إلى المادية جاء التنوير في الذي خضع كما يقول الكذاب لظروف المرحلة يريد أن يبرر ما يعرفه الجميع من ارتباط هؤلاء المستنيرين بالغرب عمالة سواء كانت عمالة تطوعية انبهارية أو عمالة مادية نفعية بحتة.
يقول المفكر الأممي الملهم: (طبيعي أن تبقى الجماهير الأمية وشبه الأمية في صف التقليد، وضد التنوير في بداية التعرف على التنوير. لكن، أن يكون هذا الانحياز الجماهيري هو الغالب على روح الأمة في بعديها: العربي والإسلامي، فهذا يدل على أن هناك تصورات راسخة ضد التنوير وأعلامه، جعلت منه خصماً للجماهير في كثير من الأحيان، أو موضع إهمالها في بعض الأحيان).
أقول أنا العبد الفقير: هكذا يلمز الجماهير بالأمية، وهكذا ديدن هؤلاء الحمقى، فكل من لا يتبع هراءهم ودجلهم فهو أمي مقلد: أما من يتبعهم فهم النخبة وهم القادة وهم المفكرون المستنيرون.. ألا ما أشبه الليلة بالبارحة..
وقد كرر هذا حين قال في آخر مقالته: (عبر هذه الرحلة الطويلة من المواجهة، كان الجهل الذي اتسمت به شرائح عريضة من الجماهير، يخدم سدنة الخطاب التقليدي. الأمية القرائية، والأمية الثقافية- وهي الأخطر في هذا الجدل الفكري- كانت ظروفاً اجتماعية، تساعد على رواج التقليد من جهة، وعلى الجهل بالتنوير- والجهل داعية ارتياب- من جهة أخرى. لقد لوحظ أن التنوير يتقهقر في الوقت الذي يتردى فيه التعليم، وتتراجع فيه الثقافة؛ كخطاب في التنوع والمعاصرة) وهذا خداع النفس حين تتهرب من الحقيقة.
ثم انظر إلى الاكتشاف العظيم الذي توصل إليه إذ يقول: (هناك تصورات راسخة ضد التنوير وأعلامه) ما شاء الله، الآن حصحص الحق: نعم هناك شيء راسخ في الأمة ضد الظلامية التي تسميها تنويراً: لكنه ليس تصورات كما تقول وتدعي وتزعم: إنما الذي رسخ في قلوب الأمة (الجماهير) ضد التنوير المزعوم هو الإيمان والدين والفطرة الكاشفة التي تدل صاحبها على زيف دعاوى المستنيرين، خصوصاً تلك التي هي من مخرجات أردأ وأحط آليات إنتاج المستنيرين المعاصرين، كتلك التي خرجت لنا منها نسخة (المحمود) وأمثاله، لأنها نسخ مقلدة مهترئة تحمل عوامل فسادها وعفونتها في أجوافها..
فتاريخ صلاحيتها متقدم أصلاً على تاريخ إنتاجها!
قال العلامة الجهبذ خاتمة المستنيرين (قولوا آمين): (لا شك أن الوعي السلفي، سواء في منحاه الديني، أو في منحاه الاجتماعي- وبينهما علاقة جدلية؛ لا تجعل من الديني بالضرورة هو الأصل- هو المسئول عن الرفض الجماهيري للتنوير، والانحراف عن الفاعل التنويري، لحساب التقليد والجمود، ولصالح الفاعل التقليدي المنتج لخطاب الخرافة التي ترضي عواطف الجماهير، والموغل في أسطرة التاريخ الذي لا تجد الجماهير البائسة في سواه عزاء لها عن واقعها، واقع التخلف والانحطاط، وعن هزائم الزعماء الملهمين!.).
أقول أنا الفقير: في هذه الأسطر القليلة على ما فيها من الهلهلة والفيهقة: كذبة صلعاء ومقولة صدق وهو كذوب: أما المقولة الصادقة فهي أن الوعي السلفي هو المسئول عن الرفض، وهو وعي له جذوره الموغلة في التاريخ، شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
أما الكذب الأقرع فهو يريد أن يفصل بين هذا الوعي وبين الدين ليقول إن الدين لا يصطدم بالظلامية التي يدعو إليها وهذا منتهى الكذب فالوعي السلفي إنما اكتسب قوته وصموده في وجه الاستغراب والتغريب من الدين، وإلا لكان مثله مثل غيره من الدعوات التي قضت نحبها على نصل الوعي الديني.
ثم إن الوعي السلفي لا ينتج الانحراف وإنما ينتج الاستقامة على الحق والثبات عليه..
والفاعل التقليدي الذي يتضجر المحمود هو التقليد والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، والخرافة التي يريد تحرير الجماهير منها هي ما جاءنا به النبي صلى الله عليه وسلم.. وهذا خطاب معتاد لا نستغربه، وهل يتأمل عاقل من الجُعَلِ طيباً؟
الخطاب السلفي ليس خطاب الخرافة.. والمحمود يعرف- أو ربما يجهل- أن الخطاب السلفي إنما حصد العداوة من كثير من الغوغاء والعامة بسبب محاربته الخرافة ونزوعه إلى العلم وتحرير الإنسان من التبعية الفكرية- لا مطلقاً كما ينادي به الظلاميون كالمحمود وإنما مقيداً باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول المحمود: (التيار التنويري، وفي كل زمان ومكان في العالم العربي، لم يتعامل مع الجماهير مباشرة، أو لم يسمح له أن يبلغ رسالته؛ دون تدخل من أحد. لقد كان من قدر التنوير أينما حل، أن يقف التقليد منه موقف الخصم اللدود. وهذا طبيعي في سياق خطاب يجاهد انطفاء شعلته المقدسة؛ فيما يتوهم. لكن- وهذا هو المهم- لم تكن المواجهة بين أفراد وأفراد، ولا بين مؤسسات ومؤسسات، وإنما بين أفراد من قبل التيار التنويري، ومؤسسات تقليدية راسخة، تاريخها يمتد لعدة قرون، بحيث أصبحت البنية المؤسساتية للخطاب التقليدي، مقدسة بذاتها، فضلاً عن مضمونها ذي المنحى الرجعي السلفي.
هذه المؤسسات الراسخة في التاريخ، ومنه في أعماق وعي الجماهير التي لم تشب عن طوقه، وبقيت- لجهلها- أسيرة جهله، أو ما يسميه علماً!، هي التي وقفت بالمرصاد لأعلام التنوير كأفراد، ولكل إجرائية تنويرية يراد لها أن تتمأسس في الواقع. وفي هذا تم توظيف كل شيء يمكن أن يفيد في كسب هذه المعركة؛ من خطبة الجمعة، إلى واقع الاستعمار المرفوض من جميع الشرائح الاجتماعية، مروراً بولولة الأدعية وبكائياتها، وحلقات الدروشة وغنائياتها).
أقول: قديماً قيل للكذاب: ما يحملك على الكذب؟ قال: لو تغرغرت به مرة ما نسيت حلاوته).
والذي يبدو أن المحمود قد حُنّك بمرارة كذاب مشهور.. وإلا كيف يستمرئ مثل هذا الكذب علناً على صفحات الجرائد..
أنا أعلم أن الفشل مر.. وأن الخسارة فادحة.. لكن يا محمود (باشا) الواقعية والموضوعية تستلزم الصدق في التحليل مع النفس أولاً ثم مع الآخرين..
الباشا يريد أن يقول لكم: سبب فشل دعوات الظلاميين ليس راجعاً لهم: (يعني بالعامي الجماعة ما قصروا بذلوا جهدهم) لكن السبب هو ما وجدوه من مواجهة وممانعة من قبل مؤسسات سلفية وقفت لهم بالمرصاد. وأنا أقول: إن الأحزاب اليسارية والشيوعية والدعوات العقلانية والتنويرية المزعومة لقيت كل الدعم لا من قبل المؤسسات فقط بل حتى من الدول.. لقد كانت هذه الدعوات- وما زالت- والأحزاب طلائع الغزاة وفرق الموت التي يستعملها الغرب لللاستيلاء على ثروات الشعوب المادية والمعنوية لكنهم فشلوا وارتدوا على أعقابهم بفضل الله ثم بفضل بقايا من الفكر والوعي السلفي الجهادي..
الوعي السلفي الذي ردكم على أعقابكم ليس هو الدروشة في زوايا الصوفية ولا علم الكلام والمنطق في حوزات الرافضة..
بل الوعي السلفي هو الكتاب والسنة والحجة والبرهان والسيف والرمح..
يا محمود (باشا).. الفكر والعلم والوعي السلفي هو الذي بقي منذ أربعة عشر قرناً رغم كل ما تعرض له من مصادمة وتشويه وتأليب للدول عليه.. لأنه يحمل عوامل حياته وبقائه في ذاته..
