لا تحزن - أقوالُ الحكماءِ في الصَّبْرِ

منذ 2014-05-26

قال بعضُ الحكماءِ: عواقبُ الأمورِ تتشابهُ في الغيوب، فرُبَّ محبوبٍ في مكروهٍ، ومكروهٍ في محبوبٍ، وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه، ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه.

  • أقوالُ الحكماءِ في الصَّبْرِ: يُحكى عنْ أنوشروان أنهُ قال: جميعُ المكارِهِ في الدنيا تنقسمُ على ضربين: فضربٌ فيه حِيلةٌ، فالاضطرابُ دواؤه، وضربٌ لا حيلة فيه، فالاصطبارُ شفاؤُهُ.

    كان بعضُ الحكماءِ يقولُ: الحِيلةُ فيما لا حيلة فيه، الصبرُ.
    وكان يقالُ: منِ اتَّبع الصبر، اتَّبعَهُ النصرُ.
    ومن الأمثالِ السائرة، الصبرُ مفتاحُ الفَرَجِ منْ صَبَرَ قَدَرَ، ثمرةُ الصبرِ الظَّفرُ، عند اشتدادِ البلاءِ يأتي الرَّخاءُ.

    وكان يقالُ: خفِ المضارَّ منْ خللِ المسارِّ، وارجُ النفْع منْ موضعِ المنْعِ، واحرصْ على الحياةِ بطلبِ الموتِ، فكمْ منْ بقاءٍ سببُه استدعاءُ الفناءِ، ومنْ فناءٍ سببُه البقاءِ، وأكثرُ ما يأتي الأمنُ منْ قِبل الفزعِ.
    والعربُ تقولُ: إنَّ في الشرَّ خِياراً.

    قال الأصمعيَّ: معناهُ: أنَّ بعض الشَّرِّ أهونُ منْ بعْضٍ.
    وقال أبو عبيدة: معناهُ: إذا أصابتْك مصيبةٌ، فاعلمْ أنهُ قدْ يكونُ أجلُّ منها، فلتهُنْ عليك مصيبتُك.
    قال بعضُ الحكماءِ: عواقبُ الأمورِ تتشابهُ في الغيوب، فرُبَّ محبوبٍ في مكروهٍ، ومكروهٍ في محبوبٍ، وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه، ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه.
    وكان يُقالُ: رُبَّ خيرٍ منْ شرٍّ، ونفعٍ منْ ضرٍّ.
    وقال وداعةُ السهميُّ، في كلامٍ له: اصبرْ على الشَّرِّ إنْ قَدَحَك، فربَّما أجْلى عما يُفرحُك، وتحت الرَّغوةِ اللبنُ الصَّريحُ.

    يأتي اللهُ بالفرحِ عند انقطاعِ الأملِ:
    {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا}، {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.
    يقولُ بعضُ الكُتّابِ: وكما أنَّ الله – جلَّ وعلا – يأتي بالمحبوبِ من الوجهِ الذي قدَّرّ ورودّ المكروهِ منه، ويفتحُ بفرج عند انقطاعِ الأملِ، واستبهامِ وجوهِ الحِيل، ليحُضَّ سائر خلْقه بما يريدهم من تمام قدرته، على صرف الرجاء إليهِ، وإخلاصِ آمالِهم في التَّوكُّلِ عليه، وأنْ لا يَزْوُوا وجوههُم في وقتٍ من الأوقاتِ عنْ توقُّعِ الرَّوْحِ منه، فلا يعدلُوا بآمالِهم على أيِّ حالٍ من الحالاتِ، عنِ انتظارِ فرجٍ يصدُر عنه، وكذلك أيضاً يسرُّهم فيما ساءهم، بأنْ كفاهم بمحنةٍ يسيرةٍ، ما هو أعظمُ منها، وافتداهُمْ بمُلِمَّةٍ سهلةٍ، ممَّ كان أنكى فيهمْ لو لحِقهُمْ.

لعلَّ عتْبك محمودٌ عواقبُهُ *** فربَّما صحَّتِ الأجسامُ بالعِللِ

قال إسحاقُ العابدُ: ربما امتحنَ اللهُ العبْدَ بمحنةٍ يخلِّصُه بها من الهلكةِ، فتكون تلك المحنةُ أجلَّ نعمةٍ.
يقالُ: إنَّ منِ احتمل المحنة، ورضي بتدبيرِ اللهِ تعالى في النكْبةِ، وصبر على الشِّدَّةِ، كشف له عنْ منفعتِها، حتى يقف على المستورِ عنه منْ مصلحتِها.

حُكي عن بعضِ النصارى أنَّ بعض الأنبياءِ عليهمُ السلامُ قال: المِحنُ تأديبٌ من اللهِ، والأدبُ لا يدومُ، فطوبى لمنْ تصبَّر على التأديبِ، وتثبَّت عند المحنةِ، فيجبُ له لُبسُ إكليِلِ الغَلَبَةِ، وتاجِ الفلاحِ، الذي وعَدَ اللهُ به مُحِبِّيه، وأهلِ طاعتِهِ.

قال إسحاقُ: احذرِ الضَّجَرَ، إذا أصابتْك أسِنَّةُ المحنِ، وأعراضُ الفِتنِ، فإنَّ الطريق المؤدِّي إلى النجاةِ صعْبُ المسْلكِ.
قال بزرجمهرُ: انتظارُ الفَرَجِ بالصبرِ، يُعقبُ الاغتباط.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 6,619
المقال السابق
كيف كانُوا يعيشُ
المقال التالي
حُسْنُ الظَّنِّ باللهِ لا يخيبُ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً