أزمة القمح.. هل تعني قُدُوم ثَوْرة الجِيَاع؟
منذ 2008-06-15
ويضيف الخُبراء أنَّ الأزمات المُتَكَرِّرة تتطلَّب وجود خبراء في التَّغذية والاقتصاد الزراعي داخل الحكومات العربيَّة؛ من أجل إيجاد بدائل لازمة بصفة مستمرَّة.
أزمة حقيقيَّة تعيشُها العديد مِنَ الشُّعوب العربيَّة بعد أنِ ارتفعتْ أسعار القَمْح لمستويات غير مسبوقة، وبصورة باتت تهدِّد أمْن واستقرار الدول، ففي ظلِّ عدم توافر رغيف الخبز المعتمد في إنتاجه على القمح، يلجأ البعض لإثارة الشَّغب؛ من أجل دَفْع الحكومات لتوفير رغيف الخبز، وبأسعار تتناسب مع دخول الفئات العريضة من الشَّعب، الأمرُ الذي يوقع بعض الحكومات في حرجٍ شديدٍ، ليس لأنَّها لا تملك ثمن شراء القمح؛ ولكن لأنَّه غير موجود منَ الأساس، وهذا بمثابة جرس إنذار لغالبية الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة، بألاَّ تعتمد في حصولها على القمح على الخارج، خاصَّة وأنَّنا نعلم أنَّه غالبًا ما يتمُّ استخدام ذلك في تمرير قرارات هي في الغالب في غير صالح الشُّعوب والحُكُومات العربيَّة والإسلاميَّة، مما يحتِّم علينا أن نبدأ منَ الآن في وَضْع إستراتيجيَّة عربيَّة موحَّدة للاكتفاء الذَّاتي من القمح خلال الأعوام القليلة الماضية.
ارتفاعات قياسيَّة:
حسب منظَّمة الأغذية والزِّراعة التَّابعة للأُمم المتَّحِدة: أسعار القمح ارتفعت في جميع أنحاء العالم إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عشرة أعوام، وباتَ المُستهلك الضَّحيَّة الأولى لتحمُّل هذه التَّكاليف بعد ارتفاع سعر الدَّقيق بنسبة تراوحتْ بين 30 و40 %؛ لكن مُفارقة الأرقام والارتفاعات تأتي منَ العالم العربي الذي يبلغ إجْمالي المساحة الصَّالحة للزِّراعة في دولِهِ مائة وثمانية وتسعون مليون هكتار، ومع ذلك فهي تُعانِي أزْمة حادَّة في إنتاج القمح بعد أن بلغ استهلاكها مليار رغيف مِنَ الخُبز يوميًّا، وبالرَّغم منْ أنَّ الإنتاج المحليَّ في الوطن العربي من محاصيل الحُبُوب يغطي 50 % من احتياجاته الغِذائيَّة إلاَّ أنَّ حُمَّى الاستيراد باتت تتنقل بين دولة وأخرى.
وأكبر الدَّلائل تسارُع إيقاع واردات القمح إلى منطقة شمال إفريقيا، حيث لجأ المغرب إلى السُّوق بعد سنوات جفاف ينتظر أن يغذِّي مزيدًا منَ المُشتريات، فالمغرب يَحتاج إلى ثلاثة ملايين طن منَ القَمْح بعد أن تَهَاوَى إنتاجه منَ الحبوب مِن تسعة ملايين طِن العام الماضي إلى مليونين ومائة ألف طن هذا العام، ولم تبتعد الجزائر عنِ الحاجة العامَّة إذْ تحتاج إلى استيراد أكثر من خمسة ملايين طن منَ القمح، كما رفعت تونُس حجم وارداتها منَ القمح إلى ستمائة ألف طن، واستغلَّت مصر ضعف الدُّولار للقيام بعمليَّة شراء كبيرةٍ لثلاثمائة وخَمسة وعشرين ألف طن منَ القَمْح الأمريكي والرُّوسي، وألغت سوريا عقود تصدير يصل حجْمُها إلى نحو أربعمائة ألف طن؛ بسبب ضعف المحصول في العالم العربي الذي يموت فيه مليون طفل سنويًّا - نتيجة لسوء التَّغذية - والذي يعيش حالة انكشاف غِذائي خطير، بعد أن باتتْ تستورد ما قيمته ثمانية وثلاثين مليار دولار سنويًّا؛ كفاتورة ما يمثل 10 % من كل ما يدخل في سوق التِّجارة العالميَّة في مقابل وصف البعض للسُّودان وحده بأنَّه سلَّة خبز العالم.