بعكس كل دعوات الباطل ومنها دعوة الاستنارة المدعان من قبل (فخامتكم).
يقول كيف يستطيع رجل فرد- كالشيخ محمد عبده- أن يواجه معقلاً من أكبر معاقل السلفية في العالم الإسلامي (الأزهر)، بينما معظم شيوخه يطعنون في فكره، وربما في دينه؟ وعندما يحاول توظيف قوى الاستعمار؛ يصبح في خط النار، فيتهم بأن الاستعمار هو الذي يوظفه لصالحه، وليس هو الذي يوظف الاستعمار؛ مع أن التنوير- آنذاك- مستحيل دون التفاعل الإيجابي مع الوجود الاستعماري. لقد كان الاستعمار هو العدو المحتل، ولكنه كان القدوة، والمثال، والأنموذج الحضاري، ومصدر الوعي بالتخلف في الوقت نفسه).
أقول: يظهر أن لسعة الشيخ سعد البريك كوت جنوب القوم.. انظر إلى هذا الاستخفاف.. بل الخفة في الحقيقة.
محمد عبده الذي يسميه هؤلاء إماماً والذي يعود إليه الفضل بل المذمة في انحرافات كبيرة وقعت في الأمة بل كان في حقيقته ذيلاً للمستعمر.. يقول المحمود إنه لم يكن موظفاً عند المستعمر بل كان هو الذي وظف المستعمر..
في ماذا يا ترى؟
في تنوير الأمة من خلال تقديم الأنموذج الحضاري من خلال حسناوات بني الأصفر المتبرجات.. وقد كان ذلك.
ومن خلال القانون البريطاني والفرنسي: وقد كان ذلك.
ومن عقلانية المنهجية المادية في البحث العلمي: وقد كان ذلك.
وأخرج لنا محمد عبده كبار المحاربين لله ورسوله وشريعته حاشا من أنقذه الله مثل الشيخ رشيد رضا.
ثم يقول: هذا الأفاك (فكيف يمكن لأفراد- كعبده- إفهام قوى التقليد ومؤسساته بهذه الحال، وإقناعها بضرورة الخروج من كهوف قرونها الوسطى)..
إلى الله المشتكى.. أي قرون وسطى تريد إخراجنا من كهوفها؟
يبدو أنّه خانته العبارة فقط، هو أراد أن يقول: من أغوار القرون الوسطى: من غار حراء وغار ثور..
الأغوار التي نزل فيها النور الإلهي على محمد صلى الله عليه وسلم فعم به أرجاء الدنيا حتى ضجت الخفافيش من سطوعه.. يعجب المحمود من كيفية إخراج الأمة منه.. نعوذ بالله من هكذا بشر.
يقول: لقد استطاعت قوى التقليد والجمود أن تحاصر التنوير في جيوب ضيقة، بحيث لا يؤثر في مسيرة المجتمع، ولا يفعل في وعي الجماهير؛ فيبقى مخلصاً لمقولاتها، وخاضعاً لرموزها وزعاماتها؛ عبر إخضاعه لجملة من المؤثرات التي تضمن تدجينه واستئناسه في حظائرها. ولتحقيق ذلك؛ قامت باللعب على أوتار المقدس؛ لتصبح الحرب (الجدل الفكري) حرباً مقدسة، يخوضها سدنة التقليد، ومن ورائهم مسلوبو الإرادة من الجماهير الغائبة والمغيبة، لمواجهة خطاب التنوير وأعلامه.
أقول: في الحقيقة أخطأت الأمة كثيراً حين تركت أعلام التنوير من العلم الهمام (المحمود) وذهبت تقلد في جمود وغيبة فكر لمجموعة من الزعامات التقليدية..
وأقول أيضاً: لن أعلق على مثل هذا الكلام إلا بقوله تعالى لأسلاف المحمود: {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119].
يقول البيك: (كل هذا مؤشر إلى أن هناك علاقة بين صعود خطاب التقليد والمحافظة، وبين تراجع التعليم والثقافة عن مكانتهما كقيمة في السياق الاجتماعي العام. هل كان يمكن- لو كان هناك تعليم نوعي، وسياسة ثقافية تدعم التنوير وقيم الانفتاح- أن تصل مبيعات الكتب التي تتحدث عن الحجاب، وعن تفسير الأحلام، وإخراج الجان، وكرامات الأولياء... إلخ إلى أرقام مليونية، وفي المقابل لا تصل مبيعات كتب الفكر الجاد حدود الآلاف، وأحياناً دون حدود الألف الواحد).