أسباب الأزمة:
وترجع الارتفاعات المَلْحُوظة في أسعار القَمْح إلى أسبابٍ عَدِيدة، منها: دخول عدد منَ الدول الآسيويَّة، التي حقَّقتِ الاكتفاء الذَّاتي منَ القمح لسنوات عدَّة، كمشترين جدد في أسواق القمح العالميَّة، وهي دول ذات كثافة سُكَّانيَّة عالية، مثل: الهند، باكستان، بنجلاديش، والصين، وينتظر أن تستورد السعوديَّة 3.4 ملايين طن بحلول عام 2016، وهذا يجعلها ضمن أكبر 15 دولة مُستورِدة للغِلال.
ويضيف آخرون أنَّ الخلل في إنتاج القمح بالمنطقة يرجع إلى أنَّ المنطقة العربيَّة بشكل عام تقع في منطقة جافَّة أو شبه جافَّة؛ حيث إنَّ العالم العربي يشكل حوالي 10 % من مساحة اليابسة في العالم، وما يصله من أمطار لا يتجاوز 2% - يعني المياه. والعالم العربي يعيش كله تحت خط الفَقر بالنِّسبة للمياه، والزِّراعة بدون مياه لا شيء، وبالتَّالي المُعدَّل السَّنويِّ للفرد في العالم الغربي أوِ العالم كله حوالي 7500 متر مكعب في السَّنة بينما في الوطن العربي لا يزيد عن ألف متر مكعب، وفي بعض الدول العربيَّة ينزل هذا المُعدَّل إلى حوالي 145 متر مكعب في السنة، ومنها بلد الأردن وتونس وبعض الدول العربيَّة التي لا يوجد فيها أمطار غزيرة ولا يوجد فيها أنْهار.
إلاَّ أنَّ تلك الرُّؤية يختلف معها بعض الخبراء، الذين يرون أنَّ دولاً عربيَّة عديدة لا تعتمد على الأمطار، ومن ثمَّ فإنَّ التَّعويل على شحِّ المياه أمرٌ غير مبرر، فمصر على سبيل المثال لا تعتمد على الأمطار إطلاقًا، مما يعني أنَّ القضيَّة في الأساس قضيَّة اختيار سياسي، اختيار إنتاج بعض المحاصيل، وهي في نفس الوقت تكون محاصيل مُرْبِحة للمُزارعين؛ ليتم تصديرها للخارج مثل: الخضر، والفاكهة، وبعض المحاصيل الأخرى مثل: البطاطس، والأرز، تصدر للخارج، ثمَّ يستورد القمح منَ الخارج.
القضيَّة هنا قضيَّة اختيار سياسي في المحل الأوَّل، وبالتَّالي يصبح هناك مأزق شديد في هذه البلدان إذا ما زادت، إذا ما كانت الزيادة النِّسبيَّة في أسعار القمح أعلى من الزِّيادة في أسعار بقيَّة السِّلع، أو إذا حدث انخفاض في أسعار السِّلع التي تخصص.
ويعني ذلك أنَّ القضيَّة سياسيَّة في الأساس أكثر منها اقتصاديَّة، حيث إنَّ السُّودان لديه من الموارد الأرضيَّة والمائيَّة ما يكفي بالفعل ليس فقط لحاجة السودان؛ ولكن للعالم العربي كله، وبالتَّالي تصبح قضيَّة عدم الاستقرار السياسي، والتي يمر بها السُّودان طوال العقود الماضية هي جزء رئيسي مِنَ المأزق السُّوداني ثمَّ المأزق العربي فيما يتعلَّق بالاكتفاء الذَّاتي، وبالتَّالي فالتَّعميم خطير جدًّا للغاية، ويعفي السياسة العربيَّة من أي مسؤوليَّة، بينما هي في الغالب وخاصَّة في البلدان الكبيرة هي المسؤولة، وليس العكس.
اقتراحات وحلول:
هناك العديد منَ الاقتراحات الخاصَّة بحل مشكلة الخبز في الوطن العربي، في مقدِّمة تلك الحلول اللُّجوء إلى دولة في العالم العربي هي الدَّولة الوحيدة في الحقيقة التي تتوافر لها كافَّة الموارد وهي السودان؛ بحيث يتمُّ زراعة مئات الآلاف أو ملايين الهكتارات بالقمح؛ ليكفي كافَّة المواطنين العرب؛ لكن هناك عقبتين رئيسيتين أمام ذلك:
الأولى: هي وَضْع السُّودان من حيثُ عدم الاستقرار الدَّاخلي والحرب الأهليَّة التي طالت فيه لعقود.
ثم السبب الثاني: ربَّما يكون في تحسس الدول العربيَّة منِ اعتمادها كافَّة على دولةٍ واحدةٍ هي السودان، وبالتَّالي إذا كانتْ هذه البُلدان أحجمت في الحقيقةِ عنِ الدَّفع تجاه إستراتيجيَّة عربيَّة زراعيَّة مُشترَكة تهدف إلى زِراعة أراضي السُّودان بالقمح، والحُصُول على هذا المَحْصُول منها بدلاً مِن استيراده من دول أخرى قد تضغط بهذه السِّلعة الإستراتيجيَّة.