أقول: انظر إلى الحسد.. مع أني لا أدعم هذه النوعيات من الكتب كثيراً- إلا الكتب عن الحجاب- إلا أني أتعجب من هذا الكذب المتعمد: يريد أن يصور الأمة والجماهير بأنها لا تسعى إلا للخرافة، ثم إني أتعجب كيف حشر الحجاب مع إخراج الجان وتفسير الأحلام؟ هل هو عنده خرافة؟ يبدو كذلك.
ومع هذا نقول: إن الأفاك تغاضى عن كتب مفكرين جادين حقاً من الإسلاميين رغم ما فيها من ملاحظات ونواقص ومؤاخذات إلا أننا وإياها في خندق واحد ضد دعاة الظلام وأبواق الغرب- هؤلاء وصلت مبيعات كتبهم أرقاماً فلكية مع أنها حوت روائع الفكر الإسلامي مؤصلة ومفصلة وفيها الفكر المستقيم الذي يعتمد على الكتاب والسنة والتصور الإسلامي..
ثم إن تعجب فعجب وصفه لما يكتبه الأفاكون والدجاجلة من أمثاله بالجدية فضلاً عن كونها فكراً..
الفكر فكران: فكر صحيح يعتمد على قضايا يقينية أو ظنية غالبة معلومة ليصل من خلالها إلى مجهول يقيني أو ظني غالب، وفكر آخر يعتمد على التخيل والكذب وبناء النتائج الكاذبة على المقدمات الكاذبة الخاطئة..
وهذا الأخير هو الذي يصفه المحمود بالجدية ويتأسف من رفض الأمة له!
يا سبحان الله، هل يُلام الإنسان إذا تقيّأ الطعام الفاسد؟ أو هل يُلام إذا رفض ما يتعارض مع طبيعة خلقته؟
وهؤلاء الظلاميون يقدون للأمة ما يتعارض مع طبيعتها وفطرتها ودينها الذي آمنت به ثم يعجبون من رفض الناس لهم.. تباً لهذا الغباء!
يقول: (ولو نظرنا إلى الكتب أو الكتيبات التي تعنون ب(فلان في ميزان الإسلام) لوجدنا هذا الفلاني في الغالب من أعلام التنوير. ومعنى هذا أن الذي يحاكم هذا العلم التنويري، إنما هو شخص يدعي أنه الممثل الشرعي للإسلام، وأن الموضوع في الميزان شخص متهم في دينه. وليس هذا التصنيف من نوع كتب العقاد- مثلاً- كهتلر في الميزان؛ لأن الميزان هنا مطلق، يترك فرصة للجدل العقلي، ولتنوع الرؤى. بينما (ميزان الإسلام) محدد بالإضافة. فليس مجرد محاكمة فكرية، وإنما محكمة تفتيش، باسم الإسلام).
أقول: أحيل هذه الفقرة بمذكرة إدارية لأخينا الشيخ سليمان الخراشي باعتباره أحد الذين وزنوا بعض رواد الظلاميين (المستنيرين).
يقول: (ومما زاد من ضراوة المواجهة بين التيار التقليدي وبين الأطروحة التنويرية برموزها الفكرية والعملية، أن السنوات الأخيرة بدأت تأخذ المجتمع في اتجاه الانفتاح النسبي. وهذا من شأنه أن يعزز مقولات التنوير، ويدعم مواقع أصحابها، ويظهرها وكأنها خيار المستقبل، خاصة وأن المجتمع قد جرّب الانقياد التام للخطاب التقليدي؛ فوجد أنهم- دائماً- في صف التقهقر والارتياب بالحضاري، أي أنه- بعد التجربة الواقعية- وجد أنه خطاب فاشل؛ بدليل أن الخطوات الإيجابية في المجتمع، قد تم القيام بها رغماً عنه، أو- على الأقل- بعيداً عن مبادرته ومباركته. وبهذا أدرك مجتمعنا أن الخطاب التقليدي الذي طالما تماهى معه، أنه أحد أسباب التخلف التاريخي، وأحد أسباب استمراريته؛ حتى وإن عزّ عليه الاعتراف صراحة بهذه الحقيقة المؤلمة).
أقول: الظاهر أن السيد المفكر المحمود تحول إلى (نكت جي) يعني بياع نكت أو أخصائي نكت..
الرجل يستدل بما يُفرض على المتدينين بالإسلام من قبل سلطات الدول دليلاً على أنه خطاب فاشل!
بالله عليكم يا كل العقلاء: هل هذا منطق شخص عاقل فضلاً عن مفكر (جلمود) علم من أعلام التنوير!
وأنا أقول: فإذا كان ما يفرضه المتسلطون والمتنفذون على الأمة من خطوات إفسادية (يسميها إيجابية) دليلاً على فشل الخطاب الإسلامي فإن لفظ الأمة لكم وبصقها على أطروحاتكم وإعراضها عنكم دليلاً أكبر وأكثر قطعية على أن الخطاب التنويري المزعوم خطاب فاشل.. وإلا فأين هي نتائجه أو على الأقل أهدافه التي تحققت!
الجواب: لا شيء إلا الغنا والخنا والتفسخ ومزيداً من التنظير للعربدة تحت شعار الحرية..
يا مستر محمود: قدوتنا وإمامنا (رغم أنفك) محمد صلى الله عليه وسلم علمنا أن العبرة بالعاقبة والمآل لا بالواقع والحال، قال تعالى: {الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ } [البقرة:214]..
المؤمن قرير العين بنصر الله وحسن العاقبة.. لا يهزه النصر ويطغيه.. ولا يحبطه الابتلاء ويثنيه لأنه يعلم أنه محن وتصفية وتربية وامتحان للمنافقين والمندسين في الصفوف كأمثال سعادتكم لا كثر الله أمثالكم، ألم تسمع قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ{166} وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} [آل عمران 166: 167].
يقول: (الجماهير بحكم العلاقة التاريخية، عواطفها مع الخطاب التقليدي، وتتمنى لو كانت النجاة على يديه. ولكنها في الوقت نفسه تدرك- أو بدأت تخطو خطواتها الأولى في سبيل ذلك- أن الخطاب التقليدي لدينا، لا يمتلك أي مقوم من مقومات الحضارة، وفاقد الشيء لا يعطيه. بل على العكس من ذلك، بدأت تتضح الصورة بتفاصيلها المؤلمة، حيث تؤكد في مجملها، أن هذا الخطاب ينطوي على نفور شديد من العلم (العلم الحقيقي، وليست التراثيات الجاهزة التي يتم اجترارها).
أقول: في هذه الفقرة ألمس معاناة المحمود من طعم المرارة، ومن وطأة الشعور بالفشل.
إن الفشل في ذاته أمر مريع.. ويصيب الفاشل بالإحباط.. فكيف إذا كان المصاب نرجسياً مغروراً؟!
لذا بدأ يهذي بما يضحك عليه العقلاء، فهو يقول: إن الخطاب التقليدي- يعني به الخطاب الإيماني الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر- لا يملك أي مقوم من مقومات الحضارة، وأنه ينفر نفوراً شديداً من العلم الدنيوي، وهذا من أكبر الكذب، فلعنة الله على الكاذبين!
يا رجل!
يا هذا!
هب أنّه لا دين يردعك عن الكذب!
وهب أنه لا حياء عنه يمنعك!
ولا عقل يحكمك!
أما لك ولي عن السفه يمنعك ويحوطك عن رفقة السوء!
وهل تعرف أنت شيئاً عن مقومات الحضارة؟!
بل هل تدري ما الحضارة أصلاً قبل أن نسألك عن مقوماتها؟
الحضارة عرفها الوعي الديني السلفي قبل أن تسمع بها أنت ولا قومك.
نعم إن كنت تقصد بالحضارة تلك التي خصبت النواة وأبادت بها البشر فنحن نحمد الله أننا لا نملك مقوماتها.
أو كنت تقصد تلك التي أقامها أسيادك في العراق فكذلك.
أو كنت تقصد بها الحضارة التي شيدت بها ألمانيا في كأس العالم آلاف المواخير وأكواخ الدعارة فكذلك.
أو كنت تقصد بها حضارة الحرية التي تسمح بالمسافدة في الطرقات فكذلك.
كل هذه وأشباهها حضارة لا نعرفها ولا نريدها..
أما إذا قصدت بالحضارة منظومة الأخلاق والمعاملات والسلوك والفكر والأخذ بأسباب الرقي الدنيوي المباح فلا تستيطع أنت ولا ألوف مثلك أن يثبتوا دعوى نفور الوعي السلفي منها..
تلفت حولك يا رقيع وانظر من قادة الشركات الكبرى ومدراؤها ومشغلوها إلا أصحاب التقوى والخطاب الديني..
تلفت حولك وانظر من هم أساتذة الجامعات وقادة الإصلاح الاجتماعي والفكري إلا أصحاب الوعي السلفي..
وهذا يجعلني ألفت النظر إلى خديعة يخدع بها التنويريون أنفسهم وغيرهم وهي أنّ أتباعهم هم النخبة وأتباع الخطاب الديني هم الجماهير وهذا هراء في الحقيقة، بل النخب بكل أطيافها إلا من شذ من الحمقى والمستغفلين- هم رواد أتباع الخطاب الديني.. والجماهير (الأمة) إنما تتبع هؤلاء النخب.. فالحقيقة أنّ الفكر الظلامي مدحور مقهور فاشل على كل الأصعدة وبأكثر من وجه..
يقول أخيراً: (هذا التزحزح الجماهيري الذي بدأ يظهر في السنوات الأخيرة لدينا، لم يجعل الخطاب التقليدي يراجع نفسه، أو يحاول التخفيف من إيغاله في التصدي لخطاب التنوير. ما حدث من هذا الخطاب التقليدي في هذه الفترة، لا يمكن تفسيره إلا بالإحالة على سيكولوجية الإنسان المذعور؛ حيث زاد اضطرابه، وتشبثه بمقولاته، وترويجه التهم الجاهزة، لهذا التنوير الذي بدا- في تصور الخطاب التقليدي- وكأن الزمن يسير لصالحه).
أقول: بل العكس هو الصحيح، فإنّ شعور الحركات والتيارات المُستعمرة فكرياً والموظفة إستعمارياً وفي مقدمتها دعوة المستنيرين (الظلاميين) بالهزيمة وفقدان المقاعد واحداً تلو الآخر وسحب البسط من تحت أقدامهم واحداً بعد آخر جعل خطابهم العمومي المائع اللامز أكثر صراحة في السب والشتم لله ورسوله ودينه وشريعته..
انظر للناتج الإعلامي الموجّه تجده كذلك.
واقرأ في صحافتهم تجدها كذلك.. ومقال المحمود مثال صارخ، وإلا هل كان المحمود يحتاج لأن يسمي دين الله وشريعته التي سطرها الأئمة في كتبهم (التراثيات الجاهزة التي يتم اجترارها) ..
لماذا بدأ هؤلاء بالتصريح بعد التلميح ولماذا أصبحوا أكثر بجاحة وكلاحة.. بعض الناس يحسب أن هذا نتيجة قوة ودعم ونفوذ وهذا غير صحيح..
بل الصحيح أنها انتفاضة الذبيح..
ومقاومة يائسة في آخر رمق ولكن هيهات..
لقد ذُبح المشروع التغريبي من الوريد إلى الوريد.. بأيدي إسلامية وعربية بالذات.. امتدت من المحيط إلى المحيط.. ذبحاً إسلامياً على الكتاب والسنة..
ذبحته أصوات الناخبين التي أسكتت أصوات الناعقين على الخراب .. الذين لا يحسنون إلا الكلام ودعاوى عريضة بامتلاكهم وحدهم المشروع الحضاري المنقذ ومنهم هذا الأفاك الذي نتناول مقاله ..
ذبحته طلقات المجاهدين التي أثبتت أنه في أحلك الأوقات وأصعب الظروف لن تجد الأمة من يمد لها يد العون ويفديها بروحه وماله إلا الخطاب الديني والوعي السلفي.
ذبحته لحية طويلة وثوب قصير وقلب سليم وخلق رفيع وسلوك قويم وعفة وطهارة .. وهي مقومات الحضارة التي ننشدها وينشدها كل فِطري لم يتلوث بزبالة فكر الاستنارة والمستنيرين ..
قال: (يُتبع).
أقول: وسنتبع إن شاء الله.
خاتمة:
اللهم إن هؤلاء آذونا في أحبّ أنبيائك.. وأفضل كتبك.. وأحسن شرائعك.. وأصلح أوليائك.. وقد قامت عليهم حجتك.. فاللهم أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً.. آمين .
أحمد الزهراني
المصدر: منقول
- التصنيف:
هاجس
منذ