ويضيف الخُبراء أنَّ الأزمات المُتَكَرِّرة تتطلَّب وجود خبراء في التَّغذية والاقتصاد الزراعي داخل الحكومات العربيَّة؛ من أجل إيجاد بدائل لازمة بصفة مستمرَّة.
فمن جانبه أوضح الدكتور/ إمام الجمسي - خبير الاقتصاد الزِّراعي - أنَّ أزمة القمح الحالية ترجع إلى قرارات سابقة، وعدم وجود سياسة واضحة للتَّعامل مع المحصول، وطالَبَ بوجود سعر ضمان يتم الإعلان عنه وقت زراعة المحصول، وانتقد ربط القمح بالأسعار العالميَّة، وقال: إنَّ الاقتصاد ليس به سعر عالمي، وإنَّما هي أسعار بورصات، وأضاف أنَّ سوق القمح العالميَّة احتكاري، تتحكَّم فيه مجموعة دوليَّة، وهناك 10 دول تقوم بتصدير 87 % منَ القمح في السوق العالميَّة، مؤكدًا على ضرورة وجود سياسة زراعيَّة تعترف بالمحاصيل الإستراتيجيَّة وفي مقدمتها القمح كمحصول يتعلَّق بالأمن القومي.
فيما يرى الدكتور/ محمود منصور - أستاذ الاقتصاد الزِّراعي، والخبير التَّنموي - أنَّ التَّعاونيَّات الزِّراعيَّة قد تكون كلمة السِّر لمواجهة التجار، وأنَّ الحكومات عليها إعادة دور الجمعيَّات التَّعاونيَّة في التَّسويق والشِّراء، مشيرًا إلى ضرورة الالتفات إلى أهمِّيَّة القضاء على الفساد الذي قد يُصاحِب عمليَّات تسليم القمح، وضرورة التَّساهل في عمليَّات احتساب درجات النِّقاوة، والتي لا يستطيع تنفيذها الفَلاَّح البسيط وصغار المزارعين، وطالَبَ بضرورة التَّوسُّع في منح السُّلَف للفَلاَّحين، وخاصَّة مُزَارِعي القمح.
سلاح القمح:
في الواقع تمثل أزمة القمح مُشكلة كبيرة للعديد منَ الأنظمة العربيَّة والإسلاميَّة، فكما هو معروف يمكن أن تصبر الشُّعوب على الظُّلم والاستبداد؛ ولكنَّها لا تستطيع أن تصبر على الجوع، وكلنا يذكر ثورة الجياع التي حدثت في الماضي، وكيف أنَّها دفعت الحكومات لمراجعة سياساتها، باعتبار أنَّ استمرار أزمة القمح أو ما يعرف بأزمة الخبز، قد تدفع الشُّعوب للثَّورة على الحكومات، ومن ثَمَّ تهديد أمن واستقرار الدول.
وهذا ما تريده الدول الكبرى التي تسعى للهيمنة والسَّيطرة على مقدرات العالم الثالث، ومن ثَمَّ فَهِي تسعى لعَرْقَلَة وجود إنتاج وفير منَ الخبز؛ من أجل أن تظل الدول العربيَّة على الدَّوام تحت رحمتها، ومن ثَمَّ تملي علينا ما تشاء من شروط خاصَّة باستنزاف ثرواتنا ودفعنا لاتِّخاذ مواقف بعيدة كل البُعد عَنْ مصالحنا الخاصَّة، وذلك من منطلق أن من لا يملك قوته لا يملك رأيه.
لذلك كله يتعيَّن على الحكومات العربيَّة مُجْتَمعة أن تعمل جاهدةً؛ من أجل توفير الاكتفاء الذَّاتي منَ القمح، وألاَّ تعتمد في ذلك على الدول الكبرى، باعتبار أنَّ تلك الدول لا تريد لنا خيرًا؛ بل إنَّها قد تكون سببًا رئيسيًّا في اشتعال تلك الأزمة، ليس هذا فحسب؛ بل وتستخدمها من أجل الإضرار بنا، سواء عن طريق توريد كمِّيَّات مصابة بأمراض مستعصية؛ كالقمح المُسَرطن وخلافه، أو عن طريق حَجْب ذلك عنَّا، مثلما كانت تفعل الولايات المتَّحدة في الماضي، عندما كانت تقوم بإلقاء كمِّيَّات كبيرة من القمح بدلاً من بيعها، من أجل رفع الأسعار العالميَّة للقمح والتَّحكُّم في قرارات وسياسات الدول الأخرى في هذا الشَّأن!!
منقول عن الكاتب احمد الشيمي موقع الألوكة الاسلامي
المصدر: موقع الألوكة
- التصنيف: